المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الشخصية الفاشلة  
  
6611   01:06 مساءً   التاريخ: 14-11-2017
المؤلف : الشيخ ياسين عيسى
الكتاب أو المصدر : التربية الفاشلة وطرق علاجها
الجزء والصفحة : ص14-30
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / مشاكل و حلول /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-6-2016 3178
التاريخ: 27-3-2019 2819
التاريخ: 2024-07-20 531
التاريخ: 15-11-2017 2286

الشخصية الفاشلة تعني أن يتخذ الشخص أسلوبا في الحياة يكون مدخلا لفشله على حساب الأهداف المرجوة, كما سيظهر في فصول العناوين الآتية, سواء كان ذلك نتيجة الرواسب التربوية المكتسبة أو من ظروف طارئة أوصلت النتائج الى سلبياتها, فإن بداية فضل الأبوة أو الأمومة أو الزوجية, وقد لا يكون من البناء الخاطئ المكتسب لشخصية الفرد بل لعدم وضع الضوابط لتصرفاته, وعدم رسم المنهج المدروس لحياته العامة ولمستقبله خاصة .

ـ ما يؤدي الى الشخصية الفاشلة :

هناك أمور قد تؤدي الى فشل شخصية الإنسان نذكر خمسة منها :

الأمر الأول :

ـ الوقوع في الفراغ :

من الأمور التي تؤدي الى فشل الشخصية هو الوقوع في الفراغ والضياع في التفكير الذي لا نهاية له (الدوامة).

والمراد به الوقوع في المجهول أو الروتين الذي يؤدي الى الملل, فإن الإنسان عندما يكون منعزلا عن عائلته وارحامه ومجتمعه ولا يسعى لبلوغ هدف معين أو لتقديم شيء مفيد لغيره, فإنه لا محالة سيشعر بالشقاوة والملل والفراغ , بل قد يصل الأمر الى إلحاق الضرر بنفسه مثل الانتحار كما يفعله بعض من غيبوا الله تعالى عن وجودهم بأفكارهم الفاسدة .

ـ مساوئ الفراغ :

والفراغ غالبا ما يؤدي الى عدة أمور سيئة تختلف من شخص الى آخر أهمها :

1ـ بعض الأمراض العصبية والنفسية :

إن الشخص الذي لا يكون لديه ما يقوم به أو يشغله يبقى متحيرا متفكرا قلقا مضطربا, يميل الى العبث وعدم تحمل المسؤولية, ومع مرور الأيام عندما يعجز عن مواجهة مشاكل الحياة تحدث لديه عوارض عدة, منها أنه يقل نومه وطعامه مما يؤدي الى انتكاسة الجسم, واختلال التوازن, وتأثير الجهاز العصبي, فيصبح يعاني من مرض نفسي يصعب علاجه مع مرور الزمن وقد يؤدي الى أمراض أخرى خطيرة وأحيانا الى هلاكهم أو دمارهم كما هو حال من غيب الله عن وجوده فيقوم بالانتحار .

2- وجع الرأس :

إن كثرة التفكير نتيجة القلق على المستقبل وعدم وضوح طريقه والدخول في المجهول يؤدي أحيانا الى ضرر على الدماغ فيظهر على شكل أوجاع في الرأس .

3- قلة النوم وكثرة التفكير :

وهو ناتج في بعض مظاهره عن حتمية الفراغ كما ذكرنا, وقلة النوم مرض خطير يفقد معه الإنسان مقومات الحياة, وقد يؤدي الى تشوش في معلومات الذاكرة واختلاط بين ما يسمى بالعقل الظاهري والعقل الباطني .

4- الانشغال بالأمور المضرة للمجتمع أو غير المفيدة :

إن من يتردى وضعه النفسي والصحي سوف ننتظر منه التصرفات الغريبة وسوف تصدر عنه

الأعمال المضرة , كتخريب الأملاك العامة (الهواتف على الطرقات , قلع الاشجار أو إحراقها إتلاف الحدائق العامة تخريب أماكن الترفيه) أو ضرب المارة وأذيتهم وأهانتهم أو إزعاج الجيران بالأصوات العالية عبر التلفاز أو أشرطة المسجل أو بإلقاء الاوساخ في حقولهم وقرب منازلهم, أو اللعب بالقمار والورق وما شابه ذلك مما لا حل له إلا باتباع الأمور التي تصل الى السعادة الشخصية والعائلية والاجتماعية كما يأتي .

