المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

Consonants
2024-04-30
فضل إكرام الضيف
2023-09-20
خالد بن نافع البجلي.
29-7-2017
N-CHANNEL AND P-CHANNEL
22-10-2020
أهمية الأتهام
15-5-2017
تفسير الاية (1-19) من سورة القيامة
11-2-2018


تفسير آية (4-6) من سورة الانعام  
  
2070   06:44 مساءً   التاريخ: 25-3-2021
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام : 4 - 6].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام : 4-5] .

 

أخبر سبحانه عن الكفار المذكورين في أول الآية ، فقال : {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ} أي : لا تأتيهم حجة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أي من حججه وبيناته كانشقاق القمر وآيات القرآن ، وغير ذلك من المعجزات {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} : لا يقبلونها ، ولا يستدلون بها على ما دلهم الله عليه من توحيده ، وصدق رسوله {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} أي : بالحق الذي أتاهم به محمد صلى الله عليه وآله . وسلم من القرآن ، وسائر أمور الدين {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ} أي أخبار {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} والمعنى : أخبار استهزائهم ، وجزاؤه وهو عقاب الآخرة . وقيل : معناه سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم ، عن ابن عباس ، والحسن ، وبه قال الزجاج . ومعنى الاستهزاء : إيهام التفخيم في معنى التحقير .

 

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام : 6] .

 

ثم حذرهم سبحانه ما نزل بالأمم قبلهم ، فقال : {أَلَمْ يَرَوْا} أي : ألم يعلم هؤلاء الكفار {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} أي : من أمة ، وكل طبقة ، مقترنين في وقت قرن . {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} معناه : جعلناهم ملوكا وأغنياء ، كأنه سبحانه أخبر النبي عنهم في صدر الكلام ، ثم خاطبه معهم .

وقال ابن عباس : يريد أعطيناهم ما لم نعطكم ، والمعنى : وسعنا عليهم في كثرة العبيد ، والأموال ، والولاية ، والبسطة ، وطول العمر ، ونفاذ الأمر ، وأنتم تسمعون أخبارهم ، وترون ديارهم ، وآثارهم .

{وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} قال ابن عباس : يريد به الغيث ، والبركة ، {والسَّمَاءَ} معناه : المطر هنا . {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَار} أي : ماء الأنهار {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} ولم يغن ذلك عنهم شيئا لما طغوا ، واجترؤوا علينا {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} أي : خلقنا من بعد هلاكهم جماعة أخرى .

وفي هذه الآية دلالة على وجوب التفكر والتدبر ، واحتجاج على منكري البعث بأن من أهلك من قبلهم ، وأنشأ قوما آخرين ، قادر على أن يفني العالم ، وينشئ عالما آخر ، ويعيد الخلق بعد الإفناء .

_______________________

1 . مجمع البيان ، ج4 ، ص 10-12 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

أصول العقيدة ثلاثة : التوحيد والنبوة والبعث ، والآيات الثلاث السابقة تعرضت للتوحيد ودلائله ، وتعرضت هذه الآيات إلى النبوة ، وحال المكذبين بها .

{وما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} . المراد بالآية هنا الحجة القاطعة على وجود اللَّه ووحدانيته ، وعلى البعث ونبوة محمد ، والمعنى ان الكافرين يرفضون دليل الحق ، ويعرضون عنه ، دون أن ينظروا إليه . .

ولو كانوا من طلاب الحقيقة لنظروا إلى الدليل وتدبروه بإمعان ، وعملوا بمؤداه ، أما الرفض والاعراض قبل النظر والدرس فعناد ومكابرة .

