أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-5-2017
12157
التاريخ: 4-1-2017
2197
التاريخ: 12-7-2019
2031
التاريخ: 2023-05-06
1130
|
ان بحثنا حول العوامل التي اكدتها التعاليم الاسلامية لإصلاح النفس والتربية، وان الدين طريق للتربية لا توجد في غيره من المبادئ، وقد بحثنا موضوعا اهتمت به التعاليم الاسلامية كثيرا هو تقوية الارادة والعبادة والامر الاخر الذي تناولته التعاليم الاسلامية بكثرة، وله تأثير تربوي كبير هو التفكير والتفكر وهو نوع من انواع العبادة، فيذكر في كثير من الموارد ان التفكير نفسه عبادة وان (تفكر ساعة خير من عبادة سنة)(1).
فهناك ثلاثة انواع للعبادة: العبادة الجسمية كالصلاة والصوم, والعبادة المالية كالزكاة والخمس او الانفاق بشكل عام، والعبادة الفكرية (الروحية المحضة)، التي تسمى بالتفكير. والتفكير افضل انواع العبادة وحيث يقال: (تفكر ساعة خير من عبادة سنة او ستين سنة او سبعين سنة(2) وان الاختلاف الموجود في السنين راجع الى التفاوت الموجود في التفكير والتفكر، فتبين ان قيمة التفكير اكثر من قيمة باقي العبادات فساعة من هذه العبادة تعادل ستين من تلك العبادة البدنية من غير تفكر، فلا يشتبه بان المقصود العبادة البدنية والالتزام بهذه فقط (التفكر)، فكل منهما ضرورة وله اجره عند الله، والتفكير انواع منها :
1ـ التفكير في عالم الخلقة :
احد مجالات التفكير هو عالم الخلقة، وكشف العالم لأجل معرفة الله، وقد تكرر هذا الامر في القرآن الكريم مرارا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190، 191].
ـ التفكير في التاريخ :
ومن انواع التفكير المذكورة في القرآن، التفكير في التاريخ وفي حياة ومصير الامم السابقة، ويشير القرآن الى القصص والحكايات، وكل ما نسميه (تاريخاً) ويؤكد كثيرا على الامور التربوية من خلال تلك القصص، ويشير الى انه لا يذكر القصص لقضاء الوقت، بل يقول: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف:176] فهذا من مجالات التفكير ايضا ويعد عبادة في رأي الاسلام.
2- تفكير الانسان في خلقه :
والمجال الأخر للتفكير الذي يعد عبادة، وهو المراد من بحثنا هذا هو تفكير الانسان في نفسه؟؛أي: ان نفس الانسان تكون موضوعا لتفكيره، وذلك بنحوين: فمرة تكون نفس الانسان موضوعاً لتفكيره، بحكم انها موضوع علمي. فيكون هذا القسم الاول، ومرة تكون اقسام الانسان ذاتها موضوعا لتفكيره، فيفكر في انه كيف يصمم؟ وكيف يعمل ولا يستسلم الى الحوادث استسلاما اعمى والمقصود هنا هو القسم الثاني.
على الانسان ان يفرغ نفسه في اليوم والليلة، وينقطع عن كل شيء ويختلي بنفسه، يغور فيها ويتفكر بها وبأحواله، وما يجب عليه ان يقرره ويفعله في ما يلاقيه من احداث ويفكر في تقييم اعماله الماضية، وفي اصدقائه وفي الكتب التي قرأها ويفكر في كل شيء، فلو قرأ كتاباً ـ مثلا فعليه ان يفكر في ما استنتجته من ذلك الكتاب، وما هو اثره في نفسه؟ وهل ترك اثر حسناً؟ ثم
التأكد منها في اختيار كتاب اخر.
ان التدبر الذي هو من مادة (دبر) له مفهوم (النظر في عواقب الامور) التدبر والادبار من مادة واحدة فكل له وجه وظهر، غالبا ما يرى الانسان وجه الفعل لكنه لا يرى ظهره والا بعد ان يختار ذلك الفعل فعند ذلك ينظر ويرى خلفه، فكم من عمل لوجهه شكل ولظهره شكل اخر، والتدبر في العاقبة هي ان يقلب الانسان العمل من وجهة نظره ويفكر فيه قبل الاقدام عليه، لان بعض الاعمال لها نتائج ظاهرية جديدة، لكن لها اثار معنوية سلبية.
يقول الإمام علي (عليه السلام) عن الفتنة بان وجهها بشكل وظهرها بشكل اخر (ان الفتن اذا اقبلت شبهت واذا ادبرت نبهت)(3)، فمن عوامل تربية النفس واصلاحها في التعاليم الاسلامية هو التعويد على التفكير قبل أي عمل ينوي الانسان ويريد انجازه، وهذا كمحاسبة النفس، فيجب ان يخصص الانسان ولو عدة دقائق في اليوم ليتفكر في نفسه وما عمله من طاعات وما اقترفه من المعاصي والآثام، فان رجحت كفة الطاعات على المعاصي والحسنات على السيئات، فعلى المحاسب ان يستكبر الله تعالى ما وفقه اليه وشرفه به من جميل طاعته، وشرف رضاه وان رجحت المعاصي، فعليه ان يؤدب نفسه بالتأنيب، والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة الله تعالى.
فان لمجالسة الصالحين اثارا حسنة جدا، ولمجالسة الصالحين واهل السوء اثارا سيئة جداً، وهذا ما لا يمكن تجنبه؛ أي: ان الانسان كلما اراد ان يضبط نفسه ويمسكها عن التأثر بمن يعاشر فانه لابداً وان يتأثر به بنسبة ما.
قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله): (المرء على دين خليله)(4) والمقصود من ذلك عليكم ان تصادقوا من ترضون دينه، وجاء من نهج البلاغة (مجالسة اهل الهوى منساة للإيمان)(5) وقال تعالى والظاهر ان الخطاب الى ابن عمران (عليه السلام) {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}[طه:16] فهو سبحانه يحذر موسى بان لا يمنعه الناس ولا يصدوه. فهذا المنع غير منع الاجبار كمنع فرعون وحده لك عن قيامك بالعمل، لان هذا المنع يتبعه كلام اخر: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} أي لا يصدنك عنها متتبع الهوى فتهلك انت ايضاً، نستنبط من هذه الآية الكريمة ان موسى امر بان يراقب نفسه وينتبه الى تأثير اهل السوء عليه، وليس المعنى ان يعتزل اهل السوء بل معناها التحذير من اثار معاشرة اهل السوء والا فمن سيدعوه موسى الى الايمان.
لذلك يجب على الانسان ان يختار وينتخب المعاشر، فالمعاشرة الاخلاقية غير معاشرة المعلم والمتعلم، ولا معاشرة المربي مع من هم تحت امرته، فالمقصود بالمعاشرة هنا هو اختبار الانيس فلكل انسان في هذه الدنيا صديق ورفيق فلأجل تربية النفس والاخلاق يجب اختيار الصديق والانيس الحسن.
جاء في احاديثنا: ان جماعة سألوا النبي عيسى (عليه السلام): (يا يروح الله، من نجالس؟ فأجابهم : (من يذكركم بالله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الخير عمله)(6). فقسم من الناس تؤدي رؤيتهم الى غفلة الانسان عن الله وبعضهم الاخير يكون عملهم وسلوكهم وهيأتهم وخصوصياتهم بنحو يخرج الانسان من الغفلة، فجالسوا من يزيد منطقه في علمكم أي ان كل احاديثه حقائق جديدة عليكم وانكم تستفيدون من حديثه، وقد يجالس بعض الافراد وحينها يغادركم يحس بانه قد تعلم شيئاً جديداً (ويرغبكم في الخير عمله)، أي: انه يسلك طريقاً خاصا لعمل الخير بحيث يثونكم ويرغبكم فيه.
(مجالسة العالم تصلحك، ومجالسة الفاسد تفسدك) ومما له اثر كبير في باب المعاشرة هو حصول حالة التعلق والاخلاص. بشخص معين اكبر الاثر في تغير الانسان، ولو حصلت هذه الحالة من حينها وبالشكل الصحيح فسوف تؤدي الى صلاح الانسان، ولو حصلت بشكل غير صحيح فهي نار تحرق.
والتعليق من اقسام المحبة والعشق (فلو وجد الانسان شخصا كاملا ونموذجا فعشق اخلاقه وروحه، فأنه يقع تأثيره بشدة وبتغير كثيراً. ولهذا اهتم العارفون كثيرا بمسالة التعليق والاخلاق للمعلم والمرشد فتوجد في الاسلام وصايا بحب الاولياء.
ان حب الرسول (صلى الله عليه واله) والانبياء وحب امير المؤمنين (عليه السلام) وكل انسان متكامل هو اكبر عامل لا صلاح وتربية الانسان وهم وساطة لإيصال الانسان الى الله تعالى، والله سبحانه وتعالى فرض مودتهم في كتابه، وجعلها اجر الرسالة وحقا مفروغاً من حقوق النبي (صلى الله عليه واله) فقال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}[الشورى: 23].
وقد اتصف اهل البيت (عليهم السلام) بجميع دواعي الاعجاب والاكبار وبواعث الحب والولاء كما وصفهم الفرزدق(7):
مـن مـعـشر حـبـهم ديــن وبـغـضهـم كفـــــر وقربـــــــهم منجى ومعتصــــم
ان عــــد اهـــــل التقى كانــوا أئمتهم او قيل: من خير اهل الارض، قيل :هم
نعم هم صفوة الخلق، وحجج العباد وسفن النجاة وخير من اقلته الارض واظلته السماء ـ بعد جدهم الاعظم (صلى الله عليه واله) حسبا ونسبا وفضائل وامجاداً، وكيف يرتضى والوجدان السليم محبة النبي (صلى الله عليه واله) دون اهل بيته الطاهرين الجديرين بأصدق مفاهيم الحب والود، وانها ولا ريب فيها محبة زائفة تنم عن نفاق ولؤم. وعن الامام الباقر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه واله) قال: (لا تزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله، حتى يسأل عن اربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما ابليته. ومالك من اين اكتسبته واين وضعته، وعن حبنا اهل البيت)(8)، عن مجالس الشيخ المفيد).
وهناك فرق بين الحب وبين الولاء، فالحب هو عاطفة والولاء هو موقف والحب ينبضه قلب، والولاء حركة عقل وحركة واقع لذلك نحن نفهم ان الموالاة تعنى الاتباع، وهذا هو حب الله وحب رسوله وحب اوليائه {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
ان الاتباع هو الحب ؛ لان العلاقة معهم ليس علاقة ذاتية فعلاقتنا برسوله الله ـ مثلا - لا لكونه عبد الله بل لأنه رسول الله (صلى الله عليه واله) في خط الرسالة، فهو الرسول في رسالته وفي كيانه وهو القرآن الناطق، فلقد تجسد القرآن فيه كما تجسد في المعصومين اهل بيته (عليهم السلام) فمن اجل هذا يحب المسلمون اهل البيت (عليه السلام) ويعظمونهم فتوجد نسبة بين الحب والولاء وهي نسيبة العموم والخصوص من وجه فان كل من تواليه تحبه (وهذه هي محبة أهل البيت) وليس كل من تحبه تواليه.
وتختلف دواعي الحب والاعجاب باختلاف نزعات المحبين وميولهم فمن الناس من يحب الجمال ويقدسه، ومنهم من يحب البطولة والابطال ويمجدهم، ومنهم من يحب الاريحية ويشيد بأربابها، وقد اجتمع في النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) كل ما يفرض المحبة، ويدعو الى الاعجاب حيث كان انموذجاً فذا، ونمطاً فريدا بين الناس، لخص الله فيه آيات الجمال والكمال، واودع فيه اسرار الجاذبية، فلا يملك المرء بإزائه الا الحب والاجلال، وهذا ما تشهد به
شخصيته المثالية، وتاريخه المجيد.
وقال الامام علي (عليه السلام) هو يصف اخلاق الرسول (صلى الله عليه واله) : (كان اجود الناس كفاً، واجرأ الناس حدراً، واصدق الناس لهجة، واوفاهم ذمة، والينهم عريكة، واكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة احبه، لم ار قبله ولا بعده مثله)(9). ولأجل تلك الشمائل والمآثر، احبه الناس على اختلاف ميولهم في الحب، قال أنس: (جاء رجل من اهل البادية وكان يعجبنا ان يأتي الرجل من اهل البادية يسال النبي (صلى الله عليه واله) فقال: يا رسول الله متى قيام الساعة؟ فحضرت الصلاة فلما قضى صلاته، قال: اين السائل عن الساعة؟
قال : انا يا رسول الله
قال له الرسول (صلى الله عليه واله) : فما اعددت لها؟
قال : والله ما اعددت لها كثير عمل، صلاة ولا صوم الا اني احب الله ورسوله.
قال له (صلى الله عليه واله): المرء مع من أحب.
قال انس : فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء من فرحهم بهذا)(10) نعم فهم خير انيس وخير رفيق، فعند زيارتهم تنجلي الهموم والاحزان، ويمتلئ القلب املا وشوقا للقائهم ائمتي السلام عليكم يوم نصبكم الله ائمة على الملأ، ويوم استشهدتم ويوم بعثهم سعداء.
_____________
1ـ مستدرك الوسائل : ج11، 183.
2- بحار الأنوار : 66/293.
3- نهج البلاغة الخطبة 92،1/183.
4- الكافي ج2، ص375.
5- نهج البلاغة: ج1، ص151.
6- الكافي : 1/39.
7- وسائل الشيعة : ج20، ص29.
8- بحار الانوار : 7/389.
9- سفينة البحار : 2/414.
10- بحار الأنوار : ج17، باب 6، ح26، ص13.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|