المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17615 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

برهان على اختصاص الحمد بالله سبحانه
2023-05-06
[نصارى الكوفة]
6-4-2016
الهجرة.
2023-10-07
الشّفاعة في الحديث
25-09-2014
compact (adj.)
2023-07-10
شعراء النقائض
19-7-2021


تفسير الاية (10-14) من سورة الفتح  
  
4730   03:39 مساءً   التاريخ: 8-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة الفتح /

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوأَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفتح: 10 - 14].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{إن الذين يبايعونك} المراد بالبيعة هنا بيعة الحديبية وهي بيعة الرضوان بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الموت {إنما يبايعون الله} يعني أن المبايعة معك تكون مبايعة مع الله لأن طاعتك طاعة الله وإنما سميت بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب النصرة {يد الله فوق أيديهم} أي عقد الله في هذه البيعة فوق عقدهم لأنهم بايعوا الله ببيعة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فكأنهم بايعوه من غير واسطة عن السدي وقيل معناه قوة الله في نصرة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فوق نصرتهم إياه أي ثق بنصرة الله لك لا بنصرتهم وإن بايعوك عن ابن كيسان وقيل نعمة الله عليهم بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فوق أيديهم بالطاعة والمبايعة عن الكلبي وقيل يد الله بالثواب وما وعدهم على بيعتهم من الجزاء فوق أيديهم بالصدق والوفاء عن ابن عباس {فمن نكث} أي نقض ما عقد من البيعة {فإنما ينكث على نفسه} أي يرجع ضرر ذلك النقض عليه وليس له الجنة ولا كرامة عن ابن عباس {ومن أوفى} أي ثبت على الوفاء {بما عاهد عليه الله} من البيعة {فسيؤتيه أجرا عظيما} أي ثوابا جزيلا .

ثم أخبر سبحانه عمن تخلف عن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {سيقول لك المخلفون من الأعراب} أي الذي تخلفوا عن صحبتك في وجهتك وعمرتك وذلك أنه لما أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا وكان في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة استنفر من حول المدينة إلى الخروج معه وهم غفار وأسلم ومزينة وجهينة وأشجع والدئل حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو بصد وأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربا فتثاقل عنه كثير من الأعراب فقالوا نذهب معه إلى قوم قد جاءوه فقتلوا أصحابه فتخلفوا عنه واعتلوا بالشغل فقال سبحانه إنهم يقولون لك إذا انصرفت إليهم فعاتبتهم على التخلف عنك {شغلتنا أموالنا وأهلونا} عن الخروج معك {فاستغفر لنا} في قعودنا عنك فكذبهم الله تعالى فقال {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} كذبهم في اعتذارهم بما أخبر عن ضمائرهم وأسرارهم أي لا يبالون استغفر لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أم لا.

 {قل} يا محمد {فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا} أي فمن يمنعكم من عذاب الله إن أراد بكم سوءا ونفعا أي غنيمة عن ابن عباس وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يدفع عنهم الضر أو يعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم فأخبرهم سبحانه أنه إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه عنهم {بل كان الله بما تعملون خبيرا} أي عالما بما كنتم تعملون في تخلفكم {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا} أي ظننتم أنهم لا يرجعون إلى من خلفوا بالمدينة من الأهل والأولاد لأن العدو يستأصلهم ويصطليهم(2) {وزين ذلك في قلوبكم} أي زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم وسوله لكم {وظننتم ظن السوء} في هلاك النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين وكل هذا من الغيب الذي لا يطلع عليه أحد إلا الله فصار معجزا لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) {وكنتم قوما بورا} أي هلكى لا تصلحون لخير عن مجاهد وقيل قوما فاسدين عن قتادة {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا} أي نارا تسعرهم وتحرقهم {ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء} ذنوبه {ويعذب من يشاء} إذا استحق العقاب {وكان الله غفورا رحيما} ظاهر المعنى .

___________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9، ص188-191.

1- وفي بعض النسخ : ((يصطلمهم)).

