أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-08-2015
943
التاريخ: 2-3-2019
1565
التاريخ: 31-07-2015
982
التاريخ: 9-08-2015
1008
|
ما رأيت كتاباً كتب عن الشيعة إلا واتخذ من عقيدتهم بالمهدي وسيلة للسخرية والتهريج ووضع للفكرة حواشي ورتب عليها لوازم وأشرع سلاحه وتفيهق بكلامه وصال وجال كأنّه اكتشف كشفاً ضخماً وأنّه وحده العبقري وأنّ الآخرين بلهاء، ولنر من أين جاءت فكرة المهدي وهل أخذها الشيعة من مصدر ديني سليم أم لا؟ وهكذا نمشي مع الفكرة، إنّ الذين كتبوا عن المهدي ربطوا مصدر هذه الفكرة بأمرين أحدهما الفكر الوضعي والآخر العقيدة الدينية، والذين ربطوا العقيدة بالفكر الوضعي انقسموا أيضاً. وسنذكر أقوالهم حسب الشق الذي مالوا إليه ورجحوا أنّه المصدر لهذه الفكرة :
1 ـ القسم الأول :
الذين ربطوا الفكرة الإِمام المهدي بالفكرة الوضعي في بعده النفسي يرون أنّ عقيدة المهدوية ليست وقفاً على الفكر الشيعي ولا على المسلمين فقط بل ولا على الديانات السماوية كلها إنما هي على مستوى الشعوب ذلك أنّ العامل المشترك بين كل هذه الفئات هو عامل نفسي موحد: وهو الشعور بوضعية غير عادلة من حكم قائم بالفعل وخزين متراكم من حكام سابقين عاشوا مع شعوبهم على شكل قاهر ومقهور، ومتسلط ومسحوق، ورزحوا تحت نير الظلم والطغيان. ولذا كانت هذه العقيدة عند الشعوب الشرقية ونظائرها ممن يشترك مع الشعوب الشرقية بأنّه مسحوق، وحيث أنّ بعض هذه الشعوب عنده عقيدة دينية تبشر بالمهدي أيضاً: فإنّ هذا العقيدة مهمتها تدعيم هذا العامل النفسي وخلق لون من المشروعية لهذه النزعة في نفوس الناس وهذا هو المعنى الذي عبر عنه برتراند رسل بقوله:
ليس السبب في تصديق كثير من المعتقدات الدينية الإِستناد إلى دليل قائم على صحة واقع كما هو الحال في العلم، ولكنّه الشعور بالراحة المستمد من التصديق فإذا كان الإِيمان بقضية معينة يحقق رغباتي فأنا أتمنى أن تكون هذه القضية صحيحة وبالتالي فأعتقد بصحتها(1).
إذاً فالقدر الجامع بناءً على هذا هو الأمل بظهور مخلّص من واقع سيّئ تعيشه الجماعة، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمود:
إنّ الإِعتقاد بظهور مسيح أو انتظار رجعة مخلص وليد العقل الجمعي في مجتمعات تفكر تفكيراً ثيوقراطياً في شؤونها السياسية، وبين شعوب قاست الظلم ورزحت تحت نير الطغيان، سواء من حكامهم أم من غزاة أجانب، فإزاء استبداد الحاكم وفي ظل التفكير الديني تتعلق الآمال بقيام مخلّص أو محرر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(2).
فهذه العقيدة بالرغم من وجود مصادر دينية لها عند المسلمين واليهود والمسيحيين إلا أنّ هذه المصادر ليست هي العامل الأساسي في نظر هؤلاء بالإِعتقاد بها، وإنّما تعلب دوراً مبرراً ثانوياً، ويرى الدكتور أحمد محمود أنّ عقيدة السنة بالصبر على الظالم وعدم الخروج عليه عمقت نزعة المهدي وتركت الوسط الديني السني الذي يعتقد بموضوع المهدي يعيش بين عامل الألم من الواقع الفاسد الذي عاشه أيام الأمويين وما تلاها من عصور، وبين ضرورة الخلاص، فمال إلى الخلاص في المدى الأبعد الذي وجده في عقيدة المهدي وقد حاول إشراك الشيعة في ذلك باعتبارهم صابرين على الظلم حيث قال:
إنّ هذه العقيدة لا يؤمن بها إلا اولئك الذين يعانون صراعاً نفسياً نتيجة السخط على تصرفات الحكام وعدم استحقاقهم لقب الخلافة لفسقهم، ونتيجة خضوعهم من ناحية ثانية للأمر الواقع أما خشية الفتنة كما هو عند السنة، الذين لا يرون الخروج على أئمة الجور استناداً إلى أدلة عندهم، أو نتيجة للتخاذل بسبب فشل كثير من الحركات الثورية كما هو عند الشيعة الذين يرون الصبر على الخلفاء تقية فعقيدة المهدي مخرج لهذا الصراع، أما الفرق التي تجعل من اُصول مبادئها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف كالخوارج والزيدية : فإنّ هذه العقيدة عندهم غير ذات موضوع، إلى أن قال: ولذا لا تبلغ أهمية المهدي عند فرقة من الفرق كما تبلغ عند الشيعة الإثني عشرية الذين يتطرف حكمهم على الخلفاء من ناحية كما يتطرف تحريمهم الخروج على الخلفاء من ناحية اُخرى(3).
هذا ملخص ما قاله الدكتور أحمد محمود ولنا على مضامين هذا الفصل الملاحضات التالية :
1 ـ الملاحظة الأولى :
أنّ هذا الخلط بين السبب وبعض نتائجه ذلك لأنّ الشعوب المرتبطة بدين معيّن تُربط مظاهرها العقائدية بدينها في الجملة، فإذا لم يوجد مصدر ديني لذلك المظهر يبحث عندئذ عن سببه الآخر، ولا شك أنّ الأديان الثلاثة بشرت بفكرة المخلص وهو إما واحد للجميع يوحد به الله تعالى الأديان في الخلاص من الظلم، أو متعدد لكل اُمة من الاُمم مهديها، والهدف منه ومن التبشير به أن يوضع أمام كل اُمة مثل أعلى يجسد فكرة العدل ولتكون الشعوب على تماس مباشر مع فكرة الخيّرة والمثل الأعلى كما هو متصور فالأصل في فكرة المهدي النصوص الدينية، وساعد على ترسيخها في النفوس ارتياح النفوس إليها، خصوصاً إذا لم تقو على تجسيد العدل لسبب ما. ولكنّها إذ تتخذ من فكرة المهدي وسيلة تعويضية تمسخ الغرض الأصلي من فكرة المهدي وهو أن تكون حافزاً يدفع الناس إلى السعي إلى دفع الظلم وفكرة قيام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر خصوصاً إذا كانت النصوص الدينية قائمة في تحميل الإِنسان مسؤولية الدفاع عن نفسه وعن مقدساته بغض النظر عن قيام المهدي وعدمه كما هو واقع التعاليم الدينية، فلا ينبغي أن تتحول فكرة الإِمام المهدي من نصب مثل أعلى لاستشعار سبل ومناهج الحياة الكريمة إلى مخدر يميت في النفوس نزعات التطلع ووثبات الرجولة، أو من محفز إلى منوم.
2 ـ الملاحظة الثانية:
إنّ إشراك الشيعة مع السنة بأنّهم لا ينهضون ضد الظالم تقية مغالطة صريحة، وذلك لأنّ عامل صبر السنة على الظلم عامل اختياري نتيجة تمسك بأحاديث يرون صحتها في حين أنّ صبر الشيعة على الظلم نتيجة عامل قهري لعدم وجود قدرة ووسيلة للنهضة، وهذا عامل عام عند كل الناس، أما لو وجدت عوامل النهضة فلا ينتظر الشيعة خروج المهدي ليصلح لهم الأمر بدليل أنّ حكم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بشروطهما قائم عندهم فعلاً، وكذلك الجهاد بكل أقسامه بوجود نائب الإِمام الخاص أو العام في رأي بعضهم قائم بالفعل، أما دفاع الظالم عن النفس والمقدسات فلا يشترط فيه وجود إمام أو نائبه على رأي جمهور فقهاء الشيعة لأنّه دفاع عن النفس ويتعين القيام به في كل وقت من الأوقات (4).
إنّ الرجوع إلى تاريخ الشيعة يشكل أدلة قائمة على ما ذكرناه لكثرة ثوراتهم على الباطل في مختلف العصور والجهاد مع باقي فرق المسلمين في ساحات الجهاد ضد الكفر والظلم ولست بحاجة للإِطالة بذلك لوضوحه.
3 ـ الملاحظة الثالثة:
لا ينهض اشتراك الشعوب في عقيدة المهدي دليلاً على وحدة العامل، لأننا نرى كثيراً من المظاهر السلوكية سواء كانت مظاهر دينية أم لا تشترك بها شعوب دون أن تصدر عن علة واحدة.
خذ مثلاً ظاهرة تقديم القرابين فهي عند معتنقي الأديان السماوية شعيرة أمر بها الدين بهدف التوسعة على الفقراء والمعوزين في حين نجدها عند بعض الشعوب بهدف اتقاء سخط الآلهة، وعند البعض الآخر لطرد الأرواح الشريرة وعند البعض الآخر تقدم الضحايا من البشر بهدف استدرار الخير كما هو عند قدماء المصريين، فلم تكن العلة واحدة عند الشعوب كما ترى، إذاً فمن الممكن أن تكون فكرة الإِمام المهدي ليست عملية تعويض أو تنفيس وإنما هي فكرة تستهدف وضع نصب يظل شاخصاً دائماً يذكر الناس بأنّ الظالم قد يمهل ولكنّه لا يهمل لأنّ الناس إذا تقاعسوا عن طلب حقوقهم فإنّ السماء لا تسكت بل لا بد من الإِنتقام على يد مخلص، مع ملاحضة أنّ الأصل في مثل هذه الحالات أن يتصدى الناس لتقويم الإِعوجاج ولذلك يقول الله تعالى: (إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم) الرعد/12 فإذا غلب عليهم التخاذل فإنّ الله تعالى لا يهمل أمر عباده ولذلك تشير الآية الكريمة وهي قوله تعالى: (حتى إذا استيأس الرسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) يوسف/110 وقد حام المفسرون حول هذا المعنى الذي ذكرناه عند تفسيرها للآية المذكورة(5) وذكروا أنّ السماء تتدخل عندما يطول البلاء وتشتد الحالة ويهلع الناس إلى حد اليأس.
2 ـ الشق الثاني:
الذين ربطوا فكرة الإِمام المهدي عليه السلام بالأخذ التقليدي وقالوا إنّها عبارة عن اقتباس أخذه المسلمون عن بعض الشعوب من دون أن يكون هناك عامل شعوري مشترك وسواء اُخذت هذه العقيدة من هذا الشعب أو ذاك فإنّ جولد تسيهر، وفان فلوتن: المستشرقان قالا إنّها مقتبسة من اليهود بشكل وبآخر، ويؤكد فان فلوتن أنّها جاءت من تنبؤات كعب الأحبار ووهب بن منبه فهي من الأفكار الإِسرائيلية التي نشرت بين المسلمين(6).
في حين يذهب أحمد الكسروي إلى أنّها مقتبسة من الفرس حيث يقول:
لا يخفى أنّ قدماء الفرس كانوا يعتقدون بإله خير يسمى يزدن، وإله شرّ يسمى أهريمن، ويزعمون أنّهما لا يزالان يحكمان الأرض حتى يقوم ساوشيانت ابن زرادشت النبي، فيغلب أهريمن ويصير العالم مهداً للخير وقد تأصل عندهم هذا المعتقد فلما ظهر الإِسلام وفتح المسلمون العراق وإيران واختلطوا بالإِيرانيين سرى ذلك المعتقد منهم إلى المسلمين ونشأ بينهم بسرعة غربية ولسنا على بينة من أمر كلمة المهدي من وضعها ومتى وضعت. إنتهى بتلخيص(7).
إنّ هذا الرأي لا يستحق المناقشة في الواقع لأسباب كثيرة منها: افتراضه تساهل المسلمين بحيث يعتقدون باُمور لا يعرفون مصدرها ومنها عدم وجود صلة بين فكرة إلهي خير وشر وفكرة مخلّص، ومنها أنّ حجم مسألة المهدوية ليس بهذه البساطة فالفكرة من الفكر الكبيرة الحجم بالعقيدة الدينية.
3 ـ الشق الثالث:
ربط فكرة المهدي بالفكر الوضعي في بعده السياسي ويقول أصحاب هذه الفكرة أنّ فكرة المهدي اخترعها بعض الحكام الذين حكموا ولم تتوفر فيهم صفات يفترضها المسلمون في الحاكم، فافترضوا أنّ هناك إماماً غائباً محرّراً سيظهر بعد ذلك وقد عهد إليهم بالقيام بالحكم إلى أن يظهر وقالوا إنّ المختار الثقفي ممن سلك هذا الطريق وادعى أنّه منصوب من قبل المهدي من آل محمد، وممن أكد هذا الرأي المستشرق وات (8) وهذا الرأي يضع الأثر مكان المؤثر فإنّ الذين اتخذوا من فكرة المهدي سناداً لهم على فرض وجودهم بهذه الكثرة: لابد أن تكون فكرة المهدي شائعة عند الناس قبل مجيئهم فاستفادوا منها وركبوا ظهر العقيدة، على أنّ نسبة هذا الرأي للمختار باعتباره جزءاً من العقيدة الكيسانية فنّده كثير من المحققين، وحتى مع فرض صحته يبقى متأخراً عن وجود عقيدة المهدي كما ذكرنا. وليس للمختار تلك المكانة الكبيرة عند فرق المسلمين حتى يأخذوا عنه ويتأثروا بآرائه مع التفات المسلمين لهدفه.
_________________
(1) نظرية الإِمامة ص420.
(2) نفس المصدر السابق ص399.
(3) نظرية الإِمامة ص127.
(4) شرح اللمعة للشهيد الثاني 2/381، وكنز العرفان للمقداد 1/342.
(5) صفوة البيان لمخلوق 1/397، ومجمع البيان للطبرسي 3/271.
(6) نظرية الإِمامة ص399.
(7) التشيع والشيعة ص35.
(8) تاريخ الإِمامية وأسلافهم ص165.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|