أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2022
1897
التاريخ: 2-4-2017
3221
التاريخ: 2-7-2017
4531
التاريخ:
4024
|
كان الإيمان بالروح أول خطوة صحيحة في طريق الحرية الانسانية أو طريق الحكومة الديمقراطية كما نسميها اليوم.
لأن الإيمان بالروح يعلم الإنسان التبعة وأن {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وهذا هو أساس التكاليف والحقوق.
ولأنه يوحي إلى العقل عقيدة المساواة بين جميع الناس أمام الله وأمام شريعة الله .
ولو جاء الإيمان بالروح سابقا للرق لامتنع الاعتراف به في الأديان التي تأمر بهذه العقيدة؛ لأن بيع الإنسان بيع السلع الصماء لا يوافق الإيمان بروح يتساوى فيها السادة والعبيد، فضلا عن الإيمان بتفضيل روح العيد الصالح على روح السيد الذي يعوزه الصلاح.
ولكن الأديان ((الروحية)) جاءت بعد ظهور الرق في المجتمع الإنساني بآلاف السنين، وكان الرق في تلك الأحقاب الطوال قد امتزج بنظام الثروة ونظام المعاملات، فأصبح اقتلاعه دفعة واحدة من أعسر الأمور، ولم تكن أذواق الناس وأخلاقهم في العصور القديمة قد بلغت من اللطف والتهذيب مبلغ الترفع عن تسخري الآدميين كما يسخر الحيوان أو كما تسخر الآلة الصماء. فدارت الأديان ((الروحية)) حول المشكلة ولم تقابلها وجها لوجه في معظم الأحوال، ولم تكن للعبيد أنفسهم أنفة تعزف بهم عن هذه المنزلة التي فرضتها عليهم ضرورات الزمان، ومن كانت لهم الأنفة لم تكن لهم القدرة على التمرد والعصيان وتبديل المصالح والآداب.
ومع هذا لم يكن للمصلحين الدينيين بدٌّ من التوفيق بين عقيدة الروح وإباحة بيع الإنسان وفرائه كما تباع الآلات.
فكان من توفيقاتهم في هذا الباب أن العبد عبد بجسده حر بروحه أمام الله، وأنه في هذه الدنيا عبد وفي الآخرة سيد قد يرتفع إلى مراتب القديسين.
وكتب القديس بولس إلى أهل (أفسس) رسالة أوحى فيها العبيد بالإخلاص في الولاء لساداتهم كما يخلصون في الولاء للسيد المسيح، وكان الحواري بطرس يأمر العبيد بهذا الأمر ويلزمهم الخشية من سادتهم كأنها أدب من آداب الدين الصحيح، وجاءت الكنيسة فأقرت نظام الرق واعتمده أحبار رومة في المناشير والعظات، وأيده توماس الآكويني كبير فلاسفة النساك والقسيسين وتلميذ أرسطو الذي اشتهر بالعلم والتقوى في القرن الثالث عشر للمسيح. فاستند إلى أقوال رسل المسيحية، كما استند إلى أقوال أرسطو في كتابه عن السياسة؛ لأن أرسطو اعتين الأرقاء في حكم الآلات التي تراد لعمل من الأعمال، ولم ير في نظام الرق شيئا يعاب، فما دام في الناس من يعجز عن كفالة نفسه فعليه أن يعيش في كفالة سواه، وتبعه تلميذه الناسك؛ لأن الزهد في الحياة يجعل القناعة بأبخس المنازل أمرا سائغا لا غضاضة فيه، بل لعله من المأثور المحمود عند من يرفضون الحياة ... وقد واجه الرق بهذا المزاج فحسبه من الحرمان الذي لا يناقض الخطة المثلى في آداب الديانة وفضائل السلوك، وسهل عليه أن يجد للرق مصدقا من أسر الضرورات وتقييد بعض الحركات ببعض في نواميس الطبيعة وخصائص التكوين.
ومن أعجب العجب أن البلاد التي شاع فيها تحريم قتل الحيوان حتى ما يؤذي منه ولا يفيد - قد بلغت عقائدها القسوة القصوى في معاملة الأرقاء، فان أناساً من براهمة الهند كانوا يضربون الذلة على العبيد المعروفين باسم السودرا؛ لأنهم خلقوا من أسفل أعضاء الآلة فلا تبرحهم وصمة الذل ما لبسوا ثوب الحياة، قأيسر ما يعاقب به الرقيق على إغضاب سادته أن يسل لسانه أو يقتل بعد التمثيل به على مشهد من الناس.
وكانت الحضارة تلطف من هذه القسوة بعض التلطيف فتجري العادة أحياناً في الأمم المتحررة بالشفقة على العبيد والجواري وتخويلهم بعض حقوق المساواة. فكان المصريون الأقدمون يجيزون معاملة الإماء كما تعامل الزوجات الحرائر، ويحكمون بالقتل على من يقتل الرقيق في غير جريرة، ويلزمون الرجل في موقف الحساب بعد الموت أن يبرئ ذمته من إيذاء العبيد والإساءة إليهم، ويجعلون هذا الإبراء جوازا لا مناص منه إلى حظيرة الأرباب.
ومن مصر أخذ العبرانيون تحريم القسوة على العبيد والأجراء؛ لأنهم كثيرًا ما كانوا يؤدون في مصر عمل الأجراء إن لم يكن عمل العبيد . فجنحت بهم الرغبة والقدوة إلى إنصاف الأرقاء والأحلاس، وأنكروا الإرهاق كما أنكروا الضرب والإيذاء في معاملة الأجراء.
وقال هيرودوت: إن الفرس في زمانه كانوا يمنعون عقاب العبد عل الهفوة الأولى، ولكنهم يبيحون للسيد أن يقتل عبده أو يعذبه إذا أذنب مرة بعد أخرى، وكانت شريعة الفرس أرفق بالعبد على الجملة من شرائع اليونان والرومان؛ لأنها كانت ترخص له في الراحة وتكره العدوان عليه، وربما سرى إليهم أدب الشريعة هذا من عادة التسري واقتناء الزوجات من الإماء، ووافق ذلك معيشة الحضارة في المدن الكبيرة، وقلة الحاجة إلى إرهاق الأرقاء لتحصيل ضرورات المعيشة، ولعلهم قد استفادوا أيضاً من سنن العبرانيين في معاملة الرقيق، لطول العشرة بين اليهود وبين شعوب النهرين.
ولم تسلم أمة قط من إقرار نظام الرق وازدراء العبيد عل اختلاف عناصر الأمم وأجناسها.
فما قيل عن فضل أمم الشمال الأوروبية على أمم الجنوب كافة في هذه المسألة خطأ ظاهر في البحث عن حقائق الأسباب؛ لأن أمم الشمال لم تخل من نظام الرق سموا في الأخلاق أو تفردا بالصفات الإنسانية التي تدعى للشماليين في الزمن الأخير، ولكنها خلت من نظام الرق؛ لأن اقتناء الأرقاء في تلك البلاد الباردة يكلفها أكثر مما يحط عنها، فهي فضيلة الضرورات لا فضيلة الأخلاق، وهي مزية البقاع لا مزية عناصر الشمال.
وما زال الرقيق محروما من المساواة الإنسانية إلى هذا اليوم في الأمم الأوروبية والأمريكية. وكانت القوانين إلى القرن الثامن عشر تجيز قتل العبيد في المستعمرات إذا هربوا من الأسر أو أغلظوا لمواليهم في الكلام، ولم يكن على السيد الذي يقتل مولاه إرهاقا أو تعذيبا عقاب منصوص عليه.
تلك كانت حالة الرقيق جملة في القرون الأولى وفي القرون الحديثة، وقبل ظهور الأديان ((الروحية))، وبعد ظهور تلك الأديان.
ومن الأسباب التي تذكر لتحسين أحوال الأرقاء ومنع الاتجار بهم في العصر الحديث:
أن اقتناء العبيد كان ييسر لبعض البلاد أن تنافس البلاد التي تستخدم العمال الأحرار في الصناعة وتبذل لهم أجرا لا يطمع العبيد السود في مثله، وكان اقتناء العبيد يضير أولئك العمال الأحرار في الوقت الذي عرفوا فيه حقوقهم ونهضوا للمطالبة بها، وساعدهم على المطالبة بها أصحاب الأموال الذين لا يستفيدون من تسخير الأرقاء.
ومهما يكن الرأي في حقيقة هذه الأسباب فهي مما يدخل في التقدير عند بيان فضل الإسلام وسبقه للحضارة الحديثة إلى أرفع الآداب وأكرمها في مسألة الرق ومعاملة الأرقاء.
فلم تكن معاملة الأرقاء على الوجه الذي أمر به الإسلام مصلحة اقتصادية على فرض من هذه الفروض، بل ربما كان من المصلحة إبقاء الرق على نظامه الأول ليفرغ الأرقاء لأعمال المعيشة والسخرة، ويفرغ الأحرار لأعمال الجهاد والرئاسة.
كذلك لا يقال: إن الإسلام تهيب النظام القائم في المجتمعات القديمة كما تهيبتها الأديان الروحية فدارت حول المشكلة ولم تقابلها وجها لوجه في معظم الأحوال، ولم تأخذ بأيدي العبيد إلا بما كانت تفرضه عليهم من الطاعة وتزجيه إليهم من العزاء المنظور في الدار الآخرة.
فلا يقال: إن الإسلام قد منع رق المسلم وقصر الرق على الأسرى وأوجب لهم حسن المعاملة؛ لأنه كان ديناً يؤمن بالروح، ولا توافق بين الإيمان بالروح وبين بيع الآدميين كما يباع الحيوان ... فإن الواقع أن أدياناً ((روحية)) كثيرة قد وفقت بين الأمرين عل نحو من التوفيق.
ولا يقال: إن الإسلام قد جاء بآداب الرفق بالرقيق بعد ذهاب الحاجة إلى تسخير الأرقاء وتبدل الأحوال الاقتصادية في مجتمعات المشرق والمغرب ... فإن الواقع أن هذه الحاجة ظلت قائمة في البلاد الرقية والغربية إلى زمن يذكره الأحياء، ولا تزال قائمة حتى اليوم في بعض الأنحاء.
فإنما هو إذن فضل خالص من علل المادة ودواعي الثروة الاجتماعية، وإنما هو نصر صريح في عالم الروح يحسب للدين الإسلامي وحده بين سائر الأديان.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|