5- إلقاء النفس في التهلكة :

قد يتفاقم الوضع النفسي لدى بعض المصابين بالأمراض النفسية, فيصل إلى حالة من الهستيريا القريبة من الجنون فيقدم على الانتحار أو يلحق الأذى بجسده, بجرح أو بغيره, أو يلجأ الى الإفراط في شرب الكحول والمخدرات المحرمة شرعا أو غير ذلك .

وهذا هالك لا محالة إذا لم يتداركه الطبيب المختص أو المؤسسة الإنسانية المعنية بذلك أو دعاء الصاحين كما سيأتي .

ـ كيف نعالج الابتلاء بالفراغ ؟

سنطرح نماذج من الحلول تفيد من وقع في دوامة الفراغ, وتنقذه من حالته هذا وذلك ضمن النقاط التالية :

ذ ـ العقيدة :

إن تقوية عقيدة الإنسان بربه تعالى ورسله (عليهم السلام) تلغي الفراغ السلبي من حياة الإنسان, لأنه بقدر ما يرتبط بالله تعالى يشعر بالطمأنينة ويتحول الى إنسان واقعي يتحمل المسؤولية اتجاه نفسه والآخرين ويصبح التفكير لديه متجها نحو التفكير بالله تعالى والذي هو من أهم العبادات ثوابا. وكلما ابتعد الإنسان عن العقيدة كلما غرق بالفراغ السلبي والمظلم والخاسر واجه الإنسان الى الكفر أو الانتحار أو الاعتقادات الباطلة والفاسدة.

2- القيام بالأعمال العبادية :

والمقصود بها كل ما يسد أبواب الفراغ السلبي, كقراءة القرآن وصلة الأرحام وزيارة المرضى وزيارة مراقد المعصومين (عليهم السلام). وكالدعاء وطلب الحلول لنفسه وللآخرين من مدبر الكائنات كما أمرنا بذلك وتكفل بالإجابة, ومنه الرقي والحجب الشرعيين من روايات أهل البيت (عليهم السلام), إلا أن هذا لا يمنع من مراجعة الطبيب المختص لأن ذلك من مشيئة الله وحكمته كما ورد في الحديث : (أعقل راحلتك وتوكل)(1).

3- المطالعة :

الكتاب نعم الجليس ولا وحدة مع الكتاب, والمطالعة تعتبر الدليل الى الحياة المستقرة غير المتزلزلة .

وعلى الإنسان أن يختار الكتب المفيدة والتي تشق له مستقبلا ناجحا في الدنيا والآخرة, خاصة الكتب الإسلامية وبالأخص القرآن الكريم ونهج البلاغة والصحيفة السجادية والتي تعتبر من أهم الكتب الهادية للإنسان في مسيرته الى جانب هداية العقل .

ومن المعلوم أن الفكر غداؤه التنوع في المطالعة, ولكي لا يقع القارئ في الملل, فليطلع في أوقات فراغه ما تقبل عليه نفسه ضمن خطة تراعي الأوليات في التنوع الهادف .

4- المشاركة الجماعية :

من الأمور التي تلغي الفراغ والضياع انخراط الإنسان وانصهاره في الأعمال الاجتماعية المنضبطة والمحدودة, كما لو أكثر المشاركة مع عائلته أو أصدقائه في الرحلات والنزهات والسهر الليلي ووجبات الطعام الخاصة والعامة وغيرها. وكذلك الانخراط في النشاطات الاجتماعية التي تقوم بها عادة الجمعيات الخيرية أو المؤسسات الإنسانية التي تعنى بخدمة المحتاجين والفقراء أو خدمة المصالح العامة, فإن الانخراط بها والعيش مع الناس كواحد منهم, سبيل مهم لنسيان الوحدة وملء الفراغ.

5- تقوية المهارات الفردية :

مثل الخياطة والحياكة أو التأليف وكتابة الشعر, والنتيجة هي أنه كلما عالجنا مشكلة الفراغ في حياة الفرد كلما حصلنا على شخصية سالمة من الأداء الفاشل في حياتها, سواء كان على مستوى الأبوة والرعاية أم على مستوى المعاشرة مع الآخرين .

6- القيام بأعمال تنشط النفس وتبعث فيها الحيوية وتفتح النافذة نحو التفاؤل مثل النزهات الهادفة والأعمال الرياضية وما شابهها.

فهذه نماذج مما يمكن من خلالها الخروج من الفراغ الموبوء في حين أنه يجد الإنسان لنفسه أمورا أخرى تناسبه وتخرجه مما هو فيه .

ـ الأمر الثاني :

الأمر الثاني الذي يؤدي لفشل الشخصية هو ترك التعايش مع الناس وترك الانخراط في مجتمعاتهم وهجرانهم, وهو المسمى بالاعتزال .

ـ الاعتزال :

والاعتزال حالة شاذة في المجتمعات ولا يقع فيها إلى من كانت لديه مشكلة نفسية أو عائلية أو اجتماعية أو قانونية .

فعلى الإنسان بقدر الإمكان التواصل مع بني جنسه قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] فالتعارف يؤدي بنا الى التواصل ومشاركة الناس في أفراحهم وأحزانهم, فنفرح عندما يفرحون ونحن عنما تحل بهم مصيبة أو فاجعة, وفي كلا الحالين تحصل حالة الانصهار الاجتماعي وتبادل المشاعر والخبرات ويتحقق الشرط الأهم في بناء السعادة للمجتمع الانساني .

وبالتالي الاعتزال سبب من الأسباب التي تؤدي الى فشل الشخصية ولو جزئيا بالإضافة الى المردود السلبي لأدائها على الحالة الاجتماعية ولو على مستوى الأسرة .

وقد ورد في الروايات ما يذم العزلة التي تضر بالشخصية أو المجتمع :

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : (إنه لا بد لكم من الناس, إن أحدا لا يستغني عن الناس في  حياته, والناس لا بد لبعضهم من بعض )(2).

فالشارع المقدس حث على مشاركة الناس في شؤونهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ونظرا الى الفرد بأنه واحد من كل, واعتبر أن من يخالط الناس أجره عند الله تعالى أكثر من العابد المنعزل عنهم وإن أكثر من صلاته وصومه وصدقته .

ـ الأمر الثالث :

ـ الكبت النفسي :

إن الكبت حالة نفسانية مرضية تحصل لدى البعض ومن نتائجها الانزواء على الذات وكره مخالطة الناس الا للضرورات ولا يرون معنى للترويح عن أنفسهم كما هو ديدن الإنسان العادي , ولسنا بصدد دراسة أسباب ذلك, ولكن يجب إخراج النفس من هذه العقدة المرضية الخطيرة,

ولو بمراجعة الطبيب المختص مع وضع برنامج ترويحي وترفيهي .

والطريق الأفضل في الترويح عن النفس هو بالخروج الى الأماكن التي تشرح الصدر خاصة الأماكن التي يكثر فيها الخضرة والهواء النقي المفيد .

سأل ابن ابي العوجاء أبا عبد الله (عليه السلام) : لِمَ يميل القلب الى الخضرة اكثر مما يميل الى غيرها ؟

قال (عليه السلام) : (من قِبل أن الله تعالى خلق القلب أخضر ومن شأن الشيء أن يميل الى شكله ...)(3).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (الطيّب نشرة والغسل نشرة والركوب نشرة, والنظر الى الخضرة نشرة)(4) .

والنشرة هي الحياة أو ما يعطي الحياة, وقديما كانت تستعمل النشرة لعلاج المجنون والمريض.

والحياة أو النشرة التي تحصل من النظر الى الخضرة مما لا شك فيه أنها تزيد الإنسان سعادة, وتبعث في النفس القوة والنشاط .

وكذلك ما جاء في الحديث الشريف المتقدم من التطيب أي وضع الطيب والعطر أو شم ما فيه رائحة جميلة من الفواكه والزهور..

وكذلك الغسل الذي يزيد الإنسان طاقة وحيوية ونظافة بدنية .

وهكذا الركوب والذي هو عبارة عن وسيلة تغيير المكان والذهاب الى مكان آخر كالخيل والسيارة وغيرها, فإنه يجدد نشاط الإنسان ويساعده على المثابرة على العمل ويجدد القوى الخاملة . ومن يسافر في الطائرة أو السيارة أو القطار يشهد بذلك, إن كل هذه الأمور تزيد من سعادة الإنسان وتبعده .

وينبغي أن يكون الترويج عن النفس بصحبة العائلة أو الأهل والأصدقاء ممن يتفهم الوضع النفسي لدى المصائب, كما ويشترط خلو هذه الاماكن من المحرمات الشرعية .

