المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
آثار رعمسيس في أرمنت
2024-11-28
آثار رعمسيس السادس في طيبة
2024-11-28
تخزين البطاطس
2024-11-28
العيوب الفسيولوجية التي تصيب البطاطس
2024-11-28
العوامل الجوية المناسبة لزراعة البطاطس
2024-11-28
السيادة القمية Apical Dominance في البطاطس
2024-11-28



تفسير الاية (45-55) من سورة القمر  
  
6468   05:51 مساءً   التاريخ: 30-9-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف القاف / سورة القمر /

قال تعالى : {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 45 - 55].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال سبحانه {سيهزم الجمع} أي جمع كفار مكة {ويولون الدبر} أي ينهزمون فيولونكم أدبارهم في الهزيمة ثم أخبر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سيظهره عليهم ويهزمهم فكانت هذه الهزيمة يوم بدر فكان موافقة الخبر للمخبر من معجزاته ثم قال سبحانه {بل الساعة موعدهم} أي إن موعد الجميع للعذاب يوم القيامة {والساعة أدهى وأمر} فالأدهى الأعظم في الدهاء والدهاء عظم سبب الضرر مع شدة انزعاج النفس وهومن الداهية أي البلية التي ليس في إزالتها حيلة والمعنى أن ما يجري عليهم من القتل والأسر يوم بدر وغيره لا يخلصهم من عقاب الآخرة بل عذاب الآخرة أعظم في الضرر وأقطع وأمر أي أشد مرارة من القتل والأسر في الدنيا وقيل الأمر الأشد في استمرار البلاء لأن أصل المر النفوذ.

 ثم بين سبحانه حال القيامة فقال {إن المجرمين في ضلال وسعر} أي في ذهاب عن وجه النجاة وطريق الجنة في نار مسعرة عن الجبائي وقيل في ضلال أي في هلاك وذهاب عن الحق وسعر أي عناء وعذاب {يوم يسحبون} أي يجرون {في النار على وجوههم} يعني أن هذا العذاب يكون لهم في يوم يجرهم الملائكة فيه على وجوههم في النار ويقال لهم {ذوقوا مس سقر} يعني أصابتها إياهم بعذابها وحرها وهو كقولهم وجدت مس الحمى وسقر جهنم وقيل هي باب من أبوابها وأصل السقر التلويح يقال سقرته الشمس وصقرته إذا لوحته وإنما لم ينصرف للتعريف والتأنيث.

 {إنا كل شيء خلقناه بقدر} أي خلقنا كل شيء خلقناه مقدرا بمقدار توجبه الحكمة لم نخلقه جزافا ولا تخبيتا(2) فخلقنا العذاب أيضا على قدر الاستحقاق وكذلك كل شيء في الدنيا والآخرة خلقناه مقدار بمقدار معلوم عن الجبائي وقيل معناه خلقنا كل شيء على قدر معلوم فخلقنا اللسان للكلام واليد للبطش والرجل للمشي والعين للنظر والأذن للسماع والمعدة للطعام و لو زاد أو نقص عما قدرناه لما تم الغرض عن الحسن وقيل معناه جعلنا لكل شيء شكلا يوافقه ويصلح له كالمرأة للرجل والأتان للحمار وثياب الرجال للرجال وثياب النساء للنساء عن ابن عباس وقيل خلقنا كل شيء بقدر مقدر وقضاء محتوم في اللوح المحفوظ.

 {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} أي وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر عن ابن عباس والكلبي ومعنى اللمح النظر بالعجلة وهو خطف البصر والمعنى إذا أردنا قيام الساعة أعدنا الخلق وجميع المخلوقات(3) في قدر لمح البصر في السرعة وقيل معناه وما أمرنا إذا أردنا أن نكون شيئا إلا مرة واحدة لم نحتج فيه إلى ثانية وإنما نقول له كن فيكون كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير عن الجبائي.

 {ولقد أهلكنا أشياعكم} أي أشباهكم ونظائركم ففي الكفر من الأمم الماضية عن الحسن وسماهم أشياعهم لما وافقوهم في الكفر وتكذيب الأنبياء {فهل من مدكر} أي فهل من متذكر لما يوجبه هذا الوعظ من الانزجار عن مثل ما سلف من أعمال الكفار لئلا يقع به ما وقع بهم من الإهلاك {وكل شيء فعلوه في الزبر} أي في الكتب التي كتبها الحفظة وهذه إشارة إلى أنهم غير مغفول عنهم عن الجبائي وقيل معناه أن جميع ذلك مكتوب عليهم في الكتاب المحفوظ لأنه من أعظم العبرة في علم ما يكون قبل أن يكون على التفصيل.

