المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



تفسير الاية (180-182)من سورة البقرة  
  
6599   05:02 مساءً   التاريخ: 15-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَو إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 180، 182]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

بين سبحانه شريعة أخرى وهو الوصية فقال {كتب عليكم} أي فرض عليكم {إذا حضر أحدكم الموت} أي أسباب الموت من مرض ونحوه من الهرم ولم يرد إذا عاين البأس وملك الموت لأن تلك الحالة تشغله عن الوصية وقيل فرض عليكم الوصية في حال الصحة أن تقولوا إذا حضرنا الموت فافعلوا كذا {إن ترك خيرا} أي مالا.

 واختلف في المقدار الذي يجب الوصية عنده فقال الزهري في القليل والكثير مما يقع عليه اسم المال وقال إبراهيم النخعي من ألف درهم إلى خمسمائة وقال ابن عباس إلى ثمانمائة درهم وروي عن علي (عليه السلام) أنه دخل على مولى له في مرضه وله سبعمائة أو ستمائة درهم فقال أ لا أوصي فقال لا إن الله سبحانه قال {إن ترك خيرا} وليس لك كثير مال وهذا هو المأخوذ به عندنا لأن قوله حجة {الوصية للوالدين والأقربين} أي الوصية لوالديه وقرابته {بالمعروف} أي بالشيء الذي يعرف أهل التمييز أنه لا جور فيه ولا حيف ويحتمل أن يرجع ذلك إلى قدر ما يوصي لأن من يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوص بالمعروف ويحتمل أن يرجع إلى الموصى لهم فكأنه أمر بالطريقة الجميلة في الوصية فليس من المعروف أن يوصي للغني ويترك الفقير ويوصي للقريب ويترك الأقرب منه ويجب حمله على كلا الوجهين .

{حقا على المتقين} أي حقا واجبا على من آثر التقوى وهذا تأكيد في الوجوب واختلف في هذه الآية فقيل أنها منسوخة وقيل أنها منسوخة في المواريث ثابتة في غير الوارث وقيل أنها غير منسوخة أصلا وهو الصحيح عند المحققين من أصحابنا لأن من قال أنها منسوخة ب آية المواريث فقوله باطل بأن النسخ بين الخبرين إنما يكون إذا تنافي العمل بموجبهما ولا تنافي بين آية المواريث وآية الوصية فكيف تكون هذه ناسخة بتلك مع فقد التنافي .

ومن قال أنها منسوخة بقوله (عليه السلام) لا وصية لوارث فقد أبعد لأن الخبر لو سلم من كل قدح لكان يقتضي الظن ولا يجوز أن ينسخ كتاب الله تعالى الذي يوجب العلم اليقين بما يقتضي الظن ولو سلمنا الخبر مع ما ورد من الطعن على رواية لخصصنا عموم الآية وحملناها على أنه لا وصية لوارث بما يزيد على الثلث لأن ظاهر الآية يقتضي أن الوصية جائزة لهم بجميع ما يملك .

وقول من قال حصول الإجماع على أن الوصية ليست بفرض يدل على أنها منسوخة يفسد بأن الإجماع إنما هو على أنها لا تفيد الفرض وذلك لا يمنع من كونها مندوبا إليها مرغبا فيها وقد روى أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل هل تجوز الوصية للوارث فقال نعم وتلا هذه الآية وروى السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية ومما يؤيد ما ذكرناه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية وعنه (عليه السلام) أنه قال من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروءته وعقله وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال ما ينبغي لامرىء مسلم أن يبيت إلا ووصيته تحت رأسه .

ثم أوعد سبحانه على تغيير الوصية فقال {فمن بدله} أي بدل الوصية وغيرها من الأوصياء أو الأولياء أو الشهود وإنما ذكر حملا على الإيصاء كقوله {فمن جاءه موعظة من ربه} أي وعظ والتبديل تغيير الشيء عن الحق فيه بأن يوضع غيره في موضعه {بعد ما سمعه} من الموصي الميت وإنما ذكر السماع ليدل على أن الوعيد لا يلزم إلا بعد العلم والسماع {فإنما إثمه} أي إثم التبديل {على الذين يبدلونه} أي على من يبدل الوصية وبريء الميت {إن الله سميع عليم} أي سميع لما قاله الموصي من العدل أو الجنف عليم بما يفعله الوصي من التصحيح أو التبديل وقيل سميع لوصاياكم عليم بنياتكم وقيل سميع بجميع المسموعات عليم بجميع المعلومات وفي هذه الآية دلالة على أن الوصي أو الوارث إذا فرط في الوصية أو غيرها لا يأثم الموصي بذلك ولم ينقص من أجره شيء فإنه لا يجازى أحد على عمل غيره وفيها أيضا دلالة على بطلان قول من يقول أن الوارث إذا لم يقض دين الميت فإنه يؤخذ به في قبره أوفي الآخرة لما قلناه من أنه يدل على أن العبد لا يؤاخذ بجرم غيره إذ لا إثم عليه بتبديل غيره وكذلك لو قضى عنه الوارث من غير أن يوصي به لم يزل ذلك عقابه إلا أن يتفضل الله بإسقاطه عنه .

لما تقدم الوعيد لمن بدل الوصية بين في هذه الآية أن ذلك يلزم من غير حقا بباطل فأما من غير باطلا بحق فهو محسن فقال {فمن خاف} أي خشي وقيل علم لأن في الخوف طرفا من العلم وذلك أن القائل إذا قال أخاف أن يقع أمر كذا فكأنه يقول أعلم وإنما يخاف لعلمه بوقوعه ومنه قوله {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} وقوله {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} {من موص جنفا} أي ميلا عن الحق فيما يوصي به فإن قيل كيف قال فمن خاف لما قد وقع والخوف إنما يكون لما لم يقع قيل أن فيه قولين ( أحدهما ) أنه خاف أن يكون قد زل في وصيته فالخوف يكون للمستقبل وهومن أن يظهر ما يدل على أنه قد زل لأنه من جهة غالب الظن ( والثاني ) أنه لما اشتمل على الواقع وعلى ما لم يقع جاز فيه خاف فيأمره بما فيه الصلاح فيما لم يقع وما وقع رده إلى العدل بعد موته وقال الحسن الجنف هو أن يوصي به في غير قرابة وإنما قال ذلك لأن عنده الوصية للقرابة واجبة والأمر بخلافه وقيل المراد من خاف من موص في حال مرضه الذي يريد أن يوصي جنفا وهو أن يعطي بعضا ويضر ببعض فلا إثم عليه أن يشير عليه بالحق ويرده إلى الصواب ويصلح بين الموصي والورثة والموصى له حتى يكون الكل راضين ولا يحصل جنف ولا إثم ويكون قوله {فأصلح بينهم} أي فيما يخاف بينهم من حدوث الخلاف فيه فيما بعد ويكون قوله {فمن خاف} على ظاهره ويكون الخوف مترقبا غير واقع وهذا قريب غير أن الأول عليه أكثر المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام).

 وقوله {أو إثما} الإثم أن يكون الميل عن الحق على وجه العمد والجنف أن يكون على جهة الخطأ من حيث لا يدري أنه يجوز وهو معنى قول ابن عباس والحسن وروي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) {فأصلح بينهم} أي بين الورثة والمختلفين في الوصية وهم الموصى لهم {فلا إثم عليه} لأنه متوسط مريد للإصلاح وإنما قال {لا إثم عليه} ولم يقل يستحق الأجر لأن المتوسط إنما يجري أمره في الغالب على أن ينقص صاحب الحق بعض حقه بسؤاله إياه فبين سبحانه لنا أنه لا إثم عليه في ذلك إذا قصد الإصلاح وقيل إنه لما بين إثم المبدل وهذا أيضا ضرب من التبديل بين مخالفته للأول بكونه غير مأثوم برده الوصية إلى العدل {فإن الله غفور رحيم} يعني إذا كان يغفر الذنوب ويرحم المذنب فأولى وأحرى أن يكون كذلك ولا ذنب وروي عن الصادق (عليه السلام) في قوله {جنفا أو إثما} أنه بمعنى إذا اعتدى في الوصية وزاد على الثلث وروي ذلك عن ابن عباس وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من حضره الموت فوضع وصيته على كتاب الله كان ذلك كفارة لما ضيع من زكاته في حياته وبالله التوفيق .

_________________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص494-497.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} هذه الآية من آيات الأحكام ، وتدخل في باب الوصية ، وقد كثرت وتضاربت حولها أقوال الفقهاء والمفسرين . . من ذلك ان من كان عنده مال وظهرت له دلائل الموت وعلاماته فيجب عليه أن يوصي بشيء من ماله للوالدين والأقربين ، حتى ولو كانوا وراثا ، فيجمع لهم بين الميراث والوصية بالمال ، ومنها ان الوصية تجب للقريب إذا كان غير وارث ، ومنها ان الوصية للأقرباء مستحبة ، وليست بواجبة ، ومنها أن يوصي لورثته بحقهم وأنصبتهم من الميراث ، فالآية تجري مجرى قوله تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ، ومنها ان الوصية للأقارب انما تجب إذا كان المال كثيرا ، ومنها ان الآية منسوخة بآية المواريث ، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تعتمد على أساس .

الوصية للوارث :

اختلف السنة والشيعة في صحة الوصية للوارث ، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على انها لا تصح معتمدين على حديث : (لا وصية لوارث) .

واتفق فقهاء الشيعة الإمامية على صحة الوصية لوارث وغيره ، لعدم ثبوت هذا الحديث عندهم ، ولأن الأدلة الدالة على صحة الوصية وجوازها تشمل بعمومها الوصية للوارث . . بالإضافة إلى روايات خاصة عن أهل البيت ( عليه السلام ) ، وأقوى الأدلة كلها على صحة الوصية للوارث هذه الآية ، قال العلامة الحلي في كتاب التذكرة :

(الوصية للوارث صحيحة عند علمائنا كافة ، سواء أجاز الوارث أولا ، لقوله تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ عَلِيمٌ} - فأوجب اللَّه الوصية للوالدين اللذين هما أقرب الناس إلى الميت ، ثم قال تأكيدا للوجوب : حقا على المتقين ، وهو يعطي عدم اتقاء من لا يعتقد ذلك ، ثم ثنى التأكيد بقوله تعالى : {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} ، ثم أكد هذه الجملة بقوله : {إِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وهذه الآية نص في الباب) .

وتسأل : ان الشيعة قالوا بجواز الوصية للوالدين والأقربين ، ولم يقولوا بوجوبها مع ان الآية صريحة في الوجوب ، لأن معنى كتب فرض ، وعلى هذا فان الشيعة قد خالفوا ظاهر الآية ، كما خالفها السنة القائلون بعدم صحة الوصية للوارث .

الجواب : من المتفق عليه بين المسلمين كافة ان استخراج الحكم الشرعي من القرآن لا يجوز إلا بعد النظر إلى السنة النبوية ، بل والبحث عن الإجماع أيضا ، فإذا لم يكن سنة ولا اجماع في موضوع الآية جاز الاعتماد على ظاهرها ، وقد ثبت في السنة ، وقام الإجماع على ان الوصية للأقرباء ليست بواجبة . . إذن ، فلا بد من حمل الآية على استحباب الوصية لهم دون الوجوب ، ويكون معنى :

حقا على المتقين ، ان هذا الاستحباب ثابت حقا ، لأن معنى الحق هو الثبوت .

والمراد من المعروف بالآية أن يكون الشيء الموصى به مناسبا بحال الموصي والموصى له ، فلا يستنكر ويستهجن لقلته ، ولا يبلغ حدا من الكثرة يضر بالوارث ، كما لو تجاوز عن ثلث التركة ، فلقد جاء في الحديث : (ان اللَّه أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم) .

{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ}  . أي بدّل الإيصاء وحرفه ، وهو عالم به .

{فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} . أي ان أثم التبديل والتحريف يقع على من بدّل وحرّف ، وارثا كان أو وليا أوحاكما أو وصيا أو شاهدا . . وفي هذا دليل على ان من اقترف ذنبا فان وباله عليه وحده لا على غيره ، فإذا أوصى الميت بما عليه من حق للَّه أو للناس ، وأوصى في تنفيذه إلى من اعتقد صدقه وأمانته ، ثم قصر الوصي أو خان فلا إثم على الميت وانما الآثم المسؤول هو الوصي وحده . قال الرازي : ان العلماء استدلوا بهذه الآية على ان الطفل لا يعذب بكفر أبيه . . وهذا من بديهيات العقل التي أقرها القرآن بشتى الأساليب ، منها : {ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} .

{ فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَو إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } . الجنف الخطأ ، والإثم تعمد الظلم . وهذه الآية استثناء من الحكم السابق ، أي ان المبدل للوصية آثم الا إذا زل الوصي في وصيته ، فعندها يجوز للوصي أو للولي أو الحاكم أن يبدل الوصية من الباطل إلى الحق ، فالمحرّم هو تبديل الحق إلى الباطل ، لا تبديل الباطل إلى الحق .

هذا ما ذكره المفسرون في معنى الآية ، وهو صحيح في نفسه . . ولكن الذي نفهمه من سياق الآية ، وقربه صاحب مجمع البيان : ان الإنسان إذا ظهرت له دلائل الموت ، وأراد أن يوصي بأشياء فيها حيف ، مثل أن يعطي بعضا ويحرم بعضا . . وحضر هذه الوصية من حضر من العقلاء والمؤمنين فلا إثم على الحاضر أن يشير على الموصي بالحق ، وأن يرده إلى الصواب ، ويصلح بينه وبين الورثة ، كي يكون الجميع على رضا ووفاق ، ولا يحدث بينهم التشاجر والتطاحن بعد موت الموصي .

_______________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص278-280.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} ، لسان الآية لسان الوجوب فإن الكتابة يستعمل في القرآن في مورد القطع واللزوم ويؤيده ما في آخر الآية من قوله حقا، فإن الحق أيضا كالكتابة يقتضي معنى اللزوم لكن تقييد الحق بقوله على المتقين، مما يوهن الدلالة على الوجوب والعزيمة فإن الأنسب بالوجوب أن يقال: حقا على المؤمنين، وكيف كان فقد قيل إن الآية منسوخة بآية الإرث، ولوكان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون الندب وأصل المحبوبية ولعل تقييد الحق بالمتقين في الآية لإفادة هذا الغرض.

والمراد بالخير المال، وكأنه المال المعتد به، دون اليسير الذي لا يعبأ به والمراد بالمعروف هو المعروف المتداول من الصنيعة والإحسان.

قوله تعالى: {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} ، ضمير إثمه راجع إلى التبديل، والباقي من الضمائر إلى الوصية بالمعروف، وهي مصدر يجوز فيه الوجهان وإنما قال على الذين يبدلونه، ولم يقل عليهم ليكون فيه دلالة على سبب الإثم وهو تبديل الوصية بالمعروف وليستقيم تفريع الآية التالية عليه.

قوله تعالى: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه}، الجنف هو الميل والانحراف، وقيل: هو ميل القدمين إلى الخارج كما أن الحنف بالحاء المهملة انحرافهما إلى الداخل، والمراد على أي حال الميل إلى الإثم بقرينة الإثم والآية تفريع على الآية السابقة عليها، والمعنى والله أعلم فإنما إثم التبديل على الذين يبدلون الوصية بالمعروف، ويتفرع عليه: أن من خاف من وصية الموصي أن يكون وصيته بالإثم أو مائلا إليه فأصلح بينهم برده إلى ما لا إثم فيه فلا إثم عليه لأنه لم يبدل وصيته بالمعروف بل إنما بدل ما فيه إثم أو جنف.

__________________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص364-365.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

الوصية بالمعروف

الآيات السابقة ذكرت تشريع القصاص، وهذه الآيات تذكر تشريع الوصية، باعتباره جزءاً من النظام المالي، وتذكر بأسلوب الحكم الإِلزامي فتقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالاْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}.

ثم تضيف الآية أن هذه الوصيّة كتبت {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقينَ}.

ذكرنا أن تعبير {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} يدل على الوجوب، من هنا كان هذا التعبير وقع بحث لدى المفسرين في هذه الآية، ولهم فيها أقوال مختلفة:

1 ـ جاء في الآية الكريمة بشأن كتابة الوصية كونها {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}، من هنا فإنها مستحبة استحباباً مؤكداً، ولو كانت واجبة لقالت الآية، {حَقّاً عَلَى الْمُؤْمِنينَ}.

2 ـ قيل أيضاً: إن هذه الآية نزلت قبل نزول أحكام الإِرث، وكانت الوصية آنئذ واجبة، كي لا يقع نزاع بين الوَرَثَةِ. ثم نسخ هذا الوجوب بعد نزول آيات الإِرث، وأصبح حكماً استحبابياً. وفي تفسير «العيّاشي» حديث يؤيّد هذا الاتجاه(2).

3 ـ يحتمل أيضاً أن يكون حديث الآية عن موارد الضرورة والحاجة، أي حين يكون الإِنسان مديناً، أوفي ذمته حق، والوصية واجبة في هذه الحالات.

يبدو أن التّفسير الأول أقرب من بقية التفاسير.

يلفت النظر أن الآية الكريمة عبرت عن المال بكلمة «خَيْر» فقالت: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً}. وهذا يعني أن الإِسلام يعتبر الثروة المستحصلة عن طريق مشروع، والمستخدمة على طريق تحقيق منافع المجتمع ومصالحه خيراً وبركة. ويرفض النظرات الخاطئة التي ترى الثروة شراً ذاتياً، ويردّ على أُولئك المتظاهرين بالزهد، القائلين إن الزهد مساو للفقر، مسبّبين بذلك ركود المجتمع الإِسلامي اقتصادياً، ومؤدين بمواقفهم الإِنزوائية إلى فسح المجال لاستثمار الطامعين خيرات أُمتهم.

هذا التعبير يشير ضمنياً إلى مشروعية الثروة، لأن الأموال غير المشروعة ليست خيراً بل شراً وبالا.

ويستفاد من بعض الروايات أن تعبير «خَيراً» يراد به الأموال الموفورة، لأن المال اليسير لا يحتاج إلى وصية، ويستطيع الورثة أن يقسّموه بينهم حسب قانون الإِرث. بعبارة اُخرى المال اليسير ليس بشيء يستدعي أن يفصل الإِنسان ثلثه عن طريق الوصية (2).

وجملة {إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} تبيّن آخر فرصة للوصيّة، وهذه الفرصة الأخيرة إن فاتت أيضاً فلا فرصة بعدها ... أي لا مانع أن يكتب الإِنسان وصيته قبل ذلك، بل يستفاد من الروايات أن هذا عمل مستحسن.

ولا قيمة لتلك التصورات المتشائمة من كتابة الوصية، فالوصية إن لم تكن باعثاً على طول العمر، لا تبعث إطلاقاً على تقريب أجل الإِنسان! بل هي دليل على بعد النظر وتحسّب الاحتمالات.

تقييد الوصية (بِالْمَعْرُوفِ) إشارة إلى أن الوصية ينبغي أن تكون موافقة للعقل من كل جهة، لأن «الْمَعْرُوف» هو المعروف بالحُسْنِ لدى العقل. يجب أن تكون الوصية متعقلة في مقدارها وفي نسبة توزيعها، دون أن يكون فيها تمييز، ودون أن تؤدي إلى نزاع وانحراف عن أُصول الحق والعدالة.

حين تكون الوصية جامعة للخصائص المذكورة فهي محترمة ومقدسة، وكل تبديل وتغيير فيها محظور وحرام. لذلك تقول الآية التالية: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}.

ولا يظنّن المحرفون المتلاعبون أن الله غافل عمّا يفعلون، كلاّ {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

ولعل هذه الآية تشير إلى أن تلاعب «الوصيّ» (وهو المسؤول عن تنفيذ الوصية) لا يصادر أجر الموصي. فالموصي ينال أجره، والإِثم على الوصي المحرّف في كميّة الوصية أو كيفيتها أوفي أصلها.

ويحتمل أيضاً أن الآية تبرىء ساحة غير المستحقين الذين قسم بينهم الإِرث عند عدم التزام الوصيّ بمفاد الوصية. وتقول إن هؤلاء (الذين لا يعملون بتلاعب الوصي) لا إثم عليهم، بل الإِثم على الوصيّ المحرّف، ولا تناقض بين التّفسيرين، فالآية تجمع التّفسيرين معاً.

بيّن القرآن فيما سبق الأحكام العامّة للوصية، وأكد على حرمة كل تبديل فيها، ولكن في كل قانون إستثناء، والآية الثالثة من آيات بحثنا هذا تبين هذا الإِستثناء وتقول: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص جَنَفاً أَو إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

الإِستثناء يرتبط بالوصية المدونة بشكل غير صحيح، وهنا يحق للوصي أن ينبّه الموصي على خطئه إن كان حيّاً، وأن يعدّل الوصيّة إن كان ميتاً، وحدّد الفقهاء مواضع جواز التعديل فيما يلي:

1 ـ إذا كانت الوصيّة تتعلق بأكثر من ثلث مجموع الثروة، فقد أكدت نصوص المعصومين على جواز الوصية في الثلث، وحظرت ما زاد على ذلك (3).

من هنا لو وصّى شخص بتوزيع كل ثروته على غير الورثة الشرعيين، فلا تصح وصيته، وعلى الوصي أن يقلل إلى حدّ الثلث.

2 ـ إذا كان في الوصية ما يؤدي إلى الظلم والإثم، كالوصية بإعانة مراكز الفساد، أو الوصية بترك واجب من الواجبات.

3 ـ إذا أدت الوصية إلى حدوث نزاع وفساد وسفك دماء، وهنا يجب تعديل الوصية بإشراف الحاكم الشرعي.

عبرت الآية «بالجَنَفِ» عن الإِنحرافات التي تصيب الموصي في وصيته عن سهو، و «بالإِثم» عن الإِنحرفات العمدية.

عبارة {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} تشير إلى ما قد يقع فيه الوصي من خطأ غير عمدي عند ما يعدّل الوصية المنحرفة، وتقول: إن الله يعفو عن مثل هذا الخطأ.

_____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص419-422.

2- تفسير العياشي ، ج1 ، ص77، ووسائل الشيعة  ، ج19،ص290.

3ـ تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 159.ومستدرك الوسائل ،ج14 ،ص 141،ح16320-1.

4 ـ وسائل الشيعة، ج 13، ص 361 (كتاب أحكام الوصايا، الباب 10).

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .