أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2018
3494
التاريخ: 2024-01-09
770
التاريخ: 27-2-2021
2547
التاريخ: 7-11-2016
6861
|
الانسان بوصفه كائناً اجتماعياً له حاجات كثيرة تتعدى لقمة العيش ومن بين هذه الحاجات حاجته الى التدين ، فالدين ظاهرة متأصلة في الانسان منذ ان وجد على ظهر الارض لانه نظام اجتماعي يقوم بخدمة وظائف حيوية لها اهميتها للفرد وللمجتمع على حد سواء والعرف والقانون يعينها على اداء مهمتها في المجتمع . فللدين دور هام في عملية التماسك الاجتماعي والتآلف بين الافراد المكونين للمجتمع ، ذلك انه يوحد بين هؤلاء الافراد في القيم والاهداف والمعاني ، ويسوغ هذه القيم مما ينسق تفاعل الافراد ويدعوا الى التعاون بينهم فضلاً عن قيامه بتوحيد صفوفهم ، ونلمس ذلك واضحاً فيما فعله الاسلام في مجتمع الجزيرة العربية فقد الف بين قلوبهم ومكنهم من الانتشار والحاق الهزيمة باعدائهم ، لم يكن الدين عملاً فردياً او محاولة شخصية لا ظهار الروح الانسانية ، بل هو عملية حية متبادلة بين الانسان والقوى فوق الطبيعة والاديان القديمة غالباً هي جماعية تتعلق بالقبيلة كلها فألاله هو للقبيلة يحميها ويشمل برعايته افرادها كافة، لقد عرف الدين بانه" الاعتقاد بكائنات غيبية ذات قوى مؤثرة والقيام بطقوس وعبادات لها " (1).
وقد كان لعرب ما قبل الاسلام على وفق هذا المفهوم العام للدين حياة دينية متنوعة تمتد جذورها الى حقب تاريخية قديمة وقد اتخذت صوراً واشكالاً مختلفة تبعاً لتطورهم الثقافي وطبيعة ظروف حياتهم الاقتصادية والاجتماعية .
لقد كانت دياناتهم قبل الاسلام متباينة مختلفة فكان غالبيتهم وثنين وهم الذين عبدوا الاصنام وحجوا البيت واعتمروا ومارسوا طقوس العبادة من احرام وطواف وسعي ووقفوا المواقف كلها (2) .وحصل اصل الشرك من طريق التقرب الى الله بالتماثيل والاصنام، ثم تحولوا تدريجياً الى عبادة الاصنام نفسها وشبوا على تعظيم الكعبة (3) ، كما في قوله تعالى " ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى " (4)، والادلة على اثبات ذلك كثيرة ومتواتره في القرآن ، وقد ذكر القرآن الكريم اعترافهم باتخاذهم الاصنام واسطة وزلفى تقربهم الى الله ، غير انه لا يوجد مصدراً اصدق واوثق من القرآن ، الذي حصر هذه الديانات في ملة ابراهيم عليه السلام ، والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين فضلاً عن القرآن الكريم فلدينا في الشعر العربي قبل الاسلام ما يشير الى هذه العقائد المختلفة كانت تراود خواطر الشعراء وتمثل قسطاً من تفكيرهم الديني ، بحظوظ متفاوتة لكل عقيدة ولاسيما ان الشعراء حينذاك كانوا يعدون طائفة مميزة ، اذن فليس من المبالغة ان نقول نستطيع الاعتماد الاكبر على الشعر العربي قبل الاسلام ، ولهذه المميزات للشعر العربي التي تمدنا بحقيقة التفكير العربي قبل الاسلام ولاسيما التفكير الديني ، لقد عرفت مدن الحجاز في حقبة قبل الاسلام عدداً من الديانات والعقائد :
أ. الوثنية والشرك:
على الرغم من عدم توفر معلومات عن بداية ظهور الوثنية الا انها الديانة السائدة عند العرب قبل الاسلام ، كما اشار الى ذلك القرآن الكريم (5)، ويشير الباحثون الى ان هذه الديانة كانت في الاصل عبادة الكواكب " وان اسماء الاصنام والآلهة وان تعددت وكثرت فأنها ترجع كلها الى ثالوث سماوي هو : الشمس والقمر والزهرة ، وهو رمز لأسرة صغيرة تتألف من الاب هو القمر ، ومن ام وهي الشمس ، ومن ابن هو الزهرة وذهبوا الى ان اكثر اسماء الالهة هي في الواقع نعوت لها (6)، ويلاحظ ثمة ارتباط بين عبادة هذه الاجرام ، وذلك ان الناس كانوا قد صنعوا الاصنام لتكون صورة او رمزاً يذكرهم بالألة الذي يعبدونه فاتخذوها اصناماً وبذلك مثلت الاصنام في نظرهم قوة عليا هي فوق الطبيعية ، واعتقد عابدوها انه قد حلت فيها روح الهتهم المقدسة (7)، ومن ابرز الاصنام التي كان يعبدها غالب العرب عند ظهور الاسلام هي هبل واللات والعزى ومناة ، ويعد هبل من اعظم هذه الاصنام ، وقد لوحظ ان العرب يعتقدون ان هبل كان له علاقة بالرزق والاخصاب ، ويلاحظ ان القرآن الكريم قد اشار الى عبادة العرب اللات والعزى ومناة ، وسخر من اعتقادهم بان هذه الاصنام هي بنات الله فقال تعالى " افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ، الكم الذكر وله الانثى " (8). ولم تقتصر العرب على هذه الاصنام فقط ، بل اشارت المصادر الى عبادتهم لأصنام اخرى مثل أساف ونائلة ومطعم الطير ومناف وقزح ، فضلاً عن وجود اصنام اخرى كان يعبدها قوم نوح واستمرت عبادتها عند العرب وهي سواع ويغوث ويعوق ونسر (9).
ان شيوع الوثنية في بلاد العرب قبل الاسلام ، التي قامت على فكرة عبادة مظاهر الطبيعة كالأرض والسماء والنجوم والكواكب ، ولما كان العرب يعتقدون بوقوعهم في حياتهم تحت تأثيرها ، لذلك حرصوا على ارضائها اجتلاباً لخيرها فاتخذوا لها اشكالاً مختلفة في بيوت واشجار واحجار مصورة تمثل انساناً او حيواناً واخرى غير مصورة ، وصاروا ينظرون اليها على انها رمز للطبيعة ، ومن ثم اصبحت معبودات لهم ، كانوا يطوفون حولها ويتاجرون عندها ويعدون المكان الذي فيه المعبود حرماً يحرم الاتيان فيه بأشياء معينة (10)، ومن العرب من كان يعبد الاصنام ومنهم من كان يعبد الاوثان وهي الجماد والحجر وكانت خالية من الصنيعة والفن ويصف ابن الكلبي اهل مكة فيقول "كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه ، فاذا اراد احدهم السفر كان اخر ما يصنع في منزله ان يتمسح به، واذا قدم من سفره كان اول ما يصنع ان يتمسح به ايضاً " (11)، ولم تكن الحيض من النساء تدنو من اصنامهم ولا تمسح به ، انما كانت تقف في ناحية منها (12) وكانوا يسمون ذبائح الغنم التي يذبحون عند اصنامهم وانصابهم تلك العتائر ،والمذبح الذي يذبحون فيه يسمى العتر (13) ، يقول زهير بن ابي سلمى
فزل عنها واوفى رأس مرقبة كمنصب العتر دمى راسه السك (14)
وكانت هذه الالهه حاضرة في حروبهم يستلهمون منها النصر ففي احدى المعارك المهمة في حرب الفجار نصب اللات قبل المعركة خباء او بيت ليتخذ محلاً لألهه الطائف ، وكان مدار الخباء يمثل حد حرم منيع لا يمكن خرقه فيظل ملاذاً آمناً للاجئين ، وحاولت ثقيف ان تجعل من وثنها منافساً للكعبة حتى انها اطلقت على الوثن اسم ( الربة ) (15) .
اما مناة فقد كانت اقدم هذه الاوثان الثلاثة كما يذكرها ابن الكلبي ، وكانت العرب جميعاً ، لاسيما الاوس والخزرج وسكان يثرب ( المدينة ) يعظمون مناة ويذبحون ويهدون لها ، وكانوا يسمون ( عبد مناة ) و ( زيد مناة )(16) ، وكلمة مناة مشتقة من المنية فكانت الهة القضاء والقدر وهي بهذا الوصف تعد من اقدم مظاهر الحياة الدينية ، وظلت مناة قائمة حتى خرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى مكة فاتحاً سنة 8 هـ (17) .
مما تقدم نجد ان العرب كانت تعتقد ان هذه الاصنام تجلب على عابديها الخير الوفير فتكون السبب في اطعامهم واروائهم ، فضلاً عن انها تتصف بقوة عظيمة فتحارب الى جانب اتباعهم وتقودهم الى النصرة في الحروب ، زد على ذلك انها تحمي الجوار وترعى الحمى ، ولكن لدينا شواهد اخرى على بعض الحوادث والتي دلت على استهانة بعض العرب او رفض احترامها وتقدسيها ، ومن هنا نجد ان العادات والتقاليد الاجتماعية عند بعض العرب قبل الاسلام ، قد تغلب على اعتقادهم الديني ، فهم بحسب طبيعة حياتهم ، يغلبون مصالحهم واهواءهم على معتقداتهم اذا ما تعارضت معها ، ومما يؤكد ان التقاليد الاجتماعية عند بعض الاعراب ، قد تفوق ايمانهم بآلهتهم على الرغم من قوتها وسطوتها ، ما جاء عن صنم الفلس الذي كان له حمى لا يستطيع احد ان يعتدي عليه ، فطرد سادنه يوماً ناقة لامرأة ، كانت في جوار احد اشراف العرب ، وكان من عبدة الفلس وادخلها في حمى الصنم فاشتكت المرأة لهذا الشريف ، فركب جواده واسرع الى السادن " وقال له : خل سبيلها قال : اتخفر الهك ؟ فبوأ له الرمح ، فحل عقالها ، وانصرف بها الشريف " (18)فاقبل السادن على صنمه يستجير به ، ويحرضه على ذلك المعتدي الاثيم ، وانشد قائلاً :
يارب ان مالك بن كلثوم اخفرك اليوم بنابٍ علكوم
وكنت قبل اليوم غير غشوم (19)
اما الطفيل بن عمرو الدوسي فانه يذهب الى صنمه ذي الكفتين ويضرم فيه النار ، فلا يلبث ان يتحول الى رماد فيخاطبه قائلاً :
ياذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا اقدم من ميلادكا
اني حشوت النار في فؤادكما (20)
واذا كان العرب قبل الاسلام قد اعتقدوا المنفعة في اوثانهم ، فانهم اعتقدوا الاذى ايضاً ، لذلك قدموا النذور والقرابين والهدايا طلباً لرضاها ، فالآلهة باعتقادهم تستطيع صب جام غضبها وتلحق لعناتها بمن كانت تنصرهم ، اذا ما اخطؤوا في حقها او اعتدوا على حرمتها (21). ويروى ان امرأة رومية تدعى(زنيرة) كانت بمكة فأسلمت ثم عميت فقال المشركون اعمتها اللات والعزى وقالت قريش : ما اذهب بصرها الا اللات والعزى (22).
ومهما يكن من امر الاصنام في الجزيرة العربية فقد كانت مكة قلبها النابض وتعج داخل حرمها بالأصنام ، واشتهرت ابان عصر ما قبل الاسلام بكثرة حفلاتها الدينية ولاسيما ايام الاعياد ، فتزدحم شوارعها بالمتفرجين وتسير مواكبها الدينية فتتابعه القطوف بحجارة الاحياء وفيها ترى جمالاً مترنحة حاملة القباب المتمايلة الفاقعة الالوان يقودها زعماء القوم ويسير وراءها على الجمال ايضاً نساء قريش وقد حللن الشعور وضربن الدفوف (23) ، وعلى الرغم مما تقدم ، الا ان العرب قبل الاسلام حافظوا على تعظيم البيت والطواف به والحج اليه واهداء البدن (24).
ويبدو من جملة الطقوس الدينية التي مارسها العرب اتخاذهم طريقتين للتقرب الى الله او الاصنام : الاولى : تقديم القرابين الحيوانية بذبحها ، والثانية : وقف القرابين الحيوانية ايضا للالهة الصنم ، فتقرب ابراهيم الخليل عليه السلام بالخبز ثم امره الله بذبح العجل والعنز والكبش الذي افتدى به ابنه اسماعيل عليه السلام ، ثم تبع العرب سننه (25)، وقدم العرب كل انواع القرابين وحتى البشرية منها ، فعبدالمطلب اراد ذبح ابنه عبدالله ، ثم فداه بمائة من الابل كما ذكرنا ، ومارس العرب طقوس متنوعة مصاحبة لذبح القرابين مثل الغناء والرقص وغير ذلك مما مارسه عرب شمال الجزيرة مثلاً (26).
اما وقف الحيوان كما ورد في القرآن الكريم " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم لا يعقلون " (27). ان هذه المعتقدات كلها ليس لها هدف ديني محض ، بل ان لها فائدة مادية تعود على اصحابها بالنفع من حيث تخصيص بعضها للضيوف ، وقد يكون للحام حالة انسانية يعطف من خلالها على الحيوان ، ان العرب قبل الاسلام كانوا يقدمون هذه القرابين اذا ارادوا ان يختنوا غلاماً او ينكحوا منكحاً او يدفنوا ميتاً او اذا شكوا في نسب احدهم او ارادوا سفراً او تجارة او استخارة في نازلة او خلاف او مقصد ذهبوا الى هبل وكان صنماً في جوف الكعبة (28).
وتداخلت مع عبادة الاصنام بعض المعتقدات الاجتماعية التي تدخل ضمن الجانب الغيبي اذ كان لهذه المعتقدات بعض الاثار الاجتماعية في حياة العرب قبل الاسلام من قبيل الضرب بالقداح او الاستقسام عندها او التحكيم لديها ، فكانت في جوف الكعبة عند هبل سبعة اقداح مكتوب في اولها (صريح) والاخر (ملصق) فاذا شكوا في مولود ، اهدوا له هدية ثم ضربوا بالقداح ، فاذا خرج (صريح) الحقوه ، وان خرج ملصق منعوه (29). وعلى الرغم من الاهمية التي يعقدها العرب في مسألة الاستقسام والقداح عند الاصنام ، الا انه لم يعقد عليها ذلك الالتزام فسرعان ما يثور عليها اذا لم تلّبِ رغبته في بعض الاموال كما مر ذلك سابقاً ، واذا كانت الالهة اقدر من البشر كان من اللازم التودد اليها بشتى الطرق المعبرة عن معاني التقرب والتحبب والتعظيم لتمن عليه بالبركة والسعد وكل خير يشتهيه ، واهم ما يقرب الانسان الى الالهة النذور والقرابين والمنح والعطايا ومنها الذبائح وهناك مواضع معينة هي خزائن تتجمع فيها النذور والهبات من ذهب وفضة ، وكانوا يعلقون السيوف والملابس الثمينة على الاصنام تقرباً اليها ووفاء بنذور نذورها لها، يضاف الى ذلك المأكل والمشرب لاعتقادهم انها تسر الالهه وتفرحها (30).
وبالنظر لمكانة الالهة في نفوس العرب فقد اقاموا لها البيوت المقدسة ويبدو ان نظرة العرب الى بيوت الالهة ترتبط بنظرتهم الاجتماعية من خلال الاهتمام في بنائها للبيوت وزخرفتها وحسن مظهرها والتنظيم ، لان المعبد الضخم يدل على قوة الاله فينظر الناس اليه بعين الاجلال ، فضلاً عن عدم بناء بيوتهم بجوارها ولا يرفعونه على البيوت المقدسة ، ويتحاشون التربيع لكيلا يشبهها (31). وكانوا يعدون طهارة الملابس وطهارة الجسم من الامور اللازمة لمن يريد الدخول للمعبد وبخلافه يعد نجساً وآثماً ، وكان خلع الخف او النعل من المراسيم المهمة التي تؤخذ بالحسبان عند دخول البيوت المقدسة تعظيماً لها (32).
خلاصة قولنا لم يكن للعربي الوثني حظ وافر من امور الدين كما تقدم ، فضلاً عن الشعر العربي قبل الاسلام ، فقد كان عديم التنبه للدوافع الروحية بل كان قليل الاكتراث بالدين ، وكان في ممارسته لبعض الطقوس الدينية انما ينساق بقوة الاستمرار ويجري امتثالاً لاحكام العرف والتقليد ، ولم نسمع عن حدوث حروب بين القبائل بعضها مع بعض بسبب الدين مع كثرة هذه الحروب (33)، فالعربي لا يميل الى امور معقدة فهو لا يذهب الى التفكير فيما بعد الطبيعة بل يستفيد من كل شيء سهل الحصول لديه (34). فكان التنقل من الهّ الى الهّ ومن دين الى دين شائعاً بين العرب وكان يحدث بين الافراد ويحدث بين القبائل اذ ترفض القبيلة برمتها ديناً لتختار ديناً غيره ، وهذه من امارات الخلط والتخبط بالعقيدة وفي التفكير الديني ، ومن اجلى مظاهر ضعف العاطفة عند الوثنين العرب انهم لم يكونوا على امر جامع من عقائدهم ، اذا ما استثنينا الحج ، وليست لأصنامهم فاعلة تسيطر على عقائدهم بل كانت وثنيتهم ساذجة لا تتجاوز تقليد الاباء كما في قوله تعالى " انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون " (35).
وكانت مقاليد الوثنية العربية بأيدي الكهنة والعرافين فكان العرب يعتقدون في الكاهن، انه قديسهم الديني وقدوتهم الصالحة وعالمهم الحكيم، فضلاً عن ما كان للكهانة من دور في رسم صورة تاريخية واجتماعية والى ذلك كان الكهنة يقومون بدور التحكيم في حل بعض المنازعات ، ومن قبيل ذلك مفاخرة امية بن عبد شمس وهاشم بن عبد مناف على خمسين ناقة، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي (36).
ومقابل تلك المكانة التي كان يمثلها الكاهن ، الا انه في مواقف معينة موضع تهكم الشعراء ، بل ادى بعضهم الى ان يلقي حتفه بنفسه ، ومن هذا القبيل تهكم قبيصة بن ضرار الضبي احد الكهان وهو ضميرة بن لبيد الحماسي الكاهن الذي خر صريعاً بطعنة من رمح قبيصة بن ضرار الضبي فقال له الاخير : الا اخبرك تابعك بمصرعك اليوم (37) وللكهانة علاقة وثيقة بالعرافة ، وان هناك صنف من الكهنة يقوم بالتنبوء لمعرفة ما سيحدث في المستقبل (38) ، لقد تعبدت قريش جميع اصنام القبائل العربية ، ونعتقد ان السبب وراء ذلك كان بدافع ترغيب الاعراب في تقديس اصنامها ولتشجيعهم على زيارة الكعبة وبذلك يتحقق استمرار مصالح قريش المادية وتجارتها واكتساب المكانة الروحية والاجتماعية للهيمنة على جميع العرب دينياً ، وعلى الرغم من تفوق يثرب والطائف جغرافياً ، ولكن وجود البيت الحرام وفر لأهل مكة الكثير من الامتيازات الاجتماعية والدينية وهذا بدوره انعكس على وحدة المجتمع المكي وظهور الاستقرار الداخلي وانتشار الامن والهدوء ، لقد التقى اهل مكة على مفهوم ديني موحد هو سدانة الكعبة .
ب. الحنيفية :
على ان ذكر الله كان امراً شائعاً قبل الاسلام ، ولا نكاد نظفر بشاعر منهم لم يذكره في شعره على حين قل ذكرهم للأصنام ، يقول الاعشى :
استأثر الله بالوفاء وبالعدل وولى الملامة الرجلا (39)
وروى لعبيد بن الابرص :
من يسل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب (40)
وقول زهير بن ابي سلمى :
فلا تكتمن الله مافي نفوسكم ليخفي ومهما يكتم الله يعلم(41)
والحنيفية من كان على دين ابراهيم عليه السلام وكان العرب قبل الاسلام يقال " من اختتن وحج البيت حنيف لان العرب لم تتمسك بشي من دين ابراهيم غير الختان وحج البيت" (42).ويذكر الزجاجي الحنيف في الجاهلية (قبل الاسلام) من كان يحج البيت ويغتسل الجنابة ويختتن، فلما جاء الاسلام كان الحنيف المسلم (43) اما ابو عبيدة فيذكر " ان الحنيفية عند العرب حج البيت وبعض مسائل الفطرة " (44) .
ان المتأمل لما ورد في الشعر العربي قبل الاسلام ويتعمقه يجد ان مفهوم (الله) عند العربي كان يختلف كل الاختلاف عن مفهوم الصنم ، واذا عدنا الى الاذهان ان التوحيد في جزيرة العرب اقدم بكثير من الوثنية وظل معروفاً فيها .
لم يقم الفكر الديني عند العرب قبل الاسلام على اساس الايمان بالمبادئ الوثنية وانما كان بجانب ذلك اعتقاد قوي بالله عز وجل ووجد له سنداً قوياً بما قدمته الديانتان اليهودية والمسيحية ، فضلاً عن البقايا التوحيدية القديمة كالديانة الابراهيمية الحنيفية (45) ، وقد مارس الوثنيون طقوس دين ابراهيم عليه السلام مع شركهم ، وعظموا الاشهر الحرام وانكروا الفواحش وعاقبوا على الجرائم ، ومن انواع عبادة التوحيد قبل الاسلام التحنث وهو التقرب والانقطاع الى الله وممن تحنث الى الله عبد المطلب بن هاشم ثم ورقة بن نوفل ، وتحنث البعض الاخرة الى الله بطريقة اخرى مثل حكيم بن حزام الذي تحنث بواسطة صلة الرحم والتصدق (46) ، ان العقلية العربية لم تفهم او عاجزة عن فهم الاله الواحد فهم لم يعرفوا معنى التوحيد من اساسه ، ان طبيعة البلاد العربية لم تدع الى نشوء فكرة التوحيد ، وان وحدانية اليهود والنصارى لم تكن اكثر من وثنية العرب ، فالعرب لم يتأثروا باليهودية والمسيحية في فكرة التوحيد بل تأثروا بفلسفتهم الوثنية الى حد ما ، فنرى ان الاسلام لم يتطور من درجة الى درجة بل نشأ مستقلاً بذاته فان الاسلام رب العالمين وليس رب قريش فقط (47) وهذا اوس بن حجر يقسم بلله ويقسم بالأوثان على الرغم من ايمانه بالله قائلاً :
وباللات والعزى ومن دان دينها وبالله ان الله منهن اكبر (48)
وعلى الرغم من ان اهل الحجاز كغيرهم من العرب قد استبدلوا بدين ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام ديناً غيره ، الا انه كان لايزال فيهم بقايا ملة ابراهيم ويتنسكون بها " من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة ومزدلفة واقراء الضيف وتعظيم الاشهر الحرم وانكار الفواحش والتقاطع والتظالم مع ادخالهم في ذلك ما ليس فيه " (49) .
خلاصة القول ان ظهور الحنيفية والعودة بها الى دين ابراهيم عليه السلام جاءت هذه الحركة الاصلاحية نتيجة سوء احوالهم الدينية ، فجرت المحاولة للارتقاء من الوثنية الى اعتقادات أرقى والتخلص من عادات قبل الاسلام، ان فكرة نبذ عبادة الاوثان والتخلص من العادات السيئة قبل الاسلام والرقي بالعقيدة والسمو بالإنسانية، هي حلقة في سلسلة التطور الديني والفكري في تاريخ العرب (50).
ولم تكن للعقيدة الدينية الوثنية اثر كبير في النفسية العربية قبل الاسلام ، لان نفوس هؤلاء ذات طبيعة قاسية مستقلة ، ولعل العرب لم يشعروا بالعاطفة الدينية الابعد ذهاب الشباب وحلول المشيب (51)، ان عبدة الاوثان لم يكن عندهم وازع ديني ، والمقيمون في مكة كانوا اكثر العرب اكتراثاً للدين ، لانه كان يرد عليهم ارزاقاً ، ولأنهم مقيمون بجوار الكعبة على مرأى ومسمع من الاصنام والسدنة والكهنة ، وتجاراتهم انما تدور حول موسم الحج والاعياد التي تسبقه وتلحقه ، والاسواق التي تصحبه او تعقبه (52).
ج . الحج:
يعد الحج من اهم تقاليد العرب الدينية قبل الاسلام بأمد طويل اذ كان لتقاليده علاقة قوية واثر كبير في حياتهم الاجتماعية وكان شاملاً لجميع العرب على اختلاف عقائدهم وعباداتهم وبيئاتهم(53). ولمكانة الحرم في نفوس العرب قبل الاسلام فانهم كانوا يضعون له حدوداً تشير الى نهايته ومن يدخل هذه الحدود يصبح آمناً ، ويعد الاعتداء في الحرم نوعاً من الكفر والفجور ولذلك نجد العرب قد ارخت بعام الغدر بسبب ما حدث فيه من اعتداء داخل الحرم(54) ، وصانت قريش حرمة الكعبة والحرم ، فلم تسمح قريش لعابث ان يمسها بشيء ، فيروى ان احد الاطفال قد هتك ستار الكعبة في اثناء لعبه ، فقام اليه عبد شمس بنفسه وامسك به صائحاً في قريش كلها يؤنبها على فعلة هذا الطفل ، فاشار عليهم هاشم بقطع يد الصبي اذا كان بالغاً الحلم والا يكتفي بضربة فضرب الصبي على فعلته هذه ضرباً شديداً (55) ، ولشدة اجلال العرب واعزازهم للبيت العتيق وارض الحرم كان الرجل منهم يلقي قاتل ابيه او احد ذويه في ارض الحرم او في الشهر الحرام ولا يعترضه بشر(56) ، وكانوا لا يدخلون الكعبة بأحذيتهم وقد سن لهم الوليد بن المغيرة خلعها ، وبلغ من تقديس الكعبة ان الحوائض من نساء العرب قبل الاسلام لا يدنين من الكعبة ولا يمسحن بأصنامها بل يقفن بعيداً عنها(57) ، ويعد موسم الحج من اكبر المحافل الاجتماعية في مكة ، فضلاً عن وظيفته الدينية حيث يفد اليها اعداد كبيرة من العرب وغيرهم ، لغرض اداء طقوس الحج وممارسة النشاط الاقتصادي من طريق التجارة والتكسب في اسواق مكة المرتبطة بموسم الحج ولاشك ان الاعداد الكبيرة من الحجاج الذين يفدون الى مكة كانت لبعضهم علاقات اجتماعية مع اهل مكة كالمصاهرات وعلاقات الصداقة والمعاهدات والاحلاف ، وكان البعض يحل ضيفاً على من تربطه به علاقة صداقة من اهل مكة والاقامة عنده عدة ايام حتى تنقضي ايام موسم الحج (58) ونجد ان اهل مكة كانوا يتضامنون في القيام بواجبهم تجاه الوافدين من خلال الترحيب والاكرام وتوفير الطعام والشراب لهم ، فقد كانت دور سادات قريش مشرعة الابواب امام الضيوف(59). فضلاً عن قيامهم بعملية الرفادة والسقاية والحجابة ، ولقد انطوى في تقاليد الحج تقليدان عظيمان يسبغان على الحج وموسمه الروعة والامن ويدلان على مدى تأثيره في نفوس العرب وحياتهم الاجتماعية والدينية والاقتصادية " اولهما تقليدا من منطقة الكعبة التي هي منطقة مكة وتحريم القتال فيها في كل وقت فيها ومهما كانت الاسباب ، وثانيهما : تقليد الاشهر الحرم بحيث يكون القتال وسفك الدماء محظورين فيها " (60)، ووردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تشير الى الحج وتقاليده وشعائره منها قوله تعالى " واذ بؤانا لإبراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود، واذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق ، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات " (61)
لقد كان يفد على مكة من كل صوب وحدب فيلتقون في موسم الحج واسواقه وفي ظل اشهر الحرم ويجتمعون ويتعارفون ، ويتبايعون ويتشاورون ويتناشدون الاشعار ويعقدون المجالس للمفاخرات وحل المشاكل ، فضلاً عن كونه مظهراً قوياً بارزاً من المظاهر الاجتماعية فقد سنحت للعرب فرصة لحركة سياسية واجتماعية وفكرية وادبية ، وكان العرب يسبغون على حرمة الاشهر الحرم وهدنتها صفة تقدسية ويصبغونها بصفة دينية ، فضلاً عن اعتقادهم بان الاخلال بحرمتها وقداستها يجلب لهم الشر والنحس ، زد على ذلك فان العرب ارادوا من وراء هذا التحريم تضيق نطاق القتال والحروب والاحقاد بينهم ، وتوثيق عرى الالفة والاتحاد بينهم تمهيداً لإيجاد تضامن عام في كيان واحد ، وورد في قوله تعالى " ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم " (62)، وسمي من حارب في الاشهر الحرم المحلون(63) ، وشكلت التلبيات والاختلاف بينها وفي تنوع الاصنام ، قد يكون مظهراً من مظاهر الانقسامات السياسية والصراعات القبلية ، فأصبحت لكل قبيلة وبمرور الوقت تلبية خاصة ، وتمثل هذه التلبيات الواقع الاجتماعي والاقتصادي للقبيلة ، ابتداء من وصف رحلة الحج ومتاعبها وانتهاءاً بالمشاكل التي تعاني منـها القبيلة (64)، ناهيك بما يمكن ان يكون لهذا كله من اثر اجتماعي وادبي عظيم في العرب الذين تفرقوا الى منازلهم وقد امتلأت جعباتهم بالأخبار ، وذاكرتهم بالأشعار والخطب والكلمات ، واكتظت اذهانهم بمختلف الصور والمشاهد مما ساعد على تقريب العرب بعضهم من بعض وتوحيد لغتهم ، وبعث حركة نشيطة من تطور الوثنية الى الشرك ثم الى وصف الشركاء شفعاء عند الله ومن استنكار العرب لما بين الكتابين من خلاف ونزاع وظهور طبقة الموحدين ، وهذا ما يفسر لنا تدرج العادات والتقاليد الاجتماعية ، وترقى النظم الاقتصادية والسياسية ، ومن هنا يتضح حكم الاسلام على هذه التقاليد بعد الغاء ما يتناقض مع اسس الدعوة وما فيه من قبح وفحش وتهذيب الباقي تهذيباً يجعله ينسجم مع تلك الاسس (65)، فالقرآن الكريم نفسه يؤكد علاقات التطور والتدرج في الكون والبشر والقيم .
د. الحمس(66):
ان وجود الحرم في مكة اعطى الحق لقريش واهل مكة والذي رأوا في انفسهم منزلة ارفع من منزلة باقي العرب ، وذلك لمجاورتهم بيت الله الحرام ولرعايتهم المناسك والشعائر ولاهتمامهم بشؤون الحجاج في معظم الحالات ، كل هذا زاد من اعلاء شأن قريش حتى كناهم العرب ( اهل الله )(67) ، فضلاً عن ذلك فانهم كانوا يرون ان سكنهم منحهم مزايا خاصة ، فكانوا يقولون ليس للعرب مثل حقنا " ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم اياهم يحل لهم ما يحل للحمس ويحرم عليهم ما يحرم على الحمس " (68) ، وقد الزم الحمس انفسهم بأمور جعلوها خاصة بهم فأوصوا على انفسهم الا يطبخوا قطاً ، ولا يسلؤوا سمناً ولا يدخروا لبناً ولا يمسوا دهناً ، ولا يأكلوا لحماً ولا شيئاً من بنات الحرم ، ورفضوا ان ينسجوا شعراً او وبراً او صوفاً ، ورأوا الا يلبسوا الا جديداً ، وفي المسكن كانوا في حجهم لا يدخلون بيتاً من شعر ، ولا يستظلون اذا استظلوا الا في بيوت الادم ، فضلاً عن ذلك فانهم كانوا لا يلجون البيوت من ابوابها (69)، وقد اشار القرآن الكريم الى ذلك بقوله تعالى " … وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ، ولكن البر من اتقى ، واتوا البيوت من ابوابها … " (70)، وكذلك فقد جعلت قريش من هذا الحمس انضواء الكثير من القبائل العربية الى قريش من خلال هذه الزيجات ، وبذلك جعلت قريش من الحمس حلف ديني يميزه عن الاحلاف القبلية ويضم قبائل كنانة وقريش وخزاعة وطوائف من بني عامر بن صعصعة (71)، ويروى عن ظويلم الذبياني من انه لقب (مانع الحريم ) لانه خرج قبل الاسلام يريد الحج فنزل على المغيرة بن عبدالله المخزومي ، فاراد المغيرة ان يأخذ منه ما كانت تأخذه ممن نزل عليها ، فامتنع عليه ظويلم مستعيناً عليه بحرمة مناسك الحج ومشاعره وبالله القدير الذي هو القصد والغاية من الحج(72).
وقد افاد الحمس ايضاً حين اصبح كل من ولد من نسائهم على نهجهم في ديانتهم ، فان لم يكن متحالفاً معهم فهو على الاغلب ميال اليهم ، ويبدو ان الانتساب الى الحمس كان يعد انذاك مفخرة كبيرة ، فحينما كان بنو عبس حلفاء لبني عامر بن صعصعة وهم من الحمس في يوم جبلة ، افتخر لقيط بن زرارة بذلك التحالف وجعل بني عبس من الحمس لمحالفتهم اياهم(73) ، وكانت النساء من غير القرشيات ينذرن تحميس ابنائهن ، وتحمست النساء القرشيات واتخذن لتحمسهن شعائر وعلامات مناسبة لطبيعة المرأة ، فالاحمسيات لا ينسجن ولا يغزلن ولا يسلئن السمن (74) ، وهنا لابد من القول حول تاثير الديانتين النصرانية واليهودية ، لقد كان من تأثير هاتين الديانتين حسب ما نعتقده لم يتجاوز الحدود الضيقة ان لم يكن يتجاوز الحوادث الفردية ، لانه لم يكن كيان واسع النطاق في بيئة العرب قبل الاسلام ، كما هو الامر بالنسبة الى يهود يثرب الذين وجدوا قبل الاسلام بزمن طويل مما كان لهم من تمكن اجتماعي واقتصادي وزراعي ومن اندماج وثيق بالحياة العربية ، وعدم انتشار اليهودية لدى العرب بنطاق واسع لا يعني ان العرب كانوا في عزلة عن تأثيرها ، بل تأثروا بها سواء في تطور الفكرة الدينية في ما كان عندهم من معلومات وعادات وافكار حملت الصبغة الدينية مثل ابناء الانبياء والرسل وقصصهم مع اممهم ، وما كان عندهم من كتب ومناصب دينية وما كان في كتبهم من صفات وتقاليد وسواء في الطقوس والعادات المتنوعة (75).
وهكذا فان الجانب الديني عند العرب قبل الاسلام ، وقد تدرج من وثنية مادية طبيعية وقوى طبيعية الى وثنية غير مادية روحية وخفية الى فكرة الله والاعتراف به مع اشراك الهة اخرى معه ماديين وغير ماديين ، فضلاً عن انقلاب هؤلاء الشركاء الى شفعاء لدى الله ووسطاء واعتبار الاوثان المادية رموزاً ثم الى الاتجاه الى الله وحده (76).
ومما تقدم لابد من القول ان العرب وعلى الرغم من التطور التدريجي في قيمهم الدينية ، الا ان للديانة اثراً كبيراً في حياتهم الاجتماعية ، وخير مثال على ما ذهبنا اليه ما قام به عبد المطلب من افعال فقد رفض عبادة الاصنام ، ووحد الله عز وجل ، ووفى بالنذر، وسن سنناً ، نزل القرآن باكثرها وجاءت السنة بها وهي الوفاء بالنذور ، ومائة من الابل في الدية ، والا تنكح ذات محرم ، ولا تؤتي البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق ، والنهي عن قتل المؤدة والمباهلة وتحريم الخمر وتحريم الزنا وتعظيم الاشهر الحرم والا ينفقوا اذا حجوا الا من طيب اموالهم ، ونفي ذوات الرايات وغيرها(77) ، زد على ذلك شخصيات اخرى غير عبدالمطلب كثيرة من العرب ، كانوا مستنيرين فطنوا الى سوء حالتهم الدينية وحاولوا الارتقاء بالجانب الديني الى اعتقادات ارقى منها حتى انتهوا الى فجر الاسلام ، لكننا سنجد انفسنا امام سؤال له اهمية كبيرة على ما نعتقد ، هل كان العرب يحرمون الخمر والزنا ، فضلاً عن افعال اخرى كان بدافع ديني ام هو بدافع اخر وللجواب على هذا السؤال لابد من القول ان للديانة اثر في الحياة الاجتماعية ، ولكن ما نعتقده ان العرب حرموا كثيراً من العادات والتقاليد لسبب اجتماعي ، فضلاً عن اسباب اخرى مثل الاقتصادي او السياسي ، فيروى ان العباس بن مرداس سئل " لم لا تشرب الخمر فأنها تزيد من جرأتك فقال : ما انا بأخذ جهلي بيدي ما ادخله في جوفي واصبح سيد قومي وامسي سفيههم " (78) ، وكان عثمان بن مضعون قد حرم الخمر قبل الاسلام وقال لا اشرب شراباً يذهب بعقلي ويضحك بي من هو ادنى مني وازوج كريمتي من لا اريد (79) .
مما تقدم نستنتج ان تأثير الدين كان حالة متداخلة ، فنجد احياناً ان تأثير الدين على المجتمع كبيراً ، وفي احيان اخرى نجد ان التأثير لا يكاد يذكر ، فضلاً عن ان تحريم العرب لما تقدم نستطيع القول انه رقي وتطور في السلوك الاجتماعي للعرب ، ومهما يكن من امر ديانة العرب قبل الاسلام ، فلابد من القول وعلى الرغم من معرفة العرب الى الهة مادية معروفة مثل الشمس والقمر وزحل وعطارد وغيرها من الاجرام السماوية ، كما كانت لهم آلهة هي نعوت تعبر عن امور معنوية مثل ( ود ) و ( رحمن ) ، وكانت الجبال تؤثر في حياة الناس ، وكان للشاعر والكهان اثر في حياته الاجتماعية ، فكان من تأثير جبل ابي قبيس انه يزيل وجع الراس ، ولم تكن الشجر اقل شأناً في حياة العرب الاجتماعية (80)
ان المعبودات المادية كانت اكثر مظاهر الشرك ، فهي شغلت حيزاً كبيراً في اديانهم وعقائدهم ، سواء في ذلك الذين عدّوا معبوداتهم الهة وشركاء مع الله او الذين عدّوها شفعاء ووسطاء ، كما في قوله تعالى " والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا انفسهم ينصرون ، وان تدعوهم الى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون " (81) وقوله تعالى " واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد امناً واجنبني وبني ان نعبد الاصنام " (82).
______________________
(1) صالح العلي ، محاضرات ، ص166 .
(2) القلقشندي ، نهاية الارب ، ص452 .
(3) المسعودي ، مروج ، 2 / 102 .
(4) سورة الزمر39 ، الاية 3 . ينظر : سورة لقمان31 ، الاية 52 ؛ سورة الزخرف 43، الاية 9 ، 88 .
(5) سورة الزخرف43 ، الاية 15 ، 28 .
(6) جواد علي، المفصل، 6/ 50.
(7) جواد علي، المفصل، 6/ 68 ـ 69.
(8) سورة النجم 53 ، الاية 19 ـ 21.
(9) للمزيد من التفاصيل ينظر: محمد عبد المعيد خان،الاساطير،ص116 ـ 142؛ الملاح، الوسيط ، ص416 .
(10) جمال سرور ، قيام الدولة العربية الاسلامية ، ص48 .
(11) الاصنام ، ص33
(12) ابن الكلبي ، الاصنام ، ص32
(13) العشيرة في كلام العرب الذبيحة ، الاصنام ، ص34
(14) شرح ديوان زهير ، ص50
(15) المقريزي ، تقي الدين احمد بن علي ( ت 845هـ ) ، امتاع الاسماع لما للرسول من ابناء والاموال والحفدة والمتاع ، صححه : محمود محمد شاكر ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،( القاهرة ، 1941 ) ، ص490 ؛ علي ابراهيم ، التاريخ الاسلامي العام ، ص128
(16) ابن الكلبي ، الاصنام ، ص13
(17) الالوسي ، بلوغ ، 1/ 146 .
(18) ابن الكلبي ، الاصنام ، ص59 . اسم هذا الشريف هو مالك بن كلثوم .
(19) ابن الكلبي ، الاصنام ، ص61 . ينظر : الاصفهاني ، الاغاني ، 9 / 87 خبر امرؤ القيس واستقسامه لدى الصنم ذي الخلصة بعد مقتل ابيه .
(20) ابن هشام ، السيرة ، 1/ 385 ؛ ابن الكلبي ، الاصنام ، ص37 .
(21) زيتوني ، عبدالغني ، الوثنية في الادب الجاهلي ، منشورات وزارة الثقافة السورية ، 1987، ص139 .
(22) ابن حجر ، الاصابة ، 4 / 305 ؛ جواد علي ، المفصل ، 6 / 183 .
(23) علي ابراهيم ، التاريخ الاسلامي العام ، ص 132 .
(24) الازرقي ، اخبار مكة ، 1 / 116 .
(25) البتنوني ، محمد لبيب ، الرحلة الحجازية ، ( القاهرة ، 1329هـ ) ، ص 193 .
(26) ابن هشام ، السيرة ، 1/ 154 ؛ ناصر الدين الاسد ، القيان والغناء ، ص146 .
(27) سورة المائدة 5، الاية 103 . البحيرة : وهي الناقة التي تشق اذنها عندما تولد في خامس بطن للناقة الام ولا يجز وبرها ولا يذكر اسم الله عليها وان ركبت ، وتخصص البانها للرجال فقط السائبة : هي التي يسيبها الرجل من ماله اذا بريء من مرض او نال مطلب تمناه ، لا تمس ، وتخصص للأضياف من الرجال فقط . الوصيلة : التي تؤخذ من النتاج السابع للشاة فاذا كان ذكراً ذبح وان كانت انثى تركت ولبن الانثى للرجال ايضاً دون النساء . الحام : وهو الفحل الذي يصير ولده جداً أي الذي يدرك احفاد اولاده فيترك ولا يحمل عليه ولا يركب ولا يمنع من ماء ولا مرعى . ينظر : ابن هشام ، السيرة ، 1 / 89 ، 90 ، 98 ؛ ابن حبيب ، المحبر ، ص330 .
(28) ينظر : ابن هشام ، السيرة ، 1 / 160 ـ 161 ؛ محمد عزة دروة ، عصر النبي ، ص334 .
(29) ابن الكلبي ، الاصنام ، ص28 .
(30) يوسف ، شريف ، الكعبات المقدسة عند العرب قبل الاسلام ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، المجلد / 29 ، لسنة 1978 ، ص193 .
(31) ابن هشام، السيرة، 2/ 406؛ جواد علي، المفصل، 6/ 404.
(32) ابن سعد ، الطبقات ، 1/ 147 ؛ ابن رسته ، الاعلاق النفيسة ، ص 121 .
(33) فيليب حتى ، تاريخ العرب مطول ، 1/ 133 .
(34) محمد عبد المعيد ، الاساطير العربية ، ص27 .
(35) سورة الزخرف 43، الاية 22 .
(36) المقريزي ، النزاع والتخاصم فيما بين امية وبني هاشم ، ص8 .
(37) القالي ، الأمالي ، 2/ 78 .
(38) الدباغ، تقي، الفكر الديني القديم، دار الشؤون الثقافية العامة، ( بغداد، 1992 )، ص 35.
(39) شرح ديوان الاعشى ، ص170 .
(40) شرح ديوان عبيد بن الابرص ، ص26 .
(41) شرح ديوان زهير بن ابي سلمى ، ص81 .
(42) ابن منظور، لسان العرب، 9/57-58 مادة ( صنف ).
(43) ابن منظور، لسان العرب، 9/57-58 مادة (صنف ).
(44) وسائل الفطرة عشرة ( واذا ابتلى ابراهيم ربه كلمات فاتمهن ) خمس في الرأس وخمس في الجسد فاما في الراس فالمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك ، واما التي في الجسد فالاستنجاء وتقليم الاظافر ونتف الابط وحلق العانة والختان ) . ابن حبيب ، المحبر ، ص 329 .
(45) ينظر ابن قتيبة ، المعارف ، ص266.
(46) جواد علي، المفصل 6/343.
(47) محمد عبد المعيد خان ، الاساطير العربية ، ص148
(48) شرح ديوان اوس بن حجر ، ص36
(49) ابن الكلبي ، الاصنام ، ص6 . الازرقي ، اخبار مكة 1/116
(50) الخربطلي، علي حسين ، الحنيفية والحنفاء منذ عهد ابراهيم حتى ظهور الاسلام(القاهرة - 1973) ، ص39
(51) محمد صالح سمك ، امير الشعر العربي في العصر القديم ص133
(52) محمد صالح سمك ، امير الشعر العربي في العصر القديم ، ص133 .
(53) احمد الشريف، مكة والمدينة، ص172.
(54) الازرقي ، اخبار مكة ، 2/ 138 ؛ جواد علي ، المفصل ، 6 / 414.
(55) الازرقي ، اخبار مكة ، 2/ 146.
(56) الفاسي ، شفاء الغرام ، 1/ 72.
(57) احمد السباعي ، تاريخ مكة ، ص 36.
(58) ابن دريد ، الاشتقاق ، 1/171 .
(59) ابن حبيب، المنمق، ص424، 426.
(60) دروزة ، محمد عزة، تاريخ الجنس العربي في مختلف الاطوار والادوار والاقطار ، المطبعة العصرية ، (بيروت ، 1961 ) ، 5/ 282 .
(61) سورة الحج 22، الآية 26 ـ 28.
(62) سورة التوبة 9 ، الاية 36 .
(63) الاصفهاني ، الاغاني ، 16/ 270.
(64) للتفصيل في التلبيات ينظر : ابن الكلبي ، الاصنام ، ص7 ؛ ابن حبيب ، المحبر ، ص311 ـ 318 ؛ اليعقوبي ، تاريخ ، 1/ 225 ـ 226 ؛ قطرب ، ابي علي محمد بن المستنير ( 206هـ ) ، الازمنة وتلبية الجاهلية ( قبل الاسلام ) ، تحقيق : حنا جميل ، المنار ، ( الاردن ، 1985 ) ، ص 115 ـ 125.
(65) دروزة ، تاريخ الجنس البشري ، 5/ 289 .
(66) الحمس : قبائل من العرب قد تشددت في دينها فكانت لا تستظل ايام منى ولا تدخل البيوت من ابوابها وهم قريش كلها : كنانة وما ولدت الهون بن خزيمة والغوث وثقيف ، وخزاعة وعدوان وبنو ربيعة بن عامر بن صعصعة . ينظر : البكري ، معجم ، 1/ 245 ؛ ابن منظور ، لسان العرب ، 6/57 مادة ( حمس ) ؛ ابن دريد ، الاشتقاق ، ص153 .
(67) ابن الاثير ، الكامل ، 1/ 266 .
(68) الازرقي ، اخبار مكة ، 1/ 113 .
(69) ابن حبيب ، المحبر ، ص178 ؛ اليعقوبي ، تاريخ ، 1/ 297 .
(70) سورة البقرة 2، الآية 189. ينظر: تفسير ابن كثير، 1/ 225.
(71) ابن حبيب، المنمق ، 143 ـ 144 ؛ ابن هشام ، السيرة ، 1/ 199 ؛ الازرقي ، اخبار مكة ، 1/ 176 .
(72) ابن دريد ، الاشتقاق ، ص282.
(73) ابن هشام، السيرة، 1/ 200.
(74) الازرقي ، اخبار مكة ، 1/ 299 .
(75) محمد عزة دروزة ، عصر النبي ، ص439 .
(76) دروزة ، عصر النبي ، ص432 .
(77) ابن حبيب ، المحبر ، ص327 ـ 328 ؛ اليعقوبي ، تاريخ ، 2/ 10ـ 11
(78) الالوسي ، بلوغ ، 2/ 297 .
(79) الالوسي ، بلوغ ، 2/297 .
(80) محمد عبد المعيد ، الاساطير العربية ، ص51 .
(81) سورة الاعراف 7 ، الاية 197 ـ 198 .
(82) سورة ابراهيم 14، الاية 35 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|