أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017
817
التاريخ: 14-2-2017
576
التاريخ: 14-2-2017
708
التاريخ: 14-2-2017
557
|
قال تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]
قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أدل على الاختصاص من أن نقول نعبدك و نستعينك لأن معناه نعبدك ولا نعبد سواك و نستعينك ولا نستعين غيرك كما إذا قال الرجل إياك أعني فمعناه لا أعني غيرك ويكون أبلغ من أن يقول أعنيك والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه لأنها الخضوع بأعلى مراتب الخضوع مع التعظيم بأعلى مراتب التعظيم ولا يستحق إلا بأصول النعم التي هي خلق الحياة والقدرة والشهوة ولا يقدر عليه غير الله تعالى فلذلك اختص سبحانه بأن يعبد ولا يستحق بعضنا على بعض العبادة كما يستحق بعضنا على بعض الشكر وتحسن الطاعة لغير الله تعالى ولا تحسن العبادة لغيره وقول من قال أن العبادة هي الطاعة للمعبود يفسد بأن الطاعة موافقة الأمر وقد يكون موافقا لأمره ولا يكون عابدا له أ لا ترى أن الابن يوافق أمر الأب ولا يكون عابدا له وكذلك العبد يطيع مولاه ولا يكون عابدا له بطاعته إياه والكفار يعبدون الأصنام ولا يكونون مطيعين لهم إذ لا يتصور من جهتهم الأمر ومعنى قوله {إياك نستعين} إياك نستوفق ونطلب المعونة على عبادتك وعلى أمورنا كلها والتوفيق هو أن يجمع بين جميع الأسباب التي يحتاج إليها في حصول الفعل ولهذا لا يقال فيمن أعان غيره وفقه لأنه لا يقدر أن يجمع بين جميع الأسباب التي يحتاج إليها في حصول الفعل وأما تكرار قوله {إياك} فلأنه لو اقتصر على واحد ربما توهم متوهم أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالجمع بينهما ولا يمكنه أن يفصل بينهما وهو إذا تفكر في عظمة الله تعالى كان عبادة وإن لم يستعن به وقيل أنه جمع بينهما للتأكيد كما يقال الدار بين زيد وبين عمرو ولو اقتصر على واحد فقيل بين زيد وعمرو كان جائزا قال عدي بن زيد :
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به *** بين النهار وبين الليل قد فصلا
وقال أعشى همدان :
بين الأشج وبين قيس باذخ *** بخ بخ لوالده وللمولود
وهذا القول فيه نظر لأن التكرير إنما يكون تأكيدا إذا لم يكن محمولا على فعل ثان و{إياك} الثاني في الآية محمول على {نستعين} ومفعول له فكيف يكون تأكيدا وقيل أيضا أنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة فإن قيل أن عبادة الله تعالى لا تتأتى بغير إعانة منه فكان يجب أن يقدم الاستعانة على العبادة فالجواب أنه قدم العبادة على الاستعانة لا على الإعانة وقد تأتي بغير استعانة وأيضا فإن أحدهما إذا كان مرتبطا بالآخر لم يختلف التقديم والتأخير كما يقال قضيت حقي فأحسنت إلي وأحسنت إلي فقضيت حقي وقيل أن السؤال للمعونة إنما يقع على عبادة مستأنفة لا على عبادة واقعة منهم وإنما حسن طلب المعونة وإن كان لا بد منها مع التكليف على وجه الانقطاع إليه تعالى كقوله رب احكم بالحق ولأنه ربما لا يكون اللطف في إدامة التكليف ولا في فعل المعونة به إلا بعد تقديم الدعاء من العبد وقد أخطأ من استدل بهذه الآية على أن القدرة مع الفعل من حيث أن القدرة لو كانت متقدمة لما كان لطلب المعونة وجه لأن للرغبة إلى الله تعالى في طلب المعونة وجهين أحدهما أن يسأل الله تعالى من ألطافه وما يقوي دواعيه ويسهل الفعل عليه ما ليس بحاصل ومتى لطف له بأن يعلمه أن له في فعله الثواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته والثاني أن يطلب بقاء كونه قادرا على طاعته المستقبلة بأن تجدد له القدرة حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها وأن لا يفعل ما يضادها وينفيها عند من قال ببقائها وأما العدول عن الخبر إلى الخطاب في قوله {إياك نعبد} إلى آخر السورة فعلى عادة العرب المشهورة وأشعارهم من ذلك مملوءة قال لبيد :
باتت تشكي إلي النفس مجهشة *** وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
وقال أبو كثير الهذلي :
يا لهف نفسي كان جدة خالد *** وبياض وجهك للتراب الأعفر
فرجع من الإخبار عن النفس إلى مخاطبتها في البيت الأول ومن الإخبار عن خالد إلى خطابه في البيت الثاني وقال الكسائي تقديره قولوا إياك نعبد أوقل يا محمد هذا كما قال الله تعالى {وَلَو تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا} [السجدة: 12] وقال {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] أي يقولون سلام .
____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص63-64.
إياك ضمير منفصل ، ومحله النصب مفعولا للفعل الذي بعده ، وقدم للحصر والاختصاص . . والمعنى نعبدك ، ولا نعبد سواك ، ونستعين بك ، لا بغيرك ، وخاطب العبد ربه بضمير المفرد إخلاصا في التوحيد ، وتنزيها عن الشريك ، ومن أجل هذا لا يخاطب الواحد القهار بصيغة الجمع . . أما ضمير نحن في نعبد ونستعين فللمتكلم ومن معه ، لا للتعظيم .
وتتحقق العبادة بالصوم والصلاة ، والحج والزكاة لوجه اللَّه تعالى ، وأيضا تتحقق بكل عمل انساني يسد حاجة من حاجات الناس ، فلقد جاء في الحديث :
(أهل المعروف بالدنيا أهل معروف في الآخرة . . خير الناس أنفع الناس للناس) .
وليس معنى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ان اللَّه أهل للعبادة وكفى ، بل تدل الآية أيضا على ان الإنسان مخلوق كريم حرره اللَّه من العبودية والخضوع إطلاقا إلا للحق الذي يعلو على كل شيء ، ولا يعلو عليه شيء . . وبديهة ان الحرية التي لا يحدها الحق تنعكس إلى فوضى . . ومما قرأته في هذا الباب قول جان بول سارتر : {ان التحرر الحقيقي ان يلتزم الإنسان بوضع نفسه وحريته في خدمة الآخرين ».
وقيل : ان اثنين كانا يتنزهان في حديقة ، ومع أحدهما قضيب يلعب به ، فمس طرف القضيب أنف الآخر ، ولما اعترض هذا قال صاحب القضيب : أنا حر ، فقال له صاحبه : لحريتك حد ينتهي عند أنفي .
ولا أعدو الحقيقة إذا حددت الحرية بالايمان باللَّه ، والتعبد له وحده لأن من تعبد للحق دون سواه فقد تحرر من الباطل ومن تحرر من عبادة الحق فقد عبد الباطل حتما ، والتفكيك محال إلا عند فوضوي ، لا يؤمن بحلال ولا بحرام ، ولا بشيء على الإطلاق إلا بنفسه وحدها لا شريك لها .
________________________
1- التفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج1 ، ص34-35.
{إياك نعبد وإياك نستعين } الآية، العبد هو المملوك من الإنسان أومن كل ذي شعور بتجريد المعنى كما يعطيه قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } [مريم: 93] .والعبادة مأخوذة منه وربما تفرقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد، وما ذكره الجوهري في الصحاح أن أصل العبودية الخضوع فهومن باب الأخذ بلازم المعنى وإلا فالخضوع متعد باللام والعبادة متعدية بنفسها.
وبالجملة فكان العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه ولذلك كانت العبادة منافية للاستكبار وغير منافية للاشتراك فمن الجائز أن يشترك أزيد من الواحد في ملك رقبة أوفي عبادة عبد، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60].
وقال تعالى: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] فعد الإشراك ممكنا ولذلك نهى عنه، والنهي لا يمكن إلا عن ممكن مقدور بخلاف الاستكبار عن العبادة فإنه لا يجامعها.
والعبودية إنما يستقيم بين العبيد ومواليهم فيما يملكه الموالي منهم، وأما ما لا يتعلق به الملك من شئون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلق به عبادة ولا عبودية، لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممن سواه ولا أن العبد يتبعض في نسبته إليه تعالى فيكون شيء منه مملوكا وشيء، آخر غير مملوك، ولا تصرف من التصرفات فيه جائز وتصرف آخر غير جائز كما أن العبيد فيما بيننا شيء منهم مملوك وهو أفعالهم الاختيارية وشيء غير مملوك وهو الأوصاف الاضطرارية، وبعض التصرفات فيهم جائز كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلا، فهو تعالى مالك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد وغيره مملوك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد فهناك حصر من جهتين، الرب مقصور في المالكية، والعبد مقصور في العبودية، وهذه هي التي يدل عليه قوله: {إياك نعبد}.
حيث قدم المفعول وأطلقت العبادة.
ثم إن الملك حيث كان مقتوم الوجود بمالكه كما عرفت مما مر، فلا يكون حاجبا عن مالكه ولا يحجب عنه، فإنك إذا نظرت إلى دار زيد فإن نظرت إليها من جهة أنها دار أمكنك أن تغفل عن، زيد وإن نظرت إليها بما أنها ملك زيد لم يمكنك الغفلة عن مالكها وهو زيد.
______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص25-27.
في هذه الآية يتغيّر لحن السّورة، إذ يبدأ فيها دعاء العبد لربّه والتضرّع إليه. الآيات السابقة دارت حول حمد الله والثناء عليه، والإِقرار بالإِيمان والإِعتراف بيوم القيامة، وفي هذه الآية يستشعر الإِنسان ـ بعد رسوخ أساس العقيدة ومعرفة الله في نفسه حضوره بين يدي الله ... يخاطبه ويناجيه، يتحدث إليه أولا عن تعبّده، ثم يستمد العون منه وحده دون سواه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
بعبارة اُخرى: عندما تتعمق مفاهيم الآيات السابقة في وجود الإِنسان، وتتنور روحه بنور ربّ العالمين، ويدرك رحمة الله العامة والخاصة، ومالكيته ليوم الجزاء، يكتمل الإِنسان في جانبه العقائدي. وهذه العقيدة التوحيدية العميقة، ذات عطاء يتمثل أوّلا: في تربية الإِنسان العبد الخالص لله، المتحرر من العبودية للآلهة الخشبية والبشرية والشهوية، ويتجلّى ثانياً: في الإِستمداد من ذات الله تبارك وتعالى.
الآيات السابقة تحدثت في الحقيقة عن توحيد الذات والصفات، وهذه الآية تتحدث عن توحيد العبادة وتوحيد الأفعال.
توحيد العبادة: يعني الإِعتراف بأن الله سبحانه هو وحده اللائق بالعبادة والطاعة والخضوع، وبالتشريع دون سواه، كما يعني تجنب أي نوع من العبودية والتسليم، لغير ذاته المقدسة.
وتوحيد الأفعال: هو الإِيمان بأن الله هو المؤثر الحقيقي في العالم (لاَ مُؤَثِّرَ فَي الْوُجُودِ إلاَّ الله). وهذا لا يعني إنكار عالم الأسباب، وتجاهل المسببات، بل يعني الإِيمان بأن تأثير الأسباب، إنّما كان بأمر الله، فالله سبحانه هو الذي يمنح النار خاصية الاحراق، والشمس خاصية الإِنارة، والماء خاصية الإِحياء.
ثمرة هذا الاعتقاد أن الإِنسان يصبح معتمداً على (الله) دون سواه، ويرى أن الله هو القادر العظيم فقط، ويرى ما سواه شبحاً لا حول له ولا قوّة، وهو وحده سبحانه اللائق بالإِتكال والاعتماد عليه في كل الأمور.
هذا التفكير يحرر الإِنسان من الإِنشداد بأي موجود من الموجودات، ويربطه بالله وحده. وحتى لو تحرك هذا الإِنسان في دائرة استنطاق عالم الأسباب، فإنما يتحرك بأمر الله تعالى، ليرى فيها تجلّي قدرة الله، وهو «مُسَبِّبُ الأَسْبَابِ».
هذا المعتقد يسمو بروح الإِنسان ويوسّع آفاق فكره، ليرتبط بالأبدية واللانهاية، ويحرر الكائن البشري من الأطر الضيقة الهابطة.
_____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص43-44.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|