 

لا ديكتاتورية في الأرض ولا في السماء :

اختلف المفسرون في تعيين المراد من الآية التي أعرض عنها ، واستهزأ بها المكذبون : هل هي القرآن ، أو غيره من معجزات رسول اللَّه (صلَّ الله عليه واله) ، أو ان المراد بالآية جميع ما أتى به من المعجزات ؟ . وتنبهت ، وأنا أتابع هذا الاختلاف ، إلى أن الآية التي نفسرها ، وما جاء في القرآن من أمثالها تتضمن معنى أجل مما اهتم المفسرون بشرحه ، انها تتضمن الدلالة على ان الإسلام يقوم على حرية العقل والرأي ، وانه لا يحق لأحد ، كائنا من كان ، أن يطلب من غيره التسليم والإذعان لأقواله تسليما أعمى ومن غير دليل ، حتى خالق الكون جلت كلمته لا يفرض على عباده الإيمان به وبكتبه ورسله فرضا ومن غير دليل ، انه تعالى يقيم الحجة على ما يقوله ويدعو إليه ، ويطلب من كل عاقل أن ينظر فيها ويتدبرها بإمعان ، شأنه في ذلك ، تعالى اللَّه علوا عظيما ، شأن كل عالم منصف وان بعد القياس والتشبيه بين الخالق والمخلوق .

قال تعالى {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الروم : 8] . وقال {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق : 6] . وقال : {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس : 24] .

ان هذه الآيات وما إليها تدل دلالة قاطعة على انه تعالى يقيم الدلائل والبينات على دعوة الحق ، ويدعو إلى تدبرها والنظر فيها ، فإذا أعرض من لا يؤمن إلا بما يريد فهو وحده المسؤول عن جحوده وإنكاره .

 

{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} .

قد يتجاهل الإنسان الحق غير مكترث به ، لا يؤمن به ، ولكن لا يؤيده ولا يحاربه ، كما هو شأن اللامبالي ، وقد يقف منه موقف المكذب ، وهذا مكابر ، ان كذب عن علم بالحق ، وان كذب واستهزأ فهو محارب للحق ، والأول أخف جرما من الثاني ، لأنه أشبه بمن يمتنع عن الاقتراع ، والثاني أخف ذنبا من الثالث ، لأنه ضم صوته إلى صوت المكذبين ، أما الثالث فقد كذّب وأبدى نشاطا ضد الحق ، وهذا الثالث هو المقصود بالتهديد والوعيد ، وأنه سيلاقي جزاء عناده واستهزائه .

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} . كان عرب الجاهلية يعرفون الكثير عن قوم عاد وثمود ولوط وغيرهم ، وكانوا يمرون في رحلاتهم بآثارهم ، فيشاهدونها ويتحدثون عنهم وعنها ، ويعرفون ان اللَّه سبحانه أهلكهم ، لأنهم كذبوا بالحق الذي جاء به أنبياؤهم من عند اللَّه .

وهذه الآية تحض الذين كذّبوا محمدا (صلَّ الله عليه واله) ان يعتبروا بهلاك الأجيال الغابرة ، وقد كان لهم من أسباب الملك والقوة والسلطان ما لم يكن للمخاطبين من عرب الجاهلية .

{وأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً} . أي المطر الغزير ينشئ الخصب في حياتهم ويفيض عليهم الأرزاق {وجَعَلْنَا الأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} كناية عن الرخاء وكثرة الانتاج {فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} ولم يغن عنهم المال والسلطان {وأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} والعاقل من اتعظ بغيره قبل أن يتعظ الغير به .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 159- 162 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الآيات إشارة إلى تكذيبهم الحق الذي أرسل به الرسول وتماديهم في تكذيب الحق والاستهزاء بآيات الله سبحانه ثم موعظة لهم وتخويف وإنذار ، وجواب عن بعض ما لغوا به في إنكار الحق الصريح .

قوله تعالى : {وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} إشارة إلى أن سجية الاستكبار رسخت في نفوسهم فأنتجت فيهم الإعراض عن الآيات الدالة على الحق فلا يلتفتون إلى آية من الآيات من غير تفاوت بين آية وآية لأنهم كذبوا بالأصل المقصود الذي هو الحق ، وهو قوله تعالى : {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ}.

قوله تعالى : {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} تخويف وإنذار فإن الذي يستهزءون به حق ، والحق يأبى إلا أن يظهر يوما ويخرج من حد النبإ إلى حد العيان قال تعالى : {وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ} [ الشورى : 24 ] ، وقال : {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [ الصف : 9 ] وقال في مثل ضربه : {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [ الرعد : 17].

ومن المعلوم أن الحق إذا ظهر لم يستو في مساسه المؤمن والكافر ، والخاضع والمستهزئ ، قال تعالى : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} [ الصافات : 177] .

قوله تعالى : {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} إلى آخر الآية ، قال الراغب : القرن القوم المقترنون في زمن واحد وجمعه قرون انتهى .

وقال أيضا : قال تعالى : {وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً} {يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً} وأصله من الدر ـ بالفتح ـ والدرة ـ بالكسر ـ أي اللبن ، ويستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير وأوصافه فقيل : لله دره ودر درك ، ومنه أستعير قولهم  غسوق دره أي نفاق ـ بالفتح ـ انتهى.

وفي قوله تعالى : {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} التفات من الغيبة إلى الحضور ، والوجه فيه ظاهرا رفع اللبس من جهة مرجع الضمير فلو لا الالتفات إلى الحضور في قوله : {ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} أوهم السياق رجوعه إلى ما يرجع إليه الضمير في قوله : {مَكَّنَّاهُمْ} وإلا فأصل السياق في مفتتح السورة للغيبة ، وقد تقدم الكلام في الالتفات الواقع في قوله : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} .

وفي قوله : {فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} دلالة على أن للسيئات والذنوب دخلا في البلايا والمحن العامة ، وفي هذا المعنى وكذا في معنى دخل الحسنات والطاعات في إفاضات النعم ونزول البركات آيات كثيرة.

_______________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 15- 16 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

إنّ معظم الخطاب في سورة الأنعام موجه إلى المشركين ، والقرآن يستخدم شتى السبل لإيقاظهم وتوعيتهم ، فهذه الآية والآيات الكثيرة التي تليها تواصل هذا الموضوع.

تشير هذه الآية إلى روح العناد واللامبالاة والتكبر عند المشركين تجاه الحقّ وتجاه آيات الله فتقول : {وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} (2) .

أي أنّ أبسط شروط الهداية ـ وهو البحث والتقصي ـ غير موجود عندهم ، وليس فيهم أي اندفاع لطلب الحقيقة ، ولا يحسّون بعطش إليها ليبحثوا عنها ، وحتى لو تدفّق ينبوع الماء الزلال عند عتبات بيوتهم لأعرضوا عنه ولما نظروا اليه ... وكذلك فهم يعرضون عن آيات «ربّهم» النازلة لتربيتهم وتكاملهم .

مثل هذه النفسية لا يقتصر وجودها على عهود الجاهلية ومشركي العرب ، فاليوم أيضا نجد من بلغ الستين من عمره ومع ذلك لم يجشم نفسه عناء ساعة واحدة من البحث والتحقيق في الله والدين ، وإن وقع بيده كتاب أو بحث في هذا الموضوع لم ينظر إليه ، وإن تحدث إليه أحد بهذا الشأن لم يصغ إليه ، هؤلاء هم الجهلاء المعاندون الغافلون الذين قد يظهرون أحيانا أمام الناس بمظهر العالم المتجبر!

ثمّ تشير الآية إلى نتيجة أعمالهم ، وهي : أنّهم عند ما رأوا الحقيقة كذبوها ، ولو أنّهم دققوا في آيات الله جيدا لرأوا الحقيقة وأدركوها وآمنوا بها : {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ} ، ولسوف تصلهم نتيجة هذا التكذيب والسخرية : {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} .

في هاتين الآيتين إشارة إلى ثلاث مراحل من الكفر تتزايد في الشدّة على التوالي ، المرحلة الاولى هي مرحلة الإعراض ، ثمّ مرحلة التكذيب ، وأخيرا مرحلة الاستهزاء بآيات الله.

يدل هذا على أنّ الإنسان في كفره لا يتوقف في مرحلة واحدة ، بل يزداد باستمرار إنكارا للحق وعدواة له وابتعادا عن الله.

المقصود من التهديد المذكور في آخر الآية أنّ أوزار عدم الإيمان ستحيق بهم عاجلا أو آجلا في الدنيا والآخرة ، والآيات التّالية تؤكّد هذا التّفسير.

 

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الانعام : 6] .

 

مصير الطّغاة :

ابتداء من هذه الآية وما بعدها يشرع القرآن بعرض خطّة تربوية مرحلية لإيقاظ عبدة الأصنام والمشركين تتناسب مع اختلاف الدوافع عند الفريقين ، يبدأ أوّلا بمكافحة عامل (الغرور) وهو من عوامل الطغيان والعصيان والانحراف المهمّة ، فيذكرهم بالأمم السالفة ومصائرهم المؤلمة ، وبذلك يحذر هؤلاء الذين غطت أبصارهم غشاوة الغرور ، ويقول : {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً (3) وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ}.

ولكنّهم لمّا استمروا على طريق الطغيان ، لم تستطع هذه الإمكانات إنقاذهم من العقاب الإلهي : {فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} .

أفلا ينبغي أنّ يكون علمهم بمصائر الماضين عبرة لهم ، توقظهم من نوم غفلتهم ، ومن سكرتهم؟ أليس الله الذي أهلك السابقين بقادر على أن يهلك هؤلاء أيضا ؟

 

هاهنا بضع نقاط نلفت إليها الانتباه :

1ـ على الرّغم من أن «قرن» تعني فترة طويلة من الزمن (مائة ، أو سبعين أو ثلاثين سنة) ، ولكنّها قد تعني أيضا ـ كما يقول اللغويون ـ القوم والجماعة في زمان معين (القرن من الاقتران بمعنى التقارب ، وبالنظر لأنّ أهل العصر الواحد أو العصور المتقاربة قريبون من بعضهم فقد يطلق عليهم وعلى زمانهم اسم القرن) .

2ـ يتكرر في القرآن القول بأنّ الإمكانات المادية الكثيرة تبعث على الغرور والغفلة لدى ضعفاء النفس من الناس كقوله تعالى : {إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} [العلق : 6 ، 7] ، لأنّهم بتوفر تلك الإمكانات عندهم يرون أنفسهم في غنى عن الله ، غافلين عن العناية الإلهية والإمدادات الربانية المغدقة عليهم في كل لحظة وثانية ، ولولاها لما استمروا على قيد الحياة.

3ـ ليس هذا التحذير مختصا بعبدة الأصنام ، فالقرآن يخاطب ـ أيضا ـ اليوم العالم الصناعي الثري الذي أثملته الإمكانات المادية وملأته بالغرور ، ويحذره من نسيان الأقوام السابقة وممّا حاق بهم نتيجة ما ارتكبوه من ذنوب ، وكأني بالقرآن يقول للمغرورين في عالمنا اليوم : إنّكم ستفقدون كل شيء بانطلاق شرارة حرب عالمية أخرى ، لتعودوا إلى عصر ما قبل التمدن الصناعي اعلموا أنّ سبب تعاسة أولئك لم يكن شيئا سوى إثمهم وظلمهم واضطهادهم الناس وعدم إيمانهم وهذه عوامل ظاهرة في مجتمعكم أيضا .

حقا إنّ دراسة تاريخ فراعنة مصر ، وملوك سبأ وسلاطين كلدة وآشور ، وقياصرة الرّوم ، ومعيشتهم الباذخة الأسطورية وما كانوا يتقلبون فيه من نعم لا تعد ولا تحصى ، ثمّ رؤية عواقب أمورهم المؤلمة التي حاقت بهم بسبب ظلمهم الذي قوض أركان حياتهم ، فيها أعظم العبر والدروس .

________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 16- 19 .

2. كلمة «آية» نكرة ، ووردت في سياق النفي ، فيكون المعنى : إنّهم يعرضون عن كل آية ولا يفكرون فيها .

3. «المدرار» في الأصل من «درّ» اللبن ، ثمّ انتقل إِلى ما يشبهه في النّزول كالمطر والكلمة صيغة مبالغة ، وجملة «أرسلنا السماء» للزيادة في المبالغة .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .