أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-3-2022
1921
التاريخ: 2-1-2022
1858
التاريخ: 25-7-2016
1926
التاريخ: 2024-09-18
148
|
ليس ثمة رجل عاقل يشرع في بناء منزل دون أن يكون لديه مخطط من نوع ما، ولكن لماذا يبدأ في إلقاء كلمة دون أن تكون لديه أدنى فكرة عما يرغب إنجازه؟
الكلمة رحلة ذات غرض، ولابد من تخطيط لها؛ فالرجل الذي يبدأ من لا مكان يصل عادة الى اللامكان.
أتمنى لو كان باستطاعتي رسم مقولة نابليون هذه بحروف حمراء براقة بارتفاع قدم على كل باب في المعمورة، حيث يصادفها جميع طلاب الخطابة الفعالة: (فن الحرب علم لا ينجح فيه شيء ما لم يتم حسابه، ودراسته).
هذه المقولة تصدق تماماً على الحديث مثلما تصدق على إطلاق النار، ولكن أيدرك المتحدثون هذا، أو إذا ما كانوا يدركونه، هل يتصرفون دائماً بناء عليه؟ إنهم لا يفعلون. وكثير من الكلمات بها من التخطيط، والترتيب ما يزيد بقدر ضئيل عما بسلطانية اليخنة الأيرلندي.
ما هو الترتيب الأفضل، والأكثر فاعلية لمجموعة معينة من الأفكار؟ لا يمكن لأحد القول حتى يدرسها؛ فهو دائماً مشكلة جديدة، سؤال أبدي لابد لكل متحدث أن يسأله لنفسه، ويجيب عليه مرارً وتكراراً، ولا يمكن أن نعطيك قواعد مؤكدة النجاح، ولكن يمكننا – على أية حال – الإشارة الى الثلاث مراحل الرئيسية للكلمة الطويلة التي تحث على الفعل: خطوة الانتباه، والمتن، الخاتمة، ولدينا لكل واحدة من هذه المراحل بعض الطرق المجربّة لتطويرها.
أولاً: اجذب الانتباه فوراً
ذات مرة سألت الدكتور لين هارولد هاف رئيس جامعة نورثويسترن سابقاً – عن أهم حقيقة علمته إياها خبرته الطويلة كمتحدث. فكر ملياً للحظة، ثم أجابني قائلاً: (أن تتوصل الى افتتاحية جذابة، شيء يستحوذ على الانتباه فوراً) لقد أصاب الدكتور هاف قلب مادة أحاديث الترغيب، وهو: كيف جعل الجمهور (متقبلاً) من أولى كلمات المتحدث، وإليك بعض الطرق التي إذا ما طبقتها، سوف تكون قيمة عالية لجذب الانتباه على عباراتك الافتتاحية.
ابدأ بمثال لحدث
لويل توماس الرجل الذي حقق سمعة غالبة كمحلل إخباري ومحاضر ومنتج سينمائي، بدأ كلمة عن لورانس العرب بهذه المقولة.
كنت سائراً في شارع كريستيان ستريت بالقدس ذات يوم، عندما قابلت رجلاً عليه الحُلل البهية التي يرتديها حكام الشرق، والى جانبه يتدلى سيف ذهبي معقوف لا يرتديه إلا نسل النبي محمد.
ثم مضى ليروي قصة من تجربته الخاصة، هذا هو ما يجذب الانتباه، وهذا النوع من الافتتاحيات مضمون النجاح تقريباً، فهو نادر ما يفشل، وهو يتحرك، ويسير، ونحن معه؛ لأننا نعتبر أنفسنا جزء من موقف ونريد معرفة ما سيحدث. وأنا لا أعرف طريقة لافتتاح كلمة أكثر جاذبية من افتتاحها باستخدام قصة.
إحدى كلماتي التي ألقيتها مرات عديدة تبدأ بهذه الكلمات:
بعدما أنهيت دراستي الجامعية كنت أتمشى ذات ليلة في أحد شوارع هورون، سوث داكوتا، فرأيت رجلاً واقفاً على صندوق يتحدث الى حشد من الناس، أثارني الفضول فانضممت الى الجمهرة التي تستمع اليه، كان المتحدث يقول (هل تعلمون أنكم لا ترون أبداً رجلاً هندياً أصلع؟ أو امرأة هندية صلعاء؟ والآن سأخبركم عن السبب...؟.
لا تأخير، لا عبارات (للتسخين"، فبالإنطلاق المباشر الى الحديث، تسهل عملية جذب اهتمام الجمهور.
المتحدث الذي يبدأ كلمته بقصة من تجربته يقف على أرض آمنة، حيث لا تلمس للكلمات، ولا ضياع للأفكار، فالتجربة التي يرويها تجربته، وهي إعادة لجزء من حياته من جديد، جوهر نسيج كيانه. والنتيجة؟ أسلوب واثق مُطمأن، يساعد المتحدث على تثبيت نفسه على أساس ودود مع الجمهور.
أثِر التشويق
إليك الطريقة التي بدأ بها السيد باول هيلي كلمة ألقاها في نادي بين أتليتيك كلوب في فيلاديلفيا:
منذ اثنين وثمانين عاما مضت نشر في لندن كتاب صغير، قصة كان مقدراً لها الخلود. أطلق كثير من الناس عليها (أعظم كتاب صغير في العالم). عندما ظهرت لأول مرة، كان الأصدقاء الذين يتقابلون في ستراند، أو في بال مول يتساءلون: (هل قرأتها؟) وكانت الإجابة التي لا تتغير: (نعم قرأتها، يباركه الرب).
في اليوم الذي نشرت فيه بيع منها ألف نسخة، وفي غضون أسبوعين بيع منها خمسة عشر الف نسخة، ومنذ ذلك الحين تم إعادة طبعها آلاف مؤلفة من المرات، وترجمت الى جميع لغات الأرض. منذ عدة سنوات مضت قام جيه بي مورجان بشراء المخطوطة الأصلية بمبلغ خرافي من المال، وهي تستقر الآن بين الكنوز التي لا تقدر بثمن في صالة فنية ضخمة، فما هو هذا الكتاب الشهير عالمياً؟ إنه...
هل أنت مهتم؟ هل تتوق الى معرفة المزيد؟ هل استحوذ المتحدث على انتباه جمهور؟ هل تشعر أن هذه الافتتاحية أسرت انتباهك، وزادت من اهتمامك مع النطق بكل كلمة فيها؟ لماذا؟ لأنها أثارت فضولك. وجعلتك تترقب الفضول! ومن ذا الذي لا ينابه الفضول؟
ربما أنت أيضا! تتساءل من يكون المؤلف، وما هو الكتاب المذكور آنفا؟ ها هي الإجابة كي تشبع فضولك: المؤلف هو تشارلز ديكنز، والكتاب هو (ترنيمة عيد الميلاد).
يعتبر إثارة التشويق طريقة مضمونة النجاح لجذب اهتمام مستمعيك. وإليك كيفية محاولتي لإثارة التشويق في محاضرتي (كيف تحيا حياة خالية من القلق) حيث أبدأ بهذه الطريقة: (في ربيع 1871 تناول شاب – كان سيصبح طبيباً ذو شهرة عالمية، وهو وليام أوسلر – كتاباً وقرأ إحدى وعشرين كلمة كانت ذات أثر راسخ على مستقبله.
فماذا كانت الإحدى وعشرين كلمة؟ وكيف أثرت على مستقبله؟ هذه هي الأسئلة التي يرغب مستمعوك في معرفة إجاباتها.
اذكر حقيقة مبهرة
بدأ كليفورد آر. آدمز – مدير خدمة استشارات الزواج التابع لجامعة بنسلفانيا – مقالاً له في مجلة ريدرز دايجست بعنوان (كيف تختار شريك حياتك) بهذه الحقائق المذهلة، حقائق تجعلك تشهق، حقائق تصنع افتتاحية مبهرة:
حقاً في يومنا هذا تضاءلت فرص شبابنا في الحصول على السعادة الزوجية، وزاد معدل الطلاق لدينا زيادة مخيفة. ففي 1940 كانت هناك زيجة واحدة تفشل من بين كل خمس أو ست زيجات. وبحلول عام 1946 من المتوقع إخفاق زيجة من بين كل أربع، وإذا ما استمرت الاتجاهات طويلة المدى، ففي غضون خمسين عاماً سيصل المعدل الى واحدة من بين كل اثنتين.
وإليك مثالين آخرين لافتتاحية (الحقائق المبهرة):
(تشير توقعات وزارة الحربية أنه في أول ليلة بعد اشتعال حرب ذرية، سيلقى عشرون مليون أمريكياً حتفهم).
(منذ سنوات مضت أنفقت صحف سكريبس – هاوارد 176000 دولار على دراسة لاكتشاف ما لا يعجب العملاء بشأن متاجر التجزئة. كانت الدراسة الأكثر تكلفة، اعتمادا على العلم، والأكثر دقة بين كل الدراسات التي أكدت مطلقاً عن مشكلات البيع بالتجزئة، تم إرسال استبيانات الى 54047 منزل، في ست عشرة مدينة مختلفة. كان أحد الأسئلة التي ضمها الاستبيان: (ما هي الأشياء التي لا تعجبك بشأن المتاجر في هذه المدينة؟).
(نسبة تقارب العشرين بالمائة من الإجابات الواردة على هذا السؤال جاءت متماثلة، وهي: فظاظة البائعين!)
هذه الطريقة للإدلاء بعبارة مذهلة في بداية الكلمة فعالة في إيجاد التواصل مع المستمع لأنها ترج العقل، وهي نوع من (أسلوب الصدمة) الذي يثير الانتباه – باستخدام المفاجأة – وتركيزه على مادة الكلمة.
إحدى طالبات دورتنا في واشنطن العاصمة استخدمت هذه الطريقة – إثارة الفضول – بنفس الكفاءة التي استخدمها أي شخص سمعته مطلقاً، وهي تدعي ميج شيل، وها هي افتتاحيتها:
(كنت سجينة لمدة عشر سنوات، ليس في سجن عادي، إنما في سجن كانت أسواره القلق بشأن دونيّتي، وقضبانه الخوف من النقد).
ألا ترغب في سماع المزيد عن هذه المرحلة الحياتية الحقيقة؟
ولابد من تجنب الخطر الكامن في استخدام افتتاحية مجفلة، ألا وهو الميل الى المبالغة في المفاجأة، أو الغلو في الإثارة، أتذكر أن أحد المتحدثين بدأ حديثه بإطلاق النار من مسدسه في الهواء، لقد جذب الانتباه فعلاً، ولكنه أيضاً فجر طبلات آذان مستمعيه.
اجعل افتتاحيتك عادية في أسلوبها، وهناك طريقة ناجحة تعرف بها إن كانت افتتاحيتك عادية في أسلوبها أم لا، وذلك بأن تجربها على مائدة العشاء. فلو لم تكن طريقة افتتاح كلمتك كالمحادثة العادية التي تتداول على موائد العشاء، فإنها ليست عادية الأسلوب بالنسبة للجماهير.
ومع ذلك فما أكثر ما وجدت أن فاتحة الكلمة – التي يفترض اجتذابها لاهتمام المستمع – هي في الحقيقة أكثر أجزاء الكلمة إثارة للملل. اذكر مثلاً أنني سمعت مؤخراً مستحدثاً يبدأ كلمته كالآتي: (ثق بالله، وآمن بقدرتك...). طريقة تبشيرية واضحة لبدأ كلمة! ولكن لاحظ جملته الثانية «ترملت أمي في 1918، ومعها ثلاثة أطفال تعولهم، وليس معها أموال...) عجباً، آه عجباً، ألم يبدأ ذلك المتحدث جملته الأولى بالحديث عن أمه الأرملة التي تعول ثلاثة أطفال.
إذا ما أردت تشويق مستمعيك، لا تبدأ كلمتك بمقدمة، ابدأ بالوثب مباشرة الى قلب قصتك.
ذلك هو ما يفعله فرانك بيتجر، مؤلف كيف رفعت نفسي من الفشل الى النجاح في البيع، وهو فنان فيما يتعلق خلق التشويق في جملته الأولى، أعرف ذلك؛ لأننا سافرنا معا الى كل أنحاء الولايات المتحدة لإلقاء أحاديث عن البيع تحت رعاية الغرفة التجارية الأمريكية الفرعية. كانت دائماً تثير إعجابي طريقة افتتاحية لكلمته عن الحماس، فلا تبشير ولا محاضرات، ولا مواعظ ، ولا عبارات عامة. كان فرانك بيتجر يثب مباشرة الى قلب موضوعه في أولى الجمل. لقد بدأ
كلمته عن الحماس كالتالي:
بعد فترة وجيزة من احترافي كلاعب بيسبول، تعرضت لواحدة من أشد الصدمات، التي تعرضت لها في حياتي).
ما الأثر الذي تحدثه هذه الافتتاحية على جمهوره؟ أنا أعرف؛ فقد كنت هناك. ورأيت رد الفعل، الذي جذب اهتمام الجميع فوراً. كان كل إنسان يتوق الى سماع لماذا تعرض للصدمة، وكيف، وما الذي فعله حيالها.
اطلب الاستجابة برفع الأيدي
إحدى الطرق الممتازة لجذب الانتباه تتمثل في طلبك من الجمهور رفع أيديهم عند الإجابة على أحد الأسئلة. أذكر على سبيل المثال أنني افتتحت كلمتي عن (كيفية الوقاية من الإرهاق) بهذا السؤال:
(دعونا نرى أيديكم، كم واحد منكم يناله التعب بشكل سريع؟).
لاحظ هذا: عندما تطلب من الجمهور الإجابة برفع أيديهم، أعط الجمهور إنذاراً بأنك ستفعل ذلك. لا تفتتح كلمتك قائلاً: (كم من الحضور يعتقدون ضرورة تخفيض ضريبة الدخل؟ دعونا نرى أيديكم) أعط الجمهور فرصة للاستعداد للاقتراع بأن تقول مثلاً: (سأطلب منكم رفع أيديكم للإجابة على سؤال يهمكم، وها هو السؤال (كم واحد منكم يعتقد أن طوابع المزابنة تفيد المستهلك؟).
إن أسلوب طلب الإجابة برفع الأيدي يحصل على استجابة عظيمة القيمة تعرف باسم (مشاركة الجمهور)، وعند استخدامك هذا الأسلوب، فإن حديثك لا يظل أمراً أحادي الجانب، فالجماهير يشاركون فيه الآن. وحينما تسأل (كم واحد منكم يناله التعب أسرع مما ينبغي؟) يبدأ كل واحد في التفكير في موضوعه المفضل: نفسه، وآلامه، وتعبه. فيرفع يده، وربما ينظر حوله ليرى من يرفع يده، وينسى أنه يستمع الى كلمة، ويبتسم، ويومئ الى صديق جالس بجواره. لقد انكسر الجمود، وأنت – يامن تتحدث – تشعر بالطمأنينة، وكذلك الجمهور.
هناك طريقة لا تخفق لإيقاظ الانتباه تقريباً وذلك أن تعد بإخبار المستمعين كيف يمكنهم الحصول على ما يريدون بفعل ما تقترحه. وإليك فيما يلي بعض الأمثلة التوضيحية لما أعنيه.
(سوف أخبركم عن كيفية الوقاية من التعب، سأخبركم عن كيفية إضافة ساعة يومياً الى حياتكم اليقظة)
(وأبيّن لكم كيف يمكنكم زيادة دخلكم زيادة حقيقية).
(أعد بأنكم لو استمعتم اليّ لمدة عشر دقائق سأخبركم بطريقة مؤكدة لتحقيق الشهرة لأنفسكم).
إن الافتتاحية من نوعية (الوعد) طريقة مؤكدة لجذب الانتباه لأنها تتجه مباشرة الى مصلحة الجمهور الشخصية. وما أكثر ما يهمل المتحدثون الربط بين موضوعاتهم، والمصالح الحيوية لمستمعيهم، وبدلاً من فتحهم الباب للانتباه، يغلقونه بافتتاحيات مملة تتبع تاريخ المادة، أو تستطرد كثيراً في الحديث عن الخلفية اللازمة لفهم الموضوع.
أتذكر كلمة سمعتها منذ سنوات حول موضوع كان – بذاته – مهماً للجمهور، وهو ضرورة الفحوصات الطبية الدورية. فكيف بدأ المتحدث كلمته؟ هل أضاف الى الجاذبية الطبيعية لموضوعه بافتتاحية فعالة؟ كلا؛ فقد بدأ برواية غير ممتعة عن تاريخ موضوعه، وبدأ الجمهور يفقد اهتمامه به وموضوعه. إن الافتتاحية التي تدور حول أسلوب (الوعد) ستكون ملائمة بشكل يثير الإعجاب. نذكر على سبيل المثال:
هل تعلم كم عدد السنين المتوقع أن تعيشها؟ تتنبأ شركات التأمين على الحياة بهذه الأعمار بواسطة جداول الأعمار المتوقعة، التي تم تصنيفها من أعمار ملايين الأشخاص. ويمكنك توقع أن تعيش بمقدار ثلثي المدة بين عمرك الحالي، وعمر الثمانين. والآن هل هذا العمر يكفيك؟ كلا، كلا! فكلنا يتوق بشد الى أن نعيش أطول، ونريد إثبات هذا التنبؤ خطأ، ولكنك تتساءل: كيف يمكن فعل هذا؟ كيف يمكنني إطالة عمري الى ما بعد عدد السنوات القليلة المتبقية لنا كما يقول رجال الإحصاء؟ حسناً، هناك إجابة، طريقة ممكنة لعمل هذا، وسوف أخبركم كيف تفعلون هذا.
سأترك لك مسألة تقرير ما إذا كانت هذه النوعية من الافتتاحيات تأسر اهتمامك، أو تجذبك للإصغاء للمتحدث، لابد أن تنصت له لأنه لا يتكلم عنك، وعن حياتك فحسب، بل وعد بأن يخبرك بشئ ذي قيمة شخصية عظيمة بالنسبة لك. لا توجد هنا رواية ممثلة لحقائق غير شخصية! إن افتتاحية كهذه يستحيل – تقريباً – مقاومتها.
استخدم معروضة بيانية
ربما أسهل طريقة في العالم لجذب الانتباه هي أن تمسك بشئ عاليا لينظر الناس اليه، فأي مخلوق – تقريباً – من أبسط المخلوقات الى أشدها تعقيدا ً-، سيعير اهتمامه لهذا النوع من المثيرات. ويمكن استخدامه بفاعلية أحياناً أمام أشد الجماهير جلالاً. فالسيد غس. إس. إليس من فيلاديلفيا – على سبيل المثال افتتح إحدى كلماته التي ألقاها في واحدة من دوراتنا بأن أمسك بقطعة عملة بسبابته وإبهامه ورفعها أعلى كتفيه. والطبيعي أن نظر الجميع، ثم تساءل: (هل سبق لأحدكم أبداً أن وجد قطعة عملة مثل هذه على الرصيف؟ إنها تعلن أن سعيد الحظ الذي يجدها سيحصل على قطعة أرض مجاناً في مشروع كذا وكذا العقاري. كل ما عليه هو الاتصال، وتقديم هذه العملة...)، ثم أخذ السيد إليس يدين ممارسات التضليل غير الأخلاقية التي تنطوي عليها هذه المسألة.
كل الطرق السابقة جديرة بالثناء؛ فمن الممكن استخدامها فرادى، أو مجتمعة. واعلم أن كيفية افتتاحك لكلمتك يقرر – الى حد كبير – ما إذا كان الجمهور سيقبلك – أنت ورسالتك أم لا.
ثانياً: تجنب جذب انتباه سلبي
من فضلك، من فضلك، أرجوك أن تتذكر أنه لا يجب عليك جذب انتباه جمهورك فحسب، بل لابد أن تجذب انتباههم الإيجابي، ورجاءً أن تلاحظ قولي انتباهاً إيجابياً، فليس هناك إنسان عاقل يبدأ كلمته بإهانة جمهوره، أو بقول بذئ، أو غير مقبول مما يؤلبهم عليه، وعلى رسالته، ورغم ذلك فما أكثر المتحدثين الذين يبدأون كلماتهم بجذب الانتباه من خلال استخدام واحدة من الطرق الآتية:
لا تفتتح كلمتك باعتذار
إن استهلالك الكلمة باعتذار لا يجعلك تبدأ بداية طيبة أيضاً. كم سمعنا جميعاً متحدثين يبدأون بلفت انتباه الجمهور الى عدم استعدادهم، أو عدم مقدرتهم، فإذا لم تكن مستعداً؛ فسوف يكتشف الجمهور ذلك دون مساعدتك، لم تهين جمهورك بإيحاء أنك لم تراهم جديرين بإعداد كلمة من أجلهم، أو أي شيء لديك ويفي بالغرض؟ كلا؛ نحن لا نريد سماع اعتذارات، نحن نريد المعرفة والاستمتاع. تذكر ذلك: الاستمتاع، وفي جملتك الافتتاحية تأسر انتباه جمهورك، ليست الجملة الثانية، ولا الجملة الثالثة. الأولى!
تجنب افتتاحية القصة (المضحكة)
لعلك قد لاحظت أن هناك طريقة واحدة لافتتاح الكلمة، وهي طريقة محببة كثيراً لدى الجمهور، ومع ذلك لم نوص بها هنا، وهي ما يسمى بافتتاحية القصة (المضحكة). فالمبتدئ يشعر – لأحد الأسباب المؤسفة – أنه ينبغي عليه إضفاء شيء من (المرح) على كلمته، بأن يروي نكتة، مفترضاً أن عباءة مارك توين قد هبطت على أكتافه. لا تقع في هذا الشرك؛ لأنك ستشعر بالحرج عندما تكتشف الحقيقة المؤلمة، وهي أن قصتك (المضحكة) غالباً ما تكون محزنة لا مضحكة، وربما تكون معروفة لبعض الأشخاص من الجمهور.
ورغم ذلك، فإن روح الدعابة هبة جليلة لأي متحدث، فالكلمة يجب ألا تبدأ، ولا تكون ثقيلة ومفرطة في الجدية. كلا مطلقاً، فإذا ما كانت لديك المقدرة على إثارة الجمهور في الضحك من خلال التعليق الظريف على موقف محلي من نوع ما، أو شيء نابع من المناسبة، أو عبارات متحدث سابق، فلتفعل ذلك مهما تكلف الأمر. لاحظ بعض التناقضات، وقم بتضخيمها، وهذه النوعية من الفكاهة أكثر قدرة على النجاح من النكت المبتذلة عن بات ومايك، أو الحموات، أو الكلاب الشعثاء، لأنها ذات علاقة، ولأنها جديرة.