 {وكل صغير وكبير مستطر} أي وما قدموه من أعمالهم من صغير وكبير مكتوب عليهم عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وقيل معناه كل صغير وكبير من الأرزاق والآجال والموت والحياة ونحوها مكتوب في اللوح المحفوظ {إن المتقين في جنات ونهر} أي أنهار يعني أنهار الجنة من الماء والخمر والعسل وضع نهر في موضع أنهار لأنه اسم جنس يقع على الكثير والقليل والأولى أن يكون إنما وحد لوفاق الفواصل والنهر هو المجرى الواسع من مجاري الماء {في مقعد صدق} أي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وقيل وصفه بالصدق لكونه رفيعا مرضيا وقيل لدوام النعيم به وقيل لأن الله صدق وعد أوليائه فيه {عند مليك مقتدر} أي عند الله سبحانه فهو المالك القادر الذي لا يعجزه شيء وليس المراد قرب المكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل المراد أنهم في كنفه وجواره وكفايته حيث تنالهم غواشي رحمته وفضله .

________________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص323-325.

2- وفي نسخة : تنحيا ، ولا معنى مناسب لهما . وفي نسخة : تعبثا ولعله يناسب المورد.

3- في المخطوطة : الخمر ، واللبن ، والعسل .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ} يوم نزلت هذه الآية كانت القوة للمشركين لأنهم الأكثرية الغالبة ، أما المسلمون فكانوا أفرادا ضعافا ، وكان في استطاعة أي مشرك أن يؤذي المسلمين ، وهو آمن . . وما مضت الأيام حتى انعكست الآية ، وولى المشركون الأدبار ، وأصبحت كلمة الإسلام والمسلمين هي العليا ، واستبان للقريب والبعيد ان قوله تعالى : {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} هو حق وصدق . وهذه واحدة من البينات القاطعة على ان اللَّه سبحانه ينطق على لسان رسوله الأعظم( صلى الله عليه واله وسلم) { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسَّاعَةُ أَدْهى وأَمَرُّ } . الضمير في موعدهم يعود إلى الجميع من قوم نوح إلى كفار العرب الذين كذبوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم)  والمعنى كل ما أصاب المكذبين من عذاب الدنيا فما هو بشيء إذا قيس بعذاب الآخرة . . فكل بلاء دون النار عافية {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } . هذا تفسير وبيان لقوله تعالى : {والسَّاعَةُ أَدْهى وأَمَرُّ} . فأهل النار لا يقاسون أهوالها وكفى ، بل تنكل بهم ملائكة العذاب بشتى أنواع التنكيل ، كالسحب على الوجوه ، والضرب بمقامع من حديد ، إلى ما لا يبلغه الوصف .

كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ :

{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ } . وفي آية ثانية : {وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} - 2 الفرقان . وفي ثالثة : {وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ} - 8 الرعد .

وفي رابعة : {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى} - 3 الأعلى . إلى كثير من الآيات التي تدل على ان ما من كائن إلا وهو على مقدار معين من العناصر والصفات لا تزيد ولا تنقص عما ينبغي أن تكون ، وان كل ما فيه قد رتب ترتيبا دقيقا ومحكما ، ووضع في المكان المناسب لوظيفته ومهمته . . . . وإذا بحثنا عن السبب الموجب لذلك فلا نجد أي سبب يقبله العقل إلا إرادة اللَّه التي هي وراء كل شيء . قال {كنت} : (ان الطبيعة كالعمل الفني ، واستدلالنا على مصدرها تماما كالاستدلال بالأثر الفني على مصدره) .

وتسأل : ألا يجوز أن يكون هذا النظام من عمل الصدفة ؟ .

الجواب : ان الصدفة كاسمها . . مستحيل أن تتكرر ، وتفسير الحوادث بها تهرّب من حكم العقل والواقع ، ولذا قال العلماء : لا يلجأ إلى الصدفة إلا عاجز . .

هذا ، ولو صحت نظرية الصدفة لانهارت العلوم من الأساس لأن للعلم قواعد عامة ومطردة وإلا لم يكن علما ، على العكس من الصدفة التي لا تتعدى موضوعها الخاص ، وإلا لم تكن صدفة . . وإذا بطلت الصدفة بطل معها المذهب المادي القائل : ان المادة هي الأصل لكل شيء . . وأي عاقل يستسيغ القول بأن الكون وجد صدفة ، وكل ما فيه من قانون ونظام هو نتيجة الصدفة ، وان المادة خضعت للنظام بالصدفة . . وبهذا نجد تفسير قول الشاعر :

وفي كل شيء له آية * تدل على انه واحد

وقول من قال : {ليس بالإمكان أبدع مما كان} أي ان كل شيء قد وضع في المكان المناسب ولوحاد عنه قيد شعرة لاستبان فيه الخلل والنقص .