الأمر الرابع :

ـ البطالة :

إن البطالة وعدم وجود فرص العمل لأفراد المجتمع تقع مسؤوليتها على الدولة بشكل عام لأنها الجهة المعنية بتأمين ذلك وعلى كل المستويات, وللبطالة هذه آثارها السلبية على الشخص الفاقد للعمل ومنها الشعور بالفشل والإحباط, وعندها يفقد أي طعم للفرحة والثقة والسعادة, وقد تجنح نفسه الى الأساليب الفاشلة في تعاطيه أو الانخراط في مسالك المجرمين وأهل السوء, والا يعنيه بالأخير التعاطي الاخلاقي في معاملاته .

في حين أنه لو تأمنت فرص العمل له لتولد لديه الإحساس بالثقة بذاته, ولتحول الى عنصر فعّال في مجتمعه يتكامل معهم ويشاركهم في الحياة العامة وفي استمراريتها ضمن الضوابط الأخلاقية والشرعية ألا ترى أن الطبيب رغم أنه يؤمن احتياجاته الشخصية له ولأسرته من خلال عمله يحس بنشرة السعادة الإنسانية في عمله عندما يشفي هذا ويطبب مرض ذاك ؟ والمجتمع بذاته سيعيش الأمان والاستقرار عندما تتأمن فرص العمل لأفراده وفي كل الميادين وتفتح المجالات لكل الاختصاصات والطاقات ضمن برنامج مدروس تطرح فيه الأوليات الوظائفية التي ينبغي أن يراعيها الأفراد في طريق خدمتهم العامة في الدولة والمؤسسات وأي تقصير في هذا المجال سيكون مردوده سلبيا على الفرد والمجتمع؛ لأنه سينتج الإحباط والفشل.. وفتح أبواب الهجرة للأدمغة والطاقات مما يذوق مرارته عالمنا الثالث .

إن العمل يزرع الثقة في نفس الفرد, ويعطيه جرعة الاطمئنان, ويحرك فيه التحسس بمشاكل المجتمع وبتفعيل الوضع الاجتماعي, وبالعمل المختص يسد حاجة من حوائج المجتمع بحيث يساهم بواسطته في مواكبة التطور والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الإنتاج والتعليم .

إن للعمل خصوصية وهي الثواب والعقاب في الآخرة, فالعمل الصالح سواء في العبادات أو المعاملات مع الناس هو مما يحبه الله سبحانه, ويثيب فاعله يوم القيامة .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله {وأدخل على أهل بيتٍ سروراً}) (5).

وقال الأمام الصادق (عليه السلام) : (قال الله عز وجل : الخلق عيالي فأحبهم إلي ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم )(6) .

لقد فضل الله تعالى الإنسان على جميع المخلوقات وأعد له دنيا واسعة فيها من النعم والخيرات ما لا يحصيها إلا الله عز وجل, وزوده بالعقل الذي يقدر على التطور والاختراع والإبداع في مسائل كثيرة على صعيد الفلك والنجوم والصناعات والزراعة, وفتح له باب العمل الصالح في شتى الميادين وجعله السبب في ثواب الآخرة ما دام مبنيا على العقيدة الصالحة, إنها حكمة الله سبحانه في تسخير عالم الكون للإنسان .

قال صادق آل محمد (عليه السلام) : (فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده, فالسماء مرفوعة كالسقف, والأرض ممدودة كالبساط , والنجوم منضودة (مضيئة) كالمصابيح والإنسان كملك (كمالك) ذلك البيت والمخول جميع ما فيه, وضروب النبات مهيأة لمآربه, وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه...)(7).

وكل إنسان يعيش في هذا المجتمع هو جزء منه عليه حقوق وواجبات ولا بد من أن يلتزم بها من أجل سعادته وسعادة من يعيش معه ضمن مشروع العدالة الذي رسمه الله تعالى لأهل الأرض في تجربتهم المحدودة للتأهل الى السعادة الحقيقية في رضوان الله تعالى وثوابه في الجنة .

ولا بد من الإشارة الى أن تأمين فرص العمل كما تقدم ليس هو العلة التامة للخروج من الفشل لأن الفشل له عوامله العديدة, كما أنه ليس الضمانة الوحيدة للنجاح الحقيقي والسعادة لأن العمل المفيد لا ينتج سعادة حقيقية إن تجرد عن التخطيط والتقييم والعوامل النفسية كذلك إن خلي من التوجه الى الله تعالى واتباع رضوانه .

ـ الأمر الخامس :

ـ عدم اتخاذ أصدقاء أو اتخاذ الأشرار منهم :

من الأمور التي قد تؤدي الى فشل الإنسان هي عدم اتخاذ أصدقاء ورفقاء صالحين في حياته الاجتماعية لأن وجود الصديق الموافق ضرورة حياتيه للمؤانسة ولمد يد العون ولو بالاستشارة وإلفات النظر والتنبيه على المخاطر .

وكذلك الحال تكون تجربة الإنسان فاشلة عند اتخاذ أصدقاء لا يلتزمون بالآداب العامة والأخلاق الحسنة ولا يهتمون بالإصلاح بل جل أعمالهم الفساد والإفساد, إن اخذ هكذا رفقاء يؤدي أيضا الى التأثر بهم بالجملة ومن ثم ينعكس ذلك فشلا على فشل في شخصية الإنسان وأدائه .

قال إمامنا الصادق (عليه السلام) : احذر ان تواخي من أرادك لطمع أو خوف أو ميل أو للأكل والشرب, واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض, وإن أفنيت عمرك في طلبهم فإن الله

عز وجل لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد الأنبياء والأولياء، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق بصحبتهم قال عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } [الزخرف:67] (8) .

وقال الإمام الباقر (عيه السلام) : قال لي أبي علي بن الحسين (عليه السلام): (يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق .

فقلت : يا أبه من هم عرفنيهم ؟

قال (عليه السلام) : إياك ومصاحبة الكذاب, فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد, ويبعد لك القريب.

وإياك ومصاحبة الفاسق, فإنه بايعك بأكلة , وأقل من ذلك .

وإياك ومصاحبة البخيل, فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه .

وإياك ومصاحبة الأحمق, فإنه يريد أن ينفعك فيضرك .

وأياك ومصاحبة القاطع لرحمه, فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع : قال الله عز وجل : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22، 23] .

وقال : {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25] .

وقال في سورة البقرة: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27](9) .

فالصداقة والصحبة لها أثر كبير على أفعال الإنسان ونجاحه, لذا جاء الحث الكبير من قبل أهل البيت (عليهم السلام) على حسن الصحبة واختيار الصديق المؤدب والعاقل واللبيب الذي يؤثر بسلوكه ومنطقه على الآخر فيوصله الى السعادة المطلوبة والأهداف المرجوة .

وبين أيدينا نماذج للصداقة والصحبة في جانبي الفشل والنجاح :

1ـ إيجاب يؤدي الى السعادة .

2- وسلبي يؤدي الى الشقاوة .

1ـ  الاتجاه السلبي للصحبة في محطات :

أ‌- في البيت :

إن السلوك السلبي للشاب والشابة في البيت ومع الأهل قد يكون متأثرا الى حد كبير بما يعتاداه ويتعلماه في معاشرتهما للأصدقاء مثل استقلال الرأي وعدم الانصياع لآراء الوالدين ومشورتهما, وطغيان حب التسلط وإتلاف الوقت على شاشة التلفزة والأنترنيت .

ب‌- في المدرسة أو الجامعة وأثناء الدراسة :

إن السلوك السلبي للشباب في مدارسهم وجامعاتهم كثيرا ما يكون متأثرا بأصدقائهم من ناحية التعامل غير اللائق مع مدرسيهم أو عدم اهتمامهم بدراستهم ومستقبلهم أو عدم التركيز داخل الجامعات على المحاضرات, أو سوء اختيار اختصاصهم أو الفشل في بعض مراحل الدراسة.

ت‌- في الشارع :

إن للشارع لغته التي تنعكس على سلوك الفرد وعاداته, فقد يكون محلا لترجمة الأخلاق السيئة المكتسبة من الآخرين, كأن يمشي بسرعة تؤذي الناس خاصة إذا كان في سيارة أو دراجة نارية, أو يتكلم بصوت عال أو تصدر منه الكلمات النابية والشتائم أو يتخذ الطريق معرضا لأزيائه الجميلة كما يفعل بعض الشباب والفتيات في عرض مفاتنهم على الناظرين مما لا يتلاءم مع عاداتنا الإسلامية والأخلاقية .

ومن هذه الأمور المشينة والمخالفة للآداب والمفسدة للسعادة والمورثة للفشل:

1ـ السرقة والعبث بأموال الناس والأموال العامة, كما يفعله بعض الجهلة والمتهورين إذ يقومون بالعبث بأضوية الشوارع أو السيارات أو الهواتف الموضوعة على الطرقات أو خرق سلة النفايات أو تكسير الأشجار وإتلافها, الى غير ذلك مما فيه ضررا على الجميع, وتهديدا للسلامة العامة .

2- إظهار حالة الكبرياء وعدم احترام الآخر والانتماء العصبي والشخصية الغضوبة المتهورة وغيرهما مما يفسد أخلاق الشباب ويؤثر على سلوكهم الاجتماعية والشخصية ويسلبهم السعادة الحقيقية .

3- التقليد في شرب الدخان والنرجيلة ناهيك عن المحذور الأكبر في تعاطي المخدرات مما يورثه الصديق السوء يؤثر به على صديقه عاجلا أم آجلا , بواسطة أم بغير واسطة .

2- الاتجاه الإيجابي للصحبة :

يعتبر الصديق قدوة لصديقه في كل شيء تأثيرا وتأثرا, إذ لا بد لكل طفل أو شاب من قرين يعاشره ويقضي معه بعض أوقاته, فإذا كان صالحا تعلم منه الصلاح وحب الناس والعطف عليهم. وإذا كان طالحا سيئا يأثر بسيئاته .

أن تعامل الصديق الوفي والبار والمؤدب مع أهله يؤثر في صديقه, ويكسبه حب الأهل وبرهم وحسن الكلام والتأدب معهم, والتفرغ للدراسة وبناء المستقبل من غير لهو وتضييع للوقت الى غير ذلك من القيم الإنسانية .

أن سلوك التلميذ المتزن والناجح في مدرسته يؤثر في أصدقائه, ليتعلموا منه احترام الدرس والمدرسين فيكون القدوة في إعطاء الصورة الحسنة للآخرين .

وهكذا تعامل الصديق مع الناس كإلقاء السلام على الصغير والكبير وخدمة المحتاجين وتقديم المساعدات لهم, وحسن معاشرة الناس وعدم أذيتهم والمحافظة على أموالهم وأعراضهم, ونحوها من الآداب الآتية التي يعكسها الصديق ويريها لصديقه .

وكلما كان الصديق مرتبطا بالدين والإسلام كلما كان مؤثرا في بناء شخصية صديقه ومستقبله, فالطفل أو  الشاب الذي يراود المسجد أو حلقات الدروس الثقافية الدينية والأدبية تكون دراسته أفضل من غيره, وتكون تصرفاته متزنة, لأن هذه الأمكنة هي محل للتأثر بالصديق الناجح أو الأستاذ المربي أو الصاحب الخلوق المجد فيتعلم الحفاظ على كتبه وممتلكاته وعدم الإسراف بأمواله, ويتعلم احترام الأساتذة وأهل العلم والمعرفة والخبرة كما يتعلم رحمة الصغير واحترام الكبير وطاعة الوالدين وزيارة الأقارب . 

وكذلك تتعلم الفتاة بالمعاشرة الصالحة العفة والوقار والعطف على الآخرين واحترام الزوج وطاعته بما أمر الله وكيفية تربية الأولاد والمحافظة عليهم الى جانب الأمور العبادية الخاصة والعامة .

إن تعاليم القرآن الكريم ومفاهيم الإسلام العزيز لها الدور البناء لشخصية كل من الرجل والمرأة ليصبحا عاملا مؤثرا في الآخرين فيتعلمان التعامل الصحيح في أمور معاشهم وكسب أموالهم بعيد عن الربا والسرقة والاستغلال والاحتكار ...

ويتعلمان كيفية التعامل مع النفس والعائلة والمجتمع والجيران بما يوصل إلى ذروة السعادة

الشخصية البعيدة عن أي فشل ولو بمستوى أقل الخسائر .ويبقى هذا السؤال : لماذا لا نستفيد من هذه الذخيرة الإلهية الكبرى والتي وصفها الله تعالى بقوله : {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف: 49]

نعم, إن اتخاذ الصداقة له مواصفاته الخاصة حددها الإسلام كما جاء عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

______________

1ـ راجع ميزان الحكمة : 10/658.

2- الكافي : 2/635,ح1.

3- مناقب آل ابي طالب : 3/380.

4- وسائل الشيعة :1/442 ح1.

5- الكافي : 2/164 , ح 6 , والمجازات النبوية للرضي : 241 , ح 195.

6- الكافي : 2/199 , ح10 .

7- التوحيد:12، والبحار:3/61.

8- مصباح الشريعة : 36.

9- وسائل الشيعة : 8/419.

 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.