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

خلاصة القصة :

{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهً يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهً فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } . تشير هذه الآية الكريمة إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وهذه حكايتها :

في سنة ست للهجرة كان المشركون هم المسيطرين على مكة والبيت الحرام ، وفي أواخر هذه السنة خرج رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) من المدينة المنورة مع ألف وأربعمائة من المسلمين قاصدين مكة المكرمة يريدون العمرة ، ولا يفكرون في حرب . ولما بلغوا مكانا يسمى الحديبية علم أبو سفيان بمقدمهم ، فجمع قريشا وقرروا مجمعين أن يمنعوا الرسول ومن معه ويصدوهم عن بيت اللَّه الحرام بقوة السلاح ، وجمعوا الفرسان لذلك ، وجعلوا عليهم خالد بن الوليد ، ثم سعى السفراء بين النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) وبينهم ، وكان سفراء قريش يطلبون من النبي أن يعود إلى المدينة ولا يدخل مكة ، ويجيبهم النبي بأننا لم نأت لقتال أحد ، وقد جئنا زائرين البيت الحرام ، ومن صدنا عنه قاتلناه .

وكان عروة بن مسعود أحد سفراء قريش إلى رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وقد رأى الصحابة يتفانون في حب الرسول ، فلا يتوضأ إلا ابتدروا وضوؤه ، ولا يبصق إلا أخذوا بصاقه ، ولا يسقط من شعره شيء إلا تهالكوا عليه ، فعاد وهو في دهشة مما رأى ، وقال : (يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشي في ملكه ، واني ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ، لقد رأيتهم لا يسلمونه لشيء أبدا ، فروا رأيكم) .

وأرسل رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) لقريش عثمان بن عفان لأنه قريب أبي سفيان ، وقال له : أخبرهم انّا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته ، ومعنا الهدي ننحره وننصرف . . ولما بلَّغهم عثمان قالوا : لا كان هذا أبدا . وانقطعت أخبار عثمان ، وشاع انه قد قتل ، وحين بلغت هذه الشائعة مسامع النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) قال : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا إلى مبايعته ، وكان جالسا تحت شجرة هناك ، فأسرع أصحابه يبايعونه على الطاعة والموت في سبيل اللَّه .

وقد وصف سبحانه هذه البيعة بأنها بيعته بالذات ، وانه قد أخذها بيده ، وان من نقضها ونكث بها فقد خان اللَّه وتعرض لغضبه وسطوته ، وان من وفى بها ولم ينقض الميثاق فإن له عند ربه لزلفى وحسن مآب ، وذلك حيث يقول

عز من قائل : {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهً يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهً فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} . وقد اشتهرت هذه البيعة ببيعة الرضوان ، وأيضا يطلق عليها بيعة الشجرة ، وبيعة الرضوان تحت الشجرة لقوله تعالى : {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} - 18 الفتح .

ولما رأت قريش ما رأت من صلابة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) رضخت للصلح ، وتم الاتفاق على أن لا يدخل المسلمون مكة هذا العام حتى إذا كان العام القادم دخلوها معتمرين ، وأقاموا فيها ثلاثة أيام لا يحملون من السلاح إلا السيوف في أغمادها .

ودعا الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) علي بن أبي طالب ، وقال له : اكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، فاعترض مندوب قريش وقال : اكتب باسمك اللهم ، فقبل النبي وكتب علي ، ثم قال النبي : اكتب هذا ما صالح محمد رسول اللَّه ، فاعترض مندوب قريش وقال : اكتب اسمك واسم أبيك ، فقبل النبي وتلكأ علي ، فقال له النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ): ولك مثلها وأنت مضطهد . يشير بذلك إلى مسألة الحكمين في صفين ، وهذا من علم الغيب الذي أوحى اللَّه به إلى نبيه الكريم وهومن أقوى الدلائل على نبوته وصدقه في رسالته .

ولما وقّع الطرفان وثيقة الصلح تحلل النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) والصحابة من إحرامهم ، ونحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم ، ومكثوا أياما بالحديبية ، ثم انصرفوا إلى المدينة ، وفي السنة التالية توجه النبي والصحابة إلى مكة معتمرين ، ودخلوها وهم يهللون ويكبرون وينادون : لا إله إلا اللَّه وحده ، نصر عبده ، وأعز جنده ، وخذل الأحزاب وحده . وأقاموا بمكة ثلاثة أيام يطوفون وينحرون ، وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء لأنها مكان العمرة التي منعهم منها المشركون ، وفيها نزل قوله تعالى :

{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ ومُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ} - 27 الفتح .

المخلفون من الأعراب :

{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا } . حين أراد النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) الخروج إلى مكة عام الحديبية استنفر المسلمين وحثهم على السفر معه ، فامتنع قوم من الأعراب المنتشرين حول المدينة وآخرون من المنافقين ، امتنعوا وأبوا الخروج مع رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) ظنا منهم ان قريشا لن تدع محمدا يدخل مكة أو تهلك ، وقال بعضهم لبعض : ما لنا وللتعرض لهذه الأخطار ؟ . وبعد أن تم الصلح على ما ذكرنا قال سبحانه لنبيه الكريم : إذا رجعت يا محمد إلى المدينة اعتذر الذين تخلفوا عنك بأن تدبير أهلهم وأموالهم هو الذي منعهم من صحبتك ، ويطلبون منك كذبا ونفاقا أن تصفح عنهم ، وتطلب من اللَّه أن يرضى عنهم ويعفو عما سلف ، وقد كذبهم سبحانه بقوله : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } كما هو شأن المنافقين في كل زمان ومكان .

{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَو أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً} . أتكذبون على اللَّه وهو يعلم سركم وجهركم ، وبيده خيركم وشركم ، ومن الذي يرد أمره عنكم خيرا كان أم شرا ؟ { بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً } وأيضا يخبر به نبيه الكريم ويقول له : انكم تظهرون غير ما تضمرون { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ والْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ } . تخلفتم عن النبي ظنا منكم بأن اللَّه لن ينصر النبي والذين آمنوا معه وان الغلبة ستكون لأعداء اللَّه على أوليائه { وظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ } . ظننتم ان المسلمين ذاهبون إلى الموت لا محالة ، ولا سند لهذا الظن إلا وسوسة الشيطان بأن اللَّه لن يعز دينه وينصر نبيه ، ولا يلطف بمن آمن به وأخلص له {وكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً } أي  هلكى ، وكل من أسلم زمامه للشيطان قاده إلى الهلاك .

{ ومَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً } خالدين فيها لا يجدون وليا ولا نصيرا {ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ } ولا مالك غيره ، ولا حول ولا قوة إلا به ، فمن أخلص له واتكل عليه فهو كافيه ، ومن التجأ إلى غيره أوكله إليه { يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ } ممن يستحق المغفرة لأن اللَّه حكيم ويستحيل أن يغفر لمن يسفك الدماء ظلما ، ويهدم المدارس على الأطفال الصغار ، ويسلب الجائعين أقواتهم {ويُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ } ممن يستحق العذاب ، وما ربك بظلام للعبيد {وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } بمن يرحم نفسه وغيره ، وإلا فمن لا يرحم لا يرحم {وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} .

________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص87-90.

 

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} إلى آخر الآية.

البيعة نوع من الميثاق ببذل الطاعة قال في المفردات: وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له انتهى، والكلمة مأخوذة من البيع بمعناه المعروف فقد كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا إنجاز البيع أعطى البائع يده للمشتري فكأنهم كانوا يمثلون بذلك نقل الملك بنقل التصرفات التي يتحقق معظمها باليد إلى المشتري بالتصفيق، وبذلك سمي التصفيق عند بذل الطاعة بيعة ومبايعة، وحقيقة معناه إعطاء المبايع يده للسلطان مثلا ليعمل به ما يشاء.

فقوله: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} تنزيل بيعته (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة بيعته تعالى بدعوى أنها هي فما يواجهونه (صلى الله عليه وآله وسلم) به من بذل الطاعة لا يواجهون به إلا الله سبحانه لأن طاعته طاعة الله ثم قرره زيادة تقرير وتأكيد بقوله: {يد الله فوق أيديهم} حيث جعل يده (صلى الله عليه وآله وسلم) يد الله كما جعل رميه (صلى الله عليه وآله وسلم) رمى نفسه في قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } [الأنفال: 17].

وفي نسبة ما له (صلى الله عليه وآله وسلم) من الشأن إلى نفسه تعالى آيات كثيرة كقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] ، وقوله: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33] ، وقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128].

وقوله: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} النكث نقض العهد والبيعة، والجملة تفريع على قوله: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} والمعنى: فإذا كان بيعتك بيعة الله فالناكث الناقض لها ناقض لبيعة الله ولا يتضرر بذلك إلا نفسه كما لا ينتفع بالإيفاء إلا نفسه لأن الله غني عن العالمين.

وقوله: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} وعد جميل على حفظ العهد والإيفاء به.

والآية لا تخلو من إيماء إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عند البيعة يضع يده على أيديهم فكانت يده على أيديهم لا بالعكس.

وللمفسرين في قوله: {يد الله فوق أيديهم} أقوال أخر.

فقيل: إنه من الاستعارة التخييلية والاستعارة بالكناية جيء به لتأكيد ما تقدمه وتقرير أن مبايعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كمبايعة الله من غير تفاوت فخيل أنه سبحانه كأحد المبايعين من الناس فأثبتت له يد تقع فوق أيدي المبايعين للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مكان يد الرسول وفيه أنه غير مناسب لساحة قدسه تعالى أن يخيل على وجه هو منزه عنه.

وقيل: المراد باليد القوة والنصرة أي قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم أي ثق بنصرة الله لا بنصرتهم.

وفيه أن المقام مقام إعظام بيعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن مبايعتهم له مبايعة لله، والوثوق بالله ونصرته وإن كان حسنا في كل حال لكنه أجنبي عن المقام.

وقيل: المراد باليد العطية والنعمة أي نعمة الله عليهم بالثواب أو بتوفيقهم لمبايعتك فوق نعمتهم عليك بالمبايعة، وقيل: نعمته عليهم بالهداية أعظم من نعمتهم عليك بالطاعة إلى غير ذلك من الوجوه التي أوردوها ولا طائل تحتها.

فصل ثالث من الآيات متعرض لحال الأعراب الذين قعدوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفره الحديبية ولم ينفروا إذا استنفرهم وهم على ما قيل أعراب حول المدينة من قبائل جهينة ومزينة وغفار وأشجع وأسلم ودئل فتخلفوا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يصاحبوه قائلين: إن محمدا ومن معه يذهبون إلى قوم غزوهم بالأمس في عقر دارهم فقتلوهم قتلا ذريعا، وإنهم لن يرجعوا من هذه السفرة ولن ينقلبوا إلى ديارهم وأهليهم أبدا.

فأخبر الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآيات أنهم سيلقونك ويعتلون في قعودهم باشتغالهم بالأموال والأهلين ويسألونك أن تستغفر الله لهم، وكذبهم الله فيما قالوا وذكر أن السبب في قعودهم غير ذلك وهو ظنهم السوء، وأخبر أنهم سيسألونك اللحوق وليس لهم ذلك غير أنهم سيدعون إلى قتال قوم آخرين فإن أطاعوا كان لهم الأجر الجزيل وإن تولوا فأليم العذاب.

قوله تعالى: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا{ إلى آخر الآية، قال في المجمع،: المخلف هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد، وهو مشتق من الخلف وضده المقدم.

انتهى.

والأعراب - وعلى ما قالوا - الجماعة من عرب البادية ولا يطلق على عرب الحاضرة، وهو اسم جمع لا مفرد له من لفظه.

وقوله: (سيقول لك المخلفون من الأعراب) إخبار عما سيأتي من قولهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي اللفظ دلالة ما على نزول الآيات في رجوعه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحديبية إلى المدينة ولما يردها.

وقوله: {شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا} أي كان الشاغل المانع لنا عن صحابتك والخروج معك هو أموالنا وأهلونا حيث لم يكن هنا من يقوم بأمرنا فخفنا ضيعتها فلزمناها فاستغفر لنا الله تعالى يغفر لنا تخلفنا عنك، وفي سؤال الاستغفار دليل على أنهم كانوا يرون التخلف ذنبا فتعلقهم بأنه شغلتهم الأموال والأهلون ليس اعتذارا للتبري عن الذنب بل ذكرا للسبب الموقع في الذنب.

وقوله: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} تكذيب لهم في جميع ما أخبروا به وسألوه فلا أن الشاغل لهم هو شغل الأموال والأهلين، ولا أنهم يهتمون باستغفاره (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما سألوه ليكون ذلك جنة يصرفون بها العتاب والتوبيخ عن أنفسهم.

وقوله: {قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا} جواب حلي عما اعتذروا به من شغل الأموال والأهلين محصله أن الله سبحانه له الخلق والأمر وهو المالك المدبر لكل شيء لا رب سواه فلا ضر ولا نفع إلا بإرادته ومشيته فلا يملك أحد منه تعالى شيئا حتى يقهره على ترك الضر أو فعل الخير إن أراد الضر أو على ترك الخير إن أراد ما لا يريده هذا القاهر من الخير، وإذا كان كذلك فانصرافكم عن الخروج مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصرة للدين واشتغالكم بما اعتللتم به من حفظ الأموال والأهلين لا يغني من الله شيئا لا يدفع الضر إن أراد الله بكم ضرا ولا يعين على جلب الخير ولا يعجله إن أراد بكم خيرا.

فقوله: {قل فمن يملك لكم} إلخ، جواب عن تعللهم بالشغل على تقدير تسليم صدقهم فيه، ملخصه أن تعلقكم في دفع الضر وجلب الخير بظاهر الأسباب ومنها تدبيركم والقعود بذلك عن مشروع ديني لا يغنيكم شيئا في ضر أو نفع بل الأمر تابع لما أراده الله سبحانه فالآية في معنى قوله تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}.

والتمسك بالأسباب وعدم إلغائها وإن كان مشروعا مأمورا به لكنه فيما لا يعارض ما هو أهم منها كالدفاع عن الحق وإن كان فيه بعض المكاره المحتملة اللهم إلا إذا تعقب خطرا قطعيا لا أثر معه للدفاع والسعي.

وقوله: {بل كان الله بما تعملون خبيرا} تعريض لهم فيه إشارة إلى كذبهم في قولهم: {شغلتنا أموالنا وأهلونا}.

قوله تعالى: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم} إلخ، بيان لما يشير إليه قوله: {بل كان الله بما تعملون خبيرا} من كذبهم في اعتذارهم، والمعنى: ما تخلفتم عن الخروج بسبب اشتغالكم بالأموال والأهلين بل ظننتم أن الرسول والمؤمنين لن يرجعوا إلى أهليهم أبدا وأن الخارجين سيقتلون بأيدي قريش بما لهم من الجموع والبأس الشديد والشوكة والقدرة ولذلك تخلفتم.

وقوله: {وزين ذلك في قلوبكم} أي زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم فأخذتم بما يقتضيه ذلك الظن المزين وهو أن تتخلفوا ولا تخرجوا حذرا من أن تهلكوا وتبيدوا.

وقوله: {وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} البور - على ما قيل - مصدر بمعنى الفساد أو الهلاك أريد به معنى الفاعل أي كنتم قوما فاسدين أو هالكين.

قيل: المراد بظن السوء ظنهم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ولا يبعد أن يكون المراد به ظنهم أن الله لا ينصر رسوله ولا يظهر دينه كما مر في قوله في الآية السادسة من السورة: {الظانين بالله ظن السوء} بل هو أظهر.

قوله تعالى: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا} الجمع في هذه الآيات بين الإيمان بالله ورسوله للدلالة على أن الكفر بالرسول بعدم طاعته كفر بالله، وفي الآية لحن تهديد.

وقوله: {فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا} كان مقتضى الظاهر أن يقال: أعتدنا لهم فوضع الظاهر موضع الضمير للإشارة إلى علة الحكم بتعليقه على المشتق، والمعنى: أعتدنا وهيأنا لهم لكفرهم سعيرا أي نارا مسعرة مشتعلة، وتنكير سعيرا للتهويل.

قوله تعالى: {ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما} معنى الآية ظاهر وفيها تأييد لما تقدم، وفي تذييل الملك المطلق بالاسمين: الغفور الرحيم إشارة إلى سبق الرحمة الغضب وحث على الاستغفار والاسترحام.

 

__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18، ص225-229.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم}!

و«البيعة» معناها المعاهدة على اتّباع الشخص وطاعته، وكان المرسوم أو الشائع بين الناس أنّ الذي يعاهد الآخر ويبايعه يمد يده إليه ويظهر وفاءه ومعاهدته عن هذا الطريق لذلك الشخص أو لذلك «القائد» المبايَع!.

وحيث أنّ الناس يمدّون أيديهم «بعضهم إلى بعض» عند البيع وما شاكله من المعاملات ويعقدون المعاملة بمد الأيدي و«المصافحة» فقد أطلقت كلمة «البيعة» على هذه العقود والعهود أيضاً. وخاصةً أنّهم عند «البيعة» كأنّما يقدّمون أرواحهم لدى العقد مع الشخص الذي يظهرون وفاءهم له.

وعلى هذا يتّضح معنى {يد الله فوق أيديهم}.. إذ إنّ هذا التعبير كناية عن أنّ بيعة النّبي هي بيعة الله، فكأنّ الله قد جعل يده على أيديهم فهم لا يبايعون النّبي فحسب بل يبايعون الله، وأمثال هذه الكناية كثيرة في اللغة العربية!.

وبناءً على هذا التّفسير فإنّ من يرى بأنّ معنى هذه الجملة {يد الله فوق أيديهم}هو أنّ قدرة الله فوق قدرتهم أو أنّ نصرة الله أعظم من نصرة الناس وأمثال ذلك لا يتناسب تأويله مع شأن نزول الآية ومفادها وإن كان هذا الموضوع بحدِّ ذاته صحيحاً.

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلاً: {فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً}(2).

كلمة «نكث» مشتقة من «نكْث» ومعناها الفتح والبسط ثمّ استعملت في نقض العهد(3).

والقرآن في هذه الآية يُنذر جميع المبايعين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ يثبتوا على عهدهم وبيعتهم فمن ثبت على العهد فسيؤتيه الله أجراً عظيماً ومن نَكث فإنّما يعود ضرره عليه ولا ينال الله ضررُه أبداً.. بل إنّه يهدّد وجود المجتمع وكرامته وعظمته ويعرّضه للخطر بنقضه البيعة!.

وقد ورد ـ في كلام ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «إنّ في النّار لمدينة يقال لها الحصينة، أفلا تسألوني ما فيها؟! فقيل له: ما فيها يا أمير المؤمنين؟! قال: فيها أيدي الناكثين»(4).

ومن هنا يتّضح بجلاء قبح نقض البيعة من وجهة نظر الإسلام!! وفي هذا المجال هناك بحوث في «البيعة في الإسلام» وحتى «قبل الإسلام» وكيفية البيعة وأحكامها ستأتي بأذن الله في ذيل الآية (18) من هذه السورة ذاتها!.

وقوله تعالى : {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَّا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرَّاً أَوأَرَادَ بِكُمْ نَفْعَاً بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً( 11 ) بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً( 12 ) وَمَن لَمْ يؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ سَعِيراً( 13 ) وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً}:

اعتذار المخلفين:

ذكرنا ـ في تفسير الآيات الآنفة ـ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) توجّه من المدينة إلى مكّة مع ألف وأربعمائة من صحابته «للعُمرة»!.

وقد أُبلغ عن النّبي جميع من في البادية من القبائل أن يحضروا معه في سفره هذا، إلاّ أنّ قسماً من ضعيفي الإيمان لووا رؤوسهم عن هذا الأمر وأعرضوا عنه وكان تحليلهم هو أنّ المسلمين لا يستطيعون الحفاظ على أرواحهم في هذا السفر في حين أنّ كفار قريش كانوا في حالة حرب مع المسلمين وقاتلوهم في أُحد والأحزاب على مقربة من المدينة، فإذا توجّهت هذه الجماعة القليلة العزلاء من كلّ سلاح نحو مكّة وعرّضت نفسها إلى العدو المدجّج بالسلاح. فكيف ستعود إلى بيوتها بعدئذ؟!

إلاّ أنّهم حين رأوا المسلمين وقد عادوا إلى المدينة ملاءَ الأيدي وافرين قد حصلوا على إمتيازات تستلفت النظر من صلح الحديبيّة دون أن تراق من أحدهم قطرة دم، عرفوا حينئذ خطأهم الكبير وجاؤوا إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ليعتذروا إليه، ويبرّروا تخلّفهم عنه ويطلبوا منه أن يستغفر لهم!

غير أنّ الآيات آنفة الذكر نزلت ففضحتهم وأماطت عنهم اللثام.

وعلى هذا، فالآيات هذه ـ تبيّن حالة المخلّفين ضعاف الإيمان بعد أن بيّنت الآيات السابقة حال المنافقين والمشركين لتتمّ حلقات البحث ويرتبط بعضها ببعض!

تقول هذه الآيات: {سيقول المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم}.

إنّهم لم يكونوا صادقين حتى في توبتهم!

فأبلغهم يا رسول و{قلْ فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضرّاً أو أراد بكم نفعاً}؟!

فليس على الله بعزيز ولا عسير أن يحفكم بأنواع البلاء والمصائب وأنتم في دار أمنكم وبين أهليكم وأبنائكم كما لا يعزّ عليه أن يجعلكم في حصن حصين من بأس الأعداء ولو كنتم في مركزهم!

إنّما هو جهلكم الذي دعاكم إلى هذا التصور والاعتقاد!

أجلْ {بل كان الله بما تعملون خبيراً}.

وأقصى من هذا فهو خبير بأسراركم ونيّاتكم وهو يعلم جيداً أنّ هذه الحيل والحجج الواهية لا صحة لها ولا واقعيّة.. والواقع هو أنّكم متردّدون ضعيفو الإيمان. وهذه الأعذار لا تخفى على الله ولا تحول دون عقابكم أبداً!

الطريف هنا أنّه يستفاد من لحن الآيات ومن التواريخ أيضاً أنّ هذه الآيات نزلت عند عودة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، أي أنّها قبل مجيء المخلّفين للإعتذار إليه ـ أماطت اللثام عنهم وكشفت الستار وفضحتهم!.

ومن أجل أن ينجلي الأمر ويتّضح الواقع أكثر يميط القرآن جميع الأستار فيقول: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرّسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً}.

أجلْ، إنّ السبب في عدم مشاركتكم النّبي وأصحابه في هذا السَفَر التاريخي لم يكن هو كما زعمتم ـ انشغالكم بأموالكم وأهليكم ـ بل العامل الأساس هو سوء ظنّكم بالله، وكنتم تتصوّرون خطأً أنّ هذا السفر هو السفر الأخير للنبي وأصحابه وينبغي الاجتناب عنه!

وما ذلك إلاّ ما وسوست به أنفسكم {وزُيّن ذلك في قلوبكم وظننتم ظنّ السوء}.

لأنّكم تخيّلتم أنّ الله أرسل نبيّه في هذا السفر وأودعه في قبضة أعدائه ولن يخلصه ويحميه عنهم! {وكنتم قوماً بوراً} ـ أي هالكين ـ في نهاية الأمر!.

وأي هلاك أشدّ وأسوأ من عدم مشاركتهم في هذا السفر التأريخي وبيعة الرضوان وحرمانهم من المفاخر الأُخَر.. ثمّ الفضيحة الكبرى.. وبعد هذا كله ينتظرهم العذاب الشديد في الآخرة، أجل لقد كان لكم قلوب ميتة فابتليتم بمثل هذه العاقبة!.

وحيث أنّ هؤلاء الناس ـ ضعاف الإيمان ـ أو المنافقين هم أُناس جبناء وتائقون الى الدعة والراحة ويفرّون من الحرب والقتال فإنّ ما يحلّلونه إزاء الحوادث لا ينطبق على الواقع أبداً.. ومع هذه الحال فإنّهم يتصوّرون أنّ تحليلهم صائب جدّاً.

وبهذا الترتيب فإنّ الخوف والجبن وطلب الدعة والفرار من تحمل المسؤوليات يجعل سوء ظنّهم في الأُمور واقعياً، فهم يسيئون الظنّ في كلّ شيء حتى بالنسبة الى الله والنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ونقرأ في نهج البلاغة من وصية للإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر قوله: «إنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظنّ بالله»(5).

حادثة «الحديبيّة» والآيات محل البحث، كلّ ذلك هو الظهور العيني لهذا المعنى، ويدلّل كيف أنّ مصدر سوء الظنّ هومن الصفات القبيحة حاله حال البخل والحرص والجبن!.

وحيث أنّ هذه الأخطاء مصدرها عدم الإيمان فإنّ القرآن يصرّح في الآية التالية قائلاً: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنّا اعتدنا للكافرين سعيراً}(6).. و«السعير» معناه اللهيب.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث يقول القرآن ومن أجل أن يثبت قدرة الله على معاقبة الكفار والمنافقين: {ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء وكان الله غفوراً رحيماً}.

وممّا يسترعي النظر أنّ موضوع المغفرة مقدّم هنا على العذاب، كما أنّ في آخر الآية تأكيداً على المغفرة والرحمة أيضاً، وذلك لأنّ الهدف من هذه التهديدات جميعاً هو التربية، وموضوع التربية يوجب أن يكون طريق العودة مفتوحاً بوجه الآثمين حتى الكفار. وخاصةً أنّ أساس كثير من هذه الأُمور السلبية هو الجهل وعدم الإطلاع ـ فينبغي أن يُبعث في مثل هؤلاء الأفراد الأمل على المغفرة بمزيد من الرجاء، فلعلّهم يؤوبون نحو السبيل!.

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص35-39.

2 ـ ينبغي الإلتفات إلى أنّ كلمة (عليهُ) في الآية الآنفة جاءت على خلاف ما نعهده، إذ ضُمّ الضمير وهو الهاء هنا، وقد وجّه بعض المفسّرين إلى أنّ هذا أصله «هو» وبعد حذف الواو يأتي مضموناً أحياناً مثل له وعنه ويأتي مكسوراً أحياناً لأنه يلي الياء ككلمة «عليه الله» وحيث أنّ كلمة «عليه» هنا تلاها لفظ الجلالة فقد ضم الضمير في «عليه» ينسجم مع تضخيم اللام في لفظ الجلالة «الله».

3 ـ «النكث» بفتح النون مصدر و «النِكث» بكسر النون اسم مصدر.

4 ـ بحار الأنوار، الجزء 67، الصفحة 186.

5 ـ نهج البلاغة: من رسالة له «برقم 59».

6 ـ أسلوب الجملة ونظمها كان ينبغي أن يكون: فقل: «إنّا اعتدنا لهم سعيراً»: إلاّ أنّ القرآن

حذف الضمير خاصة وجعل مكانه الاسم الصريح «الكافرين» ليبيّن أنّ علة هذا المصير

المشؤوم هو الكفر بعينه....

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .