أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2017
2746
التاريخ: 2023-09-25
3455
التاريخ: 22-3-2016
4184
التاريخ: 25-3-2016
15382
|
في ضوء ما تكشف عنه إختيارات فحص الشخصية من جوانب الانحراف والشذوذ التي دفعت المذنب الى ارتكاب الجريمة ، تتحدد المعاملة العقابية في الادوات والاساليب التي تستهدف معالجة هذا الانحراف وذلك الشذوذ(1) . ... ، فقد أصبحت أهم اغراض العقوبة في حركة الدفاع الاجتماعي الحديث ليس حماية الحقوق والمصالح التي قرر الشارع جدارتها بالحماية الجنائية وإنما أصبح ذلك هو نقطة الارتكاز للنظام العقابي الحديث كله ، وأساس نظريات علم العقاب الحاضر ، وبما يؤكد أن محور قواعد المعاملة العقابية هو خطورة الشخص الإجرامية ومقتضيات علاجها وتهذيبها(2) . حيث انه يمكن ومن خلال الاعتماد على مقدار الخطورة الإجرامية المتوافره لدى احد المجرمين تحديد المعاملة العقابية المناسبة لهذا المجرم وهنا يمكننا القول أن العلاقة ما بين الخطورة الإجرامية والجزاء الجنائي هي علاقة طردية ، بحيث ما أن وجد القاضي أن المجرم الماثل امامه ذا خطورة إجرامية كبيرة على المجتمع المتعايش معه كلما كان ذلك مدعاة الى أن يفرض عليه جزاءً مشدداً نسبيــاً . وعلى العكس فيما لو وجد بأن هذا المجرم ذو خطورة اعتيادية أو ضئيلة فأن القاضي هنا سيستعين بمعاملة عقابية مخففة تتناسب مع خطورته ، فتكون المعادلة العقابية في هذه الحالة كالتالي : -
جريمة + خطورة إجرامية كبيرة = جزاء جنائي مشدد .
جريمة + خطورة إجرامية ضئيلة = جزاء جنائي مخفف .
وبناءً على ذلك أصبحت الخطورة الإجرامية ، المعيار الذي يجب على القاضي أن يضعه في اعتباره عند تحديد هذا الجزاء لتحقيق الهدف الذي يتوخاه المشرع في حماية كيان المجتمع واصلاح المجرم واعادته الى المجتمع كعضو صالح فيه(3) . ويمكن توضيح هذه الفكرة بشيء من التفصيل من خلال تناول اسلوب سلب الحرية بصفته من اهم اساليب المعاملة العقابية الكفيلة بأزالة خطر العود الى الجريمة(4) . حيث ثبت انه وفي كثير من الاحيان يكون نصيب هذا الاسلوب الفشل لانه في هذه الحالات بالذات يتطلب الامر اتباع اسلوب اخر غير الزج بالانسان في السجن ومؤدى ذلك أن السياسة الجنائية للعلاج لا تستلزم الوقوف عند إصلاح السجون من حيث تشكيل بنائها ومعداتها وتنويع اساليب المعامله داخل اسوارها حسب انواع الجناة ، بل يتطلب فوق ذلك الاستغناء احياناً عن السجن ذاته ومعاملة الجاني بأسلوب لا تكون نقطة البداية فيه سلب الحرية ، إنما تكون بدايته ونهايته خارج اسوار السجن .وليس لاحد القول في هذه الحالة أن ترك الجاني طليقاً بغير اسر يؤذي حاسة العدالة أو يمتعض منه الاحساس العام ، فمثل ذات القول يخفى على صاحبه أن الجاني دائماً وفي كل الحالات موضوع ملاحقة يتعرض لها من جانب السلطة العامة في سبيل ضبط الجريمة ذاتها والتحقيق فيها ، ومن الواضح أن في مثل هذه الملاحقة تأثيراً على نفسية الجاني ذاته قد يكون كافياً لاشباع الشعور بالعدالة بغير حاجة الى اضافة المزيد فوق التحقيق والمحاكمة ذاتها(5). وهذا هو بالذات ما يبرر نظام وقف التنفيذ أو العفو القضائي لاسيما وان ارضاء العدالة يشترك في تحقيقه مع الجزاء الجنائي ، جزاء آخر غير جنائي . وحيث انه بفرض أن الخطورة الإجرامية باعتبارها احتمال عود الى اجرام جديد حسب تقدير القاضي لظروف الفعل وأحوال الفاعل قد زالت بتأثير اجراءات التحقيق والمحاكمة يصبح هناك محل لوقف التنفيذ أو العفو القضائي لانه اذ يزول احتمال العود الى جريمة جديدة ، تسقط بزواله دواعي الاصرار على تنفيذ جزاء الجريمة المقترفة وتمشياً مع المنطق ذاته ، اذا كانت قد اقترفت جريمة ما قرر لها القانون تدبيراً وقائياً تحفظياً كجزاء وحيد ، يكون مؤدى زوال الخطورة الإجرامية بفعل التحقيق والمحاكمة ، بصرف النظر عن ايقاع هذا التدبير الذي يرتبط مع الخطورة وجوداً وعدماً . على انه قد تكون اجراءات التحقيق والمحاكمة غير كافية لازالة الخطورة الإجرامية ، بأن كان احتمال عود الجاني الى جريمة جديدة لايزال قائماً حتى بعد انتهاء هذه الاجراءات . فما التدبير الوقائي المناسب الذي يفرض عليه في هذه الحالة ؟ (6) لاشك بأن معيار المفاضله بين الانواع المختلفة للجزاء الجنائي لمواجهة الجريمة يكمن في الخطورة الإجرامية باعتبارها احتمال العود الى ارتكاب الجريمة . فاذا كانت درجة تلك الخطورة كبيرة بأن كان هذا الاحتمال قوياً ، لزم البدء بسلب الحرية لتأمين المجتمع ضد الجريمة التي يوجد نذير وقوعها فيما لو بقي الجاني ناعماً بحريته خارج أسوار السجن . في حين اذا كانت الخطورة على درجة غير كبيرة وإنما مبررة للخشية وعدم الاطمئنان ، فيلزم الاكتفاء بمجرد تقييد الحرية لا أن يسلبها كلية بأن يلزم المحكوم عليه بالمبيت في السجن ليلاً مع قيامه بالعمل خارج السجن نهاراً في وسط من أناس لايحسون بوضعه وحقيقة أمره ، وان كانت الخطورة على درجة خفيفة تعين ترك الجاني حراً في المبيت بمنزله وإنما خاضعاً لتقييد معين في حريته يتخذ صورة مراقبة الشرطة مثلاً. (7) وهذا بالتأكيد هو تطبيق لما بيناه سابقاً من حيث المبدأ القائل أن الخطورة كلما كانت راجعة الى عوامل في داخل النفس الإجرامية ، كلما كانت أكبر ، وبالتالي يكون الجزاء المفروض عليها أشد ، وبالعكس كلما كانت الخطورة راجعة الى عوامل في الخارج كلما كانت أخف وبالتالي يكون الجزاء المترتب على صاحبها أقل وطأة . وتطبيقاً لما سبق ، نجد أن المدرسة الوضعية هي أول من ربط فكرة الجزاء الجنائي مع فكرة الخطورة الإجرامية ، حيث يعود الفضل لرائدها (لومبروزو) في ذلك ، عندما أوضح التقسيمات التي يكون عليها المجرمون وبين التدبير الملائم لكل صنف من هذه الأصناف . فالمجرم بالميلاد الذي يتميز بتكوين وتشريح معين فيه ارتداد الى الانسان البدائي ، ويمثل خطراً على المجتمع لا يمكن تلافيه أو درء خطره إلا عن طريق استئصاله كليهً من هذا المجتمع عن طريق إعدامه أو نفيه مؤبداً . إما المجرم المجنون المختل عقلياً أو المريض بالصرع فيمكن إتقاء خطره عن طريق إيداعه أحد المصحات العقلية . في حين تواجه خطورة المجرم المعتاد والذي يرجع إجرامه الى ما يحيط به من ظروف إجتماعية فيواجه عن طريق تدابير غير محددة المدة تنقضي بزوال هذه الظروف . إما النوعان الآخران اللذان يمثلان المجرم بالصدفة والمجرم العاطفي ، فهذان النوعان لايبحثان عن الجريمة وإنما تلقيهم الظروف في رحابها أو تدفعهم الى ارتكابها وهم لا يمثلون في رأيه خطورة حقيقية على المجتمع ، ولذلك فأن تعرضهم للعقوبة ، قد يفسدهم ويسهل اختلاطهم بغيرهم من الجناة ، مما يؤهلهم لأن يكونوا مجرمين بالعادة ، وهنا تواجه خطورتهم بتدابير مخففة كالغرامة والابعاد والاختبار القضائي(8) . ... .
________________
1- د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966، ص 191 .
2- د- علي راشد ، دروس في القانون الجنائي ، القاهره ، مطبعة نهضة مصر ، ص 20 .
3- الاستاذ عبد الجبار عريم ، الطرق العلمية في إصلاح وتأهيل المجرمين والجانحين ، الطبعة الأولى ، ص 52 .
انظر كذلك : مجبل علي حسين الشيخ عيسى ، تشديد العقوبة وأثره في الحد من ظاهرة الأجرام ، رسالة دكتوراه ، جامعة بغداد 1996 ، ص 55 .
4- د- رمسيس بهنام ، المجرم – تقويماً وتكويناً، منشأة المعارف، الإسكندرية ، ص 326 .
5- د- رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص 327
6- د- رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص 327 .
7- لقد أورد المشرع العراقي في قانون العقوبات ذكراً لتدبير مراقبة الشرطة بصفته احد التدابير الأحترازية المقيدة ، وذلك في إطار نص المادة (108) والتي نصت على (مراقبة الشرطة هي مراقبة سلوك المحكوم عليه بعد خروجه من السجن للتثبت من صلاح حاله واستقامة سيرته) . كما اوضحت المادة ، القيود التي تلزم بها المحكوم عليه والتي تتمثل في :-
1- عدم الأقامة في مكان معين أو أماكن معينة على أن لايؤثر ذلك على طبيعة عمله أو أحواله الأجتماعية والصحية .
2- أن يتخذ لنفسه محل إقامة والا عينت المحكمة التي أصدرت الحكم بناءً على طلب الادعاء العام .
3- عدم تغيير محل إقامته إلا بعد موافقة المحكمة التي يقع هذا المحل في دائرة إختصاصها وعدم مبارحة مسكنه ليلاً إلا بأذن من دائرة الشرطة.
4- عدم ارتياد محال شرب الخمر ونحوها من المحال التي يعينها الحكم .
كما جاء مراقبة الشرطة في موضع آخر من قانون العقوبات وذلك في المادة (99) منه كعقوبة تبعية يفرض على كل من حكم عليه بالسجن بجناية ماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي أو تزييف نقود أو تزويرها أو تقليدها أو تزوير طوابع أو سندات مالية حكومية أو محررات رسمية أو عن رشوة أو أختلاس أو سرقة أو قتل عمدي مقترن بظرف مشدد .
8- انظر في كل ذلك : د- حيدر البصري، عوامل السلوك الإجرامي بين الشريعة والقانون، مجلة النبأ، العدد الثاني والخمسون، كانون الأول 2000، ص 3 وما بعدها .
وكذلك د- سعدي بسيسو، مبادئ قانون العقوبات، جامعة حلب، الطبعة الأولى، 1964، ص 25 وما بعدها .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|