أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2022
2201
التاريخ: 7-01-2015
3594
التاريخ: 4-5-2016
3097
التاريخ: 2-02-2015
3457
|
اشتدت المعارضة ضد الحكم الأموي في الكوفة، وبات اللغط يعم حتى القصر الأموي فيها، ولم يسلم الوالي من رذاذ هذا الحديث، وحتى من أقرب مجالسيه، وكان المغيرة بن شعبة قد بلغ به الضعف، حتى لم يتمكن من إدارة القصر فضلاً عن المدينة..
وكانت المعارضة قد تمثلت بصحابة علي (عليه السلام)، أولئك النفر الذين لا تأخذهم في الله لومة لائمٍ.
إذ كان من الصعب عليها أن ترى أن أموال المسلمين تجبى لسد نهم معاوية، الذي يوزعها على الباطل كيفما شاء.
وكان من الصعب عليها أن ترى أن الأحكام المرتجلة الجائرة تنفذ في حق المسلمين، لا تستند في أصولها على القرآن، أو السنة.
وكان من الصعب عليها أن ترى الخلافة الإسلامية، في طريقها إلى ملكٍ عضوضٍ، يتقلب به معاوية وآله من دون منازعٍ.
وكان من الصعب عليها أن ترى دولة الإسلام الفتية، تنقلب إلى حكمٍ قبلي بحت، تتحكم فيه أهواء أسرةٍ معينةٍ ما كانت في يوم من الأيام تعرف الله، وتخلص لرسوله، وتفي لأمته، وقد قالها صريحةٌ سيدها وزعيمها أبو سفيان، يوم صارت الخلافة لعثمان: صارت إليك بعد تيمٍ وعدي، فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار.
كانت المعارضة ترى كل هذا، وتجد كل هذه المفارقات، وهي التي بين جنبيها روح علي وعدالته، فكانت لا تتمكن أن تغضي على الباطل، فصممت على المجاهرة بذلك مهما كلفها الأمر، وفعلاً اتقدت أول شرارةٍ للمعارضة بصورتها الواضحة، عندما أمر معاوية المغيرة بأن يرسل له أموالاً من خراج العراق، وحاول أن ينفذ الوالي أمر سيده، فشمرت المعارضة سواعدها له، ومسكت القافلة التي تحمل الأموال، وهي بعد لم تغادر الكوفة إلا قليلاً.
وعلم المغيرة بذلك، ولكن المعارضة أبت أن تلين لطلب الوالي، سواءً كان بالقوة، أو بالتوسل، لا بعد أن أرجع الأموال إلى الكوفة، ووزعها على الناس.
وبلغ معاوية هذه التظاهرة عليه، وموقف المعارضة منه وإفلاسه من خراج العراق، وخاصةً الكوفة، وكتم في نفسه أمراً، وإن كان لم يتمكن من تبديد سحابة الغيظ والحنق، التي ظهرت على سحنته فقد لازمته أياماً طويلةً، وهو يفكر في اجتثاث الخطر عنه مهما كلفه الأمر.
أما المعارضة فكانت تضم جمعاً من المسلمين يتزعمهم عشرة رجالٍ من خيرة صحابة الإمام علي (عليه السلام)، وكان المبرز فيهم هو حجر بن عدي.
وحجر ذلك الصحابي الجريء، الذي وفد على الرسول مع أخيه فأسلم وحسن إسلامه، وتقرب من الدعوة حتى كان من أفاضل الصحابة، وحجرٌ ذلك الإنسان الذي قال عنه الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): يا أهل الكوفة سيقتل منكم سبعة نفرٍ، هم من خياركم بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .
وقال عنه الإمام الحسن (عليه السلام) مخاطباً معاوية: ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المجتبين؟ الذي كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلماً وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة جرأةً على الله، واستخفافاً بعهده .
وتقول عائشةٌ لمعاوية بعد أن قتل حجر وأصحابه: يا معاوية قتلت حجراً وأصحابه، أما والله لقد بلغني أنه سيقتل بعذراء سبعة رجال، يغضب الله، وأهل السماء لهم .
ولعلنا لو تتبعنا ما قيل عن مكانة حجر وصلاحه وحسن إسلامه لضاق بنا المجال ، وهو إلى جانب هذا من كبار كندة، تلك القبيلة العظيمة الضاربة أطنابها في أرض العراق، وفي الكوفة خاصةً، وكانت الكوفة تتحدث عن حجرٍ، لأنه أحد رجالها، ومن المرموقين بالجمال فيها، فقد كانوا يقولون: إن الجمال ينتهي في الكوفة إلى أربعة: أحدهم حجر، والى الخير والصلاح، وهو أحد أقطابه.
والكوفة عندما أفاقت على أصوات المعارضة للحكم الأموي، تهامست من تكون هذه الجماعة التي ألقت بنفسها في أتونٍ من نارٍ؟ وتهادى إلى سماعها أن حجراً، ورفقائه هم أقطاب المعارضة فحسبوا لهم ألف حساب.
وفي مرةٍ والمغيرة يخطب الناس في مسجد الكوفة فقال: من الإمام علي، ثم لعنه، ولعن شيعته.
فقام إليه زيدٌ بن أرقم قائلاً: يا مغيرة ألم تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن سب الأموات، فلم تسب علياً، وقد مات.
وقدم عليه مرةً خطباء الكوفة، فقام صعصعة بن صوحان ومدح علياً، فأمر المغيرة أن يخرجوه ويقيموه على المصطبة؛ ليلعن علياً.
فقال صعصعة: لعن الله من لعن الله ولعن علي ابن أبي طالبٍ.
فأخبر الجلاوزة المغيرة بذلك.
فقال: أقسم بالله لتقيدنه، فخرج صعصعة فقال: إن هذا يأبى إلا علي بن أبي طالب، فالعنوه لعنه الله.
فقال المغيرة: أخرجوه أخرج الله نفسه.
وكان المغيرة يقول: إن عليًا لم ينكحه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته حباً، ولكنه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه.
وكأن الروايات الكثيرة الصحيحة لم تطرق آذان المغيرة ومن على شاكلته، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عز وجل ومن سب الله كبه الله على منخريه في النار.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أحب علياً أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي، لا يحبك إلا مؤمنٌ، ولا يبغضك إلا منافق(1).
وكان حجرٌ وغير حجرٍ من أقطاب المعارضة في المجلس، وكان هذا الموقف ثقيلاً عليهم لا يطاق، فما كان منه إلا أن وقف بين الجماهير، وصرخ في وجه المغيرة غاضباً، بحيث لفت انتباه الحاضرين أجمع، قال: إنك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع أو هرمت؟ مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا، فإنك قد حبستها عنا، ولم يكن ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعاً بذم أمير المؤمنين، وتقريظ المجرمين .
وكثر اللغط وصاح الناس من كل جانبٍ حتى اضطر المغيرة أن يهرب إلى القصر؛ ليستر نفسه فيه، ويسمع معاوية بهذا كله، ويحرق الأرم من هذه المعارضة، وصمم على مكافحتها، خشية أن يسري الأمر في غير الكوفة، فأرسل زياد ابن أبيه ذلك الرجل القاسي الذي ما دخل اللين قلبه، ولا عرف الرحمة يوماً.
وفي اليوم الذي وضع فيه زيادٌ قدمه في الكوفة، أرسل خلف حجر بن عدي، وكان صديقه من قبل، وعندما قابله قال له: قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحمله منك، وإني والله لا أحتملك على مثل ذلك أبداً..
أرأيت ما كنت تعرفني به من حب علي ووده، فإن الله قد سلخه من صدري، فصيره بغضاً وعداوةً، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته، فإن الله قد سلخه من صدري فصيره حباً ومودةً..
وقام حجر وخرج من عنده، وهو يحسب لهذا المجلس ألف حسابٍ، لما يتضمن من تهديدٍ ووعيدٍ مخفي من قبل الأمير الجديد، الفظ الغليظ، واجتمع حجر بإخوانه المؤمنين، وبدأوا يضعون خطةً لمحاسبة التيار الأموي المتمثل في الوالي وبطانته، رغم الكابوس المرعب الذي فرضه زيادٌ على الكوفة، وانتظرت المعارضة اللحظة المناسبة التي تعلنها حرباً شعواء على هذا الوالي القاسي، وتهيأت تلك اللحظة في أصيل يوم الجمعة، والناس مجتمعون في مسجد الكوفة، والأمير لا يدع مناسبةً، أو غير مناسبة إلا وشتم فيها علياً، وحجر ورفاق حجر يتحرقون غيظاً، وطالت الخطبة، وطال الحديث، والناس بين خائفٍ لا يريد أن يحرك ساكناً، أو مرتزق يخشى قطع الأمل عنه.
ولكن حجراً ذلك الرجل الصلب، الذي لا يهاب الموت دفعه واجبه الديني لأن ينبه الرجل إلى وقت الفريضة بأنه قد مر، وتأخرت الصلاة أكثر من عادتها.
فقام ووقف وأشار إلى زيادٍ أن الصلاة قد تأخر موعدها، فلا تسترسل في الخطبة، وتترك الواجب.
ولكن زياداً لم يعر لحديثه أي أهمية، بل استمر في الخطبة، ولم ينفع معه تذكرةٌ مرةً وثانيةً، بل استمر في الخطبة مما اضطره أن يأخذ حفنةً من حصى المسجد ويضرب بها وجه زيادٍ، ويلتفت إلى القوم ويصيح: شاهت الوجوه ذلا، يمنعكم زيادٌ صلاتكم.
وكان هذا القدر كافياً في إثارة الناس وهياجهم، فقد وقف حجر وصلى، وصلى الناس معه، مما اضطر زيادٌ أن ينزل من المنبر ويصلي خائباً فاشلاً.
والى هنا، وقد توسعت الشقة بين الطرفين، وكانت هذه الحركة كافيةً لإثارة هذا الوالي القاسي، على معاقبة هذه المعارضة السافرة، التي يتزعمها حجرٌ وجماعته.
وشمر زيادٌ عن ساعديه لكبح جماح حجر وجماعته، ليقبرها قبل أن يستفحل أمرها، فأخذ يطارد المعارضة، ويتبع آثارها، وكان في مقدمة المطاردين حجر.
ودعا زيادٌ محمد بن الأشعث، وقال له: لتأتيني به، أو لأقطعن كل نخلةٍ لك، وأهدم دورك، ثم لا تسلم مني، حتى أقطعك إرباً إرباً.
وجد الأشعث وصحبه في طلب المعارضة، حتى قبض عليهم، ومنهم حجر، وكان عددهم اثني عشر رجلاً، وأودعهم بالسجن مثقلين بالحديد، ومصفدين بالسلاسل.
ولم تنته الخطة إلى هذا الحد، فلا ينفع حقد الأمويين أن يبقى حجر وجماعته رهن السجن فحسب، بل لابد لهم من صورةٍ ظاهريةٍ، تبرز عليهم القتل والتلف.
وأشار زيادٌ إلى بعض جلاوزته؛ بأن ينظموا محضراً يتضمن موقف حجرٍ وجماعته من العهد، وكان ما أراد، فقد نظم هذا المحضر بالسرعة، تلبيةً لعواطف الأمير، وضم شهادة الكثير من وجوه الكوفة، الذين شرى ضميرهم بالمال، وعقيدتهم بالجاه، فتهالكوا على المحضر موقعين؛ لينالوا جزائهم من زيادٍ، والرضا عنهم من معاوية.
وألقى زياد نظرة على المحضر، فلم يعجبه، فالتفت إلى مستشاره عمرو بن حريث قائلاً: ما أظن هذه شهادة قاطعة، وأحب أن تكون الشهادة أقوى وأشد.
لقد كتبوا المحضر، وماذا كتبوا؟ فقد خطت أقلامهم ما نصه : إن حجراً جمع إليه الجموع، وأظهر شتم الخليفة، وعيب زيادٍ، ودعا إلى حرب أمير المؤمنين، وزعم أن هذا الأمر لا يصح إلا في آل أبي طالب، ووثب بالمصر، وأخرج عامل أمير المؤمنين، وأظهر عذر أبي تراب، ومنع الذم عليه، والبراءة من عدوه وأهل حربه، وإن هؤلاء الذين معه هم رؤوس أصحابه، وعلى مثل رأيه .
كانت هذه الشهادة، ولكن زياداً لم ير في هذه الكلمات كفايةً لتحقيق مأربه، وأظهر الغضب في وجه أحد مرتزقته، وهو أبو بردة بن أبي موسى، وتلكأ الرجل وتلعثم، واضطرب مثل السعفة في مهب الريح، وتقدم لسيده يكسب رضاه، فكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين، شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب، والفتنة، وجمع إليه الجموع؛ يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر بالله .
والى هنا قفزت البسمة على وجه زيادٍ، لقد رضا بهذا الأسلوب وتهافت الموقعون يرسمون تواقيعهم على هذا المحضر الخطير، حتى بلغ عددهم ما يزيد على السبعين وفي طليعتهم : عمر بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وزجر بن قيس، وكلهم من أعيان الكوفة.
كان زياد يعتقد أن هذا المحضر يحد من نشاط حجر، ويوقف ثورته على الحكم الأموي، وعرف غير حجر قصة المحضر وخطورته، ولكن هذا العبد الطاهر كان كالحديد، لا يلين ولا يتأثر من كل هذه الأساليب، التي ستكون له ـ بعد زمانٍ ـ حبل المقصلة.
ولا نستغرب من حجر صموده في وجه الطغيان، ولا نستعظم عليه صلابته، فقد سجل التأريخ له حياةً ملؤها البطولة، وهو الذي وقف في يوم الجمل، وصفين، والنهروان، كما أنه كان مع الجيش الإسلامي الذي فتح الشام إلى جانب المسلمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع عن مصادر هذه الروايات الغدير: ج10، ص678 ـ 280.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|