أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-08-2015
1677
التاريخ: 11-4-2018
4102
التاريخ: 20-11-2014
704
التاريخ: 20-11-2014
686
|
اتفقت الإمامية (1)، والمعتزلة على " إنا فاعلون " وادعوا الضرورة في ذلك. فإن كل عاقل لا يشك في الفرق بين الحركات الاختيارية والاضطرارية، وأن هذا الحكم مركوز في عقل كل عاقل، بل في قلوب الأطفال والمجانين. فإن الطفل لو ضربه غيره بآجرة تؤلمه، فإنه يذم الرامي، دون تلك الآجرة ، ولو لا علمه الضروري بكون الرامي فاعلا دون الآجرة لما استحسن ذم الرامي دون الآجرة، بل هو حاصل في البهائم..
قال أبو الهذيل: (حمار بشر أعقل من بشر، لأن الحمار إذا أتيت به إلى جدول كبير، فضربته، لم يطاوع على العبور، وإن أتيت به إلى جدول صغير جاز، لأنه فرق بين ما يقدر عليه، وما لا يقدر عليه، وبشر لا يفرق بينهما، فحماره أعقل منه).
وخالفت الأشاعرة في ذلك، وذهبوا إلى أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى (2)
فلزمهم من ذلك محالات:
مكابرة الجبرية بضرورة العقل
منها: مكابرة الضرورة، فإن العاقل يفرق بالضرورة بين ما يقدر عليه، كالحركة يمنة ويسرة، والبطش باليد، وبين الحركة الاضطرارية، كالوقوع من شاهق، وحركة المرتعش، وحركة النبض.
ويفرق بين حركات الحيوان الاختيارية، وحركات الجماد، ومن شك في ذلك فهو سوفسطائي، إذ لا شيء أظهر عند العاقل من ذلك، ولا أجلى منه.
يلزم الجبرية إنكار الأحكام الضرورية
ومنها: إنكار الحكم الضروري، من: حسن مدح المحسن، وقبح ذمه، وحسن ذم المسيء، وقبح مدحه.
فإن كل عاقل يحكم بحسن مدح من يفعل الطاعات دائما، ولا يفعل شيئا من المعاصي، ويبالغ بالاحسان إلى الناس، ويبذل الخير لكل أحد، ويعين الملهوف، ويساعد الضعيف، وإنه يقبح ذمه، ولو شرع أحد في ذمه.
باعتبار إحسانه عده العقلاء سفيها، ولامه كل أحد.. ويحكمون حكما ضروريا بقبح مدح من يبالغ في الظلم، والجور، والتعدي، والغضب، ونهب الأموال، وقتل الأنفس، ويمتنع من فعل الخير وإن قل، وأن من مدحه على هذه الأفعال عد سفيها، ولأمه كل عاقل.
ونعلم ضرورة قبح المدح والذم على كونه طويلا أو قصيرا، أو كون السماء فوقه، والأرض تحته، وإنما يحسن هذا المدح والذم لو كان الفعلان صادرين عن العبد، فإنه لو لم يصدر عنه لم يحسن توجه المدح والذم إليه (3).
والأشاعرة لم يحكموا بحسن هذا المدح والذم، فلم يحكموا بحسن مدح الله تعالى على إنعامه، ولا الثناء عليه، ولا الشكر له، ولا بحسن ذم إبليس، وسائر الكفار، والظلمة، المبالغين في الظلم، بل جعلوهما متساويين في استحقاق المدح والذم.
فليعرض العاقل المنصف من نفسه هذه القضية على عقله، ويتبع ما يقوده عقله إليه، ويرفض تقليد من يخطيء في ذلك، ويعتقد ضد الصواب، فإنه لا يقبل منه غدا يوم الحساب. وليحذر من إدخال نفسه في زمرة الذين قال الله تعالى عنهم: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} [غافر: 47] ؟.
يلزم الجبرية قبح التكليف
منها: أنه يقبح منه تعالى حينئذ تكليفنا فعل الطاعات، واجتناب المعاصي، لأنا غير قادرين على ممانعة القديم، فإذا كان الفاعل للمعصية فينا هو الله تعالى، لم نقدر على الطاعة، لأن الله تعالى إن خلق فينا فعل الطاعة كان واجب الحصول، وإن لم يخلقه كان ممتنع الحصول.
ولو لم يكن العبد متمكنا من الفعل والترك كانت أفعاله جارية مجرى حركات الجمادات، وكما أن البديهة حاكمة بأنه لا يجوز أمر الجماد، ونهيه، ومدحه، وذمه، وجب أن يكون الأمر كذلك في أفعال العباد، ولأنه تعالى يريد منا فعل المعصية، ويخلقها فينا، فكيف نقدر على ممانعته؟
ولأنه إذا طلب منا: أن نفعل فعلا، ولا يمكن صدوره عنا، بل إنما يفعله هو، كان عابثا في الطلب، مكلفا لما لا يطاق، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
يلزم الجبرية كونه تعالى ظالما
ومنها: أنه يلزم أن يكون الله سبحانه أظلم الظالمين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لأنه إذا خلق فينا المعصية، ولم يكن لنا فيها أثر البتة، ثم عذبنا عليها، وعاقبنا على صدورها منه تعالى فينا، كان ذلك نهاية الجور والعدوان، نعوذ بالله من مذهب يؤدي إلى وصف الله تعالى بالظلم والعدوان!. فأي عادل يبقى بعد الله تعالى، وأي منصف سواه، وأي راحم للعبد غيره، وأي مجمع للكرم والرحمة، والإنصاف عداه، مع أنه يعذبنا على فعل صدر عنه، ومعصية لم تصدر عنا بل منه.
يلزم الجبرية نفي ما علم ثبوته وإثبات ما علم نفيه بالضرورة
ومنها: أنه يلزم تجويز انتفاء ما علم بالضرورة ثبوته.
وبيانه. أنا نعلم بالضرورة: أن أفعالنا إنما تقع بحسب قصودنا ودواعينا، وتنتفي بحسب انتفاء الدواعي، وثبوت الصوارف.
فإنا نعلم بالضرورة أنا متى أردنا الفعل، وخلص الداعي إلى إيجاده، وانتفى الصارف، فإنه يقع، ومتى كرهناه لم يقع. فإن الإنسان متى اشتد به الجوع، وكان تناول الطعام ممكنا، فإنه يصدر منه تناول الطعام، ومتى اعتقد أن في الطعام سما انصرف عنه، وكذا يعلم من حال غيره ذلك، فإنا نعلم بالضرورة: أن شخصا لو اشتد به العطش ولا مانع له من شرب الماء فإنه يشربه بالضرورة، ومتى علم مضرة دخول النار لم يدخلها، ولو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى جاز أن يقع الفعل، وإن كرهناه، وانتفى الداعي إليه، ويمتنع صدوره عنا وإن أردناه وخلص الداعي إلى إيجاده على تقدير أن لا يفعله الله تعالى، وذلك معلوم البطلان، فكيف يرتضي العاقل لنفسه مذهبا يقوده إلى بطلان ما علم بالضرورة ثبوته؟.
ومنها: أنه يلزم تجويز ما قضت الضرورة بنفيه، وذلك لأن أفعالنا إنما تقع على الوجه الذي نريده ونقصده، ولا يقع منا على الوجه الذي نكرهه، فإنا نعلم بالضرورة: أنا إذا أردنا الحركة يمنة، لم تقع يسرة، ولو أردنا الحركة يسرة لم تقع يمنة، والحكم بذلك ضروري، فلو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى، جاز أن تقع الحركة يمنة، ونحن نريد الحركة يسرة، وبالعكس. وذلك ضروري البطلان.
الجبرية يخالفون نصوص القرآن
ومنها: يلزم مخالفة الكتاب العزيز، ونصوصه، والآيات المتضافرة فيه، الدالة على استناد الأفعال إلينا...
ولنقتصر ... على وجوه قليلة، دالة على أنهم خالفوا صريح القرآن، ذكرها أفضل متأخريهم، وأكبر علمائهم فخر الدين الرازي (4)، وهي عشرة:
الأول: الآيات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد:
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [مريم: 37] ، {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79]، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: 116]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53]، {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } [المائدة: 30]، {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] ، {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] " {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ } [إبراهيم: 22].
الثاني: ما ورد في القرآن من مدح المؤمن على إيمانه، وذم الكافر على كفره، ووعده بالثواب على الطاعة، وتوعده بالعقاب على المعصية، كقوله تعالى:
{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [غافر: 17] ، {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] ، { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } [النجم: 37] ، {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [النجم: 38] ، {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15] ، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] ، {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 90] ، {نْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160] ، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه: 124] ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [البقرة: 86] ، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } [آل عمران: 90]
الثالث: الآيات الدالة على أن أفعال الله تعالى منزهة عن أن تكون مثل أفعال المخلوقين، في التفاوت، والاختلاف، والظلم. قال الله تعالى:
{ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3] ، { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة: 7] ، والكفر والظلم ليس بحسن، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الحجر: 85] ، والكفر ليس بحق، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] ، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} [النحل: 118] ، {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17] ، {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا } [النساء: 49].
الرابع: الآيات الدالة على ذم العباد على الكفر والمعاصي كقوله تعالى:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] ، والانكار والتوبيخ مع العجز عنه محال.
ومن مذهبهم: (أن الله خلق الكفر في الكافر، وأراده منه، وهو لا يقدر على غيره) (5)، فكيف يوبخه عليه؟ وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} [الكهف: 55] ، وهو إنكار بلفظ الاستفهام، ومن المعلوم: أن رجلا لو حبس آخر في بيت، بحيث لا يمكنه الخروج عنه، ثم يقول: ما منعك من التصرف في حوائجي؟ قبح منه ذلك. وكذا قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا} [النساء: 39] ، {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75] ، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا } [طه: 92] ، {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] ، { فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] ، { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ } [التوبة: 43] ، {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ، وكيف يجوز أن يقول: لم تفعل؟ مع أنه ما فعله، وقوله تعالى: { لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } [آل عمران: 71] ، {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 99].
قال الصاحب بن عباد: كيف يأمر بالإيمان ولم يرده؟، وينهى عن المنكر وقد أراده؟. ويعاقب على الباطل وقدره؟ وكيف يصرفه عن الإيمان؟ ويقول: { فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } [يونس: 32] ، ويخلق فيهم الكفر، ثم يقول:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: 28] ؟ ويخلق فيهم لبس الباطل، ثم يقول: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران: 71] ، وصدهم عن سواء السبيل، ثم يقول: { لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 99] ، وحال بينهم وبين الإيمان، ثم قال: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ} [النساء: 39] ، وذهب بهم عن الرشد، ثم قال: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26] ، وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا، ثم قال: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] ؟.
الخامس: الآيات التي ذكر الله تعالى فيها تخيير العباد في أفعالهم، وتعلقها بمشيئتهم، قال تعالى:
{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29] ، {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] ، {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 105] ، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: 37] ، {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [المدثر: 55] ، {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل: 19] ، {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا } [النبأ: 39].
وقد أنكر الله تعالى على من نفى المشيئة عن نفسه، وأضافها إلى الله تعالى بقوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا } [الأنعام: 148] ، {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20].
السادس: الآيات التي فيها أمر العباد بالأفعال، والمسارعة إليها، قبل فواتها، كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] ، { أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: 31] ، {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ، {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ، {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25] ،{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [الزمر: 55] ، {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: 54] ،.
فكيف يصح الأمر بالطاعة، وللمسارعة إليها، مع كون المأمور ممنوعا، عاجزا عن الاتيان به؟ وكما يستحيل أن يقال فيها للمقعد الزمن: قم، ولمن يرمى من شاهق جبل: احفظ نفسك، فكذا ها هنا.
السابع: الآيات التي حث الله تعالى فيها على الاستعانة به، كقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5] ، {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]، {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ} [الأعراف: 128].
فإذا كان الله تعالى خلق الكفر والمعاصي كيف يستعان، ويستعاذ به.
وأيضا يلزم بطلان الألطاف والدواعي، لأنه تعالى إذا كان هو الخالق لأفعال العباد، فأي نفع يحصل للعبد من اللطف الذي يفعله الله تعالى.
ولكن الألطاف حاصلة، كقوله تعالى: { أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 126] ، { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33] ، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27] ، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [آل عمران: 159] ، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
الثامن: الآيات الدالة على اعتراف الأنبياء بذنوبهم (6)، وإضافتها إلى
أنفسهم، كقوله تعالى:
حكاية عن آدم (عليه السلام)، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] ، وعن يونس (عليه السلام): {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87] ، " وعن موسى (عليه السلام): { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [القصص: 16] ، وقال يعقوب لأولاده:
{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: 18] ، وقال يوسف (عليه السلام): {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } [يوسف: 100] ، وقال نوح (عليه السلام): {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } [هود: 47].
فهذه الآيات تدل على اعتراف الأنبياء بكونهم فاعلين لأفعالهم..
التاسع: الآيات الدالة على اعتراف الكفار والعصاة: بأن كفرهم ومعاصيهم كانت منهم، كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [سبأ: 31]. إلى قوله: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} [سبأ: 32] ، وقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } [المدثر: 42، 43] ، {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } [الملك: 8]... إلى قوله تعالى: {فَكَذَّبْنَا } [الملك: 9] ، وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الأعراف: 37]، {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 39].
العاشر: الآيات التي ذكر الله تعالى فيها ما يحصل منهم من التحسر في الآخرة على الكفر، وطلب الرجعة، قال تعالى: " وهم يصطرخون فيها:
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] ، {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا} [المؤمنون: 99، 100] ، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} [السجدة: 12] ، {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 58].
فهذه الآيات، وأمثالها من نصوص الكتاب العزيز، الذي: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ، فما عذر فضلائهم؟، وهل يمكنهم الجواب عن هذا السؤال: كيف تركتم هذه النصوص ونبذتموها وراءكم ظهريا (7)؟... إلا بأنا طلبنا الحياة الدنيا، وآثرناها على الآخرة؟ وما عذر عوامهم في الانقياد إلى فتوى علمائهم، واتباعهم في عقائدهم؟ وهل يمكنهم الجواب عند السؤال: كيف تركتم هذه الآيات، وقد جاءكم بها نذير، وعمرناكم ما يتذكر فيه من تذكر (8)؟ إلا بأنا قلدنا آباءنا وعلماءنا، من غير فحص، وبحث ولا نظر، مع كثرة الخلاف، وبلوغ الحجة إلينا (9). فهل يقبل عذر هذين القبيلين؟ وهل يسمع كلام الفريقين؟.
ومنها: مخالفة الحكم الضروري، الحاصل لكل أحد، عندما يطلب من غيره: أن يفعل فعلا، فإنه يعلم بالضرورة: أن ذلك الفعل يصدر عنه، ولهذا يتلطف في استدعاء الفعل منه، بكل لطيفة، ويعظه، ويزجره عن تركه، ويحتال عليه بكل حيلة، ويعده، ويتوعده على تركه، وينهاه عن فعل ما يكرهه، ويعنفه على فعله، ويتعجب من فعله ذلك، ويستطرفه ويتعجب العقلاء من فعله، وهذا كله دليل على فعله.
ويعلم بالضرورة: الفرق (10) بين أمره بالقيام، وبين أمره بإيجاد السماوات والكواكب، ولولا أن العلم الضروري حاصل بكوننا موجدين لأفعالنا، لما صح ذلك.
ومنها: مخالفة إجماع الأنبياء والرسل، فإنه لا خلاف في أن الأنبياء أجمعوا على: أن الله تعالى أمر عباده ببعض الأفعال، كالصلاة، والصوم، ونهى عن بعضها، كالظلم، والجور. ولا يصح ذلك إذا لم يكن العبد موجدا، إذ كيف يصح أن يقال له: ائت بفعل الإيمان والصلاة، ولا تأت بالكفر والزنا، مع أن الفاعل لهذه الأفعال، والتارك لها هو غيره، فإن الأمر بالفعل يتضمن الأخبار عن كون المأمور قادرا عليه، حتى لو لم يكن المأمور قادرا على المأمور به، لمرض، أو سبب آخر، ثم أمره، فإن العقلاء يتعجبون منه، وينسبونه إلى الحمق، والجهل، والجنون..
ويقولون: إنك لتعلم: أنه لا يقدر على ذلك، ثم تأمره به!!.
ولو صح هذا لصح أن يبعث الله رسولا إلى الجمادات مع الكتاب، فيبلغ إليها ما ذكرناه، ثم إنه تعالى يخلق الحياة في تلك الجمادات، ويعاقبها لأجل أنها لم تمتثل أمر الرسول، وذلك معلوم البطلان ببديهة العقل.
ومنها: أنه يلزم منه سد باب الاستدلال على وجود الصانع ، على كونه تعالى صادقا، والاستدلال على صحة النبوة، والاستدلال على صحة الشريعة، يفضي إلى القول بخرق إجماع الأمة، لأنه لا يمكن إثبات الصانع إلا بأن يقال: العالم حادث، فيكون محتاجا إلى المحدث، قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا، فمع منع حكم الأصل في القياس، وهو كون العبد موجدا، لا يمكنه استعمال هذه الطريقة، فينسد عليه باب إثبات الصانع (11).
وأيضا إذا كان تعالى خالقا للجميع، من القبايح وغيرها، لا يمتنع منه إظهار المعجز على يد الكاذب. ومتى لم يقطع بامتناع ذلك، انسد علينا باب إثبات الفرق بين النبي، والمتنبي..
وأيضا إذا جاز: أن يخلق الله تعالى القبائح، جاز أن يكذب في إخباره، فلا يوثق بوعده، ووعيده، وإخباره عن أحكام الآخرة، والأحوال الماضية، والقرون الخالية.
وأيضا: يلزم من خلقه القبائح جواز أن يدعو إليها، وأن يبعث عليها، ويحث ويرغب فيها، ولو جاز ذلك جاز أن يكون ما رغب الله تعالى فيه من القبائح، فتزول الثقة بالشرائع، ويقبح التشاغل بها.
وأيضا لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر، والإضلال، ويزينه له، ويصده عن الحق، ويستدرجه بذلك إلى عقابه، للزم في دين الإسلام جواز أن يكون هو الكفر، والضلال، وأنه تعالى زينه في قلوبنا، وأن يكون بعض الملل المخالفة للإسلام هو الحق، ولكن الله تعالى صدنا عنه، وزين خلافه في أعيننا، فإذا جوزوا ذلك لزمهم تجويز ما هم عليه هو الضلال والكفر، وكون ما خصومهم عليه هو الحق، وإذ لم يمكنهم القطع بأن ما هم عليه هو الحق، وما خصومهم عليه هو الباطل، لم يكونوا مستحقين للجواب...
منها: تجويز أن يكون الله تعالى ظالما عابثا، لأنه لو كان الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد، ومنها القبائح، كالظلم، والعبث، لجاز أن يخلقها لا غير، حتى تكون كلها ظلما وعبثا، فيكون الله تعالى ظالما، عابثا، لاعبا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
منها: أنه يلزم إلحاق الله تعالى بالسفهاء والجهال، تعالى الله عن ذلك، لأن من جملة أفعال العباد الشرك بالله تعالى، ووصفه بالأضداد، والأنداد، والأولاد، وشتمه، وسبه، فلو كان الله تعالى فاعلا لأفعال العباد لكان فاعلا للأفعال كلها، ولكل هذه الأمور.. وذلك يبطل حكمته، لأن الحكيم لا يشتم نفسه، وفي نفي الحكمة إلحاقه بالسفهاء، نعوذ بالله من هذه المقالات الردية..
منها: أنه يلزم مخالفة الضرورة، لأنه لو جاز أن يخلق الزنا واللواط، لجاز أن يبعث رسولا هذا دينه. ولو جاز ذلك لجوزنا: أن يكون فيما سلف من الأنبياء من لم يبعث إلا للدعوة إلى السرقة، والزنا، واللواط، وكل القبائح. ومدح الشيطان وعبادته، والاستخفاف بالله تعالى، والشتم له، وسب رسوله، وعقوق الوالدين، وذم المحسن، ومدح المسيء.
يلزم الجبرية كونه تعالى أضر من الشيطان
منها: أنه يلزم أن يكون الله سبحانه أشد ضررا من الشيطان، لأن الله تعالى لو خلق الكفر في العبد، ثم يعذبه عليه، لكان أضر من الشيطان، لأن الشيطان لا يمكن أن يلجئه إلى القبائح، بل يدعوهم إليها، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22].
ولأن دعاء الشيطان هو أيضا من فعل الله تعالى. وأما الله سبحانه فإنه يضطرهم إلى القبائح، ولو كان كذلك لحسن من الكافر: أن يمدح الشيطان، وأن يذم الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ومنها: أنه يلزم مخالفة العقل والنقل، لأن العبد لو لم يكن موجدا لأفعاله لم يستحق ثوابا ولا عقابا، بل يكون الله تعالى مبتدئا بالثواب والعقاب من غير استحقاق منهم، ولو جاز ذلك لجاز منه تعذيب الأنبياء (ع)، وإثابة الفراعنة، والأبالسة، فيكون الله تعالى أسفه السفهاء، وقد نزه الله تعالى نفسه عن ذلك، فقال: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36] ،{أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28].
ومنها: يلزم مخالفة الكتاب العزيز، من انتفاء النعمة عن الكافر، لأنه تعالى إذ خلق الكفر في الكافر لزم أن يكون قد خلقه للعذاب في نار جهنم، ولو كان كذلك لم يكن له عليه نعمة أصلا، فإن نعمة الدنيا مع عقاب الآخرة لا تعد نعمة، كمن جعل لغيره سما في حلواء، وأطعمه، فإنه لا تعد اللذة الحاصلة من تناوله نعمة. والقرآن قد دل على أنه تعالى منعم على الكفار. قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ } [إبراهيم: 28] ، { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77].
وأيضا قد علم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وآله: أنه ما من عبد إلا ولله عليه نعمة، كافرا كان أو مسلما.
ومنها: صحة وصف الله تعالى بأنه ظالم وجائر، لأنه لا معنى للظالم إلا فاعل الظلم، ولا الجائر إلا فاعل الجور، ولا المفسد إلا فاعل الفساد، ولهذا لا يصح إثبات أحدها إلا حال نفي الآخر.
ولأنه لما فعل العدل سمي عادلا، فكذا لو فعل الظلم سمي ظالما، ويلزم: أن لا يسمى العبد ظالما، ولا سفيها، لأنه لم يصدر عنه شئ من هذه!..
منها: أنه يلزم المحال، لأنه لو كان هو الخالق للأفعال، فإما أن يتوقف خلقه لها على قدرتنا ودواعينا، أو لا، والقسمان باطلان.
أما الأول: فلأنه يلزم منه عجزه سبحانه عما يقدر عليه العبد.
ولأنه يستلزم خلاف المذهب، وهو وقوع الفعل منه، والداعي من العبد، إذ لو كان من الله تعالى لكان الجميع من عنده. ولأن القدرة والداعي: إن أثرا فهو المطلوب، وإلا، كان وجودهما كوجود لون الإنسان، وطوله. وقصره. ومن المعلوم بالضرورة: أنه لا مدخل للون، والطول، والقصر في الأفعال. وإذا كان هذا الفعل صادرا عنه جاز وقوع جميع الأفعال المنسوبة إلينا منا.
وأما الثاني: فلأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى أوجد - أي خلق - تلك الأفعال من دون قدرتهم ودواعيهم، حتى توجد الكتابة والنساجة المحكمتان ممن لا يكون عالما بهما، ووقوع الكتابة ممن لا يد له، ولا قلم، ووقوع شرب الماء من الجائع في الغاية، الريان في الغاية، مع تمكنه من الأكل، ويلزم تجويز أن تنقل النملة الجبال، وأن لا يقوى الرجل الشديد القوة على رفع تبنة، وأن يجوز من الممنوع المقيد العدو، وأن يعجز القادر الصحيح عن تحريك الأنملة، وفي هذا زوال الفرق بين القوي والضعيف، ومن المعلوم بالضرورة الفرق بين الزمن والصحيح.
ومنها: تجويز أن يكون الله تعالى جاهلا أو محتاجا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لأن في الشاهد فاعل القبيح: إما جاهل، أو محتاج، مع أنه ليس عندهم فاعلا في الحقيقة، فلأن يكون كذلك في الغائب الذي هو الفاعل في الحقيقة أولى.
ومنها: أنه يلزم منه الظلم، لأن الفعل، إما أن يقع من العبد لا غير، أو من الله تعالى، أو منهما بالشركة، بحيث لا يمكن تفرد كل منهما بالفعل، أو لا من واحد منهما.
والأول: هو المطلوب.
والثاني: يلزم منه الظلم، حيث فعل الكفر، وعذب من لا أثر له فيه البتة، ولا قدرة موجدة له، ولا مدخل له في الايجاد. وهو أبلغ أنواع الظلم!.
والثالث: يلزم منه الظلم، لأنه شريك في الفعل، وكيف يعذب شريكه على فعل فعله هو وإياه؟، وكيف يبريء نفسه من المؤاخذة، مع قدرته وسلطنته، ويؤاخذ عبده الضعيف على فعل فعله هو مثله؟.
وأيضا يلزم منه تعجيز الله تعالى إذ لا يتمكن من الفعل بتمامه، بل يحتاج إلى الاستعانة بالعبد.
وأيضا يلزم المطلوب وهو أن يكون للعبد تأثير في الفعل وإذ جاز استناد أثر ما إليه جاز استناد الجميع إليه، فأي ضرورة تحوج إلى التزام هذه المحالات، فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربهم إلى هذه النقائص، التي نزه الله تعالى نفسه عنها، وتبرأ منها.
ومنها: أنه يلزم مخالفة القرآن العظيم، والسنة المتواترة، والإجماع، وأدلة العقل.
أما الكتاب: فإنه مملوء من إسناد الأفعال إلى العبيد، وقد تقدم بعضها، وكيف يقول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] ، ولا خالق سواه؟، وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] ، ولا تحقق لهذا الشخص البتة، ويقول: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46] ، و {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31] ، { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [الكهف: 7] ، { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21]، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] ، ولا وجود لهؤلاء!..
ثم كيف يأمر وينهى ولا فاعل، وهل هو إلا كأمر الجماد ونهيه؟.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " (12) " نية المؤمن خير من عمله " (13) إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (14) والإجماع: دل على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى، لوجب الرضا به، والرضا بالكفر حرام بالإجماع، فعلمنا أن الكفر ليس من فعله تعالى، فلا يكون من خلقه.
شبهة الأشاعرة في الجبر ...
إعلم أن الأشاعرة احتجوا على مقالتهم بوجهين، هما أقوى الوجوه عندهم، يلزم منهما الخروج عن العقيدة. ونحن نذكر ما قالوا: ونبين دلالتهما على ما هو معلوم البطلان بالضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله.
الأول: قالوا لو كان العبد فاعلا لشيء ما بالقدرة والاختيار، فإما أن يتمكن من تركه، أو لا.
والثاني: يلزم منه الجبر، لأن الفاعل الذي لا يتمكن من ترك ما يفعله موجب لا مختار، كما يصدر عن النار الاحراق، ولا تتمكن من تركه، والأول، إما أن يترجح الفعل حالة الايجاد، أو لا.
والثاني أيضا: أنه يلزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح، لأنهما لما استويا من كل وجه بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، وبالنسبة إلى القادر الموجد، كان ترجيح القادر للفعل على الترك ترجيحا للمساوي بغير مرجح، وإن ترجح، فإن لم ينته إلى حد الوجوب أمكن حصول المرجوح مع تحقق الرجحان وهو محال.
أما أولا، فلامتناع وقوعه حالة التساوي فحالة المرجوحية أولى.
وأما ثانيا، فلأنه مع قيد الرجحان يمكن وقوع المرجوح، فلنفرضه واقعا في وقت، والراجح في آخر، فترجيح أحد الوقتين بأحد الأمرين لا بد له من مرجح غير المرجح الأول، وإلا لزم ترجيح أحد المتساويين بغير مرجح، فينتهي إلى حد الوجوب، وإلا تسلسل، وإذا امتنع وقوع الأثر إلا مع الوجوب، والواجب غير مقدور، ونقيضه ممتنع غير مقدور أيضا، فيلزم الجبر والايجاب، فلا يكون العبد مختارا.
الثاني: أن كل ما يقع، فإن الله تعالى قد علم وقوعه قبل وقوعه، وكل ما لم يقع فإن الله قد علم في الأزل عدم وقوعه، وما علم الله وقوعه فهو واجب الوقوع، وإلا لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا، وهو محال، وما علم عدم وقوعه فهو ممتنع، إذ لو وقع انقلب علم الله تعالى جهلا، وهو محال أيضا، والواجب والممتنع غير مقدورين للعبد، فيلزم الجبر.
الجواب عن شبهة الأشاعرة
والجواب عن الوجهين، من حيث النقض، ومن حيث المعارضة.
أما النقض ففي الأول من وجوه:
الأول: وهو الحق: أن الوجوب من حيث الداعي والإرادة، لا ينافي الامكان في نفس الأمر، ولا يستلزم الايجاب وخروج القادر عن قدرته، وعدم وقوع الفعل بها. فإنا نقول: الفعل المقدور للعبد يكمن وجوده منه، ويمكن عدمه. فإذا خلص الداعي إلى إيجاده، وحصلت الشرائط، وارتفعت الموانع، وعلم القادر خلوص المصالح الحاصلة من الفعل عن شوائب المفسدة البتة وجب من هذه الحيثية إيجاد الفعل، ولا يكون ذلك جبرا، ولا إيجابا بالنسبة إلى القدرة والفعل لا غير.
الثاني: يجوز أن يترجح الفعل فيوجده المؤثر، والعدم فيعدمه، ولا ينتهي الرجحان إلى الوجوب، على ما ذهب إليه جماعة من المتكلمين، فلا يلزم الجبر، ولا الترجيح من غير مرجح.
قوله: (مع ذلك الرجحان لا يمتنع النقيض، فليفرض واقعا في وقت، فترجيح الفعل وقت وجوده يفتقر إلى مرجح آخر). قلنا، ممنوع، بل الرجحان الأول كاف، فلا يفتقر إلى رجحان آخر.
الثالث: لم لا يوقعه القادر مع التساوي، فإن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجح، وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلمين، وتمثلوا في ذلك بصورة وجدانية، كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه، فإنه يتناول أحدهما من غير مرجح، ولا يمتنع من الأكل حتى يترجح لمرجح، والعطشان يحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه، والهارب من السبع إذا عن له طريقان متساويان، فإنه يسلك أحدهما، ولا ينتظر المرجح، وإذا كان هذا الحكم وجدانيا كيف يمكن الاستدلال على نقيضه؟
الرابع: أن هذا الدليل ينافي مذهبهم، فلا يصح لهم الاحتجاج به لأن مذهبهم: أن القدرة لا تصلح للضدين، فالمتمكن من الفعل يخرج عن القدرة لعدم التمكن من الترك، وإن خالفوا مذهبهم: أن القدرة لا تتقدم. على المقدور عندهم، وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل، لزمهم: إما اجتماع الضدين، أو تقدم القدرة على الفعل، فانظر إلى هؤلاء القوم، الذين لا يبالون في تضاد أقوالهم، وتعاندها.
وفي الثاني من وجهين:
الأول: العلم بالوقوع تبع الوقوع، فلا يؤثر فيه، فإن التابع إنما يتبع متبوعه ، ويتأخر عنه بالذات، والمؤثر متقدم.
الثاني: أن الوجوب اللاحق لا يؤثر في الامكان الذاتي، ويحصل الوجوب باعتبار فرض وقوع الممكن، فإن كل ممكن على الاطلاق إذا
فرض موجودا، فإنه حالة وجوده يمتنع عدمه، لامتناع اجتماع النقيضين، وإذا كان ممتنع العدم كان واجبا، مع أنه ممكن بالنظر إلى ذاته.
والعلم حكاية عن المعلوم، ومطابق له، إذ لا بد في العلم من المطابقة، فالعلم والمعلوم متطابقان.. والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، فإنه لولاه لم يكن علما به. ولا فرق بين فرض الشيء، وفرض ما يطابقه بما هو حكاية عنه، وفرض العلم هو بعينه فرض المعلوم، وقد عرفت أن مع فرض المعلوم يجب، فكذا مع فرض العلم به، وكما أن ذلك الوجوب لا يؤثر في الامكان الذاتي، كذا هو الوجوب. ولا يلزم من تعلق علم الله تعالى به وجوبه بالنسبة إلى ذاته، بل بالنسبة إلى العلم.
وأما المعارضة في الوجهين: فإنهما آتيان في حق واجب الوجود تعالى.
فإنا نقول في الأول:
لو كان الله تعالى قادرا مختارا، فإما أن يتمكن من الترك أو لا، فإن لم يتمكن من الترك كان موجبا مجبورا على الفعل، لا قادرا مختارا. وإن تمكن، فإما أن يترجح أحد الطرفين على الآخر أو لا، فإن لم يترجح لزم وجود الممكن المتساوي من غير مرجح، فإن كان محالا في حق العبد كان محالا في حق الله تعالى، لعدم الفرق. وإن ترجح، فإن انتهى إلى الوجوب، لزم الجبر، وإلا تسلسل، أو وقع المتساوي من غير مرجح فكل ما تقولونه ها هنا نقوله نحن في حق العبد.
ونقول في الثاني:
إن ما علمه الله تعالى إن وجب، ولزم بسبب هذا الوجوب خروج القادر منا عن قدرته، وإدخاله في الموجب، لزم في حق الله تعالى ذلك بعينه. وإن لم يقتض سقط الاستدلال.
فقد ظهر من هذا أن هذين الدليلين آتيان في حق الله تعالى، وهما إن صحا لزم خروج الواجب عن كونه قادرا، ويكون موجبا.. وهذا هو الكفر الصريح، إذ الفارق بين الإسلام والفلسفة هو هذه المسألة.
والحاصل: أن هؤلاء إن اعترفوا بصحة هذين الدليلين لزمهم الكفر، وإن اعترفوا ببطلانهما سقط احتجاجهم بهما.
فلينظر العاقل من نفسه: هل يجوز له أن يقلد من يستدل بدليل يعتقد صحته، ويحتج به غدا يوم القيامة؟ وهو يوجب الكفر، والالحاد؟.
وأي عذر لهم عن ذلك؟ وعن الكفر والالحاد؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟، هذه حجتهم تنطق بصريح الكفر على ما ترى. وتلك الأقاويل التي لهم قد عرفت أنه يلزم منها نسبة الله سبحانه إلى كل خسيسة ورذيلة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وليحذر المقلدون، وينظروا كيف هؤلاء القوم الذين يقلدونهم، فإن استحسنوا لأنفسهم بعد البيان والايضاح اتباعهم كفاهم بذلك ضلالا، وإن راجعوا عقولهم، وتركوا اتباع الأهواء، عرفوا الحق بعين الإنصاف، وفقهم الله لإصابة الثواب .
____________
(1) لا يخفى على من تتبع كتب الإمامية: أنهم يبطلون الجبر، خلافا للأشاعرة، ويبطلون التفويض خلافا للمعتزلة، كما استفاض، بل تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام:
" لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين "، فنفوا حقيقة الجبر، وحقيقة التفويض بنفي الجنس فيهما. وفسروا عليهم آلاف التحية والثناء الأمر بين الأمرين: بأنه الملكية الواقعية
(التي لا ترديد في تحققها، بضرورة العقل والوجدان) للقدرة والاستطاعة التي يملكها العباد، بتمليك الله تعالى لهم إياها، وهو أملك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فبإذنه تعالى شأنه يتصرف الإنسان فيه، ويوجد ما اختاره من الفعل أو الترك. قال تعالى:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن: 16] ، وغيرهما من الآيات.
(2) الملل والنحل ج 1 ص 97 شرح العقائد تفتازاني ص 123.
(3) في الطرائف: روي أن رجلا سأل جعفر بن محمد الصادق (ع)، عن القضاء والقدر، فقال: ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه، وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله، يقول الله تعالى للعبد: لم عصيت؟ لم فسقت؟ لم شربت الخمر؟ لم زنيت؟
فهذا فعل العبد، ولا يقول له: لم مرضت؟ لم قصرت؟ لم ابيضضت؟ لم اسوددت؟
لأنه من فعل الله تعالى. (بحار الأنوار ج 5 ص 59).
(4) التفسير الكبير ج 2 ص 43.
(5) قال ابن تيمية، في كتابه مجموعة الرسائل الكبرى ج 1 ص 129، ما خلاصته: قالت الجهمية، والأشعرية: قد علم أن الله خالق كل شئ، وربه، ومليكه. ولا يكون خالقا إلا بقدرته، ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وكل ما في الوجود فهو بمشيئته، وقدرته، هو خالقه، سواء في ذلك أفعال العباد، وغيرها..
وقال الشهرستاني: في الملل والنحل ج 1 ص 96: قال الأشعري: وإرادته واحدة، قديمة أزلية، متعلقة بجميع المرادات، من أفعاله الخاصة، وأفعال عباده، من حيث أنها مخلوقة له، أراد الجميع، خيرها وشرها، ونفعها وضرها، وكما أراد وعلم، أراد من العباد ما علم، وأمر القلم، حتى كتب في اللوح المحفوظ.
(6)... أن الأنبياء منزهون عن الذنوب، والخطأ، والسهو، والنسيان. وهذا الاعتراف من الأنبياء (ع) ليس إلا إظهارا للخضوع، ونهاية العبودية، في مقابل جلال كبريائه تعالى وعظمته، ومن باب ما عبدناك حق عبادتك، فليس مراده من قوله (قدس الله سره): (على اعتراف الأنبياء بذنوبهم): ذنب مخالفة أمر الله تعالى، وعصيانهم له تعالى، بل مراده كما قال عفيف عبد الفتاح طبارة، في كتابه: " مع الأنبياء في القرآن الكريم " ص 21:
وقد يعتبر الأنبياء أنفسهم مقصرين في حق الله، لأنهم أعرف الناس بجلال الله، وعظمته، فيستغفرون الله على تقصيرهم، لا على ذنوب اقترفوها.
(7) إشارة إلى قوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187].
(8) إشارة إلى قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] " فاطر: 37.
(9) قال ابن أبي الحديد في شرح خطبة علي (ع) التي فيها: " هم (يعني آل محمد) عيش العلم، وموت الجهل. يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم.. لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه. هم دعائم الإسلام " - قال-: كما يختلف غيرهم من الفرق، وأرباب المذاهب، فمنهم من له في مسألة قولان، أو أكثر، ومنهم من يقول قولا، ثم يرجع عنه، ومنهم من يرى في أصول الدين رأيا، ثم يتعقبه ويتركه.. (شرح نهج البلاغة ج 3 ص 293).
(10) توضيح ذلك: أن الأمر بالقيام أمر متعلقه فعل الغير، كالأمر بالتكاليف الشرعية، والأمر بالإيجاد أمر متعلقه فعل نفس الأمر، كخلق السماوات والكواكب وغيرها..
(11) توضيحه: أن مختار الأشاعرة: أن الدليل على وجود الصانع، هو الحدوث، فيتوقف إثبات الصانع على قولنا: العالم حادث، وكل حادث محتاج إلى محدث، ولا دليل على الكبرى إلا احتياج أفعالنا إلينا، وقياس سائر الحوادث عليها، في الحاجة إلى محدث، فإذا منع الأشاعرة الأصل، وهو احتياج أفعالنا إلينا، لعدم كوننا موجدين لها، ولم يكن في سواها من الحوادث دلالة على الحاجة إلى المحدث، انسد عليهم باب إثبات الصانع
(راجع: دلائل الصدق ج 1 ص 297).
(12) الجامع الصغير ج 1 ص 156، رقم الحديث: 202 (ط مصر).
(13) كنز العمال ج 3 ص 242 رقم: 2143 و 2142، والجامع الصغير ج 2 ص 585 رقم: 9295.
(14) كنز العمال ج 3 ص 243 رقم 2145.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|