{وما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} . هذا كناية عن ان اللَّه سبحانه إذا أراد شيئا يوجد بالفعل وبمجرد أن يريد ، ولا يفتقر إلى زمان على الإطلاق ، لا كلمح بالبصر أو أقرب ، وانما ذكر سبحانه لمح البصر لمجرد التقريب . .

وبتعبير الفلاسفة : ان نسبة إرادته تعالى إلى مراده هي كنسبة الإيجاد إلى الموجود .

{ولَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ؟ لقد كان فيما مضى أقوام أعجبتهم أنفسهم كما أعجبتكم أيها المشركون العرب ، وكذبوا رسلهم كما كذبتم رسولكم محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم)  فدمرهم اللَّه تدميرا ، فاتعظوا بهم قبل أن يتعظ بكم .

{وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} . ما من قول أو فعل حقيرا كان أم خطيرا إلا وهو مثبت على صاحبه في علم اللَّه ، ومحاسب عليه ، ومجزي به ، والرابح من حاسب نفسه قبل أن يحاسب {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ ونَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} . المتقون هم الذين نظروا لأنفسهم ، ولم يعرضوها للتهلكة بمعصية اللَّه ، وحاسبوها على كل صغيرة وكبيرة ، فكانوا عند اللَّه من المقربين .

_____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص200-202.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} اللام في {الجمع} للعهد الذكري وفي {الدبر} للجنس، وتولي الدبر الإدبار، والمعنى: سيهزم الجمع الذي يتبجحون به ويولون الأدبار ويفرون.

وفي الآية إخبار عن مغلوبية وانهزام لجمعهم، ودلالة على أن هذه المغلوبية انهزام منهم في حرب سيقدمون عليها، وقد وقع ذلك في غزاة بدر، وهذا من ملاحم القرآن الكريم.

قوله تعالى: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} {أدهى} اسم تفضيل من الدهاء وهو عظم البلية المنكرة التي ليس إلى التخلص منها سبيل، و{أمر} اسم تفضيل من المرارة ضد الحلاوة، وفي الآية إضراب عن إيعادهم بالانهزام والعذاب الدنيوي إلى إيعادهم بما سيجري عليهم في الساعة وقد أشير إلى نبئها في أول الأنباء الزاجرة، والكلام يفيد الترقي.

والمعنى: وليس الانهزام والعذاب الدنيوي مقام عقوبتهم بل الساعة التي أشرنا إلى نبئها هي موعدهم والساعة أدهى من كل داهية وأمر من كل مر.

قوله تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسعر} جمع سعير وهي النار المسعرة وفي الآية تعليل لما قبلها من قوله: {والساعة أدهى وأمر{، والمعنى: إنما كانت الساعة أدهى وأمر لهم لأنهم مجرمون والمجرمون في ضلال عن موطن السعادة وهو الجنة ونيران مسعرة.

قوله تعالى: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر} السحب جر الإنسان على وجهه، و{يوم{ ظرف لقوله: {في ضلال وسعر}، و{سقر} من أسماء جهنم ومسها هو إصابتها لهم بحرها وعذابها.

والمعنى: كونهم في ضلال وسعر في يوم يجرون في النار على وجوههم يقال لهم: ذوقوا ما تصيبكم جهنم بحرها وعذابها.

قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} {كل شيء} منصوب بفعل مقدر يدل عليه {خلقناه} والتقدير خلقنا كل شيء خلقناه، و{بقدر} متعلق بقوله: {خلقناه} والباء للمصاحبة، والمعنى: أنا خلقنا كل شيء مصاحبا لقدر.

وقدر الشيء هو المقدار الذي لا يتعداه والحد والهندسة التي لا يتجاوزه في شيء من جانبي الزيادة والنقيصة، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } [الحجر: 21] ، فلكل شيء حد محدود في خلقه لا يتعداه وصراط ممدود في وجوده يسلكه ولا يتخطاه.

والآية في مقام التعليل لما في الآيتين السابقتين من عذاب المجرمين يوم القيامة كأنه قيل: لما ذا جوزي المجرمون بالضلال والسعر يوم القيامة وأذيقوا مس سقر؟ فأجيب بقوله: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} ومحصله أن لكل شيء قدرا ومن القدر في الإنسان أن الله سبحانه خلقه نوعا متكاثر الأفراد بالتناسل اجتماعيا في حياته الدنيا يتزود من حياته الدنيا الداثرة لحياته الآخرة الباقية، وقدر أن يرسل إليهم رسولا يدعوهم إلى سعادة الدنيا والآخرة فمن استجاب الدعوة فاز بالسعادة ودخل الجنة وجاور ربه، ومن ردها وأجرم فهو في ضلال وسعر.

