أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-3-2017
2859
التاريخ: 23-12-2015
3249
التاريخ: 28-6-2017
2627
التاريخ: 15-6-2017
2798
|
إن اُولى خطوة خطاها البَشَر باتّجاه النمط الإجتماعي كانت عندما أقْبَل على تأسيس وإقامة الحياة القبلية فالقبيلة تتكون من اجتماع عدة عوائل واُسر مترابطة فيما بينها بوشائج القربى والنسب تحت زعامة شيخ القبيلة وبهذا يتحقق أبسط نمط من أنماط الحياة الإجتماعية.
وقد كانت الحياةُ العربية ـ آنذاك ـ من هذا القبيل فكلُ مجموعة من العوائل المترابطة نسبياً تتجمع في شكل قبيلة وتشكل بذلك مجتمعاً صغيراً يخضع فيه الجميع لأوامر رئيس القبيلة وزعيمها ولقد كان الجامع بين افراد القبيلة هو الرابطة القومية والوشيجة النسبية وكانت هذه القبائل تختلف في عاداتها ورسومها وتقاليدها وأعرافها اختلافاً كبيراً وإذ كانت كل قبيلة تعتبر القبائل الاخرى غريبة عنها لذلك كانت لا تقيم للآخرين وزناً ولا قيمة ولا تعترف لهم باي حق أو حرمة.
ولهذا كانت ترى الإغارة على الآخرين وقتلهم ونهب أموالهم وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم من حقوقها القانونية المشروعة اللّهم إلاّ أن يكون بين القبيلة والقبيلة الاُخرى حلف أو معاهدة .. هذا من جانب.
ومن جانب آخر كانت القبيلة الّتي تتعرض للإغارة من جانب قبيلة اُخرى ترى من حقها أن تردَّ الصاع صاعين تقتل كل أفراد القبيلة المغيرة لأن الدّم ـ في نظرهم ـ لا يغسله الا الدّم!!!
ولقد تبدلت أخلاقيةُ العرب هذه بعد انضوائهم تحت لواء الإسلام الحنيف بل تحوَّلوا من نمط الحكومة القبلية المتخلفة والنظام العشائري الضيّق هذا إلى حكومة عالميّة واستطاع رسولُ الإسلام (صـلى الله علـيه وآله) ان يؤلف من القبائل العربية المتفرقة اُمّة واحدة.
ولا شك أن تأليف اُمة واحدة من قبائل وجماعات اعتادت طوال سنين مديدة من التاريخ على التناحر والتنازع والتخاصم والتقاتل والتهاجم والإغارة في ما بينها واستمرأت سفك الدماء وإزهاق الارواح وذلك في مدة قصيرة عملٌ عظيم جداً ومعجزة اجتماعية لا نظير لها لأن مثلَ هذا التحوُّل العظيم إذا اُريدَ لَهُ أن يتمَّ عبر التحوُّلات والتطورات العاديّة لاحتاج إلى تربية طويلة الامد ووسائل لا تحصى كثرة.
يقول توماس كارليل في هذا الصدد : لقد اخرج اللّه العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور وأحيى به منها امة خاملة لا يُسمعُ لها صوتٌ ولا يُحسُّ فيها حركة حتّى صار الخمولُ شُهرة والغموض نباهة والضعة رفعة والضعف قوة والشرارة حريقاً وشمل نورُه الأَنحاء وعمَّ ضوؤه الأرجاء ما هُو إلا قرنٌ بعد إعلان هذا الدين حتّى أصبح للعرب ( المسلمين ) قدمٌ في الهند واخرى في الاندلس .
وإلى هذه الحقيقة يشير ايضاً مؤلف تاريخ اللغات السامية الشهير رينان قائلا : لا مكان لبلاد العرب في تاريخ العالم السياسيّ والثقافي والدينيّ قبل ذلك الانقلاب المفاجئ الخارق للعادة الّذي صار به العربُ اُمّة فاتحة مُبدعة ولم يكن لجزيرة العرب شأنٌ في القرون الاُولى مِنَ الميلاد حين كانت غارقة في دياجير ما قبل التاريخ .
أجل إنّ هذه القبائل العربية الجاهلية المختلفة المتناحرة لم تكن تعيش أية حضارة ولم تمتلك أية تعاليم وقوانين وأنظمة وآداب قبل مجيء الإسلام لقد كانت محرومة من جميع المقومات الإجتماعية الّتي توجبُ التقدم والرقي ولهذا لم يكن من المتوقع ابداً ان تصل إلى تلك الذرى الرفيعة من المجد والعظمة ولا أن تنتقل من نمط الحياة القبلية الضيقة إلى عالم الإنسانية الواسع واُفق الحضارة الرحيب بمثل هذه السُرعة الّتي وَصَلت إليه والزمن القصير الّذي انتقلت فيه.
إنَّ مَثَل الشعوب والاُمم البشرية مثل المباني والعمارات تماماً فكما أن البناء القوي الراسخ يحتاج إلى موادّ انشائية قوية معدَّة بإتقان ومحضّرة بأحكام حتّى يستطيع البناء المصنوع من هذه الموادّ والمؤسس بعناية وهندسة متقَنة من الوقوف في وجه الأعاصير والأمطار الغزيرة كذلك يحتاج كيانُ كل اُمة رشيدة من الاُمم إلى اُسس وقواعد محكمة ( وهي الاُصول والآداب الكاملة والأخلاق الإنسانية العالية ) لتستطيع من البقاء والتقدم.
ولهذا السبب لابد من التأمل في أمر وسرّ هذه الظاهرة العجيبة ولابد أن نتساءل : كيف تحقق ذلك التطورُ العظيم وذلك التحول العميق للعرب الجاهلية ومن اين نشأ؟؟
كيف امكن ان تتحول جماعة متشتتة متعادية متناحرة متباغضة في ما بينها بعيدة عن النظم الإجتماعية بمثل هذه السرعة إلى اُمّة متآلفة متاخية متعاونة متسالمة متحابة وتشكل دولة قوية كياناً سياسياً شامخاً أوجب أن تخضع لها دول العالم وشعوبه وتطيعها وتحترم مبادءها واخلاقها وآدابها آنذاك.
حقاً لو كان في مقدور العرب أن يحرزوا ذلك التقدم الهائل بفعل عامل ذاتي فلماذا لم تستطع عربُ اليمن الّذين كانوا يمتلكون شيئاً كبيراً من الثقافة والحضارة والذين عاشوا الانظمة الملكية سنيناً عديدة بل وربَّت في احضانها ملوكاً وقادة كباراً أن تصل إلى مثل هذه النهضة العظيمة الشاملة وتقيم مثل هذه الحضارة العريضة الخالدة.
لماذا لم تستطع العربُ الغساسنَة الذين كانوا يجاورون بلادَ الشام المتحضرة ويعيشون تحت ظلّ حضارة الروم أن يصلوا إلى هذه الدرجة من الرشد؟
لماذا لم تستطع عربُ الحيرَة الذينَ كانُوا ـ وإلى الامس القريب ـ يعيشون في ظلّ الامبراطورية الفارسية أن ينالوا مثل هذا الرقي والتقدم؟ وحتّى لووصلوا إلى هذه الدرجة من التقدم وحققوا هذه القفزة فانه لم يكن أمراً يثير العجب لأنهم كانوا يعيشون في أحضان مدنيات كبرى ويتغذون منها ولكن الّذي يثير الدهشة والعجب هو أن تستطيع عرب الحجاز من تحقيق هذه النهضة الباهرة ويرثوا الحضارة الإسلامية العظمى وهم الذين كانوا يفتقرون إلى أبسط مقوّمات الحضارة الذاتية ولم يكن لهم عهدٌ بأيَّ تاريخ حضاريّ مشرق بل كانُوا كما عرفت يرزحون تحت أغلال الوَهْم والتخَيُّل ويسيرون في ظلمات الخرافات والأساطير.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|