أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-2-2017
613
التاريخ: 8-2-2017
747
التاريخ: 5-10-2017
1046
التاريخ: 8-2-2017
684
|
[جواب الشبهة] :
...إن اهم دليل اعتمد عليه هؤلاء [بخصوص عدم مشروعية احياء ذكرى الصالحين] هو الرواية المنسوبة إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والتي تضمنت النهي عن جعل قبره صلى الله عليه وآله وسلم عيدا.
وقد «قال الحافظ المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره (صلى الله عليه واله) وأن لا يهمل حتى يكون كالعيد، الذي لا يؤتى في العام إلا مرتين. قال: ويؤيده قوله: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، أي لا تتركوا الصلاة فيها حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلى فيها...»(1).
ونحن... وإن كنا نحتمل المعنى الذي ذكره المنذري، إلا أن ما جعله مؤيدا، لا يصلح للتأييد، إذ ان الظاهر هو: ان هذه الفقرة في صدر بيان كراهة جعل القبور في بيوتهم. وان دفن النبي (صلى الله عليه واله) في بيت ابنته فاطمة (2) إنما كان لمصلحة خاصة اقتضت ذلك، فليس لهم ان يتخذوا ذلك مؤشرا على رجحان الدفن في البيوت «وذلك لان للأنبياء خصوصية ليست لغيرهم، وهي انهم يدفنون حيث يقبضون». (3)
فلا يصح ما ذكروه من انه (صلى الله عليه واله) لم يدفن في الصحراء، لئلا يصلى عند قبره، ويتخذ مسجدا فيتخذ قبره وثنا. (4)
وذلك لما قدمناه من الرواية المقتضية للخصوصية. هذا بالإضافة إلى أن دفنه في بيته أدعى لأن يتخذ مسجدا، خصوصا وأنه متصل بالمسجد النبوي، ولو كان في الصحراء، لأمكن المنع عنه بصورة أسهل... وقد منع عمر من الصلاة عند شجرة بيعة الرضوان، فامتنع الناس، ولذلك نظائر أخرى. (5)
وأما بالنسبة لفقرة: «لا تتخذوا قبري عيدا...».. فيحتمل قويا: أن يكون المراد: أن اجتماعهم عند قبره (صلى الله عليه واله) ينبغي أن يكون مصحوبا بالخشوع والتأمل والاعتبار، حسبما يناسب حرمته وأحترامه (صلى الله عليه واله)، فإن حرمته ميتا كحرمته حيا.. فلا يكون ذلك مصحوبا باللهو واللعب والغفلة والمزاح، وغير ذلك مما اعتادوه في أعيادهم... ولعل هذا هو مراد السبكي حينما قال:
«ويحتمل: لا تتخذوه كالعيد في الزينة والاجتماع وغير ذلك، بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام والدعاء». (6)
أما الرقص والغناء وغير ذلك من الحرمات، فهي من الأمور الممنوع عنها من الأساس فلا يبقى مجال للإشكال بها، حسبما ورد في كلام ابن الحاج وابن تيمية...
وأما قوله (صلى الله عليه واله): وصلوا علي حيث ما كنتم، فهو بيان لأمر ثالث آخر، وهو: أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه واله) لا يجب ان يراعى فيها الحضور عنده، بل هي تصله عن بعد، كما تصله عن قرب.
وأما احتمال: أن يكون المعنى لقوله: لا تتخذوا قبري عيدا.. لا تتخذوا له وقتا مخصوصا (7)، فهو بعيد عن مساق الكلام، وعن ظاهره، بل يكون أشبه بالأحاجي والألغاز، كما ذكره البعض. (8)
وبعد كل ما تقدم، وبعد أن كان الظاهر من العبارة هو المعنى الذي أشرنا إليه، مع احتمال أن يكون كلام المنذري أيضا مرادا.. فلا تبقى الرواية صالحة للاستدلال بها على المنع من الاجتماعات، واقامة الموالد والذكريات والدعاء والزيارة في أوقات معينة، كما يريد ابن تيمية وأتباعه إثباته.. إذ يكفي لرد الاستدلال ورود الاحتمال العقلائي فيه، فكيف إذا كان هذا الاحتمال من القوة بحيث يصير صالحا لأن يدعى أنه هو الظاهر من الرواية دون سواه ؟ ولو سلمنا: أن احتمال إرادة المنع عن الموالد والذكريات والاجتماعات وارد في الرواية، فإنها لا أقل تصير مجملة لا ظهور فيها، فتسقط عن صلاحيتها للاستدلال بها... هاذ كله... بالاضافة الى أن الرواية خاصة بالتجمع عند القبور، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى غيرها من المواضع، ولعل لقبر النبي (صلى الله عليه واله) خصوصية في المقام، وهي: أنه يمكن أن يؤدي بهم الأمر إلى نحو من العبادة له، فمنع الشارع من التجمع عنده احتياطا لذلك بخلاف قبر غيره (صلى الله عليه واله)، فان احتمال ذلك أبعد..
الرواية عن السجاد (عليه السلام)، وابن عمه :
وأما بالنسبة للرواية المنسوبة للإمام السجاد عليه السلام، وقريب منها الرواية المنسوبة لحسن بن الحسن والتي مفادها: أنه عليه السلام حينما لاحظ ذلك الرجل يأتي كل غداة فيزور قبر النبي (صلى الله عليه واله) ويصلي عليه حدثه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
«لا تجعلوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم». (9)
فإن هذه الرواية ظاهرة في أنه عليه الصلاة والسلام قد لاحظ: أن ذلك الرجل قد ألزم نفسه بأمر شاق، وهو المجيء يوميا للصلاة عليه صلى الله عليه وآله وزيارته، فأراد عليه السلام التخفيف عنه، وإفهامه: أن بإمكانه الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وآله حيثما كان، فسيبلغه ذلك، فلا داعي لإلزام نفسه بما فيه كلفة ومشقة. ولم ينهه عن الصلاة والدعاء عن قبره صلى الله عليه وآله. (10)
وعلى ذلك يحمل ما ورد عن حسن بن حسن أيضا..
وأما ما ذكره البعض من أن مراده عليه السلام: أن قصد القبر للدعاء ونحوه اتخاذ له عيدا.. كما أن حسن بن حسن شيخ أهل بيته (على حد تعبير هذا البعض) قد كره للرجل أن يقصد القبر للسلام عليه ونحوه، عند غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدا.. إلى أن قال: «.. والعيد إذا جعل أسما للمكان، فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة عنده، أو لغير العبادة كما أن المسجد الحرام، ومنى، ومزدلفة وعرفة، جعلها الله عيدا مثابة للناس، يجتمعون فيها وينتابونها للدعاء، والذكر والنسك». (11)
أما.. ما تقدم.. فإنه لا ينسجم مع سياق الحديث، وما ذكرناه هو الظاهر منه، ولا أقل هو محتمل بحيث يبطل به الاستدلال.. حسبما أوضحناه فيما سبق، بالنسبة لخصوص فقرة: لا تجعلوا قبري عيدا... وأما بالنسبة لما أراده الامام السجاد (عليه السلام)، فإن ما ذكرناه آنفا هو الظاهر الذي لا محيص عنه.
هذا.. بالإضافة الى ما أشرنا إليه سابقا من أن ذلك لا يدل على عدم جواز عمل الموالد، والذكريات.
المعاصي في المناسبات دليل المنع
ونحن لا ننكر أن ارتكاب أي من المعاصي لا يجوز، ولكن عدم جواز ذلك لا يختص بالاحتفالات، بل حرمتها مطلقة، ولا يلزم من تحريمها تحريم إقامة الذكريات والمواسم والاحتفالات، بل يمكن أن تكون هذه محكومة بالحلية، وتلك بالحرمة، ولا ملازمة بينهما، إذ يمكن إقامة الاحتفالات من دون تعرض للمعاصي إطلاقا، كما هو معلوم ومشاهد، وإلا... فلو استغلت الصلاة لخداع الناس مثلا فهل تكون الصلاة محرمة مطلقا أم أن المحرم هو خصوص هذا الذي يضاف الى الصلاة، ويجب الابتعاد عنه وتركه ؟!
هذا كله عدا عن أن بعض ما ذكروه مما يفعل في المولد، أما ليس حراما واما محل الخلاف. وان كان بعضه لا شك في تحريمه.
_______________
1 ـ كشف الارتياب م ص 449 عن السمهودي، والصارم المنكي / ص 297، وراجع ص 300، وعون المعبود / ج 6 / هامش ص 31 / 32، وشفاء السقام / ص 67، والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين / ص 122، وزيارة القبور الشرعية والشركية / ص 15.
2 ـ لقد نشرنا مقالا أثبتنا فيه أنه (صلى الله عليه واله) دفن في بيت فاطمة، لا في بيت عائشة فراجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والاسلام / ج 1.
3 ـ مقدمة شفاء السقام / ص 125 / 126 والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين.
4 ـ راجع: مقدمة شفاء السقام، المسماة: تظهير الفؤاد من دنس الاعتقاد / ص 118، والصارم المنكي / ص 261 / 262، والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين / ص 151.
5 ـ راجع: الدر المنثور / ج 6 / ص 73، عن منصف ابن أبي شيبة، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي / ص 144 و 145، والسيرة الحلبية / ج 3 / ص 25، وفتح الباري / ج 1 / ص 469، وج 7 / ص 345، وإرشاد الساري / ج 6 / ص 350، وطبقات ابن سعد / ج 2، قسم 1 / ص 73، وشرح النهج للمعتزلي / ج 1 / ص 178، وراجع الغدير / ج 6 / ص 146 و 147 عن من تقدم وعن غيره، وكذا كتاب التبرك / ص 226 ـ 235 عن من تقدم وغيره.
6 ـ كشف الارتياب / ص 449 عن السمهودي في وفاء الوفاء، وشفاء السقام / ص 67، والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين / ص 122 /، والصارم المنكي م ص 297.
7 ـ المصادر المتقدمة.
8 ـ راجع: عون المعبود / ج 6 / ص 31 / 32، وراجع الصارم المنكي / ص 297.
9 ـ قد تقدمت مصادر الرواية في ضمن مصادر رواية ابي داود عن أبي هريرة: لا تتخذوا قبري عيدا.
10 ـ أشار الى ذلك أيضا في شفاء السقام / ص 66، والصارم المنكي م ص 281 و 298.
11 ـ راجع: الصارم المكي / ص 298 عن ابن تيمية، وقد تقدم بعض ما يشير إلى ذلك في ضمن ما نقلناه من استدلالاتهم في الفصل السابق.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|