المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



مهارة اللا عنف  
  
1897   11:00 صباحاً   التاريخ: 1-12-2016
المؤلف : د. جمال عبد الفتاح
الكتاب أو المصدر : مهارات الحياة
الجزء والصفحة : ص128-131
القسم : الاسرة و المجتمع / التنمية البشرية /

إذا كان اللا عنف هو احد مسلّمات الحياة الجديدة في عالمنا المعاصر، فأنه هو منذ فجر التاريخ لدى عموم البشرية, وإذا كان الفلاسفة والعظماء والأنبياء والرسل دعاته، فأن المفكرين والعلماء والفلاسفة من المسالمين هم بناة اطره النظرية في عصرنا الحديث، فالصداقة وقبول الآخرين والآلفة والثقة مع الآخرين هو مفتاح مهارة اللا عنف وبه نتعامل مع تغيير شديد وجوهري للصورة والتقنيات التي نكونها عن الآخرين حتى تتسم بالليونة والمرونة عن طريق المهارات والتقنيات الشخصية وأول تلك المهارات هي انه يجب أن تعرف نفسك جيدا قبل أن تستطيع أن ترى الآخرين بمنظار الموضوعية ، وعندما نقول أن تعرف نفسك ، إنما نعني أن تسيطر عليها ويكون لديك الانضباط الذاتي الداخلي, ويقول علماء النفس إن احترام النفس الصادق والحقيقي ينبع من السيادة على النفس ومن الاعتماد الحقيقي على الذات ثم ان الاعتماد على الذات حقيقة صادقة في قبول الآخرين دون النظر إلى انتمائه الفكري أو السياسي أو الديني أو المذهبي أو الطائفي وازاء ذلك يقول علماء النفس من الحماقة محاولة تطوير مهارات العلاقات الإنسانية وتقبل الآخرين ولم تتكون بعد لدينا النية والعزم الصادق في تقبلهم .

ونود أن نقول في هذا الموضع إن تعلم الأساليب والمهارات في تقبل الآخرين تنبع من ذواتنا، وفي ذواتنا نصنع تغييرا في رؤية الآخر، لذا فأن المكان الذي نبدأ فيه بناء أي علاقة ناجحة وصادقة هو من داخل انفسنا أولاً، ومن داخل دائرة نفوذنا وتأثيرنا وشخصيتنا الذاتية ومن ثم بعد ذلك تتكون لدينا القدرة على السيطرة وخلق التواصل في تقبل الآخر المخالف لنا، أي لدينا القدرة في خلق المبادرة مع الآخر .

إننا نتحاور مع انفسنا دائما حول موضوعات عديدة في حياتنا الواقعية ونحكم عليها بالسلب أو الإيجاب دون أن نعلن قراراتنا للآخرين وهو ما يعرف بجدلية الصراع الداخلي والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، هذه الأفكار التي نقمعها احيانا أو نلغي وجودها أحيانا أخرى حتى عن مخيلتنا، تجعلنا أكثر استقرارا وتعطينا بعض الراحة النفسية لا سيما ان قمة الصحة النفسية هو القدرة على تأجيل الاشباعات ولو بعد حين واتخاذ القرارات الملائمة بعد تدقيق، فمهارة اللا عنف تتحقق مع زيادة في التعلم والنمو في الذات وهي خاصية نفسية يتسم بها الكائن البشري دون غيره .

إن البعض منا ممن يتمتع بالصحة النفسية العالية يعد التعلم الذاتي داخل النفس افضل مكان له في اكتساب الخبرات الجديدة من خلال طرد الأفكار السلبية وهي مهارة من مهارات اللا عنف رغم ما بها من الم واحباط ويقول علماء النفس اعظم العقبات التي تأتي من خلال تعلم مهارة جديدة هي من داخل الذات وخصوصا تعلم مهارة التوافق مع الذات ثم مهارة التوافق مع البيئة الخارجية المتمثلة في الالفة والصداقة وتقبل الآخر، نحن على وعي وإدراك بهذا الألم؛ لأنه الم مبرح وقاسي وتساندنا المعرفة السيكولوجية في تأكيدها على أن القدرة على التغلب على الالم هو بقبول الالم ذاته اسوة بقبول السعي وراء اللذة والتغلب على الألم .

إن من أساسيات دراسة علم النفس الاجتماعي هي معرفة الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الناس، لذا فأن القاعدة الذهبية في معرفة الناس تقوم على أساس أن الناس بحاجة إلى الناس، والبشر يقدم كل منهم للآخر اعظم مسرات الحياة وأفراحها وكذلك أتراحها العميقة وربما يكون هذا احد الأسباب في ملاحظة كل منا للآخر ومحاولة فهمه والالتقاء معه والتقارب نحوه حتى غدت الحياة بكل مصاعبها رحلة عابرة يتكيف كل منا معها حسب طريقته في إدراكها لكي يحقق ما يمكن تحقيقه بأقل الخسائر النفسية والجهود المبذولة. أثبتت الدراسات النفسية الاجتماعية أن المساندة الاجتماعية تسهل بالفعل عملية الشفاء من المرض والضغوط النفسية ويبدو على الأفراد الموجودين في مواقف ضاغطة ردود فعل اقل حدة بدنيا حينما يكونون في صحبة الآخرين من الناس .

كما عبرت عن ذلك عالمة النفس (ليندا دافيدوف) ، هذه النتيجة العلمية تتفق مع مهارة اللا عنف عبر استخدام مهارة الالفة مع الآخرين حتى ان الاعتقاد السائد يتحقق من خلال الرؤية التالية وهي أن البشر بامكانهم أن يؤدوا حاجات انسانية إضافية أخرى عند طلب العون والمساعدة ولا يظهر ذلك إلا في مواقف المقارنة الاجتماعية (النخوة والمساندة) .

ومن الدراسات العلمية التي قام بها علماء النفس السلوكيون هي دراسة ادراك الشخص بقولهم لان حياتنا تعتمد بدرجة كبيرة على حياة الآخرين من حيث الالتقاء الإنساني فأننا كبشر نميل إلى كوننا مشاهدين للناس وبالوقت نفسه مشاركين معهم في تفاعلهم الاجتماعي، نؤثر فيهم ويؤثرون فينا حتى انهم وضعوا ما اطلقوا عليه الانطباع الأول في العلاقة الإنسانية المتبادلة بين رجل ورجل أو مرأة ومرأة أو رجل وامرأة أو طفل وطفل وهكذا، وتوصلوا إلى أن الانطباع الأول يثبت في الذاكرة ويؤثر على ادراكنا وهي حقيقة علمية لا جدال فيها رغم ان التحيز المتعلق بالمنطق والجمال الجسمي وطريقة التحدث وتأثير الملبس وقوة الشخصية وعوامل تؤثر في هذا الانطباع وتترك اثارا واضحة في الذاكرة، سلبية كانت أم إيجابية، فالبعض تؤثر انفعالاته ومكوناته الذاتية الداخلية في تقييم اللقاء الأول، والبعض الآخر يضع الحواجز والضبابية في الرؤية بشكل قصدي ويكون اكثر تحيز إلى ذاته بينما آخر يتجنب الحواجز وتكون الرؤية واضحة وناصعة لديه وهو أميل إلى الموضوعية منه إلى الذاتية وهكذا فأن ادراكاتنا للناس قابلة للتحيز وانه ليس من المستبعد والغريب أن نجد الناس يفشلون كثيرا في رؤية بعضهم لبعض وجها لوجه وبدون قيود مصطنعة ويتقابلون بدون رتوش مصطنعة إذا ما توفر عامل مهم جدا وأساس هو الإعجاب فيما بينهم وإذا ما التقت السمات المرغوبة لدى بعضهم البعض فأنه يتحقق هذا التواصل والصداقة .

هذه الآلية في التعامل البشرية يحكمها التعقل الإنساني المتمثل في قمة ادائه في ابداء روح المسالمة والآلفة وقبول الآخر بمدخله الإنساني في اللا عنف وهي مهارة بحد ذاتها يفتقدها الأفراد الذين تزداد لديهم الذاتية العالية والنرجسية ويكون التمركز حول الذات احدى سماتهم المميزة مع انفسهم أولا ومع الآخرين ثانيا، لذا فلا الاعجاب ولا الانجذاب نحو الآخرين يزيد من درجة التقارب والألفة ولا يمكنهم أن يؤصلوا روح المسالمة في نفوسهم، فهم يعيشون حلقة مفرغة في الذات تنعكس بوضوح على العلاقة بالآخرين ويكون نقيضه التام في سلوك ممن يمتلكون روح المسالمة ومهارة تقبل الآخر وهو سلوك الأسوياء، أصحاء النفس .




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.