أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-4-2021
1981
التاريخ: 24-4-2019
16758
التاريخ: 19-4-2019
2309
التاريخ: 2023-05-23
1092
|
من المعروف ان العرب قد شغفوا بالتاريخ منذ القدم ، وقد اقتصر الاهتمام بتاريخهم لحقبة ما قبل الاسلام على الروايات الشفهية التي تعرضت لأخبار الهتهم وحياتهم وامجادهم وكذلك اخبار الحروب التي استعرت بين مختلف قبائلهم والانتصارات التي احرزوها في تلك الغزوات والتي كانت تدعى بأيام العرب والتي خلدها الشعراء في قصائدهم (1) ، كما تتصل هذه الروايات الشفهية بالتنظيم الاجتماعي وبالآراء والمثل الاجتماعية وفي طليعتها المروءة او مجموعة الفضائل البدوية وفكرة النسب او شرف الاصل وفكرة الحسب او نبل الاعمال والمآثر (2).
وكانت هذه الروايات تسرد في منتدى القبيلة مع استعانة من يروون تلك القصص نثراً ببعض القصائد الشعرية والتي نظمت تخليداً لمآثر القبيلة والتي لها الدور الرئيس في منح تلك الروايات الشفوية الحيوية ليكون تأثيرها عميقاً في نفوس سامعيها ثم زادت أهمية دور الشعر فأضحى كما يقال (ديوان العرب حفظت به الأنساب وعرضت المآثر منه تعلمت اللغة) (3)، وقد روى عن عبد الله بن عباس (4) عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) قوله : (ان من البيـان لسحـراً وان من الشعر لحكماً وفي رواية لحكمة ) (5)، وكان ابن عباس يقول : (اذا اعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر فانه ديوان العرب) (6).
ويذكر حاجي خليفة (7): (ان علم ايام العرب هو علم يبحث فيه عن الوقائع العظيمة والاحوال الشديدة بين القبائل)، وينبغي لذلك ان يجعل فرعاً من فروع التواريخ وكانت منتشرة على اعتبارها قصص مستقلة قبل ان تدخل في القصة التاريخية ، وان الهدف من تناقلها هو لتكوين مادة تاريخية وهي ترجع الى الرواية التاريخية اكثر مما ترجع الى الرواية الادبية (8).
ويمكن ان نسمي هذا بالتاريخ المنقول بالمشافهة اذ كانت القبائل تروي ايامها لتفتخر على القبائل الاخرى سواء كان ذلك شعراً خالصاً ام نثراً تتخلله الاشعار، فأحياناً يكون النثر شرحاً للقصيدة ، واحيانا يكون الشعر مرتجلاً على لسان احد ابطال الخبر ، وكان الشعر في كلتا الحالتين هو الذي يحافظ على تناقل الخبر وانتشاره (9). ويرى احد الباحثين ان الأيام هي التي خلفت الشعر عند العرب ، وعملت على ترعرعه (10)، والشعر يمثل المنهج القبلي لتدوين التاريخ (11) .
وبذلك استمرت العلاقة بين الشعر والخبر التاريخي خلال التدوين التاريخي العربي الاسلامي فهما تؤامان في البناء الهيكلي للخبر التاريخي وعرضه ، كما انهم كانوا على معرفة ولو بصورة مبسطة بأحوال من جاورهم من الامم مثل الفرس والروم حتى ليقال ان النضر بن الحارث كان ينافس الرسول (صلى الله عليه وآله) (12) في معرفة اخبار بعض الامم مثل الفرس ،وقد احتوى القرآن الكثير من اخبار الامم السابقة ، وفيه الكثير من مصطلحات التدوين التاريخي مثل حكى ، روى ، قص ، وذكرها فيه يأتي للعبرة ، فلولا معرفة العرب أخبار هذه الأمم ولو الشيء البسيط منها لما أوردها القرآن بالاضافة الى كون الأخبار بالحدث معروفا لديهم من خلال ذكر الايام والاحداث المهمة في حياتهم للتذكرة والعبرة وجاء القرآن ليؤكدها .
ومن خلال الروايات التي دونت في العصر الإسلامي عن هذا العصر تظهر أمامنا بعض سمات الحس التاريخي كونها البودقة الحاوية للتفاعلات الحياتية للامة خلال حقبة زمنية ويتمثل هذه الحس في ادب الأيام والشعر الذي يعد ديوان العرب بالإضافة الى الأنساب التي تعد مصدراً مهماً اسهم في تعزيز الرواية العربية فليس هناك قبيلة من قبائل العرب الا وكان فيها عدداً من النسابين الذين حفظوا لنا سلسلة اسماء افراد القبيلة وهو الامر الذي امسى حاجة اجتماعية تدعو للتعارف والتمايز (13).
وان هذه الأنساب كانت تتمثل بالنسبة لعرب ما قبل الاسلام ميراثهم التاريخي الذي يشدهم اليه لذلك ارتفعت في نظرهم الى مستوى المقدسات فكان مما دعاهم اليه القرآن الكريـم، ان يذكروا الله كذكرهم لآبائهم ، قال تعالى : {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 200] (14).
وروى ان كثيراً من المسلمين الأوائل ومن عدوا نسابة العرب قبل الاسلام وخلاله قد اخذوا على عاتقهم رواية ايام العرب ومعاركها والى ذلك يشير الجاحظ (15) اذ قال: (واربعة من قريش كانوا رواة الناس للأشعار وعلمائهم بالأنساب والأخبار: مخرمة بن نوفل بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة (16)، وابو الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عوف (17). وحويطب بن العزى (18) ، وعقيل بن ابي طالب (19).
وهناك عدة عوامل اوجدت حالة من الوعي بفكرة النسب المشترك للقبائل العربية ، غير ان اول اشارة الى وجود وثائق بانساب القبائل وردت عن ابن الكلبي وان هذه الوثائق كانت في الحيرة (20).
وان جوهر الانساب كان دوام التواصل والتعارف دون اغفال اهميته في تثبيت نسب القبيلة بوصفها كياناً قائماً على درجة من القرابة الخاصة ضمن القرابة العامة (الامة) ويتضح هذا الاتجاه في :_
1- التوزيع القبلي الجغرافي للنسابة والذي يظهر لنا ان لكل قبيلة نسابتها الذي يحفظ انسابها .
2- المعلومات عن انساب القبائل كما وردت شفاها او في السجلات المكتوبة . ومع ان الوضع القبلي قبل الاسلام ووجود نسابة للقبائل يفترض ان تصل الينا قوائم انساب قبلية غير ان الذي وصل الينا هيكل عام لانساب القبائل من القرن الثاني للهجرة واغلب الظن انه يعود الى الحقبة التي شهدت ظهور امارة كندة على اساس اشتراك عام للقبائل (21) .
والنسب هو ميراث ثقافي وانتماء اجتماعي ينطوي على مستوى واضح من الوعي التاريخي ومما يدل على ذلك ان المشركين انكروا على الاسلام مخالفته لما ورثوه عن ابائهم .
وان الاهتمام العملي بالتراث النسبي ربما كان قد تطور في ظروف ملائمة الى اهتمام في الماضي بصورة عامة والى ايجاد الشعور التاريخي وتقويته الذي هو شرط ضروري لتكوين التأليف التاريخي (22).
فالنسب في تغير مستمر تبعاً لنمو القبيلة وتطور هياكل الانساب وصعوبة متابعة النسابة اذ هي عملية ليست بالسهلة لهذا بقي الحفظ والرواية هما الاساس لانها الاسهل والاكثر مواكبة لتطور معلومات النسب (23) .
وقد كان الاسلام ظرفاً مناسباً اتاح للانساب ان تنشط امكانياتها التاريخية واخذ طريقه الى الحياة العربية عامة والفكرية خاصة وتعززت فكرة النسب المشترك على اساس ثقافي معزز بالعقيدة في وثيقة المدينة حيث ثبت الرسول (صلى الله عليه وآله) هذه المسالة بشكل واضح (24).
فالأحداث الجديدة تضعها امة وليست مجموعة قبائل وان الاسلام الغى العصبية القبلية ولم يلغ الاهتمام بالانساب ولكل هذه الاعتبارات كان لابد ان يكون لها اثرها في تغير اهتمام النسابة من القبلية الى الامة خاصة ان الاسلام حقق للامة العربية وحده شملت الوطن العربي كله وانصهرت فيها كل القبائل والتجمعات المنتشرة فيه تجمعها وحدة العقيدة واللغة كما منحها استنهض حقيقة العرب وبعث الامة العربية من جديد كمادة اساسية لخلق دولة الاسلام (25) ، وكان مهد قصص الايام وتراث الانساب اواسط الجزيرة قبل الاسلام (26) ، ومن اشهر نسابة العرب قبل الاسلام دغفل بن حنظلة وعبيد بن شرية الجرهمي وبذلك تميزت الرواية بالمعنى العلمي(27) .
وكان الرواة في عصر ما قبل الاسلام يعتمدون الرواية الشفوية ولا يستخدمون الكتابة الا نادراً (28). وكيف لا يحدث هذا وقد امتاز العرب بقوة الذاكرة وسعة الحفظ وغلبة المنهج النقلي عليهم . وان هذه الميزات مردها عوامل منها الحياة الصحراوية البدوية التي كان يحياها العربي فالعربي بحكم وراثته يحب الكلام وسماع النطق الجيد كما ان حياة الصحراء تساعد على نمو الموهبة الخطابية .
والتاريخ قديماً كان القصد منه رواية اقوال السلف واخبارهم ومن هنا جاءت اهمية الذاكرة في هذا التاريخ (29) . والاشارات التاريخية في هذا الجانب أي الخطبة او الخطابة تؤكد معرفة العرب ومتابعتهم لتاريخهم وتداول ذلك التاريخ على السنتهم وتتابع اخباره (30).
ولم تقتصر اخبار العرب على الشعر والخطابة بل تعدتها الى الحكم والامثال والمواعظ التي تعبر عن خيرة القوم في الحياة والتي لا تقل في نضجها عما لدى الاقوام الاخرى في هذا المجال . حيث ان هذه المجالات الادبية لا تقل شأناً عند العرب في الحفاظ على المعلومة التاريخية وتداولها من جيل الى اخر فيمكن عدها من بقايا اقدم النثر العربي لما يبدو من ان بعضها كان سائراً في عصر ما قبل الاسلام اذ كانت تشير الى احداث ووقائع معينة حصلت قديماً ولكنها انطوت في زمن النسيان (31). ومن امثال العرب ما قاله (اكثم بن صيفي) في رده على كسرى (الصدق ينبئ عنك لا الوعيد) ، وقد أمست مثلاً ينقل لنا قصة وفد حكماء العرب على كسرى من قبل النعمان بن المنذر(32) .
وبعد عرض هذه الحقائق التاريخية نرى ان التاريخ في هذا العصر كان منطوياً تحت ظل الادب وهو جزء منه . والتراث التاريخي كان عبارة عن روايات منقولة شفاهاً عن احداث بارزة مرت في حياتهم وامجاد معاركهم التي دارت على ارضهم وهذا طبيعي بالنسبة لشعوب لم تستخدم الكتابة واعتمدت على المشافهة ، فالعربي في هذا العصر لم يكن يحتاج الى التدوين كي يدون لان المشافهة كانت تلبي حاجات تطوره الحضاري وقد وصف القـرآن
الكريم عرب ما قبل الاسلام بالأميين من حيث معرفتهم بالقراءة والكتابة (33) عموماً وذلك في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75] (34)، { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2] (35).
_____________
(1) حاطوم ، نور الدين ، المدخل الى التاريخ ، (دمشق، 1965 )، ص155 .
(2) الدوري، عبد العزيز، بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، (بيروت ، 1983)، ص17 ؛ حاطوم ، نور الدين ، المدخل الى التاريخ ، ص155 .
(3) التبريزي ، ابو زكريا يحيى بن علي الخطيب (ت502هـ) ، شرح ديوان الحماسة ، (بيروت ، لا . ت )، ج1، ص3؛ السيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن ابن ابي بكر (ت911هـ) ، المزهر في علوم اللغة وانواعها ، (القاهرة ، لا.ت) ، ج2 ، ص470 .
(4) يراجع عنه : الواقدي ، محمد بن عمر (ت207هـ) ، المغازي ، تحقيق : مارسدن جونسن ، (بيروت ، لا.ت)، ج3 ، ص42 ؛ ابن الجوزي ، جمال الدين ابو الفرج عبد الرحمن (ت597هـ)، المنتظم في تواريخ الملوك والامم، تحقيق : سهيل زكار ، (بيروت، 1995 )، ج4 ، ص203 ؛ الذهبي ، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان (ت748هـ) ، تذكرة الحفاظ ، ط4 ، (مكة ، 1374هـ)، ج1 ، ص 41؛ ابن حجر العسقلاني ، الاصابة في تميز الصحابة ، (بيروت ، لا . ت )، ص351؛ نصار، حسين، نشأة التدوين التاريخي عند العرب، ط2، (بيروت 1980 )، ص23-24.
(5) التبريزي ، شرح ديوان الحماسة ، ج1 ، ص2 .
(6) التبريزي ، شرح ديوان الحماسة ، ج1 ، ص3 .
(7) حاجي خليفة ، مصطفى عبد الله (ت1067هـ) ، كشف الظنون عن اسامي الكتب والفنون ، (طهران، 1967)، ص204 .
(8) الشرقاوي ، عفت ، ادب التاريخ عند العرب ، (بيروت ، لا.ت) ، ص142 .
(9) نصار، حسين، نشأة التدوين التاريخي عند العرب، ص13.
(10) الرافعي ، مصطفى صادق (ت1937هـ) ، تاريخ اداب العرب ، ط4 ، (بيروت ، 1974)، ج3 ، ص18 .
(11) مرجليوث ، د.س ، دراسات عن المؤرخين العرب ، ترجمة ، حسين نصار ، (بيروت ، لا.ت )، ص72 .
(12) نصار، حسين، نشأة التدوين التاريخي عند العرب، ص13
(13) لانجلو واخرون ، المدخل للدراسات التاريخية ودراسات اخرى ، ترجمة: عبد الرحمن بدوي ،(مصر، 1970)، ص303 .
(14) سورة البقرة ، اية 200 .
(15) الجاحظ ، ابو عثمان عمر بن بحر (ت255هـ) ، البيان والتبيين ، ط4 ، تحقيق : عبد السلام هارون ، (القاهرة، 1975 )، ج2 ، ص39 .
(16) ابن حجر العسقلاني ، الاصابة ، ج3 ، ص390 .
(17) ابن حجر العسقلاني ، الاصابة ، ج4 ، ص35 .
(18) ابن حجر العسقلاني ، الاصابة ، ج4 ، ص364 .
(19) ابن حجر العسقلاني ، الاصابة ، ج2 ، ص492 .
(20) الطبري، تاريخ، ج1، ص628.
(21) الحديثي ، نزار ، علم التاريخ عند العرب ، ص77-78 .
(22) روزنثال ، علم التاريخ عند المسلمين ، ص34 .
(23) الحديثي ، نزار ، علم التاريخ عند العرب ، ص71 .
(24) ابن هشام ، عبد الملك بن ايوب الذهبي (ت218هـ) ، السيرة النبوية ، تحقيق : همام عبد الرحيم واخرون ، (عمان ، 1988 )، ج2 ، ص240 .
(25) الحديثي ، نزار ، علم التاريخ عند العرب ، ص76 .
(26) روزنثال ، علم التاريخ عند المسلمين ، ص35 .
(27) روزنثال ،علم التاريخ عند المسلمين ، ص35 ؛ موافي ، عثمان ، منهج النقد التاريخي عند المسلمين، ص30 .
(28) بروكلمان، كارل ، تاريخ الادب العربي ، ترجمة عبد الحليم النجار ، ط4 ، دار المعارف ، (لا.ت ) ، ج1، ص65 .
(29) موافي ، عثمان ، منهج النقد التاريخي عند المسلمين ، ص45 .
(30) ومن خطباء العرب كعب بن لؤي والذي كان يخطب على العرب عامة ويحض كنانة على البر ؛ ينظر : الجاحظ، البيان والتبيين ، ج1 ، ص308 .
(31) بروكلمان ، ج1 ، ص129 .
(32) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ، ج2 ، ص11 .
(33) مجمع اللغة العربية ، معجم الفظ القرآن الكريم ، (بيروت، 1981 )، ص26 .
(34) سورة آل عمران ، اية : 75 .
(35) سورة الجمعة ، اية : 2 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|