ولعل أسهل طريقة لإشاعة المرح أن تروي قصة عن نفسك. صور نفسك في موقف سخيف، ومحرج؛ فهذا يثير أكبر قدر من المرح. استخدم جاك بيني هذا الأسلوب لسنوات، فقد كان واحداً من بين أول الكوميديين الاذاعيين الكبار الذين (يسخرون) من أنفسهم. ومن خلال جعل نفسه هدفاً للنكت المتعلقة بقدرته على عزف الكمان، وبخله، وسنه، يثير جاك بيني سيلاً من الفكاهة التي ترفع تصنيفه عاماً بعد عام.
والجماهير يفتحون قلوبهم، وعقولهم للمتحدثين الذين يضائلون أنفسهم عمداً بلفت الانتباه الى بعض عيوبهم، أو أوجه قصورهم، وبأسلوب فكاهي بالطبع. ومن ناحية أخرى نجد أن خلق صورة (الشخص المغرور)، أو الخبير الزائر الذي يعرف كل الإجابات يصيب الجمهور بالبرود، ويجعله غير متقبل.
ثالثاً: دعم أفكارك الرئيسة
في الكلمات الطويلة للحث على الفعل سيكون لديك نقاط عديدة. وكلما قل عدد النقاط كان أحسن، ولكنها ستتطلب مادة للدعم، وقد ناقشنا في الفصل السابع طريقة لتدعيم الغرض من الكلمة -، وهو ما تريد من الجمهور فعله – من خلال توضيحه بقصة مستمدة من تجربة في حياتك. وهذه النوعية من الأمثلة شائعة لأنها تناشد دافعاً أساسياً لدى الناس، وهذا الدافع يوجزه شعار: (كل إنسان يحب قصة)، والحدث كنوع من الأمثلة يعتبر هو المستخدم غالباً من قبل المتحدث العادي، ولكنه ليس الطريقة الوحيدة لتدعيم نقطتك على الإطلاق. فيمكنك ايضاً استخدام الإحصائيات -، والتي ليست إلا أمثلة توضيحية مصنعة علمياً – أو شهادة خبير، أو القياسات، أو المعروضات، أو الإثبات بالتجربة.
استخدم الإحصائيات
تستخدم الإحصائيات لتوضيح نسبة الأمثلة من نوع معين، ويمكنها أن تكون مؤثرة ومقنعة، ولا سيما كبرهان في المواقف التي لا يمكن للمثال المنفصل ان يؤدي نفس الغرض، وقد تم قياس فاعلية برنامج (سالك) للتطعيم ضد شلل الأطفال من خلال الإحصائيات التي تم جمعها من كل أنحاء البلاد. أما الحالات المنفصلة لعدم الفاعلية فكانت استثناءات دعمت القاعدة، ومن ثم فإن الكلمة التي تكون مبنية على واحدة من هذه الاستثناءات لن تقنع أبا، أو أما بأن برنامج سالك للتطعيم لن يعمي طفله.
ويمكن أن تكون الإحصائيات مملة في ذاتها؛ لذا ينبغي استخدامها بحصافة. وعندئذٍ لابد أن يعبر عنها بلغة تجعلها واضحة وتصويرية.
وإليك مثال لكيفية أن تكون الإحصائيات مؤثرة من خلال مقارنتها بأشياء مألوفة لنا. أراد أحد التنفيذيين دعم نقطته بأن أهل نيويورك يبددون قدراً كبيراً من الوقت بإهمالهم الرد على الهاتف فوراً فقال:
من بين كل مائة اتصال هاتفي يتم عملها، تظهر سبع مكالمات تأخر الشخص المطلوب عن الرد لمدة تزيد عن دقيقة. وفي كل يوم تضيع 280000 دقيقة بهذه الطريقة، وفي غضون ستة شهور، نجد أن هذا التأخير لمدة دقيقة في نيويورك يساوي تقريباً كل أيام العمل التي مرت منذ اكتشاف كولومبس لأمريكا.
ولا يمكن للأرقام، والكميات المحضة – التي تذكر بذاتها – أن تكون مؤثر بشدة؛ إذ لابد من توضيحها ولو أمكن، فلابد من ذكرها على أساس تجاربنا. وأنا أتذكر أنني استمعت الى محاضرة ألقاها مرشد في غرفة الطاقة الضخمة تحت سد جراند كوليه داهم، كان بوسعه أن يعطينا أرقام مساحة الغرفة بالقدم المربع، ولكن هذا لم يقنعنا بشدة مثل الطريقة التي استخدمها، فقد أخبرنا ان الغرفة تتسع لحشد من الناس يبلغ 10000 شخصاً لمشاهدة مباراة لكرة القدم على ملعب نظامي، وبالإضافة الى ذلك سيبقى هناك متسع للعديد من ملاعب التنس في كل طرف من الأطراف.
منذ سنوات كثيرة مضت، قام طالب في دورتي بالمقر المركزي لجمعية الشبان المسيحية في بروكلين، لإلقاء كلمة، وذكر فيها عدد المنازل التي دمرتها النيران في العام السابق، وأضاف قائلاً بأنه لو تم وضع هذه المنازل المحترقة جنبا الى جنب؛ فإنها ستشكل صفا يصل من نيويورك الى شيكاغو، وأن الناس الذي لقوا حتفهم في تلك الحرائق لو اصطفوا بفاصل نصف ميل بين كل واحد منهم، فإن ذلك الصف البشع سيرجع مرة أخرى من شيكاغو الى بروكلين.
لقد نسيت الأرقام التي ذكرها على الفور تقريباً، ولكن سنوات مضت، وما زالت – دون أي مجهود من جانبي – أتذكر ذلك الصف من المباني المحترقة الممتد من جزيرة مانهاتن الى كوك كاونتي بولاية إيلينوي.
استخدم شهادة الخبراء
غالباً ما يمكنك أن تدعم بفاعلية النقاط التي تود ذكرها في متن كلمتك مستخدماً شهادة خبير. وقبل استخدام الشهادة ينبغي اختبارها بالإجابة على هذه الأسئلة:
1ـ هل الشاهد الذي أستند إليه يتسم بالدقة؟
2- هل هو مأخوذ من نفس الحقل المعرفي للخبير فإن استشهادك بقول جو لويس في موضوع اقتصادي سيكون من الواضح أنه استغلال لاسمه وليس لموطن قوته.
3- هل الشاهد لرجل يعرفه الجمهور ويحترمه؟
4- هل أنت متأكد من كون المقولة مبنية على معرفة أولية، ليس لمصلحة شخصية، أو تحامل؟
أحد طلابي في دورة الغرفة التجارية ببروكلين – منذ سنوات كثيرة -، افتتح كلمة عن الحاجة الى التخصص باقتباس عن أندرو كارينجي، فهل كان حكيماً في اختياره؟ نعم لأنه استشهد بدقة بقول رجل يحظى باحترام الجمهور وله الحق في الحديث عن النجاح التجاري. ومازال ذلك الاستشهاد يستحق تكراره اليوم:
أعتقد أن الطريق الحقيقي المؤدي الى النجاح البارز في أي مجال هو أن تجعل نفسك استاذاً في
ذلك المجال، فأنا لا أؤمن بسياسة بعثرة موارد المرء، ومن خلال خبرتي فإنني نادراً – إن لم يكن أبداً – ما قابلت رجلاً حقق تفوقاً في جمع المال كانت له اهتمامات عديدة، وبالطبع ليس رجلاً في مجال التصنيع، فالذين نجحوا هم رجال اختاروا مجالاً واحداً وتمسكوا به.
استخدام القياسات
وفقاً لمعجم وبستر، فإن القياس هو (علاقة تشابه بين شيئين، لا يكمن في تماثل الشيئين نفسيهما، بل في اثنين، أو ثلاثة من سماتهما، أو ظروفهما، أو آثارهما).
يعتبر استخدام القياس اسلوباً بارعاً لتدعيم فكرة رئيسية. وإليك مقتطف من كلمة عن (الحاجة الى مزيد من الطاقة الكهربائية) ألقاها سي جيراد دافيدسون عندما كان مساعداً لوزير الداخلية، لاحظ كيف يوظف المقارنة، أو القياس لتدعيم غرضه:
لابد أن يستمر الاقتصاد المزدهر في التقدم الى الأمام، وإلا؛ فإنه يأخذ في الانهيار، وهو يشبه الطائرة، التي تكون عبارة عن مجموعة من الصواميل والمسامير قابعة في مكانها على الأرض، ولكنها عندما نتدفع الى الأمام في الهواء تظهر قدرتها الحقيقية وتُستخدم كوظيفة نافعة، ولكي تظل مرتفعة لابد أن تستمر في التقدم الى الأمام، وإذا لن تتقدم، فإنها تسقط، وهي لا تستطيع السير الى الوراء.
وإليك مثال آخر ربما يكون من أبرز القياسات في تاريخ الفصاحة، وقد استخدمه لنكولن في معرض الرد على نقاده إبان الفترة الحرجة للحرب الأهلية:
أيها السادة، أريدكم أن تفترضوا حالة ما للحظة، افترضوا أن الثروة التي تمتلكونها كلها من الذهب، وقد وضعتموها في يديّ بلوندين – الرجل الشهير الذي يمشي على الحبل – ليحملها عبر شلالات نياجرا عابراً على حبل مشدود، أتهزون الحبل أثناء مروره عليه، أو تصيحون فيه؟:
(طأطأي رأسك قليلاً يابلوندين! أسرع قليلاً!) كلا، أنا على يقين أنكم لم تفعلوا، بل كنتم ستحبسون أنفاسكم، وألسنتكم، وتكفون أيديكم حتى يعبر بأمان. الحكومة الآن في نفس الموقف؛ فهي مثقلة بحمل هائل، وتعبر به محيطاً عاصفاً. كنوز لا تعد ولا تحصى بين يديها، وهي تبذل قصارى جهدها. فلا تكثروا مضايقتها! فقط اهدؤوا، وسوف تعبر بكم بأمان.
استخدم البرهنة في وجود معروضة أو بدون
عندما كان التنفيذيون بشركة أيرون فايرمان يتحدثون الى التجار، كانوا بحاجة الى طريقة مسرحية كي يصوروا حقيقية وجوب تغذية الفرن بالوقود من قاعه، وليس من أعلاه. لذا فقد توصلوا الى هذا الأسلوب البسيط والمدهش للشرح بالتجربة. يوقد المتحدث شمعة، ثم يقول:
انظروا كيف يشتعل اللهب بوضوح، كم أنه طويل لسان هذا اللهب، ونظرا لأن كل الوقود – تقريباً – يتحول الى حرارة، فلا يكاد يولد دخاناً.
ويتم تغذية وقود الشمعة من أسفل تماما مثلما تغذى شركة أيرون فايرمان الوقود الى داخل الفرن.
افترضوا أن هذه الشمعة تمت تغذيتها بالوقود من أعلى، كما هو الحال في الأفران التي تزود بالوقود يدوياً (وهنا يقلب المتحدث الشمعة رأساً على عقب).
لاحظوا كيف يخفت اللهب. شموا رائحة الدخان، اسمعوا إنها تفرقع، انظر كيف أصبح لون اللهب أحمر نظرا لاحتراقه الناقص. وأخيراً ينطفئ اللهب نتيجة لعدم التزويد بالوقود الكافي من أعلى.
منذ سنوات مضت كتب هنري مورتون روبنسون مقالاً شيقاً عن (كيف يكسب المحامون قضاياهم) لمجلة يور لايف، وهو يصف في المقال كيف أن محامياً باسم آب هومر ينسب إليه برهنته بشكل معبر ومثير على براعته الاستعراضية عندما كان ممثلاً عن إحدى شركات التأمين في قضية تعويض. ذكر المدعي -، وهو رجل باسم السيد بوستليثوايت – أنه كنتيجة لسقوطه من على عمود إدارة المصعد – أصيب في كتفه إصابة خطيرة لدرجة أنه غير قادر على رفع ذراعه الأيمن.
بدا هومر مغموماً بشدة – وقال للرجل في ثقة: (الآن أيها السيد بوستليثوايت) أرِ هيئة المحلفين الى أي مدى يمكنك رفع ذراعك) بحذر شديد رفع بوستليثوايت ذراعه الى مستوى الأذن، فحثه هومر قائلاً: (والآن أرنا الى أي مدى كنت تستطيع رفعه قبل إصابتك) قال المدعي: (في مثل هذا الارتفاع) ورفع ذراعه بأقصى امتداده أعلى رأسه. ويمكنك أن تستنتج بنفسك رد فعل هيئة المحلفين على هذا البرهان.
في الكلمة الطويلة يمكنك – لضمان الفعل – أن تذكر ثلاث أو أربع نقاط على الأكثر، وهي يمكن نطقها في أقل من دقيقة، أما تلاوتها على مسامع الجمهور، فستكون أمراً مملاً وفاتراً. فما الذي يبعث الحياة في أوصال هذه النقاط؟
إنها مادة الدعم التي تستخدمها. هذا هو ما يعطي بريقاً واهتماماً لكلمتك. وباستخدام الأحداث، والمقارنات والبراهين، تجعل الأفكار الرئيسية واضحة وحية، بالاستعانة بالإحصائيات والشواهد، ترسخ الحقيقة، وتؤكد أهمية نقاطك الرئيسة.
رابعاً: أنشد الفعل
ذات يوم قمت بزيارة غير متوقعة لأتحدث لبضع دقائق مع جورج إف. جونسون، رجل الصناعة ورجل البر، كان في ذلك الوقت رئيساً لشركة كبرى هي إنديكوت – جونسون كوروريشن. ولكن الأكثر تشويقاً بالنسبة لي أن عرفت أنه متحدث يستطيع إضحاك مستمعيه، وفي بعض الأحيان إبكاءهم، وجعلهم – في الغالب يتذكرون ما قاله لوقت طويل.
لم يكن لديه مكتب خاص، بل كان يحتل ركناً في مصنع كبير مشغول، وكان أسلوبه متواضعاً تماماً مثل مكتبه الخشبي القديم.
قال وهو يقف لتحيتي: (جئتني في وقت مناسب، لقد انتهيت لتوي من إحدى المهام، فقد دونت باختصار ما أريد قوله في نهاية الكلمة التي سألقيها على العمل الليلة).
قلت له: (من المريح دائماً أن تحتفظ في ذهنك بكلمة منظمة من البداية للنهاية).
قال: (أوه، لم أضع جميعها في ذهني بعد، وإنما هي فكرة عامة، الى جانب الطريقة المعينة التي أريد أن أنهي بها ).
إنه لم يكن متحدثاً محترفاً، ولم يكون ولعاً بالكلمات الرنانة، أو العبارات الفخمة، ولكنه تعلم من التجربة أحد أسرار التواصل الناجح. فقد عرف أن الحديث كي ينجح فلابد له من نهاية جيدة. أدرك أن خاتمة الكلمة هي ذلك الجزء الذي يجب الاتجاه نحوها عقلاً كل ما يسبقها إذا أردنا التأثير في الجمهور.
والخاتمة هي في الحقيقة النقطة الاستراتيجية الأهم في الكلمة، فهي ما يقوله المرء في النهاية، وهي الكلمات الأخيرة التي تظل ترن في الآذان عندما يتوقف المرء، وهي التي يرجح أن يتذكرها الجمهور لفترة أطول، وعلى خلاف السيد جونسون، نجد أن المبتدئين نادراً ما يقدرون أهمية الخاتمة؛ فنجد نهايتهم لا تفي بالغرض.
ما هي أخطاؤهم الأكثر شيوعاً؟ دعنا نناقش بعضاً منها، ونبحث لها عن علاج.
أولاً: هناك ذلك الرجل الذي ينهي بقول (هذا كل ما لدى حول الموضوع تقريباً، لذا أعتقد أنني سأكف عن الحديث) هذا المتحدث يطرح عادة ستار دخان على عجزه عن إنهاء الكلمة بطريقة مرضية بأن يقول بضعف:
(أشكركم) ما تلك بخاتمة. ذلك خطأ. وهي تفوح برائحة تدل على أن صاحبها هاوٍ. وذلك لا يمكن التغاضي عنه. إذا كان ذلك كل ما لديك لتقوله، لما لا تنهي حديثك، وتعود الى مقعدك فوراً، وتتوقف دون الحديث عن التوقف. افعل ذلك، واترك استنتاج أن ذلك هو كل ما يمكنك قوله – بأمان وذوق رفيع – الى حصافة الجمهور.
ثم نجد هناك المتحدث الذي يقول كل ما لديه، ولكنه لا يعرف كيف يتوقف. وأعتقد أن جوش بيلينجز هو الذي نصح الناس بالهروب من المشكلات بدلاً من مواجهتها، ما دام ذلك سيكون اسهل في التخلص منها. هذا المتحدث يتشبث بالمشكلة، فلا هو يستطيع الهرب ولا هو يستطيع حلها، فيظل يمضي في دائرة مفرغة، يعيد ما يقوله، مخلفاً انطباعاً سيئاً.
والعلاج هو: ينبغي إعداد نهاية في وقت ما، أليس كذلك؟ أمن الحكمة أن تحاول فعل هذا حين مواجهة الجمهور، وبينما أنت تحت ضغط ووطأة الحديث، وفي الوقت الذي يجب أن يكون ذهنك عاكفاً على ما تقوله؟ أم أنها الفطرة السليمة تقترح استحباب فعل هذا بهدوء، وسكينة مقدماً؟
كيف ستتعامل مع مسألة إنهاء كلمتك نهاية ذِرْوّيه؟ إليك فيما يلي بعض الاقتراحات:
أوجز
في الكلمة الطويلة يتعرض المتحدث لتغطية مساحة كبيرة جداً لدرجة أن المستمعين في النهاية يكونون مشوشين قليلاً بشأن كل نقاطه الرئيسية، ورغم ذلك فقلة فقط من المتحدثين يدركون ذلك، فهم ينخدعون بافتراض أنه ما دامت هذه النقاط واضحة في أذهانهم وضوح الشمس، فلابد أنها كذلك تماماً بالنسبة للجمهور. كلا البتة؛ فالمتحدث عاكف على دراسة أفكاره منذ وقت ما. ولكن النقاط التي أوردها كلها جديدة تماماً بالنسبة للجمهور، وهو يلقيها عليهم كحفنة من الخردق، بعضها قد يعلق، ولكن معظمها عرضة للانزلاق في الفوضى. وحسبما يقول شكسبير، فإن المستمعين عرضة لأن (يتذكروا رُكاماً من الأشياء، دون التمييز بينها).
يروى أن سياسيا أيرلنديا مجهول الاسم أعطى هذه الوصفة لإعداد الكلمات: (أولاً: أخبرهم بما تعتزم إخبارهم به، ثم أخبرهم به، ثم أخبرهم بما أخبرتهم به)، وغالباً ما يكون من المحبذ بشدة أن (تخبرهم بما أخبرتهم به).
وإليك مثالاً جيداً، حيث ينهي المتحدث – وهو مدير للمرور بإحدى سكك حديد شيكاغو – كلمته بهذا الموجز.
بإيجاز أيها السادة، نقول إن معرفتنا السرية بجهاز الإيقاف هذا، هي الخبرة باستخدامه في الشرق، وفي الغرب وفي الشمال، ومبادئ التشغيل السليمة الأساسية لتشغيلهن والبرهان الفعلي في المال الذي يوفره في سنة واحدة من خلال منع تحطم القطارات، كل هذه الأشياء تدفعني تماماً وبشدة الى أن أوصي بتركيبه فوراً في فرعنا الجنوبي.
أترى ماذا فعل؟ يمكنك أن تراه وتشعر به دون سماع بقية الكلمة، فقد أوجز في جمل قليلة – في اثنين وستين كلمة – تقريباً كل النقاط التي أوردها في الكلمة بأكملها.
ألا تشعر أن موجزاً مثل هذا يساعد؟ إذا كان كذلك، تبنّى هذا الأسلوب.
اطلب الفعل
الخاتمة التي اقتبسناها تواً تعتبر أيضاً توضيحاً ممتازاً للخاتمة من نوعية اطلب الفعل. فقد طلب المتحدث القيام بفعل شيء وهو تركيب جهاز إيقاف في الفرع الجنوبي لخطه الحديدي، وقد بنى طلبه للفعل على المال الذي سيوفره الجهاز، وعلى حوادث التحطم التي سيمنعها. لقد كان المتحدث يريد فعلاً، وقد حصل على هذا الفعل. فهذه لم تكن كلمة تدريبية، بل تم إلقاؤها أمام مجلس إدارة خط حديدي، وقد تحقق من تركيب جهاز الإيقاف الذي طلبه.
في الكلمات الأخيرة من حديثك الذي تقصد من وراءه فعلاً، يكون الوقت قد حان لطلبك هذا الفعل. لذا اطلبه! أخبر جمهورك أن يشاركوا، أو يساهموا، أو يصوتوا، أو يكتبوا أو يهاتفوا، أو يستروا، أو يقاطعوا، أو يتطوعوا، أو يتحروا، أو يحرروا، أو أيا ما كان الشيء الذي تريد منهم فعله. وعلى ذلك، تأكد من إطاعتك لهذه العلامات التحذيرية اطلب منهم فعل شيء معين. فلا تقول: (ساعدوا الصليب الأحمر) هذا قول عام أكثر مما ينبغي، قل بدلاً منه: (أرسل الليلة دولاراً قيمة رسوم تسجيلك الى الصليب الأحمر الأمريكي، 125 ش سميث بهذه المدينة).
اطلب من الجمهور استجابة تكون ضمن سلطتهم. فلا تقول: (هيا ندلي بأصواتنا ضد مشروب ديمون رم)؛ فلا يمكن أن يحدث هذا؛ فنحن لا نقترع على مشروب ديمون رم الآن، وبدلاً من ذلك يمكنك أن تطلب منهم الانضمام الى جمعية تشجع الاعتدال في معاقرة الخمر، أو الإسهام لصالح مؤسسة تجارب من أجل منعها.
يسّر على جمهورك بقدر استطاعتك التصرف حيال مناشدتك. فلا تقل (اكتبوا الى ممثلكم في الكونجرس ليصوت ضد مشروع هذا القانون) فتسعة وتسعون بالمائة من مستمعيك لن يفعلوا هذا؛ فالأمر ليس ذو أهمية حيوية بالنسبة لهم، أو أنه ينطوي على الكثير من المتاعب، أو أنهم سينسون. لذا اجعله شيئاً يسهل عليهم، ويسرهم فعله، كيف؟ بان تكتب – أنت نفسك – خطاباً الى ممثلك في الكونجرس تقول فيه: (نحن – الموقعون أدناه – نحثك على التصويت ضد مشروع القانون رقم 74321)، وتمر الخطاب على الجمهور مع قلم حبر، ومن الممكن أن تحصل على عدد كبير من الموقعين، وربما ضاع قلمك الحبر.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|