أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-11-2016
1153
التاريخ: 22-11-2016
831
التاريخ: 22-11-2016
966
التاريخ: 22-11-2016
768
|
الأسباب التي أدت إلى سقوط الأندلس:
ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج:
ولكن - أيها الأحباب - ما جاءت هذه المأساة بين عشية وضحاها، ما حدث بالأندلس عفوا ولا صدفة كلا وحاشا، ولكنها سنة كونية، هناك أسباب أدت إلى هذه المأساة، دعونا نقف مع بعض هذه الأسباب، وسأقتصر على أهم الأسباب، فالأسباب كثيرة ثم بعد ذلك أعرج على بعض الدروس والعبر، وأنبه الإخوة الأحبة: أن كل سبب مما سأذكره، هو بنفسه عبرة وعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
دخل الإسلام على يد طارق بن زياد، وموسى بن نصير عام ثلاثة وتسعين هجرية، ثم في خلال ثلاث سنوات فقط انتشر الإسلام، انتشارا عظيما في الأندلس، ثم بدأ الإسلام يزداد، ويقوى وبدأ عهد الولاة، ثم بدأ عهد الخلافة، ثم بدأ بعد ذلك في عام أربعمائة وعشرين، بدأ عهد الطوائف بعد ثلاثمائة وثلاثين سنة، بدأ عهد الطوائف وبداية عهد الطوائف هي بداية الانحدار في تاريخ الأندلس ثلاثمائة سنة، كانت عهد القوة ولكن بدأ عهد الطوائف، كما قلت ثم تلاه عهد المرابطين الموحدين، أو عهد المرابطين ثم عهد الموحدين، ثم قامت مملكة غرناطة دولة بني الأحمر، واستمرت حتى سقطت في حدود عام ثمانمائة وسبعة وتسعين، هجرية. بعد ثمانمائة عام وزيادة بعد أن بقي الإسلام في هذه البلاد.
أقول: ما هي الأسباب التي أدت ما استمعتم إليه:
أول سبب: نقف أمامه، هو ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج. لما ضعفت العقيدة أيها الأحباب، وانحرف المسلمون عن المنهج، حل بالمسلمين ما حل بهم، وستلحظون الآن ماذا أقصد بالانحراف عن المنهج؟ وكيف ضعفت العقيدة من خلال الأسباب الباقية؟
ومن خلال الأمثلة التي سأذكرها، إنما أشير هنا إلى أبيات يبينها أحد الشعراء في هذا المجال فيقول:
بعدنا وإن جاورتنا البيوت... وجئنا ببعض ونحن صموت
وأنفاسنا سكنت دفعة ... كجهد الصلاة تلاه القنوت
وكنا عظاما فأصبحنا عظاما ... وكنا نقوت فها نحن قوت
وكنا شموس سماء العلا... غربنا فناحت عليها البيوت
أقول لما انحرف المسلمون عن العقيدة، واختل المنهج كان ما كان.
التحالف مع النصارى والخضوع لهم ومجاملتهم:
وهنا نأتي للسبب الثاني، وكل الأسباب تتفرع عن السبب الأول كما ذكرت، وهو التحالف مع النصارى والخضوع لهم ومجاملتهم، من خلال دراستي لتاريخ الأندلس، فجعت أيها الأحباب لماذا؟ لأنني وجدت أن التحالف مع النصارى بلغ ذروة رهيبة أودت بالأندلس، مفهوم الولاء والبراء، مفهوم الحب والبغض مفهوم العقيدة الصحيحة، ضعف في نفوس المسلمين. وضعف في نفوس الولاة، وضعف في نفوس الملوك، فحل بالأندلس ما حل بها.
يقول أحد المؤرخين، وهو عبد الله عنان: يذكر ويبين هذه الحالة، وكان يتحدث عن ابن هود، وكانت تعتور جهوده نفس المثالب القديمة، ما هي المثالب القديمة، التي كانت تصدع دائما من جهود زعماء الأندلسيين، والتي تتلخص في مصانعة النصارى، ومداراتهم ومساومتهم على حساب المصالح الإسلامية.
خذوا مثلا من ذلك، من ذلك قصة أحد الولاة، واسمه أبو زيد هذا الرجل ثار عليه أهل بلنسية، فلما ثاروا عليه، وأرادوا خلعه قام وعقد لواء وذهب إلى ملك النصارى "خاينوي " واتفق معه، وعقد معه معاهدة، وكان من هذه المعاهدة أن يقوم أبو زيد، ويعطي ملك النصارى جزءا من بلاد المسلمين، ويتنازل عن جزء من بلاد المسلمين، وأن يقدم الجزية لملك النصارى، تصوروا؟ المسلم الذي كان يقبض الجزية، أصبح يدفع الجزية في بلاد النصارى، ثم زاد على ذلك بأن اعتنق النصرانية، وأخذ يسير مع حلفائه النصارى في غزواتهم ضد بلاد المسلمين.
ونجد مثلا آخر، ابن الأحمر - أيها الأحبة - عقد معاهدة، مع ملك النصارى مع ملك قشتالة، ما هي هذه المعاهدة؟ معاهدة غريبة محزنة مبكية، نقول لا غرابة إذا سقطت الأندلس، إذا كان الحكام على مثل هذا المستوى من ضعف الولاء والبراء ومن المهادنة لأعداء الله: اتفق معه على أن يحكم ابن الأحمر مملكة غرناطة، باسم ملك قشتالة، وفي طاعته وأن يؤدي له جزية سنوية.
ابن الأحمر ملك من ملوك المسلمين، يقدم الجزية لملك النصارى وأن يعاونه، ابن الأحمر يعاون ملك قشتالة ضد المسلمين، أو ضد أعدائه سواء كانوا من النصارى أو من المسلمين، وأن يقدم إليه عددا من الجند متى وأين طلب ذلك؟ وأن يشهد اجتماع المجلس النيابي القشتالي كواحد من أتباع ملك قشتالة، وسلم ابن الأحمر لملك قشتالة جيان وأرجونة وباركونة وقلعة جابر رهينة، ودليلا على حسن الطاعة وتنازل له - أيضا - عن بعض بلاد المسلمين.
وتستمر المآسي وأمامي أمثلة كثيرة، ولكنني سأختصر - أيها الأحبة - أذكر منها أن ابن الأحمر وفاء لتعهده، قدم لملك أشبيلية، أو عندما حاصر ـ كما يذكر ابن خلدون ـ ملك النصارى أشبيلية، قام ابن الأحمر، وقدم وفقا لتعهده قوة من الفرسان لمعاونة النصارى في حصارهم للحاضرة الإسلامية والاستيلاء عليها.
ملك من ملوك المسلمين، يقدم ويعاون النصارى على حصار البلاد الإسلامية، بل تعدى الأمر ذلك إلى مجاملة النصارى كيف؟ قام ملك قشتالة: ألفونس الحادي عشر، بحصار جبل طارق، وهو تحت أيدي المسلمين، ولكن الله - سبحانه وتعالى - أرسل عليهم وباء فتك بهم، وممن قتل في هذا الوباء ملك النصارى لما فتك بهم الوباء رجعوا إلى بلادهم، أو إلى أشبيلية وهي من بلاد المسلمين، وكان لا بد أن يمروا على غرناطة، فسمح لهم ابن الأحمر، أن يمروا على غرناطة، ولم يتعرض لهم وهل اكتفى الأمر بذلك؟ لا بل إن بعض المسلمين لبس الحداد، الحداد على من؟ على مقتلة النصارى ووفاة ملك النصارى، مجاملة للنصارى.
هذه نماذج مخزية، وسبب رئيس لأسباب سقوط الأندلس؛ لأنهم لم ينتبهوا إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)(1) ولم يفهموا ولم يستمعوا إلى قوله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ)(2) ملوك الأندلس لم يتقوا الله سبحانه وتعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(3) (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)(4) إذا يقول جل وعلا: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)(5).
هنا قضية الولاء والبراء، عدم الاستماع، اتخذوا من الكافرين أولياء، وجعلوهم صنائع ولم يستمعوا إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " حديث حسن وعن ابن عباس قال: قال - صلى الله عليه و[آله و]سلم - " أوثق عرى الإيمان، الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله " وهو حديث حسن ويقول - صلى الله عليه و[آله و]سلم - " لا تقولوا للمنافق سيدا، إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم - عز وجل - " (6) وسنده صحيح، وهؤلاء قالوا للكافر، قالوا للنصراني سيد ويقول، - صلى الله عليه و[آله و]سلم - في الحديث الذي يرويه عن ربه - عز وجل - " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة " (7) هذا السبب - أيها الأحباب - نقف أمامه نعتبر، ونتأمل، ونتذكر، إذا ضعفت العقيدة في نفوس المسلمين حل بهم الهوان، وحلت بهم الذلة، وحل بهم الضعف.
الانغماس في الشهوات والركون إلى الدعة والترف:
ولهذا أقول: من الأسباب البارزة من أسباب سقوط الأندلس، وحلول المأساة التي تحدثت عنها: الانغماس في الشهوات والركون إلى الدعة والترف.
اسمعوا ماذا يقول المؤرخ، وهو مؤرخ نصراني. يقول: "العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاءوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال في الشهوات" هذا نصراني يعترف بالحقيقة. يقول العرب هووا متى؟ عندما ذهبوا، ولجئوا إلى المعاصي، ونسوا الأهداف التي جاءوا بها ويقول شوقي أبو خليل، واسمعوا إلى هذه الكلمات المعبرة: "والحقيقة تقول: إن الأندلسيين في أواخر أيامهم، ألقوا بأنفسهم في أحضان النعيم، وناموا في ظل ظليل من الغنى الواسع والحياة العابثة، والمجون وما يرضي الأهواء من ألوان الترف الفاجر، فذهبت أخلاقهم كما ماتت حميتهم وحمية آبائهم البواسل، وغدا التهتك عن أي شيء يتحدث؟ عن أي قرن يتحدث؟ عن أي زمن يتحدث؟ وغدا التهتك والخلاعة والإغراق في المجون، واهتمام النساء بمظاهر التبرج والزينة بالذهب واللآلئ، من أبرز المميزات أيام الاضمحلال، لقد استناموا للشهوات والسهرات الماجنة والجواري الشاديات. وإن شعبا يهوي إلى هذا الدرك من الانحلال والميوعة، لا يستطيع أن يصمد رجاله لحرب، أو جهاد.
وخذوا بعض الأمثلة على هذا الأمر ذكر عدد من المؤرخين، أن أسباب مقتل ابن هود، أنه تنازع هو ونائبه ووزيره في المرية، محمد الرميمي، بسبب النزاع على جارية نصرانية، كل منهم يريدها لنفسه، والعدو يتربص بهم، فقام الوزير، ودس من قتل ملك المسلمين أحد ملوك الطوائف: ابن هود، بسبب فتاة، جارية نصرانية.
ويقول عبد الله عنان في نهاية الأندلس، لم يلبث أبو الحسن، وهو أحد ملوك بني الأحمر، بل من آخرهم، أحد زعماء غرناطة، بل ومن آخرهم أن ركن إلى الدعة وأطلق العنان لأهوائه وملاذه، وبذر حوله بذور السخط والغضب، بما سار به في شئون الرعية والدولة، وما أثقل به كاهلهم من صنوف المغارم وما أغرق فيه من دروب اللهو والعبث، وهكذا عادت عوامل الفساد والانحلال والتفرق الخالدة، تعمل عملها الهادم، وتحدث آثارها الخطرة " ثم يقول: " ذلك أن أبا الحسن ركن في أواخر أيامه إلى حياة الدعة، واسترسل في أهوائه وملاذه، واقترن للمرة الثانية بفتاه نصرانية رائعة الحسن، أخذت سبية في إحدى المعارك، واعتنقت الإسلام كما يقولون؛ ولهذا حل بالأندلس ما حل بها، وانشغل المسلمون في بناء القصور، وبناء الدور، وبناء المزارع والبساتين، وعدوهم يعبث، ويعمل عمله الرهيب حتى أتاهم على حين غرة.
دخلنا الأندلس - أيها الأحباب - عندما كان نشيد طارق في العبور الله أكبر، وبقينا فيها زمنا بهمة عبد الرحمن الداخل، الذي قدم إليه الخمر؛ ليشرب فقال: إنني محتاج لما يزيد في عقلي لا لما ينقصه، فعرف الناس من ذلك قدره، ولما أهديت إليه جارية حسناء، فقال: بعد أن نظر إليها، إن هذه الجارية من القلب والعين بمكان، فإن أنا انشغلت عنها بمهمتي ظلمتها، وإن لهوت بها عن مهمتي ظلمت مهمتي، ومهمته الجهاد لا حاجة لي بها الآن، فقالوا: إن الأمير ذو همة، وبهذا بقينا في الأندلس، ولكن متى أضعنا الأندلس، أضعنا الأندلس عندما كان نشيد المسلمين:
دوزن العود وهات القدح ... راقت الخمرة والورد صحا
فقدنا الأندلس عندما كان مغنيهم يغني:
قيادي تملكه الجهاد؟ لا
قيادي قد تملكه الغرام... ووجدي لا يطاق ولا يرام
ودمعي دونه صوب الغوادي... ............................
دمعه دونه صوب الغوادي
............................ ... وشجوي فوق ما يشكو الحمام
إذا ما الوجد لم يبرح فؤادي... على الدنيا وساكنها السلام
وفعلا ذهبت الأندلس، وراحت وعليها السلام؛ لأن هذا وأمثاله هذه كانت حياتهم العابثة، أغاني، لهو، مجون، خلاعة.
نعم - أيها الأحبة - وعندما قصد الإفرنج بلنسية لغزوها في عام ستة وخمسين وأربعمائة هجرية، خرج أهلها للقائهم بلباس الزينة. العدو جاء ليقاتل، ويخرج أهل بلنسية للقاء العدو بثياب الزينة، فكانت الوقعة التي هزم فيها المسلمون هزيمة منكرة حتى قال الشاعر:
لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستموا ... حلل الحرير عليكموا ألوانا
مـــا كان أقبحهم وأحسنكـــــــم بها ... لو لـــم يكن ببطرنة ما كانا
هذه حالة مؤسفة ومؤسية، أقول: عندما أغرق المسلمون في الشهوات في الملذات، في المعاصي كان ما كان، وهذا سبب سأقف معه بعد قليل من الدروس والعبر، إن شاء الله، فانتبهوا له أيها الإخوة.
حال المسلمين، الآن حال محزنة ومؤسفة، لهو وعبث وضياع وأغان إلا من عصم الله سبحانه وتعالى.
هذا سبب واضح وجلي.
إلغاء الخلافة وبداية عهد الطوائف:
أيضا من أسباب سقوط الأندلس: إلغاء الخلافة وبداية عهد الطوائف: عهد الطوائف عهد التفكك، وعهد من السنوات الصعبة من الفرقة والتنافس، والتشتت والضياع. بدأ عندما أعلن ابو الحزم جهور بن محمد بن جهور، إلغاء الخلافة، ويكفي أن نعلم، أنها بلغت دول الطوائف في فترة من الفترات بلغت سبعا وعشرين طائفة، أو إمارة أو دويلة تتنافس فيما بينها، بدل أن كانت الأندلس دولة واحدة تحولت إلى كم؟ إلى سبعة وعشرين دولة.
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
وهذه الطوائف، كانت سببا رئيسا في هذا الجانب؛ ولذلك يقول ابن حزم يصف ملك الطوائف، وما جر على المسلمين، والله يقول ابن حزم رحمه الله، وهو من علماء الأندلس: والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم، لبادروا إليها، من التنازلات، التي قدموها فنحن نراهم يستمدون النصارى، فيمكنونهم من حرب المسلمين لعنهم الله جميعا. يقول ابن حزم وسلط عليهم سيفا من سيوفه.
الاختلاف بين المسلمين:
نجد من الأسباب التي أودت بالأندلس، الاختلاف بين المسلمين:
والخلاف شر - أيها الأحباب - الخلاف لا يأتي بخير أبدا، لما زاد الخلاف بين المسلمين، واستعدى بعضهم على بعض حلت الكارثة، حتى إنهم بدؤوا كما قلت لكم منذ قليل، بدؤوا، يستعدون بعضهم ضد بعض عن طريق ملوك النصارى.
يأتي الرجل من ملوك المسلمين، ويتفق ويحالف الملك النصراني ضد أخيه، ضد أخيه! وهذا أمر محزن جدا، أيها الأحباب، يتقاتلون ويتناحرون على السلطة وعلى الشهوات، واستمر الخلاف بين المسلمين وذهبت الفرقة حتى قال شاعرهم:-
ما بال شمل المسلمين مبدد... فيها وشمل الضد غير مبدد
ماذا اعتذاركم غدا لنبيكم ... وطريق هذا العذر غير ممهد
إن قال لم فرطتمو في أمتي ... وتركتموهم للعدو المعتدي
تالله لو أن العقوبة لم تخف ... لكفى الحياء من وجه ذاك السيد
يقول: ألا تستحون من الله سبحانه وتعالى، ألا تستحون عندما تقابلونه وغدا سيسألكم الرسول الله - صلى الله عليه و[آله و]سلم - عن تفريطكم بأمتكم؛ ولذلك استمر الخلاف، حتى كان بنو وطاس، ينتمون إلى بطن من بطون بني مرين، وينافسونهم في طلب الرياسة والملك، فلما اشتدت وطأتهم على السلطان عبد الحق، بطش بهم وقتل معظم رؤسائهم ونجا بعضهم، وتفرقوا في مختلف الأنحاء، وأسلم عبد الحق زمام دولته إلى اليهود، فبغوا وعاثوا في الدولة كعادتهم. تصوروا طرد وزراءه وطرد أبناء عمه، وطرد المسلمين وقتلهم وسلم الدولة لمن؟ سلمها لليهود، ونتساءل لماذا سقطت الأندلس؟.
تخلي بعض العلماء عن القيام بواجبهم:
أيضا، قفوا معي - أيها الأحبة - مع هذا السبب المهم من أسباب سقوط الأندلس: تخلي بعض العلماء عن القيام بواجبهم:
إذا تخلى العلماء عن القيام بواجبهم، فعلى الأمة العفاء، إذا تشاغل العلماء، إذا تكاسل العلماء، إذا لهى العلماء حل بالأمة الدمار، وهكذا كانت الأندلس، تشاغل كثير من العلماء بشئونهم الخاصة عن شئون أمتهم:
يقول المقري: من جملة تغفل أهل الأندلس أن العدو أطل عليهم، يجوس خلال الديار، ويقطع كل يوم طرفا ويبيد أمة، والباقون منهم صموت عن ذكر إخوانهم، لهاة عن بثهم ما يسمع بمسجد من مساجدهم مذكر لهم، أو داع فضلا عن نافر إليهم أو ماش، يقول حتى في المساجد، ما كان العلماء يذكرون الولايات، التي تسقط من ولايات المسلمين، ويقول آخر وسبب انصراف عدد من العلماء بدراساتهم إلى العناية المبالغة بالفقه المذهبي وفروعه، يقول من أسباب سقوط الأندلس: أن عددا من علماء المغرب، وما يحدث بالمغرب ينعكس على الأندلس، انشغلوا عن أمتهم بالخلافات، انشغلوا بالخلافات الفرعية.
أتعلمون - أيها الأحبة - عندما دخل الفرنسيون إلى سوريا، ماذا كان يحدث كان العلماء، يختلفون عند ماذا؟ هل هم يختلفون في قضية محاربة الفرنسيين؟ لا. هل يجوز أن يتزوج الشافعي من حنفية؟ أو يأخذ الحنفي شافعية، كأنها من أهل الكتاب، والفرنسيون يبسطون نفوذهم على ماذا؟ على الشام.
وفي الأندلس ضاعت الأندلس، لما انشغل كثير من العلماء، كما يقول هذا المؤرخ في الخلافات والقضايا الفرعية عن مشكلات أمتهم، سافرت إلى بعض بلاد المسلمين، والتقيت ببعض علمائهم، وهذا مما رأيت، الأمة تجدها في ذلك البلد تعاني معاناة مرة من واقع سياسي مؤلم، والعلماء قد انشغلوا في قضايا فرعية.
خذوا مثلا، مثل قريب في بلد من البلاد الإسلامية. كان المسلمون يقتلون ويعذبون كما عذب أهل الأندلس، والشيخ يجلس في درسه، ويقول - وهو من أكبر مشايخ هذا البلد - يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى بعد أمتار تقام مذابح جماعية للمسلمين: مسألة: إذا نبت للمرأة لحية هل يجوز أن تحلقها أم لا؟ هذه قضية واقعة ومتصلة السند.
إذا تساهل العلماء، وتخلوا عن واجبهم حل بالأمة النكبة والدمار، وهكذا أقول تخلى بعض علماء الأندلس، عن واجبهم فحل ما حل اسمعوا ماذا يقول ابن حزم:
- يقول: ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم.
سبحان الله! ما أدق هذا التوصيف من ابن حزم هذا سبب، ولعل لي عودة أيضا مرة أخرى، حول هذا الموضوع، ولكنني أذكر سببا آخر، وهو سبب مهم جدا يرتبط بهذا السبب.
وهو أن بعض علماء الأندلس كأبي الوليد الباجي، ومحمد بن حزم، وابن عبد البر وغيرهم قاموا ببعض واجبهم، أو نقول قاموا بواجبهم تجاه أمتهم، ولكن المأساة وهو سبب مهم: عدم سماع ملوك الطوائف لنصح العلماء وتحذيرهم، إذا لم يسمع ولاة الأمور إلى نصح العلماء وإلى تحذيرهم؛ حلت الأمة الكارثة.
ملوك الطوائف، ما كانوا يستمعون لنصح العلماء كأبي الوليد الباجي، كما قلت وابن حزم وابن عبد البر وغيرهم؛ ولذلك حدث ما حدث حتى يقول أحد المؤرخين: لكن مع هذه الأحوال، وتلك الصيحات من العلماء، فإن أغلب ملوك الطوائف بقوا في غيهم سادرين، ففوتوا فرصة الالتحام ودفع المصيبة؛ ولذلك جاء أحد الشعراء، يذكر هذه المأساة ببيتين محزنين، يصور فيها حالة العلماء وحالة الفساق، وعبر عن الوجهاء من الفساق بالكلاب قال: وهذه قريته أو مدينته اسمها بسطة، يقول:
الكلب صار ببسطة ... أعلى وأشرف من فقيه
أنـــى فقيه يعتلــي ... لمحلــــه أو يرتقيــــه
ولذلك سقطت الأندلس، لما لم يسمع للعلماء، ولم يسمع لتحذيرهم، ولم يسمع لنصحهم. هذا سبب بارز وجلي أيها الإخوة.
مؤامرات النصارى ومخططاتهم:
أجد من الأسباب سببا، سأذكره، وهو يدور حول عدة قضايا، ولكن سأختصره لكم حول النصارى. هذا السبب يتعلق بمؤامرات النصارى ومخططاتهم نعم من أسباب سقوط الأندلس:
مؤامرات النصارى ومخططاتهم، لقد أحكموا المؤامرة، ودبروا، وخططوا والمسلمون في لهوهم، وعبثهم ومجونهم وقصورهم ودنياهم، فحلت الكارثة.
إذاً تخطيط النصارى سبب رئيس من سقوط الأندلس، حتى يقول أحد المؤرخين وقد وضع "فرناندو" برنامجه المحكم؛ لكي يستغل أسر ملك غرناطة ويستعين به على تنفيذ برنامجه المدمر؛ ولذلك جاء ما يلي:
وحدة كلمة النصارى: وهو سبب من أسباب سقوط الأندلس، في الوقت الذي تحدثنا فيه عن تفرق المسلمين، نجد في المقابل وحدة كلمة النصارى للقضاء على المسلمين حتى يقول "ابن عذارا"، واصفا استعداد النصارى لموقعة العقاب، وهي من المواقع التي هزم فيها المسلمون هزيمة منكرة، وقتل فيها عدة آلاف من المسلمين، يقول هذا المؤرخ: حيث ذكر أن ملك قشتالة بث القسيسين والرهبان من البرتغال إلى القسطنطينية، ينادون في البلاد من البحر الرومي إلى البحر الأخضر، غوثا غوثا، ورحمة رحمة، أي ينادون بني جلدتهم، فجاء عباد الصليب من كل فج عميق ومكان سحيق، وأقبلوا إليه إقبال الليل والنهار من رؤوس الجبال وأسياف البحار، لاحظوا هذه الوحدة بين النصارى.
ويذكر في موضع آخر أن البابا "فرستان الثاني" توسط بين مختلف الأمراء الأسبان، فوفق بينهم، وسرعان ما نسوا خصوماتهم، فتماسكوا وهم يعتقدون جازمين، بأنهم جاءوا من كل أصقاع أوروبا لنصرة دينهم على دين آخر، ونجد أيضا أن اتحاد ملك قشتالة وأراغون بزعامة "فرناندو الخامس" "وإيزابيلا" من أسباب سقوط الأندلس، وعلى يد هذا الملك، وهذه الملكة سقطت الأندلس، حتى إن هذا الرجل الذي هو النصراني فرناندو الخامس تزوج بإيزابيلا، وهي ملكة قشتالة واتحدا في مملكة واحدة لإسقاط الأندلس، وفعلا هما اللذين أسقطا الأندلس، اتحدا اتحادا وصل إلى حد الزواج، ووحدا بين المملكتين، وأصبحت مملكة واحدة، وعلى يديهما سلم ابن الأحمر الأندلس لهما. هذه آثار الاتحاد أيها الأحباب.
غدر النصارى ونقضهم للعهود:
نجد -أيضا - من الأسباب غدر النصارى، ونقضهم للعهود: وهنا أشير إشارة أبين فيها مأساة لاحظتها، من معرفتي بالواقع وقراءتي للتاريخ، هذه المأساة أن كثيرا من الناس بل أقول من بعض، حتى من بعض طلاب العلم، يتصوروا أن اليهود هم الذين يغدرون، أما النصارى فلا، أو على الأقل يقولوا: إن النصارى أقل غدرا وغدرهم قليل، وهذا خطأ رهيب أيها الأحباب، النصارى لا يقلون في الغدر وفى نقض العهد والميثاق عن اليهود، سواء بسواء، والذى يريد أن يفرق بين اليهود والنصارى، ويتصور أن النصارى أقرب إلى المسلمين، أو أنهم يوفون بعهودهم، فقد أخطأ وأقول له استمع إلى قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(8).
إذا كانوا خانوا العهد مع الله - سبحانه وتعالى - هل نأمل منهم أن يفوا بالعهود معنا؟ أسأل هؤلاء الذين يتصورون أن النصارى يوفون بعهودهم، فأقول لهم: ما يسمى بالأمم المتحدة، أو مجلس الخوف من الذي يسيطر عليه؟ هم النصارى.
هل في يوم من الأيام وفوا بعهد من العهود للمسلمين؟ لا، استخدم مجلس الخوف وهيئة الأمم، وعصبة الأمم، قبل ذلك ضد المسلمين؛ ولتفريق المسلمين ولتسليم بلاد المسلمين إلى النصارى.
ومع ذلك خذوا هذه الأمثلة من الأندلس، دخل النصارى " أبدة " ونقضوا العهد المقطوع، واقتحم الجنود النصارى المدينة، وقتلوا من أهلها ستين ألفا، خانوا العهد ونقضوا العهد، وقتلوا ستين ألفا، وسبوا مثلهم أو مثل هذا القدر، وتعترف الرواية النصرانية نفسها بهذه الشناعات، وتقدر من قتل وسبي من أهل "أبدة" بمائة ألف، ويقدر بعضهم أن السبايا وحدهم مائة ألف، وهذا بأمر من أحبارهم وباباواتهم وملوكهم، وعندما احتل الطاغية الأرغوني بلنسية، ووقع المعاهدة رحل عنها عشرات الألوف من أهلها، وحولت المساجد إلى كنائس، ونال المسلمين كل أنواع الاضطهاد، وتقلبوا في فنون الأذى، وتعدى الأحياء إلى الأموات، فنبشت القبور كما ذكر ابن الأبار في التكملة، (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً)(9).
وذكرت لكم منذ قليل أن المعاهدة، التي عقدت لتسليم غرناطة نقضت بعد سبع سنوات فقط، إذا أين من يدافعون، أو يدعون أن النصارى يمكن أن يفوا بعهد؟ إنني أخاطب أولئك، الذين يحسنون الظن في النصارى، فأقول لهم مهلا مهلا يا دعاة التقريب مهلا مهلا يا دعاة التخريب، مهلا مهلا يا من أحسنتم الظن بأعداء الله، فركنتم إليهم، إنكم والله تفعلون أسوأ مما فعل من سبقكم، أولئك الذين أحسنوا الظن في النصارى، وقالوا: إنهم أقرب إلينا ويؤمن إليهم - لا أمنهم الله - النصارى لا أمان لهم، ولا عهد كإخوانهم اليهود (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)(10).
استماتة النصارى في سحق المسلمين:
أختم ما يتعلق بالنصارى - أيها الأحبة - في استماتة النصارى في سحق المسلمين، استمات النصارى استماتة عجيبة في سحق المسلمين، حتى يقول المقري في نفح الطيب، واصفا استعداد النصارى لإحدى المعارك وجاء الطاغية " دون بطرة " في جيش، لا يحصى، ومعه خمسة وعشرون ملكا، وذهب إلى طليطلة، ودخل على مرجعهم البابا، وسجد له وتضرع وطلب منه استئصال ما بقي من المسلمين في الأندلس، وأكد عزمه على ذلك. عهد لاستئصال المسلمين، ومع كل أسف أقول وفى بعهده واستأصل المسلمين.
ويقول " لوبون" في حضارة العرب: والحق ما شهدت به الأعداء (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا)(11)
اسمعوا ماذا يقول: إن الراهب " بليدة" أبدى ارتياحه لقتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة، كانت مؤلفة من مائة وأربعين ألف مهاجر مسلم، حينما كانت متجهة إلى إفريقيا، هؤلاء يريدون الهروب من الأندلس، ولكن ما رضي النصارى بهروبهم، قتلوا وهم مائة وأربعين، قتلوا منهم مائة ألف دفعة واحدة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(12) هذا قول الحق جل وعلا.
ولذلك يصور أحد الشعراء مأساة المسلمين، واستماتة النصارى في سحق المسلمين وتقتيل الرجال فيقول:
كم جامع فيها أعيد كنيسة ... فاهلك عليه أسى ولا تتجلد
أسفا عليها أقفرت صلواتها... من قانتين وراكعين وسجد
كم من أسير عندهم وأسيرة... فكلاهما يبغي الفداة ما فدي
كم من عقيلة معشر معقولة ... فيهم تود لو أنها في ملحد
أي: تود لو أنها في القبر.
كم من وليد بينهم قد ود ... من ولداه ودا أنه لم يولد
كم من تقي بالسلاسل موثق ... يبكي لآخر في الكبول مقيد
وشهيد معترك توزعه الردى... ما بين حدي ذابل ومهند
ضجت ملائكة السمـــــــاء لحالهم ... وبكى لهم من قلبه كالجلمد
أفلا تذوب قلـــــــــــــوبكم إخواننا... مما دهانا من ردى أو من ردي
كتب الجهاد عليكموا فتبادروا منه ... إلــــــــــــــى الفرض الأحـق الأوكد
وارضــــوا بإحــــــــدى الحسنيين ... وأقرضوا حسنا تفوزوا بالحسان الخرد
هذه حالة النصارى، وهذه مأساتهم، وهذه خططهم؛ ولذلك نجد أيضا من أبرز الأسباب التخاذل عن نصرة من يحتاج إلى النصرة، والمسلمون تخاذلوا عن نصرة بعضهم بعض، والعجيب أنه في الوقت الذي كان النصارى ينصر بعضهم بعضا، كان النصارى، يأكلون بلاد المسلمين مدينة مدينة، ودولة أو قرية قرية، والمسلمون يتفرجون، فعدم التعاون وصل إلى ما وصل، وكأنهم لم يستمعوا إلى قول الرسول - صلى الله عليه و[آله و]سلم - " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " (13) ولم يستمعوا إلى قوله - صلى الله عليه و[آله و]سلم - " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره " (14) رواه مسلم.
الرضا بالخضوع وعدم الاستقرار السياسي وتقديم المصالح الشخصية:
أختم هذه الأسباب بأسباب سريعة، أسباب سقوط الأندلس فأقول:
1- الرضى بالخضوع والذل تحت حكم النصارى؛ لأن بعض المسلمين بقوا تحت حكم النصارى، وهم المدجنون، ولم يستمعوا إلى قول الرسول - - صلى الله عليه و[آله و]سلم - " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " (15) رواه الترمذي وأبو داود وسنده، وهو حديث حسن.
2- عدم الاستقرار السياسي، من الأسباب عدم الاستقرار السياسي وكثرة الفتن والمؤامرات، ومثال على ذلك أن مملكة غرناطة في خلال سنوات محدودة - أيها الأحباب - حكمها قرابة ثلاثين حاكما، ثلاثين حاكما، حكمها، اضطراب، بعضهم لم يحكم إلا عدة أشهر، وبعضهم عدة سنوات، وبعضهم حكم سنوات معدودة، الاضطراب السياسي يؤدى إلى النهاية المدمرة كما حدث.
آخر هذه الأسباب: تقديم المصالح الشخصية على مصالح المسلمين، وغلبة الأنانية - ويا أحبتي - هذا السبب جوهري، سبب مهم، أنني ألحظ في بلاد المسلمين - الآن - من غلبت عليهم مصالحهم الشخصية، تأتيه، وتحدثه عن واقع المسلمين، تحدثه عن المآسي، تحدثه عن الفواجع، ولا يتحرك!!
يفكر في وظيفته، يفكر في راتبه، يفكر في مصلحته لو أتي في دنياه؛ لأقام الدنيا، ولم يقعدها، أما في أمور المسلمين، فلا، إن أحسن أحواله أن يسترجع بل بعضهم يخذل، أقول: هذا ما حل بالأندلس.
مما حل بالأندلس - أيها الأحبة - أنهم قدموا مصالحهم الشخصية على مصالح المسلمين وغلبة الأنانية وحب الذات، فسقطت الأندلس.
هذه - أحبتي الكرام - أبرز الأسباب فيما يتعلق بسقوط الأندلس، وهي أسباب مهمة تحتاج إلى تأمل ووقفة واعتبار.
ثالثاً: دروس وعبر:
دور العلماء
أنتقل بعدها إلى ذكر بعض الدروس والعبر، وكل ما ذكرته من أسباب هي دروس وعبر، فاستمعوا - بارك الله لي ولكم - إلى هذه الدروس، عسى أن نتعظ ونعتبر، حتى لا يحل بالمسلمين ما حل بغيرهم فأقول:
من أبرز الدروس: دور العلماء: وذكرت لكم أن من أسباب سقوط الأندلس، عدم قيام بعض العلماء بواجبهم، ومع ذلك فإننا نجد أن هناك من قام بواجبه والعلماء هم سراج الأمة. إننى أوجه حديثي مرة أخرى، فأقول لعلمائنا ولمشايخنا ولطلبة العلم من أمثالكم: الله الله في أمتكم، الله الله أن تفرطوا، مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر - أيها الأحبة - وبهذا نحفظ كيان الأمة، العلماء هم ورثة الأنبياء. كما في الحديث " الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " (16).
يا علماء المستقبل: الأمة بين أيديكم، الأمة تنتظر منكم الشيء الكثير، ليكن لكم في غيركم عبرة وعظة في بلاد المسلمين في الأندلس، وفى غير الأندلس، والله لقد زرت بعض البلاد الإسلامية، فما وجدت للعلماء مكانا ولا قيمة، حتى قال أحد الزعماء الهالكين - أهلكه الله -: مشايخ! أعط أحدهم فرخة، ويعطيك الفتوى التي تريد.
نعم العلماء هم السياج الواقي، هم الحصانة، هم العلاج. إذا قاموا بواجبهم وإذا تخلوا عن واجبهم، فلا يلوموا إلا أنفسهم، إذا تخلوا عن واجبهم عن الرسالة التي اصطفاهم الله لها وأمرهم بها، فسيحل بهم كما قال الرسول - صلى الله عليه و[آله و]سلم - " لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب من عنده، فتدعونه، فلا يستجاب لكم، لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " (17).
يا علماء الأمة، يا علماء المستقبل: الله الله في أمتكم! الله الله أن تنتهك حرمات! الله، وأنتم تنتظرون ماذا تنتظرون؟ إن في بلادنا خيرا كثيرا وعلماؤنا، فيهم الخير الكثير، ولكننا بحاجة إلى المزيد وإلى الصدع بكلمة الحق، ولا تأخذنا في الله لومة لائم، هذا درس أخذته مما حدث في الأندلس.
أيها الأحباب: قلت لكم هناك من وقف كأبي الوليد الباجي وابن عبد البر وأبي حيان الأندلسي وابن حزم وغيرهم، ولكن المأساة أنهم لم يستمع لهم، وهنا أقول: يجب على العلماء أن يؤدوا واجبهم حتى لو لم يستمع لهم (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)(18) (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)(19) " يأتي النبي معه الرهط، يأتي النبي معه الرجل والرجلان، يأتي النبي وليس معه أحد " لكنه لا يمنعه من قول الحق، ومن الدعوة إلى الله، هذا درس مهم من دروس الأندلس، ولنا عبرة ولنا عظة ولنا ذكرى.
__________
(1) - سورة المائدة آية : 51 .
(2) - سورة المائدة آية : 57 .
(3) - سورة المائدة آية : 57 .
(4) - سورة آل عمران آية: 28.
(5) - سورة المجادلة آية : 22 .
(6) - أبو داود : الأدب (4977) وأحمد (5/346) .
(7) - البخاري: الرقاق (6502).
(8) - سورة المائدة آية : 14 .
(9) - سورة التوبة آية : 10 .
(10) - سورة التوبة آية : 10 .
(11) - سورة يوسف آية : 26 .
(12) - سورة البقرة آية : 120 .
(13) - البخاري : المظالم والغصب (2443) والترمذي : الفتن (2255) وأحمد (3/99 ,3/201) .
(14) - مسلم: البر والصلة والآداب (2564) وأحمد (2/277).
(15) - الترمذي : السير (1604) وأبو داود : الجهاد (2645) .
(16) - أبو داود : العلم (3641) والدارمي : المقدمة (342) .
(17) - الترمذي : الفتن (2169) .
(18) - سورة الشورى آية : 48 .
(19) - سورة يوسف آية : 103 .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|