ومن الخطإ أن يقال: إن الجواب عن السؤال بهذا النحو من المصادرة الممنوعة في الاحتجاج فإن السؤال عن مجازاته تعالى إياهم بالنار لإجرامهم في معنى السؤال عن تقديره ذلك، فمعنى السؤال: لم قدر الله للمجرمين المجازاة بالنار؟ ومعنى الجواب: أن الله قدر للمجرمين المجازاة بالنار، أو معنى السؤال: لم يدخلهم الله النار؟ ومعنى الجواب: أن الله يدخلهم النار وذلك مصادرة بينة.

وذلك لأن بين فعلنا وبين فعله تعالى فرقا فإنا نتبع في أفعالنا القوانين والأصول الكلية المأخوذة من الكون الخارجي والوجود العيني، وهي الحاكمة علينا في إرادتنا وأفعالنا، فإذا أكلنا لجوع أو شربنا لعطش فإنما نريد بذلك الشبع والري لما حصلنا من الكون الخارجي أن الأكل يفيد الشبع والشرب يفيد الري وهو الجواب لو سئلنا عن الفعل.

وبالجملة أفعالنا تابعة للقواعد الكلية والضوابط العامة المنتزعة عن الوجود العيني المتفرعة عليه، وأما فعله تعالى فهو نفس الوجود العيني، والأصول العقلية الكلية مأخوذة منه متأخرة عنه محكومة له فلا تكون حاكمة فيه متقدمة عليه، قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] ، وقال: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [آل عمران: 60].

فلا سؤال عن فعله تعالى بلم بمعنى السؤال عن السبب الخارجي إذ لا سبب دونه يعينه في فعله، ولا بمعنى السؤال عن الأصل الكلي العقلي الذي يصحح فعله إذ الأصول العقلية منتزعة عن فعله متأخرة عنه.

نعم وقع في كلامه سبحانه تعليل الفعل بأحد ثلاثة أوجه: أحدها: تعليل الفعل بما يترتب عليه من الغايات والفوائد العائدة إلى الخلق لا إليه، لكنه تعليل للفعل لا لكونه فعلا له سبحانه بل لكونه أمرا واقعا في صف الأسباب والمسببات كما في قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } [المائدة: 82] ، وقال: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61].

الثاني: تعليل فعله تعالى بشيء من أسمائه وصفاته المناسبة له كتعليله تعالى مضامين كثير من الآيات في كلامه بمثل قوله: {إن الله غفور رحيم} {وهو العزيز الحكيم} {وهو اللطيف الخبير} إلى غير ذلك وهو شائع في القرآن الكريم، وإذا أجدت التأمل في موارده وجدتها من تعليل الفعل بما له من صفة خاصة بصفة عامة لفعله تعالى فإن أسماءه تعالى الفعلية منتزعة عن فعله العام فتعليل فعل خاص بصفة من صفاته واسم من أسمائه تعليل الوجه الخاص في الفعل بالوجه العام فيه كقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [العنكبوت: 60] ، يعلل قضاء حاجة الدواب والإنسان إلى الرزق المسئول بلسان حاجتها بأنه سميع عليم أي أنه خلق كل شيء والحال أن مسائلهم مسموعة له وأحوالهم معلومة عنده وهما صفتا فعله العام، وقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37] ، يعلل توبته على آدم بأنه تواب رحيم أي صفة فعله هي التوبة والرحمة.

الثالث: تعليل فعله الخاص بفعله العام ومرجعه في الحقيقة إلى الوجه الثاني كقوله: {إن المجرمين في ضلال وسعر - إلى أن قال - إنا كل شيء خلقناه بقدر} فإن القدر وهو كون الشيء محدودا لا يتخطى حده في مسير وجوده فعل عام له تعالى لا يخلو عنه شيء من الخلق فتعليل العذاب بالقدر من تعليل فعله الخاص بفعله العام وبيان أنه مصداق من مصاديق القدر إذ كان من المقدر في الإنسان أن لو أجرم برد دعوة النبوة عذب ودخل النار يوم القيامة، وكقوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] ، يعلل الورود بالقضاء وهو فعل له عام والورود خاص بالنسبة إليه.

فتبين أن ما في كلامه من تعليل فعل من أفعاله إنما هومن تعليل الفعل الخاص بصفته العامة والعلة علة للإثبات لا للثبوت، وليس من المصادرة في شيء.

قوله تعالى: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} قال في المجمع،: اللمح النظر بالعجلة وهو خطف البصر.

انتهى.

والمراد بالأمر ما يقابل النهي لكنه الأمر التكويني بإرادة وجود الشيء، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] فهو كلمة كن ولعله لكونه كلمة اعتبر الخبر مؤنثا فقيل: {إلا واحدة}.

والذي يفيده السياق أن المراد بكون الأمر واحدة أنه لا يحتاج في مضيه وتحقق متعلقه إلى تعدد وتكرار بل أمر واحد بإلقاء كلمة كن يتحقق به المتعلق المراد كلمح بالبصر من غير تأن ومهل حتى يحتاج إلى الأمر ثانيا وثالثا.

وتشبيه الأمر من حيث تحقق متعلقه بلمح بالبصر لا لإفادة أن زمان تأثيره قصير كزمان تحقق اللمح بالبصر بل لإفادة أنه لا يحتاج في تأثيره إلى مضي زمان ولوكان قصيرا فإن التشبيه باللمح بالبصر في الكلام يكنى به عن ذلك، فأمره تعالى وهو إيجاده وإرادة وجوده لا يحتاج في تحققه إلى زمان ولا مكان ولا حركة كيف لا؟ ونفس الزمان والمكان والحركة إنما تحققت بأمره تعالى.

والآية وإن كانت بحسب مؤداها في نفسها تعطي حقيقة عامة في خلق الأشياء وأن وجودها من حيث إنه فعل الله سبحانه كلمح بالبصر وإن كان من حيث إنه وجود لشيء كذا تدريجيا حاصلا شيئا فشيئا.

إلا أنها بحسب وقوعها في سياق إيعاد الكفار بعذاب يوم القيامة ناظرة إلى إتيان الساعة وأن أمرا واحدا منه تعالى يكفي في قيام الساعة وتجديد الخلق بالبعث والنشور فتكون متممة لما أقيم من الحجة بقوله: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}.

فيكون مفاد الآية الأولى أن عذابهم بالنار على وفق الحكمة ولا محيص عنه بحسب الإرادة الإلهية لأنه من القدر، ومفاد هذه الآية أن تحقق الساعة التي يعذبون فيها بمضي هذه الإرادة وتحقق متعلقها لا مئونة فيه عليه سبحانه لأنه يكفي فيه أمر واحد منه تعالى كلمح بالبصر.

قوله تعالى: {ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر} الأشياع جمع شيعة والمراد - كما قيل - الأشباه والأمثال في الكفر وتكذيب الأنبياء من الأمم الماضية.

والمراد بالآية والآيتين بعدها تأكيد الحجة السابقة التي أقيمت على شمول العذاب لهم لا محالة.

ومحصل المعنى: أن ليس ما أنذرناكم به من عذاب الدنيا وعذاب الساعة مجرد خبر أخبرناكم به ولا قول ألقيناه إليكم فهذه أشياعكم من الأمم الماضية شرع فيهم بذلك فقد أهلكناهم وهو عذابهم في الدنيا وسيلقون عذاب الآخرة فإن أعمالهم مكتوبة مضبوطة في كتب محفوظة عندنا سنحاسبهم بها ونجازيهم بما عملوا.

قوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر} الزبر كتب الأعمال وتفسيره باللوح المحفوظ سخيف، والمراد بالصغير والكبير صغير الأعمال وكبيرها على ما يفيده السياق.

قوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونهر} أي في جنات عظيمة الشأن بالغة الوصف ونهر كذلك، قيل: المراد بالنهر الجنس، وقيل: النهر بمعنى السعة.

قوله تعالى: {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} المقعد المجلس، المليك صيغة مبالغة للملك على ما قيل، وليس من إشباع كسر لام الملك، والمقتدر القادر العظيم القدرة وهو الله سبحانه.

والمراد بالصدق صدق المتقين في إيمانهم وعملهم أضيف إليه المقعد لملابسة ما ويمكن أن يراد به كون مقامهم وما لهم فيه صدقا لا يشوبه كذب فلهم حضور لا غيبة معه، وقرب لا بعد معه، ونعمة لا نقمة معها، وسرور لا غم معه، وبقاء لا فناء معه.

ويمكن أن يراد به صدق هذا الخبر من حيث إنه تبشير ووعد جميل للمتقين، وعلى هذا ففيه نوع مقابلة بين وصف عاقبة المتقين والمجرمين حيث أوعد المجرمون بالعذاب والضلال وقرر ذلك بأنه من القدر ولن يتخلف، ووعد المتقون بالثواب والحضور عند ربهم المليك المقتدر وقرر ذلك بأنه صدق لا كذب فيه.

_________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص73-78.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

يواجه القرآن الكريم هؤلاء السادرين في غيّهم بإخبار غيبي حاسم وقوي، حيث يقول: {سيهزم الجمع ويولّون الدبر}(2).

والظريف هنا أن سيهزم من مادّة (هزم) على وزن (جزم) وفي الأصل بمعنى الضغط على الجسم اليابس لحدّ التلاشي. ولهذا السبب إستعملت هذه الكلمة (هزم) في حالة تدمير الجيوش وإنكسارها.

