ما ورد في حب علي عليه السلام وبغضه وذكر بعض الأدلة والقرائن على إمامته وإبطال إمامة وعدالة القوم الذين تقدموه |
2383
11:48 صباحاً
التاريخ: 11-4-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-08-2015
1088
التاريخ: 11-3-2018
1423
التاريخ: 12-3-2018
1216
التاريخ: 11-4-2017
1162
|
... نذكر هاهنا بعض ما نقله صاحب حدائق الحقائق (1) من كتب الجمهور ، قال :
روى في المشكاة ، في الفصل الأول من باب مناقب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ودأبه في كتابه كما ذكره في الخطبة إيراد ما أورده شيخاه ، أعني : محمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج القشيري ، أو أحدهما في الفصل الأول من كل باب ، قال : واكتفيت بهما وإن اشترك فيه الغير لعلو درجتهما في الرواية ، عن رزين بن حبيش ، قال : قال لي علي ( رضي الله عنه ) : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق (2) .
وفي الفصل الثاني ، وعادته أن يذكر فيه ما رواه عمن اعتقدهم أئمة ، وسماهم ثقات راسخين ، مثل مالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأحمد بن حنبل الشيباني ، ومحمد بن عيسى الترمذي ، وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، وأحمد بن شعيب النسائي وأشباههم ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا يحب عليا منافق ، ولا يبغضه مؤمن . قال : رواه أحمد والترمذي (3) .
وفي هذا الفصل عنها ، قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من سب عليا فقد سبني .
قال : رواه أحمد (4) .
وروى يحيى بن الحسن بن البطريق في كتابه المعروف بالمستدرك ، عن ابن شيرويه ، قال : رواه في الجزء الثاني من كتاب الفردوس في باب الميم ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله ، ومن سب الله أدخله نار جهنم وله عذاب عظيم (5) .
وعن الحافظ أبي نعيم ، قال : روى في الجزء الثالث من كتاب حلية الأولياء ، بإسناده عن عدي بن ثابت ، عن زر ، قال : سمعت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، وتردى بالعظمة ، إنه لعهد النبي إلي : أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق . قال : قال أبو نعيم : هذا حديث صحيح متفق عليه رواه جماعة (6) .
وعن رزين بن حبيش ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : قال : إن ابنتي فاطمة ليشترك في حبها البر والفاجر ، وأنه كتب إلي أو عهد إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ، قال : قال أبو نعيم: روى هذا الحديث جماعة كثيرة من أهل الكوفة وغيرهم (7) .
وعن ابن شيرويه في كتاب الفردوس ، بالإسناد عن سلمان ( رضي الله عنه ) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : يا علي محبك محبي ، ومبغضك مبغضي (8) .
وفيه ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ما يبغضك من الرجال إلا منافق ، ومن حملته أمه وهي حائض (9) .
وروى ابن البطريق أيضا فيه عن صاحب الجمع بين الصحيحين ، في المجلد الأول منه ، من مسند علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق (10) .
وعن السمعاني في كتاب مناقب الصحابة ، بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعرفات وأنا وعلي عنده ، فأومأ النبي (صلى الله عليه وآله ) إلى علي ، فقال : يا علي ضع خمسك في خمسي ، يعني : كفك في كفي . يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها دخل الجنة . يا علي لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا ، وصلوا حتى يكونوا كالأوتاد ، ثم أبغضوك ، لأكبهم الله على وجوههم في النار (11) .
وعن الحافظ أبي نعيم في الجزء الأول من كتاب حلية الأولياء ، بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن التي غرسها الله ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، رزقوا فهما وعلما ، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي (12) .
وعن الحافظ أبي نعيم في الجزء الأول من كتاب حلية الأولياء ، يرفعه إلى أبي برزة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله تعالى عهد إلي في علي عهدا ، فقلت : يا رب بينه لي ، فقال : اسمع ، فقلت : سمعت ، فقال : إن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشره بذلك .
فجاء علي فبشرته بذلك ، فقال : يا رسول الله أنا عبد الله وفي قبضته ، فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم الذي بشرني فالله أولى بي، قال : قلت : اللهم أجل قلبه ، واجعل ربيعه الإيمان ، فقال الله تعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم إنه رفع إلي أنه سيخصه من البلاء بشئ لم يخص به أحدا من أصحابي ، فقلت : يا رب أخي وصاحبي ، فقال : إن هذا شئ سبق أنه مبتلى ومبتلى به (13).
وعن محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ، بالإسناد عن عمر الأسلمي ، وكان من أصحاب الحديبية ، قال : كنت مع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في خيله التي بعثه فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى اليمن ، فجفاني علي بعض الجفاء ، فوجدت عليه في نفسي ، فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس وعند من لقيته ، فأقبلت يوما ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد ، فلما رآني حدد إلي عينيه ونظر إلي حتى جلست ، قال : والله يا عمر لقد آذيتني ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أعوذ بالله والإسلام أن أوذي رسول الله ، فقال : من آذى عليا فقد آذاني (14) .
وعن السمعاني في كتاب فضائل الصحابة ، بإسناده عن جابر ، عن عمر بن
الخطاب ، قال : كنت أجفو عليا : فلقيني النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : آذيتني يا عمر ، فقلت : في
أي شئ يا رسول الله ؟ قال : تجفو عليا ، ومن آذى عليا فقد آذاني ، فقلت : لا
أجفوه أبدا (15) .
وعنه في كتاب مناقب الصحابة ، بإسناده عن عمار بن ياسر ، قال : سمعت رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي بن أبي طالب : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن
أبغضك وكذب فيك (16) .
وعنه بالإسناد عن زيد بن أرقم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي وفاطمة والحسن
والحسين صلى الله عليهم : أنا حرب لمن حاربتم ، سلم لمن سالمتم (17) .
وروى الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد ، عن شيخه أبي القاسم البلخي أنه قال : اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب عند المحدثين فيها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) : لا يبغضك إلا منافق ، ولا يحبك إلا مؤمن .
قال : وروى حبة العرني ، عن علي ( عليه السلام ) أنه قال : إن الله عز وجل أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي ، وميثاق كل منافق على بغضي ، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني .
قال : وروى عبد الكريم بن هلال ، عن أسلم المكي ، عن أبي الطفيل ، قال : سمعت عليا (عليه السلام) يقول : لو ضربت خياشم المؤمن بالسيف ما أبغضني ، ولو صببت على المنافق ذهبا وفضة ما أحبني ، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي ، وميثاق المنافقين ببغضي ، فلا يبغضني مؤمن ، ولا يحبني منافق أبدا .
وقال الشيخ أبو القاسم البلخي : قد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة ، قالوا : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا ببغض علي بن أبي طالب (18) .
وروى ابن الأثير في جامع الأصول ، في كتاب الفضائل من حرف الفاء ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب .
قال : أخرجه الترمذي .
وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا يحب عليا منافق ، ولا يبغضه مؤمن .
قال : أخرجه الترمذي .
وعن زر بن حبيش ، قال : سمعت عليا كرم الله وجهه يقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق .
قال : أخرجه مسلم والترمذي والنسائي (19) .
وروى أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر - وهو من مشاهير علماء الجمهور ونقلة آثارهم - في كتاب الاستيعاب ، قال : روت طائفة من الصحابة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي ( عليه السلام ) : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق .
قال : وكان علي ( عليه السلام ) يقول : والله إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق .
وقال : قال ( صلى الله عليه وآله ) : من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن آذى عليا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله .
وقال : روى عمار الدهني ، عن الزبير ، عن جابر ، قال : ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب (20) .
ثم قال بعد ذكر الأخبار في فضائله ( عليه السلام ) : ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها .
انتهى ما أردت نقله هاهنا .
اعلم أن كون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) راوي بعض فضائله من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا يضر ، لأن ما ظهر من فضائله برواية المخالف والموافق دل على جلالة قدره ، بحيث لا يجوز أحد ممن له أدنى تميز واتصاف اشتمال كلامه على أدنى تحريف ، فبخصوص ما رواه ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يظهر خصوص ما اشتمل عليه، فلذا نقل الجمهور ما رواه ( عليه السلام ) في فضائله ، ولم يتكلموا في كونه منقبة به .
وأن الروايات الدالة على كون من يبغضه منافقا يدل على غصب السابقين الأمر منه ( عليه السلام ) لأن عدم رضا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بخلافة من سبق ، وغاية الامتناع عن البيعة ، وسكوته عن قريش للغصب والمعاونة في وقت الإمكان ، وجبر الأولين إلى البيعة ، وإرادة إحراق البيت ، وسوء الأدب ، والأفعال الدالة على البغض والعناد ، أظهر من أن يمكن خفاؤها على المتتبع الطالب للنجاة ، كما يظهر لك بأدنى تدبر فيما ذكرته في الكتاب .
فالأخبار المذكورة مشتركة في الدلالة على غاية الجلالة التي هي أحد أغراضنا من نقلها هاهنا، والأخبار الدالة على نفاق من يبغضه ، أو كون بغضه بغض رسول الله (صلى الله عليه وآله) دالة مع الجلالة على إمامته ، وعلى بطلان إمامة من سبق .
وفي العاشرة مزيد دلالة من قوله ( صلى الله عليه وآله ) " وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها " لدلالتها بحسب السياق على وجوب التمسك بالفرع والأغصان كوجوب التمسك بالأصل ، وظاهر مما ذكرته تركهم التمسك من الأصل .
وفي الحادية عشر دلالة على بطلان الثلاثة ، وعلى إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وذريته المعصومين ( عليهم السلام) لقوله ( صلى الله عليه وآله ) " فإنهم عترتي " وكون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله) ، ظهر مما ذكرته في حديث الثقلين .
وتدل على بطلان من تقدم بوجه آخر ، وهو أن من خلق من طينة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورزق علما وفهما لا يجوز أن لا يفهم إمامة أبي بكر ، أو يفهمها وينكرها على تقدير الحقية ، فامتناعه عن البيعة وطلب حقه وشكوته من قريش فيما فعلوا ، شاهد صدق على كذب الأولين بشهادة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، هل الحكم بإمامة الأول إلا تكذيب فضل عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع قوله ( صلى الله عليه وآله ) " ويل للمكذبين بفضلهم " وكيف يكون تكذيب فضلهم ؟ والحال أنه يلزمهم الحكم بظهور المدعى ، حتى يمكنهم الحكم بفهم أكثر المهاجرين والأنصار استحقاق الأول للإمامة ، بلا حاجة إلى تأمل زائد .
فعدم بيعته ( عليه السلام ) : إما لعدم الفهم ، أو للدواعي . والقول بعدم فهمه ( عليه السلام ) مدة أربعين يوما أو ستة أشهر ، تكذيب لقوله ( صلى الله عليه وآله ) " رزقوا فهما وعلما " والقول بالدواعي ، تكذيب لقوله ( صلى الله عليه وآله ) " خلقوا من طينتي " .
ويمكن استنباط وجه ثالث لبطلان من تقدم ، من قطعهم صلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عترته الذي ظهر لك ، وكيف يستحق الإمامة من اندرج في القاطعين مع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقهم " لا أنالهم الله شفاعتي " .
وفي الثانية عشر دلالة كل واحد من كونه راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، على وجوب إطاعته في الأمور التي منها ما طلب من حق الخلافة وغيره مما ظهر لك ، وكذلك قوله تعالى " قد فعلت به ذلك " بعد قوله ( صلى الله عليه وآله ) " اللهم اجعل ربيعه الإيمان " وقوله ( صلى الله عليه وآله ) " ثم إنه رفع " إلى آخر الخبر ، ظاهر في ظلم الظلمة الذين منهم الأولون على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
ويمكن استنباط إمامته ( عليه السلام ) من قوله تعالى " وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين " لظهور أن إلزام جميع أهل التقوى الذي هو مقتضى الجمع المحلى باللام هو الأمر بإطاعتهم المطلقة إياه ، وهو مستلزم لإمامته ( عليه السلام ) وإمامته على هذا الوجه تدل على بطلان إمامة من تقدم ، ولا يبعد استنباط المطلبين من قوله تعالى " من أحبه أحبني " .
وفي الثالثة عشر تحديد عيني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى عمر الأسلمي ، وقوله " يا عمر لقد آذيتني " يدلان على غاية قبح ما فعله الأسلمي ، ولهذا عد الأسلمي هذا الأمر عظيما ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . وإذا كان ما ذكره في مجالس على وجه ذكره الأسلمي سببا لإيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهلاك الأسلمي ، فما تظن بإرادة إحراق البيت الذي كان فيه معه ( عليه السلام ) سيدا شباب أهل الجنة وسيدة نساء العالمين ( عليهم السلام ) وسائر ما فعلوا بأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين .
وفي الرابعة عشر قول عمر " لا أجفوه أبدا " بلا اضطراب ظهر من الأسلمي ، بعد قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " آذيتني يا عمر " دلالة على قساوة قلبه وقلة خوفه أو عدمه، ومع ذلك أين الوفاء بالوعد ؟ أتزعم أن ما صدر من عمر بالنسبة إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في زمان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان إيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله) كان جزء من ألف جزء مما صدر عنه وعن أخيه وابنة أخيه بالنسبة إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد انتقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى روضة القدس .
أيها المساكين تنقلون هذه الأخبار عن مشايخكم ، وتحكمون بصحة كثير منها ، مع كونها محفوفة بقرائن دالة على صدقها ، وكونها متواترة بالمعنى ، وتغمضون عن مفادها لبعض الدواعي عند الخطاب ، فما أهبتكم عند معاينة قبح الأعمال والحاجة إلى الجواب .
وفي السادسة عشر قوله ( صلى الله عليه وآله ) " أنا حرب لمن حاربتم " في مقابل قوله " سلم لمن سالمتم " دال على كون الأولين في حكم محارب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فإن قلت : قوله ( عليه السلام ) " لا يحبني إلا مؤمن " وما يفيد مفاده ، دال على كون محب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مؤمنا ، وظاهر أن بعض من قال بإمامة من تقدم على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يحبه ( عليه السلام ) ومحبته دالة على إيمان ذلك البعض ، وهذا مناف لما يقوله الشيعة .
قلت : مقصودنا هاهنا دلالة الأخبار على بطلان إمامة الثلاثة ، وكون الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وثبت المطلبان بما ذكرته . وأما بطلان كون من يحبه ( عليه السلام ) ممن قال بإمامة الثلاثة مؤمنا ، ظهر بما ذكرته في أوائل الكتاب، من كون الإمامة من الأصول .
وحينئذ نقول في هذه الأخبار : لا نسلم كون من قال بإمامة من تقدم على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) محبا له محبة أريدت من الأخبار ، ولعل المراد من المحبة المذكورة فيها حالة تبعث صاحبها إلى القول والاذعان بكونه ( عليه السلام ) في مرتبة جعلها الله تعالى ، فلعل من لم يقل ولم يذعن به فهو عدوه ، ألا ترى إلى إرادة مثل ذلك المعنى في المحبة والعداوة المنسوبتين إلى الله تعالى .
وأيضا ما وصل إلينا من الأخبار الكثيرة بإظهار كثير من الكفار ، مثل بعض الهنود محبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتمسكهم في الشدائد إليه ، مع الاتفاق بيننا وبينكم في عدم إيمانهم ، يؤيد الاحتمال الذي ذكرته في تفسير المحبة والعداوة .
الحق مع علي ( عليه السلام ) :
ونذكر بعض ما نقل صاحب حدائق الحقائق من دوران الحق مع علي ( عليه السلام ) ، حتى تزيد بصيرة بتعمد ظلم من ظلم، قال : في بيان طرق الجمهور . وأما من طرقهم ، فروى أحمد بن موسى بن مردويه ، من مشاهير علمائهم من عدة طرق ، عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : الحق مع علي وعلي مع الحق ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (21).
وروى ابن البطريق في المستدرك ، عن ابن شيرويه الديلمي في الجزء الأول من كتاب الفردوس ، بالإسناد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رحم الله عليا ، اللهم أدر الحق معه حيث دار (22) .
وعن السمعاني في كتاب فضائل الصحابة ، بالإسناد عن الأصبغ بن نباتة ، عن محمد بن أبي بكر ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (23) .
وقال العلامة ( رحمه الله ) في كتاب كشف الحق ونهج الصدق : روى الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعمار إلى أن قال : إن سلك الناس كلهم واديا فاسلك واديا سلك علي وخل الناس طرا ، يا عمار إن عليا لا يزال على هدى ، يا عمار إن طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله (24) .
وقد روى هذه الرواية يحيى بن الحسن بن البطريق في المستدرك ، عن أبي بكر محمد بن الحسين الآجري في كتاب الشريعة ، بالإسناد عن أبي أيوب الأنصاري بتغيير وزيادة في أولها انتهى .
من الغرائب خروج عائشة على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مع روايتها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما روته ، وأغرب منه سماع محبيها روايتها ورواية غيرها في دوران الحق مع علي ( عليه السلام ) ، مع اجتماع شرائط الاعتبار فيها، من الكثرة ، ونقل الصديق والعدو ، والرواية في كون بغضه ( عليه السلام ) علامة النفاق مع الكثرة ، وغيرها من شرائط الاعتبار ، وفي كون مبغضه في النار ، كما يدل عليه الرواية العاشرة من الروايات المذكورة سابقا ، وفي كون إيذاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما يدل عليه الرواية الثالثة عشر والرابعة عشر والخامسة والعشرون ، مع مزيد في الأخيرة ، وفي استحقاق المكذب والقاطع الويل ، وعدم نيل الشفاعة ، كما يدل عليه الرواية الحادية عشر، وفي كون حربه حرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما يدل عليه الرواية السادسة عشر ، وفي غيرها مما يظهر مما نقلته وتركته ، ومع ذلك يحكمون بثقتها وجلالتها بتبعية الأهواء والكبراء ، وأكثر ما ذكرته هاهنا يجري في الثلاثة .
وما نقل من جواب فضل بن روزبهان في جواب " اللهم أدر الحق معه حيثما دار " وغيره مما سبق في دوران الحق مع علي ( عليه السلام ) بأن هذا شئ لا يرتاب فيه حتى يحتاج إلى دليل ، بل هذا يدل على حقية الخلفاء ، لأن الحق كان مع علي ، وعلي ( عليه السلام ) كان معهم حيث تابعهم وناصحهم ، فثبت من هذا خلافة الخلفاء ، وأنها كانت حقا صريحا ، في غاية السخافة ، لأن امتناع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن البيعة وطلب الأمر لنفسه ، ودعوى استحقاق نفسه وظلم السابقين أظهر من أن يمكن خفاؤه على المتتبع وظهر لك سابقا .
ومع هذا نؤكد ذلك ونقول : قال ابن أبي الحديد : حدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني قطفتا بالجانب الغربي من بغداد ، وأحد الشهود المعدلين بها ، قال : كنت حاضرا عند الفخر إسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه ، وكان الفخر هذا مقدم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف ، ويشتغل بشئ في علم المنطق ، وكان حلو العبارة ، وقد رأيته أنا وحضرت عنده وسمعت كلامه ، وتوفي سنة عشر وستمائة .
قال ابن عالية : ونحن عنده نتحدث إذ دخل رجل من الحنابلة ، قد كان له دين على بعض أهل الكوفة ، فانحدر إليه يطالبه به ، واتفق أن حضرت زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور بالكوفة، وهذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من الخلائق جموع عظيمة تتجاوز حد الاحصاء .
قال ابن عالية : فجعل الشيخ الفخر يسائل ذلك الرجل ما فعلت ؟ هل وصل مالك إليك ؟ هل بقي منه بقية عند غريمك ؟ وذلك الرجل يجاوبه ، حتى قال له : يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير ، وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من الفضائح والأقوال الشنيعة وسب الصحابة جهارا من غير مراقبة ولا خيفة .
فقال إسماعيل ، أي ذنب لهم والله ما جرأهم على ذلك ، ولا فتح لهم هذا الباب إلا صاحب ذلك القبر ، فقال الرجل : ومن هو صاحب القبر ؟ قال : علي بن أبي طالب ، قال : يا سيدي هو الذي سن لهم ذلك وعلمهم إياه وطرقهم إليه ؟ قال : نعم والله ، قال : يا سيدي فإن كان محقا فمالنا نتولى فلانا وفلانا ، وإن كان مبطلا فمالنا نتولاه ، ينبغي أن نتبرأ إما منه أو منهما .
قال ابن عالية : فقام مسرعا ، فلبس نعليه وقال : لعن الله إسماعيل الفاعل ابن الفاعلة أن كان يعرف جواب هذه المسألة ، ودخل دار حرمه ، وقمنا نحن وانصرفنا (25) انتهى .
وروى ابن أبي الحديد ، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه في السقيفة وفدك، بعد ما ذكر أن جميع ما أورده من الأخبار منقول من أفواه أهل الحديث وكتبهم لا من كتب الشيعة ورجالهم ، ثم قال : وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث ، كثير الأدب ، ثقة ورع ، أثنى عليه المحدثون ، ورووا عنه مصنفاته وغير مصنفاته (26) .
قال : فلما سمع أبو بكر خطبتها ( عليها السلام ) في فدك شق عليه مقالتها ، فصعد المنبر ، وقال : أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة ؟ أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مرب لكل فتنة ، هو الذي يقول : كروها جذعة بعد ما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي ، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لبحت ، إني ساكت ما تركت .
ثم التفت إلى الأنصار فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحق من لزم عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا . ثم نزل فانصرفت فاطمة ( عليها السلام ) إلى منزلها. وقال: قلت : قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن أبي زيد البصري وقلت له : بمن يعرض ؟ فقال : بل يصرح ، قلت : لو صرح لم أسألك ، فضحك وقال : بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قلت : هذا الكلام كله لعلي يقوله ؟ قال : نعم إنه الملك يا بني ، قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر علي ( عليه السلام ) فخاف من اضطراب الأمر عليهم ، فنهاهم .
فسألته عن غريبه ، فقال : أما الرعة بالتخفيف ، أي : الاستماع والاصغاء .
والقالة : القول . وثعالة : اسم الثعلب علم غير مصروف ، مثل ذؤالة للذئب .
وشهيده ذنبه ، أي : لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه وجزء منه ، وأصله مثل قالوا : إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب، فقال : إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك ، وكنت حاضرا قال : فمن يشهد لك بذلك ؟ فرفع ذنبه وعليه دم ، وكان الأسد قد افتقد الشاة ، فقبل شهادته وقتل الذئب . ومرب : ملازم أرب بالمكان .
وكروها جذعة : أعيدوها إلى الحال الأولى ، يعني : الفتنة والهرج . وأم طحال : امرأة بغي في الجاهلية ، ويضرب بها المثل فيقال : أزنا من أم طحال (27) انتهى .
وقال : ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي ( عليه السلام ) : وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين ، يوم بويع أبو بكر الصديق ، فلم تدع أحدا من أهل بدر والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدليت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة ، ولعمري لو كنت محقا لأجابوك ، ولكنك ادعيت باطلا ، وقلت ما لا يعرف ، ورمت ما لا يدرك ، ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ، فما يوم المسلمين منك بواحد ، ولا بغيك على الخلفاء بطريف ولا مستبدع (28) .
قال بعض شراح نهج البلاغة في شرح قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) " فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت ، وأغضيت على القذى ، وشربت على الشجا ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمر من طعم العلقم " (29) : وروى نضر بن مزاحم في كتاب صفين : أنه كان يقول : لو وجدت أربعين ذوي عزم لقاتلت .
وقال في ذيل هذا الكلام : وهو الذي عليه جمهور المحدثين من غير الشيعة ، أنه امتنع من البيعة ستة أشهر حتى ماتت فاطمة، فبايع بعد ذلك طوعا . وفي صحيحي مسلم والبخاري : كانت وجوه الناس تختلف إليه وفاطمة لم تمت بعد ، فلما ماتت انصرفت وجوه الناس عنه ، فخرج وبايع أبا بكر .
وعلى الجملة فحال الصحابة في اختلافهم بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما جرى في سقيفة بني ساعدة ، وحال علي ( عليه السلام ) في طلب هذا الأمر ظاهر ، والعاقل إذا طرح العصبية والهوى عن نفسه ، ونظر فيما نقله الناس في هذا المعنى ، علم ما جرى بين الصحابة من الاختلاف والاتفاق ، وهل بايع علي ( عليه السلام ) طوعا أو كرها ؟ وهل ترك المقاومة عجزا أو اختيارا ؟ ولما لم يكن غرضنا إلا تفسير كلامه ، كان الاشتغال بغير ذلك تطويلا وفضولا خارجا عن المقصود ، ومن رام ذلك فعليه بكتب التواريخ (30) انتهى .
أقول : ملاحظة هذا الكلام من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كافية للمنصف في الدلالة على أنه ( عليه السلام ) لم يبايع طوعا ، وما ذكره الشارح مع ملاحظة مرتبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كاف أيضا من غير حاجة إلى ضم ما ذكره ( عليه السلام ) ، وأوضحنا الدلالة عند نقلنا هذا الكلام منه سابقا أيضا .
قال صاحب حدائق الحقائق : روى ابن قتيبة - وهو من أكابر مشايخهم – في كتاب الإمامة والسياسة ، أن عليا ( عليه السلام) أتي به إلى أبي بكر ، وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) تأخذونه منا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكان محمد (صلى الله عليه وآله) منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلموا إليكم الإمارة ، فأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيا وميتا ، فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون .
فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع ، فقال له علي ( عليه السلام ) : احلب حلبا لك شطره ، أشدد له اليوم يرده عليك غدا ، ثم قال ، والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه ، فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك ، فقال علي ( عليه السلام ) : يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمد ( صلى الله عليه وآله ) في العرب من داره ، وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به ، لأنا أهل البيت ، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله .
ثم قال ابن قتيبة : وفي رواية أخرى : أخرجوا عليا ( عليه السلام ) فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، قال : إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق علي ( عليه السلام ) بقبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصيح ويبكي وينادي : يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .
ثم ذكر ابن قتيبة أنهما جاءا إلى فاطمة ( عليها السلام ) معتذرين ، فقالت : نشدتكما بالله ألم تسمعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط ابنتي من سخطي ، ومن أحب فاطمة فقد أحبني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم سمعناه ، قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأشكونكما إليه ، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر باكيا يكاد نفسه أن تزهق ، وهو يقول : والله لأدعون الله الله في كل صلاة أصليها ، ثم خرج باكيا (31) انتهى .
وقد حكى الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد هذه الرواية في الجزء السادس من الشرح ، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة بوجه أبسط مما رواه ابن قتيبة (32) انتهى كلامه .
وجه تأكيد خبر ابن عالية : أن إسماعيل بن علي مع كونه من فقهاء الحنابلة حكم بلا توقف بكون سب الجماعة ناشئا من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مؤكدا بالقسم أولا ، وفي الجواب بقوله " والله ما جرأهم " إلى قوله " نعم والله " وبعد ما سأل السائل عدم مناسبة الجمع في الولاية بين الساب والمسبوب ، اعترف بعدم العلم بالجواب ، ولعن نفسه إن كان عالما به ، ولو كان له طريق إلى الجواب ولو كان تجويز عدم فتح باب السب لم يلعن ابن الفاعلة أن عرف جواب المسألة .
وبالجملة القسم واللعن لا يجتمعان مع تجويز عدم فتح باب السب ، فكلام إسماعيل يدل على غاية وضوح براءة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من السابقين وسبه ( عليه السلام ) أو تجويز سبه إياهم ، فدل دوران الحق بل مخالفته ( عليه السلام ) لو فرض عدم هذه الرواية في شأنه (عليه السلام) على بطلان إمامة أبي بكر ، لعدم تحقق الاجماع بمخالفة أمير المؤمنين (عليه السلام ) وعلى بطلان كلام فضل بن روزبهان .
ويدل رواية أبي بكر الجوهري على بغض أبي بكر لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) للخوف عما عبر عنه بالفتنة ، الذي هو اجتماع بعض الصحابة على أمير المؤمنين بحيث يختل سلطنة أبي بكر ، ولو كان الحق مع أبي بكر لكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أسرع التابعين ، فلم يحتج أبو بكر إلى أن يتكلم بالمقالة التي يظهر منها النفاق وإيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بإيذاء أمير المؤمنين وفاطمة ( عليهما السلام ) بل إيذاء الله تعالى ، كما ظهر من الأخبار . والكلمات الركيكة الصادرة عن أبي بكر كيف توافق مقتضى الأخبار المذكورة هاهنا وسابقا في فضائل أمير المؤمنين وفاطمة ( عليهما السلام ) خصوصا ، وفضائل أهل البيت عموما ، وآية {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] ولأي مؤمن طالب للنجاة يمكن أن يوافق صاحب هذا المقال ، حتى يتوهم موافقة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما توهم فضل بن روزبهان .
وكتاب معاوية المشهور يدل على مخالفة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والاهتمام في طلب الأمر غاية الاهتمام ما أمكن ، وكذلك قوله ( عليه السلام ) " لو وجدت أربعين " الخ .
فإن قلت : أي اعتماد بما كتب معاوية وقال ؟
قلت : كلام معاوية في نفسه ليس محل الاعتماد ، لكن في قوله " لم تدع أحدا من أهل بدر وسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك " قرينة واضحة على وقوع الدعوة ، وإلا لم يعمها ، حتى لو ظهر إنكار الدعوة لم يفتضح ، لأنه لا يمكن أن يقول معاوية على تقدير الانكار حينئذ كانت الدعوة بالنسبة إلى بعض الصحابة ، فلعل ما بقي من المدعوين لا يظهرون الآن ، ونسبة عموم الدعوة إليه ( عليه السلام ) يدل على ظهورها في زمان كتابة معاوية بحيث لم يمكن الانكار .
ومما نقلته سابقا ظهر ظهور هذه الدعوة عند ابن أبي الحديد أيضا ، وفي رواية ابن قتيبة دلالة على غاية الخلاف في مواضع منها لا تحتاج إلى التفصيل ، وعلى نفاق عمر ، وعلى تركه مقتضى الكتاب والسنة ، وعدم مبالاته بشئ من القبائح ، وعلى بطلان خلافة أبي بكر بوجه آخر ، وهو أنه ( عليه السلام ) لما احتج عليهم بما احتج به لم يتعرض أحدهما لدفع احتجاجه (عليه السلام) أصلا ، فقال عمر في جواب الاحتجاج : إنك لست متروكا حتى تبايع ، فلو كان له جواب لوجب ذكره عادة وعقلا ، فعدم ذكره في أمثال هذا المقام دليل قاطع على العدم ، ولو لم يكن إلا واحدة من هذه الروايات لم يجز الحكم بكون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مع الأولين ، وبعد الاجتماع وملاحظة قرينة الصدق ، لا يبقى شك لأهل الحجى إن لم يختل عقله بالأغراض الفاسدة ، ولا يحتاج إلى ضميمة أخبار أخر ، وكذلك ما ذكرته سابقا بانفراده كاف في هذا المدعى ، ولا يحتاج إلى ضميمة هذه ، وما لم أذكره بل بعضه كاف من غير حاجة إلى ضميمة الأخبار المذكورة وغير ذلك البعض .
وفي آخر الخبر يظهر أن قصدهما الحيلة بأي وجه تيسر ، وإلا كان الواجب عليهما بعد أن سمعا من فاطمة ( عليها السلام ) تقول : أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ارضاءهما إياها بوجه يناسب الخطيئة ، فإن كان خطأهما من سوء الأدب فقط ، فالندامة الصادقة وإظهارها حينئذ كان سببا للقبول البتة ، لأنها كانت عالمة بأن أعظم الخطيئة الذي هو الكفر والشرك يغفر بالتوبة ، فكيف لا يقبل ولا تعفو مع التوبة الكاملة التي استوفت شرائطها ، وإن كان يظلمها فرد الظلامة مع الندامة الصادقة ، وإصرارها ( عليها السلام ) في عدم الرضا دال على عدم تحقق شرائط التوبة .
فإن قلت : نختار الأول بدليل أن الأمر الدنيوي كان أحكم من أن يختل بعدم الاعتذار ، فالاعتذار إنما نشأ من محض التوبة ، فلو كان خطأهما لأجل الظلامة بانفرادها أو بضميمة سوء الأدب كانا يتداركان ما يحتاج إليه ، لأن ما نقل من انتحاب أبي بكر على الوجه المذكور دال على غاية ندامته ، ومثل هذه الندامة حامل على التدارك إن احتاجت إليه ، فعدم التدارك يدل على عدم الظلامة ، فإذا ثبت عدم الظلامة ، فالإشكال إنما هو في أن عدم قبول الاعتذار لا يليق بكمل المؤمنين ، فكيف يليق بسيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) ؟ أيجوز أن نظن أن أبا بكر مع الخلافة والسلطنة ينتحب ويبكي ؟ بحيث يكاد نفسه أن تزهق ولا يتدارك ما يجب تداركه ، فهذا من بعيد الظن .
قلت : النادم عن المعاصي إذا ندم ندامة صادقة وتدارك ما يحتاج إلى التدارك يعفو عنه من كمل إيمانه ، فكيف لا تعفو عنها سيدة نساء العالمين لو كانت توبتهما جامعة لشرائطهما ، وما ذكر من الاستدلال على كون اعتذارهما لمحض التوبة فضعيف، لأنه يمكن أن يكون سببه الحيل والدواعي التي ليس لك اطلاع عليها ، ويمكن أن يكون أحدها جلب محبة من لا يتأمل في الأمور حق التأمل .
وما تظن من دلالة النحيب على التوبة الكاملة الباعثة على تحصيل جميع ما يعتبر في التوبة ، فضعيف أيضا ، لأنه يمكن أن يكون ندامته عن القبائح التي لا يحتاج انتظام أمره إليها ، مثل كشف بيت فاطمة ( عليها السلام ) كما نقل عنه إظهار الندامة عنه عند قرب انتقاله إلى دار الجزاء .
ويمكن أن يكون له ملكة البكاء عند إرادتها ، كما ينقل عن جماعة كثيرة عن أحد ممن عاصرنا أنه كان يمكن له البكاء أي وقت أرادها ، فإذا كان له ملكة البكاء ، فهي في مثل هذا الوقت أحد حيله يغتر بها كثير من الناس .
فظهر بما ذكرته أن الاعتذار والنحيب لا يدلان على التوبة .
وأما عدم قبول سيدة نساء العالمين اعتذارهما ، فشاهد صدق على عدم تحقق ما يعتبر في التوبة فيهما ، وكيف يتوهم حصول شرائط التوبة فيهما ؟ مع أنهما سمعا منها ( عليها السلام ) إصرارها في السخط ، لم يقولوا : إن أباك كان رحمة للعالمين ، والشيطان مسلط على أكثر الناس ، فما صدر منا إنما كان بإغواء الشيطان ، فنحن تائبون منه ، وعازمون على التدارك على أكمل وجه ، فمرينا بأي شئ تريدين حتى نسمع ونطيع ، فإن إطاعتك سبب النجاة ، كما أن مخالفتك وسخطك موجب للهلاك ، لكونك شريكة القرآن وسفينة النجاة ، ولما لم يقولا ما يفيد هذا المفاد ظهر أنهما لم يستوفيا شرائط التوبة ، هذا تبرع مني ، وإلا فعدم قبولها (عليها السلام) اعتذارهما كاف في الدلالة على ما أردنا على وجه أكمل ، كما لا يخفى .
ويمكن أن يكون إرادة توبتهما مثل إرادة توبة أحد سأل مني عن التوبة عما صدر منه من أخذ المال ظلما وعدوانا ، وكان حين السؤال أيضا مريدا إياه ، فأجبته بما هو منقول عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فقال في جوابي : هذا مشكل ، فقلت : لم أكن غافلا عن غرضك من السؤال ، بل علمت أن غرضك إنما كان بيان فعل يبرئ ذمتك مما سبق من غير أن تتدارك الظلامة ، ويبيح لك استمرار الظلم والعدوان ، وهذا خارج عن قانون الشرع والإيمان ، وعليك التطبيق من غير حاجة إلى تعرض التفصيل والبيان .
وكذلك قوله ( عليه السلام ) " وقد قال لي قائل : أنك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص ، فقلت : بل أنتم والله أحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلما قرعته بالحجة بهت لا يدري ما يجيبني به ، اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأحذه وفي الحق أن تتركه " (33) انتهى .
يدل على غاية الخلاف ، ومع ظهور دلالة هذا الكلام ، وبعض ما نقله على بث الشكوى والسخط عليهم ، نقل عن ابن أبي الحديد القول بتواتر هذا المعنى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فكيف يقول فضل بن روزبهان وغيره ممن ابتلي بالدواعي بتوافق أمير المؤمنين (عليه السلام ) والسابقين ؟
______________
(1) لعله هو كتاب حدائق الحقائق في شرح كلمات كلام الله الناطق في شرح نهج البلاغة : للسيد الأمير علاء الدين محمد بن الأمير محمد علي شاه أبو تراب الحسيني من سادات كلستانه القاطنين بأصفهان . راجع : الذريعة 6 : 284 .
(2) جامع الأصول 9 : 473 برقم : 6488 .
(3) جامع الأصول 9 : 473 برقم : 6487 .
(4) راجع : إحقاق الحق 5 : 50 ، وج 6 : 394 و 423 - 432 ، وج 17 : 2 - 7 ، وج 21:
554 - 564 .
(5) فردوس الأخبار 4 : 189 برقم : 6099 .
(6) العمدة لابن بطريق ص 218 .
(7) العمدة لابن بطريق ص 218 .
(8) فردوس الأخبار 5 : 408 برقم : 8313 .
(9) فردوس الأخبار 5 : 410 برقم : 8319 .
(10) العمدة لابن بطريق ص 215 .
(11) إحقاق الحق 7 : 180 عن مناقب السمعاني .
(12) حلية الأولياء 1 : 86 .
(13) حلية الأولياء 1 : 66 - 67 .
(14) راجع : إحقاق الحق 6 : 380 - 386 .
(15) إحقاق الحق 6 : 389 .
(16) إحقاق الحق 7 : 271 - 274 .
(17) إحقاق الحق 9 : 166 - 173 .
(18) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 83 .
(19) جامع الأصول 9 : 473 برقم : 6486 - 6488 .
(20) الاستيعاب 3 : 37 - 47 المطبوع على هامش الإصابة .
(21) إحقاق الحق 5 : 28 و 43 و 623 - 638 .
(22) فردوس الأخبار 2 : 390 برقم : 3050 .
(23) إحقاق الحق 16 : 384 - 397 .
(24) نهج الحق وكشف الصدق ص 224 - 225 .
(25) شرح نهج البلاغة 9 : 307 - 308 .
(26) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 210 .
(27) شرح نهج البلاغة 16 : 214 - 215 .
(28) شرح نهج البلاغة 2 : 47 .
(29) نهج البلاغة ص 68 رقم الخطبة : 26 .
(30) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 2 : 26 - 27 .
(31) الملل والنحل لابن قتيبة 1 : 18 - 20 .
(32) شرح نهج البلاغة 6 : 5 - 50 .
(33) نهج البلاغة ص 246 رقم الخطبة : 172 .
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|