أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-10-2015
4956
التاريخ: 4-3-2019
2585
التاريخ: 4-3-2019
2596
التاريخ: 7-2-2019
3346
|
ما ان اغمض رسول الله (صلى الله عليه واله) عينيه وهو في حجر علي (عليه السلام) تاركاً هذا العالم الفاني حتى اجتمع الانصار والمهاجرون في سقيفة بني ساعدة للتداول في أمر الخلافة، وكأن القوم نسوا تماماً وصية النبي (صلى الله عليه واله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) خلال غزوة تبوك: اخلُفني في أهلي، اما ترضى ان تكون مني بمنـزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي، ويوم الغدير: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، ولم يكن بين وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) لعلي (عليه السلام) يوم الغدير بالولاية وبين وفاته (صلى الله عليه واله) الا سبعون يوما، وتلك مدة زمنية قصيرة لا يمكن الادعاء فيها بنسيان خطبته (صلى الله عليه واله) في حجة الوداع ووصاياه فيما يتعلق بالولاية.
وعلى اية حال، فان اجتماع السقيفة كان مؤتمرا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فقد كان اجتماعاً لأفراد جاءوا بدعوة - على الاغلب تأريخيا - من أجل مناقشة هدف محدد في فترة زمنية قصيرة جداً. وكانت آلية ذلك الاجتماع اعطاء صلاحية شرعية للبرنامج السياسي المطروح وهو خلافة رسول الله (صلى الله عليه واله)، وتناسي المرشح الاول في ذلك وهو علي بن ابي طالب (عليه السلام).
وكان ذلك الاجتماع يحمل خصائص خطيرة نعرضها فيما يلي:
أولاً: جمع اجتماع السقيفة كل الافراد الذين كانوا يطمحون سياسياً للأمارة، والذي كان يوحدهم في الاجتماع ويجمع شملهم هو الأمل بالفوز بذلك المقعد الحساس، وهو مقعد الخلافة والامارة، ولذلك تكررت الفاظ تدل على ذلك الأمر، منها: منا أمير ومنكم أمير، ونحن الامراء وانتم الوزراء، وهيهات لا يجتمع سيفان في غمدٍ واحدٍ، وغيرها من الالفاظ المشابهة، ولذلك فانهم تناسوا خطبة رسول الله (صلى الله عليه واله) يوم الغدير القائلة بخلافة علي (عليه السلام)، ولم يبرز في ذلك الاجتماع الصاخب ولا صوت واحد يذكّرهم بما قاله رسول الله (صلى الله عليه واله) في غدير خم قبل شهرين وعشرة أيام فقط، وهذا يعني بالنتيجة ان اجتماع السقيفة كان يحمل رباطاً يربطهم جميعاً وهو رباط الطموح الشخصي للخلافة.
ثانياً: لم يكن اجتماع السقيفة اجتماعاً تشاورياً بين الخبراء يؤدي الى الخروج بمبنى عقلائي، ولو كان كذلك لاسترجعوا في اذهانهم وصايا رسول الله (صلى الله عليه واله)، واقروا ولاية علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ولكنه كان اجتماعاً من أجل السيطرة والتحكم بالمقدرات، ولذلك رُفِعَ السيف اكثر من مرة، واُسكت أكثر من فرد، وتهاوت الافكار من اقصى الطموح بالخلافة للأنصار الى مستوى: منا أمير ومنكم أمير، الى القبول بخلافة المهاجرين، وكان اجتماعاً يتناغم فيه زعماء قريش بعضهم لصالح بعض، وكان الحباب بن المنذر أشدّهم في المعارضة السلّحة وكذلك سعد بن عبادة، بينما أخذ الحسد بشير بن سعد مأخذه منه.
ثالثاً: لم يكن جدول اعمال السقيفة تبادل الآراء بهدوء من أجل الوصول الى حل لمشكلة غياب النبي (صلى الله عليه واله)، على افتراض انها مشكلة، بل ان الجو النفسي كان جو ارهاب وتحدي وعنف لفظي مثّلته مخاوف الانصار من المصير القاتم على أحفادهم من خلافة قريش، وقول عمر لسعد بن عبادة: اقتلوه قتله الله.. ونحوها، ولو كان اجتماعهم اجتماع دين وتقوى في الصورة والمحتوى، لتوصل الى اتفاق مبدئي في الالتزام بوصايا رسول الله (صلى الله عليه واله).
ولذلك كان أهم آليات التعامل خلال اجتماع السقيفة هو استخدام القوة والتهديد حتى يرضخ الطرف الآخر صاغراً لإرادة الطرف الاقوى، وهنا كان الاتفاق نابعاً عن الاكراه والعنف، لا عن الاقناع والرضا، وقد انتصرت قريش وارغمت الانصار وغيرهم على قبول الواقع الجديد، ثم استخدمت قريش شتى أساليب الضغط والاكراه ضد علي (عليه السلام) وبني هاشم من أجل حملهم على الرضوخ لمطالب الوضع الجديد، ولم يكن أمام الامام (عليه السلام) الا المقاومة السلمية ضدهم وهو القائل (عليه السلام): اما والله لقد تقمصها فلانٌ، وانه ليعلم أنّ محليَّ منها محلُّ القُطبِ من الرحا ...(1) ذلك انه (عليه السلام) لو استخدم اسلوب المقاومة المسلحة - وهو بطل الابطال- لدخل في حرب لا تحمل شروطاً موضوعية، وغير قابلة للتجانس مع مجتمع حديث عهد بالدين.
رابعاً: كان اجتماع السقيفة مؤتمراً جمع اغلب اطراف الصراع الاجتماعي في عصر الاسلام عدا بني هاشم، فقد عزلوا تماماً من مجرى الاحداث، فقد حضر الاجتماع في سقيفة بني ساعدة: سعد بن عبادة شيخ الانصار، وبشير بن سعد من سادات الخزرج، وبعض رؤوساء الاوس كأسيد بن حضير، وغير الاوس كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة من قريش، ثم اجتمعت بنو أمية الى عثمان، واجتمعت بنو زهرة الى سعد وعبد الرحمن بن عوف، وكان بنو أمية وبنو زهرة على وفاق مع ما حصل في السقيفة، وكان هؤلاء جميعاً يمثلون التيارات المختلفة في المدينة، وهي: تيار الانصار : الاوس والخزرج، وتيار المهاجرين : قريش وبني أمية .
خامساً: التأم جمع السقيفة في يوم وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو لا يزال مسجى لم يُوارَ الثرى بعد، وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد هيأ لأسامة جيشاً كبيراً قبل أيام من وفاته (صلى الله عليه واله)، وكان في الجيش وجوه الانصار والمهاجرين، وتذكر كتب التأريخ ان النبي (صلى الله عليه واله) كان كثيراً ما يردد: انفذوا جيش اُسامة ويدعو الانصار والمهاجرين الى الالتحاق بالجيش، حتى يستوسق أمر الخلافة لأهله, والسؤال الذي يطرح هو: كيف التأم جمع السقيفة من الانصار والمهاجرين، في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن يكونوا خارج المدينة مع جيش اُسامة؟ وهذا يجعل المرء يشكك في مصداقية اولئك النفر الذين يأمرهم النبي (صلى الله عليه واله) بالذهاب الى الجيش، فيتعللون بمختلف العلل للبقاء في المدينة بانتظار موت النبي (صلى الله عليه واله)، فأين شرعية اجتماع السقيفة من كل ذلك؟
سادساً: اُريد لاجتماع السقيفة أن يُؤسس لأجواء ذهنية اجتماعية لتقبل إبعاد الامام (عليه السلام) عن الخلافة والقبول بخلافة الخليفة الجديد، واجتماعٌ من ذاك القبيل جمع تيارات سياسية واجتماعية تناست كُلها وصية النبي (صلى الله عليه واله) في غدير خم.
سابعاً: لم تكن العلاقة المبدأية بين القوى الفاعلة في السقيفة علاقة انسجام واقرار بمبدأ واحد، فيما يخص الولاية على أقل التقادير، بل كان الفهم السائد في اجواء السقيفة يقتضي الصراع ثم كبح جماح الطرف الاضعف، ولم يكن يقتضي التفاهم على وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) مثلاً، التي كانت أصل الانسجام الاجتماعي المفترَض في المجتمع المتدين.
ومن الطبيعي، فان تجمع ذلك العدد من الطامحين للمقاعد السياسية في تلك البقعة الصغيرة وفي ذلك الزمن القصير الحساس، كان مدعاةً لصراع اجتماعي وعدم انسجام مبدئي حول من يخلف رسول الله (صلى الله عليه واله) فقد كان لكل طرف من تلك الاطراف اهداف ووظائف غير قابلة للاندماج مع وظائف الآخرين، في خليط سياسي مضطرب وغير متجانس، فبينما كان الامام (عليه السلام) يسعى من أجل ديمومة الشريعة وتطبيق احكام السماء في المجتمع الديني، كانت الاطراف الاخرى تحاول الفوز بالسلطة على حساب طموحات الدين.
وذلك التنافس المحموم حول السلطة كان يعبّر عن حربٍ بين الضمائر أيضا ذلك ان الاهداف المتعاكسة تتصادم، ويحاول كل طرف انهاء طموحات الطرف الآخر في السلطة والرياسة خصوصاً اذا كانت تلك المبادئ التي تؤمن بها تلك الاطراف متناقضة تماماً وغير قابلة للتعايش ، ومن هنا نفهم ان الاحداث التي اعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) تشير الى أن الامور كانت تسير بهذا الاتجاه، فلم تكن هناك أهداف مشتركة تعمل على تحقيقها الاطراف المختلفة فلم تكن - في الصورة الكلية - مساحة للتفاهم والمشاركة.
ثامناً: كان من اهداف المنافسة السياسية والصراع الاجتماعي محاولة الطرف القوي - في الدهاء - حذف الطرف الآخر من المعادلة الاجتماعية، ولذلك حاولت قريش حذف علي (عليه السلام) بكل ما يمثله من قيم ومبادئ وبطولة واخلاق وفهم للشريعة؛ لان متطلبات بقائها في السلطة كان يقتضي ذلك، والى ذلك أشار (عليه السلام) في احدى خطبه: اللهم اني استعديك على قريشٍ ومن أعانهُم! فإنهم قطعوا رَحمي وصغّروا عظيمَ منـزلتي، واجمعوا على منازعتي أمراً هو لي. ثم قالوا: ألا إنّ في الحقّ ان تأخُذَهُ، وفي الحقِ ان تتركَهُ(2).
ولولا طموحات القوم السياسية لما اصبح الصراع ظاهرة من ظواهر الحياة الاجتماعية عند المسلمين . بل إنهم بفضل اجتماعهم في السقيفة وتغييبهم للقانون والشريعة، قد اوجدوا للصراع الاجتماعي بين الحق والباطل شروطاً موضوعية من أجل ان يستمر الى يوم القيامة.
واصبحت التركيبة الاجتماعية للمسلمين منذ واقعة السقيفة ولحد اليوم تركيبة مبنية على اساس صراع الضمائر بين الحق والباطل، فالضمير الشيعي الامامي اصبح مرهفاً يبكي مظلومية علي (عليه السلام)، ومظلومية الزهراء (عليه السلام) ومظلومية بقية الاوصياء (عليه السلام)، بينما بقى ضمير الاغلبية الصامتة جاهلاً شروط الصراع وظروفه التأريخية.
ومن الطبيعي فان عملية الانتقال لا تكون شرعية الا ان يوصي الحاكم الاول وهو رسول الله (صلى الله عليه واله) الى الحاكم الثاني، أو على الاقل يُمضي انتقال السلطة الشرعية من يده الشريفة (صلى الله عليه واله) الى اليد الثانية . اما ان يجتمع القوم ويقررون، دون رضا رسول الله (صلى الله عليه واله)، فهنا يصبح الانتقال غير شرعيٍ ولا ملزمٍ، ولذلك فان الامام (عليه السلام) لم يبايع الخليفة الاول.
وانتقال السلطة الدينية التي خطط لها رسول الله (صلى الله عليه واله) لا يعني انتقال السلطة التنفيذية فقط، بل كان يعني انتقال السلطة التشريعية والقضائية أيضاً، وكل تلك السلطات مبنية على اساس القرآن والسنّة الشريفة، ذلك ان العصمة في الدين تعكس القدرة الاستثنائية على ادراك ملاكات الاحكام، والمصالح والمفاسد، ادراكاً واقعياً حقيقياً، وهنا يكون الولي الذي اوصي له بالقول: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه قائداً حقيقياً في التنفيذ والتشريع والقضاء خصوصاً وان الوضع الاستثنائي الذي كان يعيشه الاسلام من حيث وجود المنافقين، والذين دخلوا الاسلام حديثاً، والذين آمنوا ظاهراً ولم يؤمنوا باطناً، يتطلب تكثيف الإرادة الشرعية فيما يتعلق بالإدارة الاجتماعية والسلطة الشرعية في يد وحدة قادرة على اداء تلك الوظائف مجتمعة، ولذلك خاطبهم الامام (عليه السلام) بعد انتهاء السقيفة:...لنحن أحقّ الناس به، لأنا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا الا القارىء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله (صلى الله عليه واله)، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الامور السيئة، القاسم بينهم بالسوية(3).
عاشراً: انتهى اجتماع السقيفة بانتصار قريش على الانصار، لوجهين:
أ _ ارتكب الانصار أعظم الاخطاء السياسية عندما طرحوا آراءهم واهدافهم من البداية على طرف محنّك سياسياً، ولم يتأنوا قليلاً وينتظروا ما سيقول خصمهم.
ب _ لم يكن اندفاع الانصار نحو الخلافة كاندفاع قريش القوي الشرس، وكان قول الانصار: منا أمير ومنكم أمير، أول الوهن وأول التنازل أمام خصم قوي، فاستغلت قريش ذلك وطالبتهم بأن يكونوا وزراء لقريش، وهي التفاتة سياسية وتوهين لم يحسب لهما الانصار حساباً، وهنا استخدمت قريش استراتيجية محكمة في التعامل مع الانصار، بينما اعتمد الانصار على مجرد الالفاظ والعبارات من اجل قطف ثمار الخلافة.
وعندما رأى (عليه السلام) ما حصل في السقيفة من انتخاب القوم لرجلٍ من قريش، وابعاده (عليه السلام) عن حقه في الولاية، قرر ان يلتزم الصمت والصبر بعد ان بحّ صوته في نقاشهم ومحاججتهم، فكان (عليه السلام) يقول:...فرأيت ان الصبر على هاتا احجى ألزم ، فصبرتُ وفي العينِ قذىً ، وفي الحلقِ شجاً ، أرى تراثي نهباً...(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - نهج البلاغة : خطبة 3 ، ص 35.
2 - نهج البلاغة : خطبة 172 ، ص 303.
3 - الامامة والسياسة : ابن قتيبة ، ج 1 ، ص 21 – 30.
4 - نهج البلاغة : خطبة 3 ، ص 36.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|