أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2017
693
التاريخ: 2-9-2017
9227
التاريخ: 10-9-2017
3290
التاريخ: 10-9-2017
1732
|
إن جمعنا في قسم من بحثنا بين طرفين هما: الدراسة اللغوية في جانبها الدلالي من جهة، والدراسة النقدية ممثلة في كتب الشعر في القرن الرابع من جهة أخرى، يستدعي التعليل لما يبدو من التباعد بين المجالين.
ولقد كنا وقفنا – في الفصل الثاني – عند الآثار المنطقية والفلسفية في الثقافة الإسلامية العربية، وذلك رغبة في تأكيد المنهج العقلاني الذي ينزع الى العلمية في النشاطات المختلفة للمجتمع، وإن التطلع الى نهضة في العلوم يتطلب بدوره الوعي بالارتباط الوثيق بين الفكر والعلم، يتميز العصر الحديث بالتفرعات والطبية، أو تلك التي تطلق عليها تسمية عامة: العلوم النظرية ومنها الانسانيات(ومنها الأدب واللغة)، وهذه الكثرة من الفروع التي ما تلبث ان تبدأ بعنوان(science علم) لا تصل الى مرتبة الانفصال والتخصص إلا بعد توسع وتمايز في موضوعها ووظيفتها وما يستتبع ذلك.
وهذا نحو من أنحاء التقدم الإنساني اي الصعود الى أعلى في خطوط متنامية لتكتشف الآفاق الجديدة فتسطيل القدرة البشرية وهكذا دأبها منذ أن وعى الإنسان. والظاهرة الأخرى التي تلحظ – الى جانب الهيمنة العلمية وكونها الشرط للنماء في جنبات الحياة – هي التفاعل الذي لا ينقطع بين تلك المجموعات من المعارف. فإن نقاط الالتقاء تثمر ما لا يمكن تحقيقه في كثير من الأحيان في الخطوط المستقيمة لحركة العلم الواحد، ولقد شهدت السنوات القريبة الماضية
ص180
مذهباً فكرياً فلسفياً يحاول أن يبسط رؤية جديدة في الفكر الاجتماعي وهو المذهب(البنيوي) وكان علم اللغة ممثلاً بأحد فروعه منطلقاً له، ويقول أحد الدارسين، " لا شك أن زعيم البنيوية – كلود ليفي شتراوس – مدين بهذا المنهج كما اعترف هو نفسه لعلم اللسانيات عموماً وعلم الأصوات أو (الفونولوجيا phonologie) عند العالم اللغوي تروبتسكوي بصفة خاصة. والواقع أن الفونولوجيا قد لعب بالنسبة الى العلوم الاجتماعية الدور التجديدي نفسه الذي لعبته الفيزياء النووية بالنسبة الى مجموع العلوم الدقيقة "(1)، ونجد أن اللغة والدلالة خاصة تفيد من البنيوية رغم أن(جورج مونان) يؤكد النشأة المستقلة لمصطلح (البنية) فهو يقول: " غدت كلمة(البنية) في أيامنا جواز المرور أو الكلمة السحرية، إلا أنها تبدو لنا في مجال علم اللغة كائناً ولد بطريقة مستقلة، وعلى كل حال قبل الموجة الراهنة للمصطلح بزمن طويل "(2) ولا خلاف ههنا – في رأيي – إذ إن النمو والنضج في هذا الباب من التأمل الفلسفي يكون ذا فعالية إن وجدت سبل تطبيقه بشكله الجديد على أبحاث دلالية، وثمة مجالات عدة طبق عليها أولها: الأنثروبولوجيا والتحليل النفسي، وجوانب فلسفية حديثة(3).
وقد شهد الموروث الإسلامي العربي نمواً في العلوم، وبلغت درجة عالية من النضج لعصرها – وكان النظر الفلسفي وراء ذلك. ويمثل نتاج ابن سينا في موسوعته(الشفاء) الصورة النظرية والتطبيقية في آن واحد فهي تشتمل على عدد من العلوم كانت هي المعارف المتكاملة في تلك الآونة التي تم فيها نقل:
ص181
كتب اليونان وزيد عليها من التجارب الجديدة، ويتصدرها المنطق، ويقنن في(البرهان) أركان العلم فبين – ابن سينا – أن لكل علم (1) مبادئ (2) موضوعاً أو موضوعات(3) مسائل(4). وربط هذا بالبرهان المستخدم فيه، وبعد أن حدد مفهوم المصطلحات الثلاثة يوضح كيف تختلف العلوم في موضوعها أو موضوعاتها الجزئية او مسائلها " فاختلاف الموضوعات للعلوم إما على الإطلاق من غير مداخلة مثل اختلاف موضوعي الحساب والهندسة، وإما مع مداخلة مثل أن يكون احدهما يشارك الآخر في شيء، وهذا على وجهين إما أن يكون في الموضوعين شيء مشترك، وشيء متباين مثل علم الطب وعلم الاخلاق، فإنهما يشتركان في قوي نفس الإنسان من جهة ما الإنسان حيوان، ثم يختص الطب في جسد الإنسان وأعضائه، ويختص علم الأخلاق بالنظر في النفس الناطقة وقواها العملية "(5). ولكن القرن الخامس الهجري انصرم ولم يخلف ابن سينا أي فيلسوف او صاحب فلسفة يضيف جديداً(6)، واجتمعت عوامل عدة جعلت الحركة العلمية والتدوين فيها لا يجاوزان الشكل الى المضمون والمحتوى، وإن المصنفات لتؤلف ونلحظ التشعب والتفريع في العلم الواحد إذ تنبثق منه أقسام تحمل عنوان:(العلم)، وتتجلى لنا هذه الحقيقة في كتاب(مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده ت 948 هـ) إذ تتابع التسميات والتشقيقات دون أن نحس بتقدم في تلك الأبواب للمعرفة، فالقوم بعدوا عن الحياة المتدفقة وانصرفوا الى الكلمات في الأوراق المتوارثة حتى في الأدب والنقد والبلاغة، فقد تعاقبوا على مصنفات القرن الرابع وما سبقه وأخذوا يقلبون الوجوه ويكررون الامثلة ويحذفون بعضاً منها
ص182
ويزيدون بعضاً آخر بتغيير طفيف(7).
إن النتجية المستفادة تكمن في ادراكنا لجدلية العلاقة بين المعرفة والحياة من حولها فهي لا تثبت على حال واحدة، بل تتحرك متجددة، حتى الأبحاث اللغوية والدراسات الأدبية لابد لها من أن تجمع بين الأصالة القديمة واللبوس الجديد، وإلا آلت الى حدود مجردة كما هي عليه الآثار العتيقة في الكتب المتأخرة في العصر الوسيط العربي. وإن ما نراه من الاشتجار بين علم الأصوات اللغوي، وعلم الصوت الفيزيائي نموذج لما نشير إليه، لأنه في نهاية المطاف يعود بالتحسين على طرائق التعليم والخبرة اللغوية. وعلم الدلالة فرع جديد نسبياً – كجزء مستقل لا كأبحاث ودراسات متفرقة – ويفيد من معطيات علوم عدة وينعكس على أنظمة التعليم والترجمة ووسائل الاتصال الرمزية والفنية من الرواية والمسرحية وشريط الخالية والتلفاز.
ص183
__________________
(1) (مشكلة البنية) زكريا إبراهيم 10، مكتبة مصر بالقاهرة سنة 1976 م.
(2) G.Mounin, semantique p. 47.
(3) ينظر في كتاب زكريا إبراهيم (مشكلة البنية)، وبالفرنسية كتاب حان ماري أوزياس ط 3 Jean Marie-Auzias, le structuralisme clef pour. 3 me ed. 1975 paris.
(4) (البرهان)، من الشفاء، ابن سينا، 98، تحقيق عبد الرحمن بدوي، القاهرة 1966 دار النهضة العربية.
(5) الشفاء، البرهان 105.
(6) تاريخ الفلسفة الإسلامية، دي بور 211-212، وإبراهيم مدكور مدخل الشفاء لابن سينا 270.
(7) مفتاح السعادة ، طاش كبري زاده (1/214-221) ، على سبيل المثال ، تحقيق كامل بكري ، عبد الوهاب أبو النور ، دار الكتب الحديث القاهرة .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|