أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-6-2017
1818
التاريخ: 21-6-2017
1976
التاريخ: 2023-09-19
861
التاريخ: 20-6-2017
3356
|
ذكروا أن أبا العباس ولى عمه عبد الله بن علي الذي يقال له السفاح: الشام، وأمره أن يسكن فلسطين، وأن يجد السير نحوها، وهنأه بما أصاب من أموال بنى أمية، وكتب إلى صالح بن علي أن يلحق بمصر واليا عليها. فقدم السفاح فلسطين، وتقدم صالح إلى مصر، فأتاها بعد قتل مروان بيومين، وأن السفاح بعث إلى بنى أمية، وأظهر للناس أن أمير المؤمنين وصاه بهم، وأمره بصلتهم، وإلحاقهم في ديوانه، ورد أموالهم عليهم، فقدم عليه من أكابر بنى أمية وخيارهم، ثلاثة وثمانون رجلا، وكان فيهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وأبان بن معاوية بن هشام، وعبد الرحمن بن معاوية، وغيرهم من صناديد بنى أمية. فأما عبد الرحمن بن
معاوية، فلقيه رجل كان صنع به برا، وأسداه خيرا، وأولاه جميلا. فقال له: أطعني اليوم في كلمة، ثم اعصني إلى يوم القيامة. فقال له عبد الرحمن: وما أطيعك فيه اليوم ؟ فقال له الرجل: أدرك موضع سلطانك، وقاعدتك المغرب، النجاء النجاء، فإن هذا غدر من السفاح، ويريد قتل من بقى من بنى أمية. فقال له عبد الرحمن: ويحك إنه كتاب أبى العباس، قدم عليه، يأمره فيه بصلتنا، ورد أموالنا إلينا، وإلحاقنا بالعطاء الكامل، والرزق الوافر. فقال له الرجل: ويحك أتغفل ؟ والله لا يستقر ملك بنى العباس، ولا يستول على سلطان، ومنكم عين تطرف. فقال له عبد الرحمن: ما أنا بالذي يطيعك في هذا. فقال الرجل: أفتأذن لي أن أنظر إلى ما تحت ظهرك مكشوفا ؟ فقال له: وما تريد بهذا ؟ فقال له: أنت والله صاحب الامر بالأندلس، فاكشف لي، فكشف عبد الرحمن عن ظهره، فنظر الرجل فإذا العلامة التى كانت في ظهره قد وجدت في كتب الحدثان (1)، وكانت العلامة خالا أسود عظيما مرتفعا على الظهر هابطا، فلما نظر إليه الرجل قال له: النجاء النجاء، والهرب الهرب، فإنك والله صاحب الامر، فاخرج فإنا معك، ومالي لك، ولى عشرون ألف دينار مصرورة، كنت أعددتها لهذا الوقت. فقال له عبد الرحمن: وعمن أخذت هذا العلم ؟ فقال الرجل: من عمك مسلمة بن عبد الملك. فقال له عبد الرحمن: ذكرت والله عالما بهذا الامر، أما لئن قلت ذلك لقد وقفت بين يديه وأنا غلام، يوم توفى أبى معاوية، وهشام يومئذ خليفة، فكشفت عن ظهري، فنظر إلى ما نظرت إليه. فقال لهشام جدى وهو يبكى: هذا اليتيم يا أمير المؤمنين صاحب ملك المغرب. فقال له هشام: وما الذى أبكاك يا أبا سعيد ؟ ألهذا تبكى ؟ فقال: أبكى والله على نساء بنى أمية وصبيانهم، كأنى بهم والله قد أبدلوا بعد أساورة الذهب والفضة الاغلال والحديد، وبعد الطيب والدهن البقل والعقار، وبعد العز الذل والصغار. فقال هشام: أحان زوال ملك بنى أمية يا أبا سعيد ؟ فقال مسلمة: إي والله حان، وإن هذا الغلام يعمر منهم، ثم يصير إلى المغرب فيملكها: فقال له الرجل: فاقبض منى هذا المال، واخرج بمن تثق به من علمانك. فقال عبد الرحمن: والله إن هذا الوقت ما يوثق فيه بأحد، فولى ذاهبا، وخرج لا يدرى متى خرج، فلحق بالمغرب، وأقبل القوم من بنى أمية، وقد أعد لهم السفاح مجلسا فيه أضعافهم من الرجال، ومعهم السيوف والاجرزة (2)، فأخرجهم عليهم، فقتلهم وأخذ أموالهم، واستعفى (3) عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وكان عبد الواحد قد بذ العابدين في زمانه، وسبق المجتهدين في عصره، فركب السفاح إلى أموال عبد الواحد، وكان عبد الواحد قد اتخذ أموالا معجبة، تطرد فيها المياه والعيون، فأمره السفاح أن يصيرها إليه، فأبى عليه، واختفى منه، فأخذ رجالا من أهله، فتواعدهم السفاح، وأمر بحبسهم حتى دلوه عليه. فلما قبضه أمر بقتله، ثم استقصى ماله، فبلغ ذلك أبا العباس، وكان أبو العباس يعرفه قبل ذلك، وكان عبد الواحد أفضل قرشي كان في زمانه عبادة وفضلا. فقال أبو العباس: رحم الله عبد الواحد، ما كان والله ممن يقتل لغائلة (4)، ولا ممن يشار إليه بفاحشة، وما قتلته إلا أمواله، ولولا أن السفاح عمى، وذمامه ورعاية حقه علي واجب، لأقدت منه (5)، ولكن الله طالبه، وقد كنت أعرف عبد الواحد برا تقيا، صواما قواما. ثم كتب إلى عمه السفاح ألا يقتل أحدا من بنى أمية، حتى يعلم به أمير المؤمنين، فكان هذا أول ما نقم أبو العباس على عمه السفاح.
ذكر قتل سليمان بن هشام :
وذكروا أن عيسى بن عبد البر أخبرهم قال: كان سليمان بن هشام أكرم الناس على أبى العباس أمير المؤمنين، لحسن بلائه مع قحطبة، وقيامه معه على مروان ابن عمه، وكان هو الذي تولى كبره (6)، وقتل على يديه، فكان لذلك أخص الناس بأبى العباس، فبينما هما يوما وقد تضاحكا وتداعبا، إذ أتى رجل من موالى أبى العباس يقال له سديف، فناول أبا العباس كتابا فيه:
أصبح الملك ثابت الآساس *** بالبهاليل (7) من بنى العباس
طلبوا وتر (8) هاشم فشفوها *** بعد ميل من الزمان وياس (9)
لا تقيلن عبد شمس (10) عثارا *** واقطعن كل نخلة وغراس
ذلها أظهر التودد منها *** وبها منكم كحز المواسى (11)
ولقد غاظنى وغاظ سوائى *** قربهم من منابر وكراسى
واذكرن مقتل الحسين وزيدا ***وقتيلا بجانب المهراس (12)
فقرأها أبو العباس، ثم قال له: نعم، ونعما عين وكرامة، سننظر في حاجتك، ثم ناول الكتاب أبا جعفر، ثم سلم سليمان بن هشام، ثم قام وخرج، فتطلع رجل من موالى بنى أمية. كانت له خاصة وخدعة في بنى العباس، فعرف بعض ما في الكتاب، فلما خرج من عند أمير المؤمنين مر بسليمان بن هشام في غرفة له بالكوفة فسلم، ثم قال لسليمان: من عندك يا أبا أيوب، فقال له: ما عندي غير ولدى. فقال له: إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إنى لك من الناصحين. فخرج سليمان من ليلته هاربا، فلحق ببعض نواحى الجزيرة وكتب ألى مواليه وصنائعه، فاجتمع إليه منهم خلق كثير، فبعث إليه أبو العباس بعثا يقاتله، فانهزم ذلك البعث، ثم بعث إليه بعثا آخر، فهزمه أيضا. قال: فتنقل سليمان عن ذلك الموضع إلى غيره، ثم بعث إليه بعثا آخر، فأسر سليمان وولده، فأتى بهما أسيرين إلى أبى العباس، فأمر، فقطعت لهما خشبتان، رقمتا إليهما، فأمر بضرب رقابهما، وصلبهما. فقال سليمان لولده: لقدم يا بنى على مصيبتي بك، فتقهقر الغلام، ثم تقدم فقتل، ثم قتل سليمان، وصلبا على باب دار الامارة بالكوفة.
خروج السفاح على أبى العباس وخلعه :
وذكروا أن الهيثم بن عدي أخبرهم قال: لما ولي السفاح الشام، واستصفى أموال بنى أمية لنفسه، أعجبته نفسه، وحسد ابن أخيه على الخلافة فأظهر الطعن على أبى العباس، والتنقص له. فلما بلغ ذلك أبا العباس، كتب إليه يعاتبه على ما كان منه، فزاده ذلك عجبا وحسدا بما فيه، فحبس الخراج، ودعا إلى نفسه، وخلع طاعته، ثم قرب موالى بنى أمية وأطمعهم، وسد ثغورهم (13)، وأبدى العزم، وأظهره على محاربة أبى العباس، فلما انتهت أخباره إلى أبى العباس، كتب إلى أبى مسلم يستغيثه، ويذكر عظيم يده عنده، ويسأله القدوم عليه لامر السفاح، فقدم أبو مسلم، فأقام عنده أياما، ثم خرج إلى السفاح ومعه أجناده وقواده، فلقى السفاح على الفرات فهزمه، واستباح عسكره، وأخذ أسيرا، فقدم به على أبى العباس. فلما قدم إليه، وأدخل عليه قال: يا عمى أحسنا وواسينا فحسدت وبغيت، وقد رأيت تعطفا عليك، وصلة لرحمك، أن أحبسك حبسا رفيقا، حتى تؤدب نفسك، ويبدو ندمك، ثم أمر فبنى له بيت. جعل أساسه قطع الملح، فحبسه فيه. فلما كان بعد أيام أرسل الماء حول البيت، فذاب الملح، وسقط البيت عليه، فمات فيه، ورد أبا مسلم إلى عمله بخراسان،
فأقام فيها بقية عامه، ثم أخرج أبو العباس أبا جعفر واليا على الموسم، وخرج أبو مسلم أيضا حاجا من خراسان.
اختلاف أبى مسلم على أبى العباس :
وذكروا أن أبا العباس وجه أبا جعفر في ثلاثين رجلا إلى أبى مسلم، وكان فيهم الحجاج بن أرطاة الفقيه، والحسن بن الفضل الهاشمي، وعبد الله بن الحسين، فلما توجه أبو جعفر إلى أبى مسلم بخراسان، وقدم عليه، استخف به بعض الاستخفاف، ولم يزد الاجلال له، وجعل يعظم في كلامه وفعله الخليفة، ولم يزل أبو مسلم يتخوف أن يصنع به مثل ما صنع بأبى سلمة الخلال، وكان لا يظهر ذلك لاحد. فلما قدم أبو جعفر عليه، ومعه الثلاثون رجلا، وفيهم عبد الله بن الحسين، قام إليه سليمان بن كثير. فقال: يا هذا إنا كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا شئتم فادعوا إلى ما تريدون. فظن أنه دسيس من أبى مسلم، فخاف ذلك، فبلغ أبا مسلم أن سليمان بن كثير سامر عبد الله بن الحسين بن علي. فقال لسليمان: بلغني أنك سامرت هذا الفتى. قال: أجل، له قرابة وحق علينا وحرمة، فسكت. فأتى عبد الله ابن الحسين أبا مسلم فذكر له ذلك، وظن أنه إن لم يفعل اغتاله أبو مسلم. فبعث أبو مسلم إلى سليمان بن كثير، فقال له: أتحفظ قول الامام: من اتهمته فاقتله. قال نعم. قال: الامام. قد اتهمتك فقال: ناشدتك الله، قال: لا تناشدني وأنت منطو على غش فأمر فضربت عنقه، وكتب أبو مسلم إلى محمد بن الاشعث، أن يأخذ عمال أبى سلمة، فيضرب أعناقهم، واستعمل أبو العباس عيسى بن علي على فارس، فأخذه محمد فهم بقتله. فقيل لمحمد: إن هذا لا يسوغ لك. قال: أمرني أبو مسلم أن لا يقدم علي أحد إلا ضربت عنقه. فقال: ما كان أبو مسلم ليفعل شيئا إلا بأمر الامام. فلما قدم أبو جعفر من عند أبى مسلم قال لابي العباس: لست بخليفة، ولا أمرك بشئ، إن لم تقتل أبا مسلم. فقال أبو العباس: وكيف ذلك ؟ قال: لا والله ما يعبأ بنا ولا يصنع إلا ما يريد . فقال له أبو العباس اسكت واكتمها.
______________
(1) كتب الحدثان: كتب التنجيم والاخبار بالمستقبل.
(2) الاجرزه: جمع جرز: بضم الجيم وسكون الراء وهو عمود الحديد.
(3) استعفى عبد الواحد: تركه فلم يقتله.
(4) الغائلة: الداهية، والقتل غدرا وهو المراد هنا.
(5) لأقدت منه: لأخذت منه القود وهو القصاص أي لقتلته قصاصا بقتله عبد الواحد.
(6) تولى كبره: تحمل إثمه الكبير.
(7) البهاليل: جمع بهلول وهو السيد الشريف.
(8) الوتر: الثأر وشفوها: أرضوا نفوسها.
(9) ياس: وهو البأس وعدم الامل أي بعد أن كانوا يائسين من الاخذ بثأرهم.
(10) عبد شمس: هي قبيلة بنى أمية.
(11) المواسى: جمع موسى وهي الشفرة التى يحلق بها الشعر.
(12) المهراس موضع باليمامة.
(13) سد ثغورهم، دافع عنهم ولم يترك أبوابا مفتوحة لاحراجهم.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|