أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-08
669
التاريخ: 2024-01-17
858
التاريخ: 21-8-2020
1887
التاريخ: 27-2-2021
2710
|
كان المجتمع العربي قبل الإسلام يتألف من طبقات ثلاث تأثرت في تشكيلها بالحالة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية والاصل الذي ينتمي اليه أصحاب كل طبقة فكان هناك الصرحاء الاحرار أبناء القبيلة(1)، الذين يجمع بينهم الدم الواحد والنسب العريق والجد المشترك، وهم الذين كانوا يمثلون الطبقة العليا، أصحاب المنزلة الاجتماعية الرفيعة، فكانوا يتمتعون بالحرية والاستقرار والأمان في ظل حماية القبيلة، فاذا ما ارتكب احدهم اثما او جر على قبيلته ولالا، كان افراد القبيلة يتضامنون لنصرته ظالما كان او مظلوما، فامتلا قلبه بالفخار والثقة الزائدة بالنفس التي جعلته لا يتردد في استعمال حق الاحرار في واحد من اهم مظاهر الشرف والرفعة في هذا المجتمع وهو الاجارة(2)، فكان يدخل الجار في حمايته ويلزم قبيلته بذلك والدفاع عنه بل والقصاص ممن قد يتعرض له بالأذى، مما عرض القبائل لكثير من المشكلات وفرض عليها مسئوليات وتضحيات عديدة(3)، وكان المجير يعلن الاجارة على الملا في صراحة تامة بقوله: ((قد لزمني ذمامك وانا مانعك مما امنع منه نفسي واهلي وولدي))(4)، وكان أبناء الطبقة العليا هم أصحاب الأموال الذين تتركز في أيديهم الثروات الطائلة فمنهم السادة التجار، وأصحاب الاقطاعيات الكبيرة في المدن والمناطق القابلة للزراعة، والرعي وكان اثرياء البادية يملكون الوفا من الابل فضلا عن مساحات كبيرة من مناطق الرعي، وقد اثر التغلغل المادي في نفوس أصحاب هذه الطبقة، وظهرت اثاره في الديات، فبينما كانت دية الحر الشريف تصل الى الخمسمائة والالف من الابل(5) كانت دية غيره من اتباع الطبقات الأخرى لا تكاد تصل الى نصف قيمة ما تبلغه دية الحر العريق.
كانت الطبقة المتوسطة تتمثل في صغار التجار وأصحاب الاقطاعيات المحدودة ولما كانوا يعتبرون في منزلة اقل من السادة الكبار، اجتماعيا واقتصادية، لذلك ارتبطوا بهم وداروا في فلكهم، ومنهم أيضا الخلعاء الذي نبذتهم قبائلهم لتصرفاتهم الشائنة وخروجهم على تقاليدها الموروثة. ويرجع انتماؤهم الى أبناء هذه الطبقة لانهم كانوا صرحاء عريقوا النسب فقلت درجتهم الاجتماعية بعد خلعهم وانضمامهم الى قبائل أخرى. ذلك ان الخليع درجتهم الاجتماعية بعد خلعهم وانضمامهم الى قبائل أخرى. ذلك ان الخليع يلحق بعشيرة من غير قومه يستجير بأحد رجالها فيجيره ويحميه ويصير له من الحقوق ما لسائر افراد العشيرة وعليه ما عليهم من واجبات فمن ذلك ان المقداد كان رجلا من بني البراء فسفك فيهم دما، وهرب الى كندة وانتسب اليها، ثم عاد فسفك في العشيرة الجديدة، وهرب الى مكة حيث تبناه الأسود الزهري فصار يعرف بالمقداد بن الأسود الزهري(6). وكانت العشائر اذا خلعت رجلا من أبنائها اشهدت على ذلك في الأسواق والمجتمعات العامة، فخلعت خزاعة، قيس بن الحدادية بسوق عكاظ لانه كان على الرغم من شجاعته، فاتكا صعلوكا خليعا، واشهدت على نفسها بخلعها إياه، فلا تسال عن جريرة له ولا تطالب بجريرة احد عليه(7).
ومن ناحية أخرى، كان الرجل اذا نفاه قومه ولم يجد من يجيره خرج الى الصحراء هائما على وجهه(8)، وراح يجمع حوله عصابة من امثاله من الشذاذ والفتاك للإغارة على القوافل والاحياء. كما فعل قيس بن الحدادية، الذي جمع شذاذا من العرب وفتاكا من قومه اغار بهم على قافلة من قومه وقتل رجلا، واستاق أموالهم اخذا بثأر خلعه ونبذهم له وتعييرهم بنفيه من قبيلته(9).
كان العتقاء ينتمون الى الطبقة المتوسطة أيضا والمعتق كان عبدا، فصار بالعتق حرا، فارتقى من الطبقة الدنيا الى المتوسطة، بينما لا يرتقون الى العليا لعدم توفر صلة النسب العربي الحر الأصيل. لذلك كان المعتق في كثير من الأحيان يظل مرتبطا بالمعتق بل وينتسب اليه فكان يقال زيد بن حارثة، مولى رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] أي عتيقه(10). بينما كان المعتد ينتسب الى القبيلة التي منحته حريته فيقال مولى بني هاشم(11).
كان بعض الموالي يخلص لسيده، فيثق به ويمنحه حرية التصرف المطلقة في أمواله، فمنحت السيدة خديجة بنت خويلد غلامها ميسرة وكالة أموالها وادارتها. كما منح النبي ص كركرة النوبي، الذي كان هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة قد اهداه اليه، ثقته فجعل له زمام دابته اثناء القتال وحراسة عياله في وقت السلم والنفقة على من تلزمه نفقتهم.
لما كان الولاء يباع عند بعض القبائل العربية، فكان الرجل يبيع العبد دون الولاء، فلما جاء الإسلام جعل الولاء لمن اعتق. وكان هناك العتق مع تعليق الحرية الكاملة الى ما بعد وفاة المعتق، فيضمن بذلك تقاني العبد في خدمة سيده طيلة حياته. كما عرفت المكاتبة من مظاهر العتق وهي العتق مقابل المال المقسط. قال أبو سعيد المقبر اشترتني امراة من بني ليث بسوق ذي المجاز بسبعمائة درهم فكاتبتني على أربعة الاف درهم، فأذهبت اليها بعامة المال(12)، كما كان العبد يكافا بالعتق اذا ابلى بلاء حسنا في الحرب، فحصل وحشي، قاتل حمزة بن عبد المطلب على حريته بعد ان قام بتنفيذ رغبة هند بنت عتبة زوج ابي سفيان(13).
على ان بعض الأثرياء كان يشتري العبد ثم يعتقه تقربا الى الله في الجاهلية، ومن اشهرهم حكيم بن حزام الذي قيل انه اعتق مائة رقبة الجاهلية ومثلها في الإسلام(14)، كما ان معد يكرب بن سلامة بن تغلب لم يأته قط اسير الا فكه ومنحه الحرية الكاملة(15).
ولما كانت غالبية المعتقين لا يجدون سبيلا للعيش بعد حصولهم على حريتهم لان المعتق لم يكن ليستطيع العيش منفردا في مجتمع الصحراء القاسي، فكان يظل تابعا لمعتقه على رضي منه، فيمحه شرف البنوة بالتبني تطيبا لنفوسهم واظهارا للشفقة. فلما جاء الإسلام ابطل التبني وردهم الى ابائهم، قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] (16).
كان المستجيرون من غير الخلعاء ينتمون أيضا الى أبناء هذه الطبقة وكان الجوار يتم بلمس الخيمة او الاحتماء بها في البادية وبدخول البيت في المدن(17) وقد ظل الجوار معمولا به في الإسلام. بعد ان ابقى على هذا التقليد الرفيع من تقاليد العرب قبل الإسلام. قال تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6] (18).
كانت الطبقة الدنيا هي طبقة السواد الأعظم من الفقراء المعدمين والارقاء، فكان لكل قبلة عدد كبير من العبيد السود والبيض والمولدين، فهم القوة المنفذة لرغبات السادة في الصحراء، والآلات اللازمة لحركة الحياة وسد حاجات المجتمع في المجالات الاقتصادية المختلفة من زراعة وتجارة ورعي وصناعات حرفية. وكان الاسر هو المورد الأساسي لتزويد القبائل بالعبيد ذلك ان الأسير يصير ملكا لأسره ان لم يدفع الضريبة، فيستخدمه او يعرضه للبيع، ما تخصص بعض التجار الجبارين في الحرابة المسلحة لجلب العبيد الى أسواق النخاسة التي كانت تدر عليهم أرباحا طائلة، فضلا عن تربص بعض الجماعات على طرق تحرك القوافل والافراد للإغارة عليها وسرقة أموالها واسر افرادها، فمن ذلك ان سلمان الفارسي اسر خلال رحلته من العراق الى الشام(19). وكان العبيد والاماء السود يجلبون من شواطئ أفريقيا وينقلون الى انحاء الجزيرة العربية لبيعهم للسادة الأثرياء فكان بنو مخزوم من قريش يملكون اعدادا كبيرة منهم(20)، بينما كان الرقيق الأبيض يجلب من بلاد الفرس والروم عن طريق الشام والعراق.
كان أبناء الطبقة الدنيا محرومين من كافة الحقوق الادمية مع تحملهم لمسئوليات والتزامات شاقة، وذلك في ظل ظروف لا ادمية وحياة ملؤها المذلة والمهانة وكانوا يشتغلون بالحرف التي كان العربي يأنفها ويزدريها فمنها، الحجامة والنجارة والحدادة، والخدمة بالمنازل حيث الاحتطاب والطهي والخبز والطحن، وجلب علف الماشية والرعي والحلب(21) واستقاء الماء واعمال النظافة. وكان السادة العرب لا يطعمون العبيد معهم، وانما يأكلون بعد الضيوف ما يفي، لذلك أوصى النبي [صلى الله عليه وآله] ان يطعم العبد مما يصنع بيديه.
اما الاماء والجواري فكان عدد كبير منهن يشتغلن بالغناء والبغاء كارهات فضلا عن قيامهن بم يقوم به العبيد، فكان لعبد الله بن ابي بن سلول – زعيم الخزرج في يثرب – جوار يفرض عليهن ضرائب، وفي مكة كانت اماء عبد الله بن جدعان يدررن عليه أموالا عظيمة من احتراف البغاء. وقد نهى الإسلام عن اكراههن على البغاء فقال تبارك وتعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [النور: 33] (22). وكان العرب يفضلون بيع الامة التي تتمتع باحتراف الرقص والغناء رغبة في ثمنها على الاستمتاع بها(23) لان الامة التي تجيد الغناء كانت اغلى ثمنا، فكان الاتجار بها يعد صفقة رابحة وقد نهى النبي [صلى الله عليه وآله] عن ذلك بقوله: ((لا تبيعوا المغنيات ولا تشتروهن ولا تعلموهن (الغناء) ولا خير في التجارة فيهن وثمنهن حرام))(24).
لما كان أبناء هذه الطبقة معدمين لا يملكون شيئا ولا يجدون حتى قوت يومهم لذلك ارتبطت حياتهم ومقدراتهم بسادتهم تبعية مطلقة تجلت في الاعتقاد الديني والايمان الروحي. وقد صور القران الكريم ذلك {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] (25).
كان من اهم الاثار التي ترتبت على التفاوت الكبير بين السادة والفقراء ان اشتدت الكراهية بين أبناء الطبقتين مما اضطر بعضهم الى الهرب من هذا الجحيم الى الصحراء، فيتربصن بالقوافل على الطرق التجارية ويقومون بالفتك والقتل والسلب والنهب. ولا شك ان الأثرياء كانوا يمثلون العامل الأساسي لهذه الظاهرة في مجتمع ما قبل الإسلام، وهم الذين كانوا يتحملون تبعاتها. وقد صور القران الكريم هذا الوضع الاجتماعي المتردي الناجم عن اختلال التوازن الاقتصادي في قوله تبارك وتعالى: { كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } [الفجر: 17 - 20] (26).
_______________
(1) ابن عبد ربه: العقد الفريد ,ج5, ص229.
(2) ابن هشام: السيرة النبوية , ج2, ص23-24.
(3) البلاذري: انساب الاشراف, ج1, ص74.
(4) الاصفهاني, كتاب الاغاني, ج2, ص126.
(5) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ5، ص148.
(6) ابن عبد ربه: المصدر السابق: جـ2، ص72.
(7) الاصفهاني: كتاب الأغاني، جـ13، ص2.
(8) ابن هشام: السيرة النبوية، جـ1، ص102.
(9) الاصفهاني: كتاب الأغاني، جـ13، ص2.
(10) مسلم: صحيح مسلم، جـ5، ص82.
(11) الاصفهاني: المصدر السابق، جـ7، ص188.
(12) الشوكاني: نيل الاوطار، جـ6، ص104 – 105.
(13) الميداني: مجمع الامثال، جـ1، ص22.
(14) الشافعي: كتاب الام، جـ3، ص141 – 142.
(15) ابن حزم: جمهرة انساب العرب، ص303.
(16) سورة الأحزاب: اية (5).
(17) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ5، ص224.
(18) سورة التوبة: اية (6).
(19) البلاذري: فتوح البلدان، جـ1، ص487.
(20) ابن هشام: السيرة النبوية، جـ3، ص12.
(21) قال عنترة بن شداد العبسي: العبد لا يعرف الكر وانما يعرف الحلاب والصر، والحلب لينا من الاخرين. انظر، المرتضى: آمالي المرتضى، ص56 – 57.
(22) سورة النور: اية (33).
(23) الشوكاني: نيل الاوطار، جـ5، ص232.
(24) ناصف: التاج الجامع للأصول، جـ2، ص236.
(25) سورة الأحزاب: اية 67.
(26) سورة الفجر: الآيات (17 – 20).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|