أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2020
1718
التاريخ: 28-4-2021
2236
التاريخ: 2-5-2017
2047
التاريخ: 9-5-2017
5499
|
لقد أخذ التاريخ الإسلامي منهجاً خاصاً في التعامل وفي تدوين الأحداث وأخذ الرواية عن الراوي، بحيث تم تطبيق مناهج الحديث في أخذ الرواية. فأصبح التاريخ هو الوجه الآخر للحديث فتم الإعتماد على طرق الإسناد، ودراسة سلسلة الرواة وإخضاعها للشروط التي أحدثها المحدثون، وأي شخص يخالف جزءاً من هذه الشروط لا تأخذ منه الرواية.
يبدو الامر مغريا جدا، بحيث لن يدخل أدنى شك في كون ما يصلنا من الروايات يتمتع بنسبة كبيرة إن لم نقل تامة من الصحة، وبهذا نطمئن بامتلاكنا تاريخاً سليماً بحيث يجعل الثابت على ثبوتيته والمتحول متحوّلاً حسب متغيرات الزمان والمكان.
لنقف قليلا مع هذا المنهج الذي اخترعه المحدّثون في أخذ الرواية، فقد تم الاتفاق على مجموعة نقاط (1):
1 ـ لا رواية عن أهل البدع.
2 ـ لا جرح في الصحابة.
وكما قلنا سابقاً يبدو الأمر مغرياً لأول وهلة، ولكن بغوصنا داخل هذه القوانين المبتكرة نستنتج أنها تنم في داخلها على نوع من التغطية التاريخية، والتي ستؤدي حتماً إلى تشويه الحقائق، أو إبراز القليل الذي لا يخالف الشيء المرغوب وإخفاء الكثير الذي لا يساير طبيعة التوجهات المسيطرة، كما أنها تؤدي إلى قلب المفاهيم العامة، والمتحركة بحركة المجتمع ; بحيث تنتفي فيه ثبوتية الثابت وتحل محلها ثبوتية المتحول.
وشيء آخر مثلا: ماهي المعايير المعتمدة في تحديد أهل البدع والضعفاء من الرواة؟
هل وصلنا إلى حد النزاهة بالتخلي عن الأنانية الفردية والسعي لنصرة الحقيقة المطلوبة والمرغوبة، إن نزاهتي لن تكون إلاّ إذا استطعت أن أتخلى عن روايتي المعتمدة ; وإذا أسلمت ببطلانها وأخذت برواية الآخر إذا كانت تساير الحقيقة. وهل المحدثون فعلا احترموا قوانينهم في ترتيب الرجال حسب الطبقات؟
ما نصيب قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ ونعلم ما لقرابته من الحظوة والأعلمية، وعلى رأسهم علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، حيث أن البخاري أخرج لأبي هريرة أكثر مما أخرج لعلي (عليه السلام) كما أنه لم يأخذ من أعظم التابعين في الإسلام وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب وابن رسول الله عليهم السلام أجمعين.
إذن ما هو المنطق المعتمد في عدم أخذ روايتهم، في حين نجدهم يأخذون رواية الوضاعين والكذابين ومحبي الدنيا والمال؟
فعن أبي جعفر الإسكافي قال: روى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مراراً، وقال يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (إن لكل نبي حرما، وإن حرمي بالمدينة، ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة (2).
وكذلك سمرة بن جندب أخذ مالا وافراً ليقر نزول الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: 204] (3) في حق علي (عليه السلام) فبذل له معاوية مائة ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل، وروى ذلك (4).
أما النهي عن الحديث بكل ما سمع، فهم قد عمموا اللفظ ولم يخصصوه، ولكن عدم نقل الحديث عن ماذا؟ أظنه عدم الخوض في أُسس الأمة الكبرى لأنها من اختصاص الكبار وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني اسرائيل) (5) لكن العلماء حصروا الاولى وقيدوها وأطلقوا العنان للثانية.
ولا يخامر أحد شكاً في كون التاريخ الإسلامي مليء بالإسرائيليات والتي لعب اليهود المتأسلمين دوراً كبيراً في روايتها، بحيث من خلالها نزعت القدسية عن الثابت وانتقل إلى المتحول.
والثابت عندنا هو كل شي مرتبط بالمقدس (الله تعالى، رسول الله، القرآن...) بحيث لا يجوز في أي حال من الأحوال إلحاقه بالأشياء التي تخضع لعملية النقد والبحث، وربطها بالعالم المادي البشري.
لكن التاريخ الإسلامي جعل منها شيئاً بسيطاً، بحيث أصبح من السهل تناولها ولم يضعوا قانوناً يحرم أخذ الرواية من قائله، فأصبح الله تعالى عبارة عن ذلك الهبل داخل الفكر الإسلامي الشيء الذي يؤثر حتماً على عقيدة المجتمع.
وكما عرفنا سابقاً أن التاريخ يشمل كذلك المنتوج الثقافي والفكري، والأمثلة على ذلك كثيرة سواء ما أخرجه أصحاب الصحاح من قبيل كشفه تعالى عن ساقه ووضعها في جهنم. كما رووا أنه يضع رجلاً على رجل ويستلقي فإنها جلسة الربّ.
ورووا أنه خلق الملائكة من زغب ذراعيه، وأنه اشتكى عينه فعادته الملائكة وانه يتصور بصورة آدم.
كما سئل بعضهم عن معنى قوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55] (6). فقال يقعد معه على سريره ويغفله بيده، وقال بعضهم، سألت معاذ العنبري فقلت: أله وجه؟ فقال: نعم، حتى عددت جميع الأعضاء من أنف وفم وصدر وبطن واستحييت أن أذكر الفرج فأومأت إلى فرجي، فقال نعم، فقلت أذَكَر أم اُنثى؟ فقال: ذكر(7).
إذن هكذا اُرِّخ للحضرة الإلهية وكذلك للرسول الأكرم.
وإننا عند مراجعة كتب التاريخ أو الحديث نجد فيها هذا التحوير الخطير، والذي نقل الثابت عند كل المسلمين إلى شيء متحول، بحيث أصبح الكل يتجرأ عليه، وعلى نقاشه وطرحه بشكل يخالف مكانته داخل الشريعة والتي هي المؤطر لأي فعل.
أما المتحول والذي نعني به الأشخاص المكونون للمجتمع الإسلامي وكل ما ينتجونه من أفكار، او بمصطلح فقهي تاريخي «الصحابة»(8) أي من عاش في زمن النبي الأكرم فإنّهم التحقوا بسلك الألوهية بطريقة لا شعورية. ولن ندخل هنا في تحديد معنى الصحابة لأن مفهومه يختلف حسب كل فرقة وخاصة الشيعة والسنة.
____________
(1) عبد الله العروي، مفهوم التاريخ: 1 / 41 منشورات المركز الثقافي العربي.
(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4 / 285.
(3) البقرة: 204، 205.
(4) ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4 / 289.
(5) صحيح البخاري كتاب الانبياء باب 50، الترمذي كتاب العلم 13، صحيح مسلم كتاب الزهد 72.
(6) القمر: 55.
(7) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 3 / 155، ط1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.
(8) ولم تكن المدارس الحداثية كلها أحادية التوجه، بل منهم من أعلن ثورته على الوهم المقدس للتاريخ الإسلامي ويعتبر محمد أركون من الذين نظروا إلى التاريخ بكل محتوياته وبدون استثناء، فرأى أنه قابل للنقد والنظر فيه وذلك من أجل تخليصه من تلك الأسطورية التي طبعته وأصبغها عليه المؤرخون والعلماء حيث يقول: «إنه من الغريب أن نلاحظ أن الفكر الإسلامي قد بقي اليوم يعيش على أفكار ابن حجر العسقلاني (مات 852هـ / 1449م) وأسلافه بخصوص موضوع الصحابة هذا على الرغم من أن هؤلاء يحتلون موقعاً مفتاحياً وأساسياً فيما يتعلق بنقل النصوص المؤسسة للإسلام ولكل تراثه. ولكننا نلاحظ أن تراجم (كتاب الرجال) لابن حجر تصور لنا شخصيات مثالية ترتفع بالخيال الإسلامي الشائع وتجيشه وتنكر (= تقنع، تحجب) في ذات الوقت الحقيقة التأريخية المتعلقة بكل شخصية من الشخصيات المترجم لها. لقد آن الأوان لكي نفتح هذه الإضبارة الشائكة على مصراعيها (كلياً) اننا لا نستطيع أن نكتفي بمفهوم العدالة الذي بلوره المحدثون (أصحاب الحديث)، وإنما ينبغي إعادة تفحص كل الإسنادات ليس فقط عن طريق تطبيق المنهجية الوضعية للمؤرخ الحديث الذي لايهتم إلا بالمعطيات والأحداث التي يمكن تحديدها بدقة ويرمي كل ما عداها فهي ساحة المزيج المعقد الغامض للخرافات والأساطير الشعبية. وإنما نريد على العكس، أن نبين أن العناصر الأسطورية الزائدة المضافة على سير الصحابة من أجل تشكيل شخصيات نموذجية مقدسة كانت قد دعمت «حقيقة» المعلومات التأسيسية المكونة لكل التراث الإسلامي بشكل أقوى مما فعلته المعطيات والأحداث التاريخية الواقعيّة التي حصلت بالفعل» [تاريخية الفكر العربي الاسلامي ص 17 طبعة 111 ترجمة هاشم صالح].
ومن هنا تظهر جرأة الكاتب ومحاولته إخراج التاريخ من تلك النظريات الطوباوية القديمة وذلك من أجل تفعيله حتى ينسجم مع الواقع المعرفي للمجتمع الإسلامي وإخراجه من حالة التيه ووضعه في إطاره الصحيح. وهي إحدى الثورات على ذلك الثابت الذي أنتجه التاريخ المزيف، حتى تتحقق المصالحة بين الواقع كمجال لحركة الفكر الإسلامي والموروث التاريخي كأرضية هذا الفكر.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|