وربّما أشار هذا التعبير إلى النقطة التالية وهي: رغم حالة الإتّحاد والإنسجام لهؤلاء القوم ظاهراً، إلاّ أنّهم كالموجودات اليابسة والفاقدة للروح، فبمجرّد تعرّضها إلى ضغط قوي تتهشّم، ونرى عكس ذلك في المؤمنين المتصّفين بالقوّة المقترنة بالمرونة، حيث أنّهم إذا ثقلت عليهم المحن وإشتدّت الأزمات وأحنتهم العاصفة فإنّهم سرعان ما يستعيدوا قواهم مرّة اُخرى ليواجهوا مصاعب الحياة.

«دُبر» بمعنى «خلف» في مقابل (القُبل) بمعنى «أمام»، وسبب ذكر هذه الكلمة هنا لبيان حالة الفرار من ساحة المعركة بصورة كليّة.

لقد صدق هذا التنبّؤ في معركة بدر وسائر الحروب الاُخرى حيث كانت هزيمة الكفّار ساحقة، فإنّه رغم قدرتهم وقوّتهم فقد تلاشى جمعهم.

وفي آخر الآية مورد البحث يشير سبحانه إلى أنّ الهزيمة التي مُني بها المشركون سوف لن تكون في الدنيا فقط، وإنّما هي في الآخرة أشدّ وأدهى، حيث يقول الباريء عزّوجلّ: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ).

وعلى هذا التصوّر، فما عليهم إلاّ أن ينتظروا هزيمة ماحقة في الدنيا، ومصيراً سيّئاً وإندحاراً أمرّ وأكثر بؤساً في الآخرة.

«أدهى» من مادّة (دَهَوَ) و(دهاء) بمعنى المصيبة والكارثة العظيمة والتي لا مخرج منها ولا نجاة، ولا علاج لها، وتأتي أيضاً بمعنى الذكاء الشديد، إلاّ أنّ المقصود منها في الآية الكريمة هو المعنى الأوّل.

نعم إنّهم سيبتلون يوم القيامة بعذاب محتّم وعاقبة بائسة لا مفرّ منها.

وقوله تعالى : {إنَّ الْمجْرِمِينَ فِى ضَلَل وَسُعُر ( 47 ) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ( 48 ) إِنَّا كُلَّ شيء خَلَقْنَهُ بِقَدَر ( 49 )وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ ( 50 ) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر ( 51 ) وَكُلُّ شَيْء فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ ( 52 ) وَكُلُّ صَغِير وَكَبِير مُّسْتَطِرٌ ( 53 ) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّت وَنَهَر ( 54 ) فِى مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِر }.

المؤمنون في ضيافة الله:

في الحقيقة إنّ هذه الآيات هي إستمرار لبحث الآيات السابقة حول بيان أحوال المشركين والمجرمين في يوم القيامة. وآخر آية من تلك الآيات تعكس هذه الحقيقة بوضوح، وهو أنّ يوم القيامة هو الموعد المرتقب لهؤلاء الأشرار في الإقتصاص منهم، حيث يحمل المرارة والصعوبة والأهوال لهم، والتي هي أشدّ وأقسى ممّا اُصيبوا به في هذه الدنيا.

وتتحدّث الآية الاُولى ـ مورد البحث ـ عن ذلك حيث يقول سبحانه: {إنّ المجرمين في ضلال وسعر}(3).

يقول الباريء عزّوجلّ: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر} حيث يبيّن الله سبحانه أنّ العذاب الإلهي واقع عليهم ولا ريب فيه، وسيواجهونه عمليّاً رغم إستهزائهم وسخريتهم وإدّعائهم أنّه من نسج الأساطير.

«سقر» على وزن (سفر) وفي الأصل بمعنى تغيّر لون الجلد وتألّمه من أشعّة الشمس وما إلى ذلك. ولأنّ إمكانية تغيير لون الجلد وألمه الشديد من خصوصيات نار جهنّم، لذا أُطلق اسم (سقر) عليها. والمراد من (مسّ) هو حالة التماس واللمس، وبناءً على هذا فيقال في أهل النار: ذوقوا لمس نار جهنّم وحرارتها اللاذعة، ذوقوا طعمها، هل هي أكاذيب وخرافات وأساطير، أم أنّها الحقيقة الصارخة؟

ويعتقد البعض أنّ (سقر) ليس اسم كلّ النار، بل هو اسم مختّص بجانب منها تكون فيه النار حامية لدرجة مذهلة وخارقة.

وفي ثواب الأعمال عن الصادق (عليه السلام): «إنّ في جهنّم لوادياً للمتكبّرين يقال له سقر شكا إلى الله شدّة حرّه، وسأله أن يأذن له أن يتنفّس فأحرق جهنّم»(4).

ولكي لا يتصوّر أنّ هذه الشدّة في العذاب لا تتناسب مع المعاصي، يقول سبحانه: {إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر}.

نعم إنّ عذابهم في هذه الدنيا كان بتقدير وحساب، وكذلك سيكون عقابهم المؤلم في الآخرة، وليس الجزاء فقط، ذلك أنّ الله سبحانه خلق كلّ شيء بحساب وتقدير، فالأرض والسماء والكائنات الحيّة والموجودات الجامدة وأعضاء الإنسان ومستلزمات الحياة كلّها خلقت بقدر معلوم، ولا يوجد شيء في هذا الوجود بدون حساب وتقدير، لأنّ الخلاّق عليم حكيم ومقدّر.

ثمّ يضيف تعالى إنّه ليست أعمالنا موافقة للحكمة فحسب، بل انّها مقترنة مع القدرة والحسم، لأنّه: {وما أمرنا إلاّ واحدة كلمح بالبصر}.

وتتجسّد الإرادة الربّانية والأوامر الإلهيّة من خلال كلمة «كن» فيترتّب على ذلك فوراً وجود الشيء. (حتّى كلمة «كن» جاءت من باب ضيق البيان، وإلاّ فإنّ الإرادة الإلهيّة متحقّقة بمجرّد الإرادة).

ولذلك فإنّ اليوم الذي تقوم فيه الساعة يحدث بأمر الله بلمح البصر، وكلّ شيء يكون في مسار الآخرة حينئذ، وتبعث الحياة من جديد في الأبدان.

كما أنّ المشيئة الإلهية في مجازاة المجرمين بالصواعق والصيحات السماوية والزلازل والطوفان والرياح العاتية ... كلّ ذلك يحدث بمجرّد الأمر الإلهي وبدون تأخير.

إنّ هذه الإنذارات الموجّهة للعصاة والمذنبين كلّها من أجل أن يعلموا أنّ الله، كما هو حكيم في أمره فإنّه حازم في فعله، فهو حكيم في عين الحزم، وحازم في عين الحكمة. فليحذروا مخالفة تعاليمه وأوامره.

وفي الآية اللاحقة يخاطب الكفّار والمجرمين مرّة اُخرى، ويلفت إنتباههم إلى مصير الأقوام السابقة حيث يقول: {ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكر}.

«أشياع» جمع (شيعة) وتطلق على الأتباع الذين ينشرون ويشيعون ما يرتبط بالشخص المتّبع في كلّ الحالات ويسندونه ويناصرونه، وإذا إستعملت بمعنى (تابع) فإنّها تكون بنفس القصد.

ومن الطبيعي فإنّ الأقوام السابقة لم يكونوا أتباعاً وشيعة لمشركي مكّة وأمثالهم، بل العكس هو الصحيح، ولكن بما أنّ المؤيّدين لشخص ما يشبّهونه في سلوكه، لذا فإنّ هذا المصطلح يطلق على الشبيه والمماثل أيضاً.

ويجدر بنا القول بأنّ هذه الطائفة من مشركي مكّة كانوا يستعينون ويستفيدون من الخطّ الفكري الذي كانت الأقوام السابقة عليه، ولهذا السبب فإنّ كلمة (أشياع) اُطلقت على الأقوام السابقة.

وعلى كلّ حال، فإنّ الآية الكريمة تؤكّد هذه الحقيقة مرّة اُخرى، وهي أنّ أعمال مشركي قريش وممارساتهم هي نفس أعمال وممارسات وعقائد الأقوام السابقة، لذا فلا يوجد دليل على أنّ مصيركم سوف يكون أفضل من مصيرهم، فاتّعظوا وعوا.

ثمّ يشير القرآن إلى هذا الأصل وهو أنّ صفحة أعمال الأقوام السابقة لم تنته بموتهم، بل هي باقية ومسجّلة عليهم، يقول سبحانه: {وكلّ شيء فعلوه في الزبر} فكذلك أعمالكم مثبّتة ومحفوظة ليوم الحساب.

«زبر» جمع (زبور) بمعنى الكتاب، وهي تشير إلى صحيفة أعمال الإنسان، ويحتمل البعض أنّ المقصود هنا هو: «اللوح المحفوظ»، ولكن هذا المعنى لا يتناسب مع صيغة الجمع.

ثمّ يضيف سبحانه: (وكلّ صغير وكبير مستطر).

وبناءً على هذا فحساب الأعمال في ذلك اليوم هو حساب شامل وتامّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، حيث يستلم المجرمون صفحة أعمالهم كاملة، فيصعقون لهولها ويصطرخون لدقّتها {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } [الكهف: 49] .

«مستطر» من مادّة (سطر) في الأصل بمعنى (صفّ) سواء ما يتعلّق بالأفراد أو الأشجار أو الكلمات التي تصف على الأوراق، ولكون المعنى الأخير أكثر إستعمالا، لذا يتبادر إلى الذهن معناها الأخير.

وعلى كلّ حال فإنّه إنذار آخر لهؤلاء العاصين والمغفّلين والجهلة.

ولمّا كانت السنّة المتّبعة في القرآن الكريم غالباً ما تعتمد المقارنة بين جبهة الصلاح والهدى من جهة، وجبهة الفساد والضلال من جهة اُخرى، لأنّ في المقارنة يبرز التفاوت والإختلاف بصورة أفضل، فهنا أيضاً بعد الحديث عن مصير الكفّار والمجرمين يشير سبحانه إشارة مختصرة إلى العاقبة السعيدة والحبور العظيم الذي يكون من نصيب المتّقين حيث يقول سبحانه: {إنّ المتّقين في جنّات ونهر}.

(نهر) على وزن (قمر)، وكذلك (نهر) على وزن (قهر) والإثنان يعنيان مجرى الماء الكثير، ولهذا يطلق على الفضاء الواسع كذلك، أو الفيض العظيم أو النور المنتشر (نهر) ـ على وزن قمر ـ .

وبغضّ النظر عن الحديث اللاحق، يمكن أن يكون هذا المصطلح في الآية أعلاه بنفس المعنى الأصلي، أي أنّ كلمة (نهر) بمعنى نهر الماء، ولا إشكال في كون الكلمة بصيغة المفرد، لكونها تدلّ على معنى الجنس والجمع، فينسجم مع (جنّات) جمع «جنّة»، ويمكن أن يكون المراد منها هو اتّساع الفيض الإلهي والنور العظيم في ظلال الجنّة ورحابها الواسعة، وبذلك تشمل المعنيين.

ولكن نقرأ هنا في حديث للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي نقل عن الدرّ المنثور أنّه قال: «النهر: الفضاء والسعة، وليس بنهر جار»(5).

وفي آخر آية مورد البحث والتي هي آخر آية في سورة القمر يوضّح الباريء بصورة أكثر (مستقر المتّقين) حيث يقول سبحانه أنّهم: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر).

ويا له من وصف رائع وظريف! حيث أنّ هذا الوصف يتميّز بخصوصيتين تجمعان كلّ السمات الرائعة:

الاُولى: أنّ المكان هو(مستقرّ صدق) وليس فيه باطل، بل كلّه حقّ يجد فيه المتّقون كلّ ما وعدوا به كاملا غير منقوص.

الثانية: أنّهم في جوار وقرب الله سبحانه، وهذا هو المستفاد من كلمة (عند) والذي يشير إلى غاية القرب المعنوي. وهذا القرب هومن الله المالك القادر .. ما أروعه عن قرب من الربّ الكريم الوهّاب والذي يمنح العطايا والهبات لضيوفه المتّقين بجميل لطفه وعظيم إحسانه وواسع كرمه، حيث جميع ما في الوجود تحت قبضته وإمرته ومالكيته، وهو المنّان الذي لا ينقصه شيء في السماوات والأرض، والذي وعد المتّقين بالخير العظيم وأعدّ لهم عظيم العطايا والإحسان.

والنقطة الجديرة بالذكر في هاتين الآيتين والتي تتحدّث فيها عن الهبات وجزاء أصحاب اليمين، حيث في البداية تتحدّث عن العطايا الماديّة التي تشمل البساتين الوارفة والحدائق الغنّاء والأنهار الجارية، ثمّ تتحدّث بعد ذلك عن الجزاء المعنوي العظيم، والذي يتجسّد بحضورهم من المليك المقتدر. وذلك تهيئة للإنسان من مرحلة إلى اُخرى، يغمرها الشوق والحبور والرغبة في العمل الصالح، خصوصاً أنّ تعابير (المليك) و(المقتدر) و(مقعد صدق) تدلّ جميعها على دوام وبقاء هذا الحضور والقرب المعنوي من الذات الإلهيّة.

______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص409-415.

2 ـ مع العلم أنّ من المناسب أن يقال (يولّون الأدبار) إلاّ أنّه قيل هنا: (يولّون الدبر)، لأنّ لهذه المعنى (جنس) حيث تكون في حكم الجمع.

3 ـ «سعر»: كما بيّنا سابقاً في آخر الآية (24) من نفس السورة لها معنيان: الأوّل: انّها جمع سعير بمعنى إشتعال النار. والثّاني: بمعنى الجنون والهيجان الذي يلازمه إضطراب التوازن الفكري، وفي الآية مورد البحث يمكن أن يكون بالمعنيين معاً، وإذا قصدنا المعنى الثاني فيكون مفهوم الآية كذلك: أنّهم كانوا يقولون إذا اتّبعنا إنساناً مثلنا فإذاً نحن في ضلال وجنون، وهنا يردّ القرآن الكريم عليهم بقوله: ستعلمون يوم القيامة آثاركم وتكذيبكم للأنبياء هو الضلال والجنون.

4 ـ تفسير الصافي ذيل الآية مورد البحث.

5 ـ الدرّ المنثور، ج6، ص139.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .