أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-11-2016
1482
التاريخ: 17-11-2016
562
التاريخ: 27-5-2017
935
التاريخ: 27-5-2017
2251
|
قال عوانة بن الحكم: خرج عبد الملك من دمشق يريد قرقيساء، وفيها زفر بن الحارث الكلابي حتى إذا كان في بعض الطريق رجع عمرو بن سعيد عنه ليلاً ومعه حميد بن حريث بن بحدل الكلابي حتى أتى دمشق وعليها عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي قد استخلفه عبد الملك، فلكا بلغه رجوع عمرو هرب وترك عمله، فدخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنها.
وقال آخرون: كانت هذه القصة في سنة سبعين، وذلك حين سار عبد الملك إلى مصعب نحو العراق، فقال له عمرو بن سعيد: إنك تخرج إلى العراق وقد كان أبوك وعدني هذا الأمر من بعده، وعلى ذلك جاهدت معه، فاجعل لي هذا الأمر من بعدك فلم يجبه، فانصرف راجعاً إلى دمشق فرجع عبد الملك في أثره حتى انتهى إلى دمشق.
قالوا: لما غلب عمرو على دمشق طلب عبد الرحمن بن أم الحكم فلم يصبه، فأمر بداره فهدمت، وصعد المنبر، وقال: لكم علي حسن المؤاساة والعطية. ثم نزل، ولما أصبح عبد الملك فقد عمرو، فسأل عنه فأخبر خبره، فرجع عبد الملك إلى دمشق فاقتتلوا، ثم إن عبد الملك وعمراً اصطلحا وكتبا بينهما كتاباً وأمنه عبد الملك، وذلك عشية الخميس، ثم انه بعث إليه فأتاه في مائة رجل من مواليه، وأمر بحبس من معه وأذن له، فدخل فرأى بني مروان عنده، فأحس بالشر، وأمر عبد الملك بالأبواب فغلقت، فلما دخل عمرو رحب به عبد الملك وقال: ها هنا يا أبا أمية، وأجلسه معه على السرير، وجعل يحدثه طويلاً، ثم قال يا غلام، خذ السيف عنه، فقال عمرو: إنا لله يا أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: أو تطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك، فأخذ السيف عنه، ثم تحدثا ما شاء الله، ثم قال: يا أبا أمية، قال: لبيك، قال: إنك حيث خلعتني آليت إذا أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجمعك في جامعة، فقال بنو مروان: ثم تطلقه يا أمير المؤمنين، قال: ثم أطلقه، وما عسيت أن أصنع بأبي أمية، فقال بنو مروان: أبر قسم أمير المؤمنين، فقال عمرو: وأبر قسمك يا أمير المؤمنين. فأخرج من تحت فراشه جامعة فطرحها إليه، ثم قال: يا غلام قم فاجمعه فيها، فقام الغلام فجمعه فيها، فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رؤوس الناس، فقال عبد الملك: ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس، ثم اجتبذه اجتباذة أصاب فمه السري فكسر ثنيته، فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن يدعوك كسر عظم مني إلى أن تركب ما هو أعظم من ذلك، فقال: والله لو أعلم أنك تبقي علي إن أبقيت عليك أو تصلح قريش لأطلقتك، ولكن ما اجتمع رجلان قط في بلدة على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه.
فلما عرف عمرو ما يريد به، قال: أغدراً يا ابن الزرقاء. فأمر به عبد العزيز بن مروان أن يقتله، فقال إليه بالسيف، فقال له عمرو: أذكرك الله والرحم أن تلي أنت قتلي وأن تولي ذلك من هو أبعد منك رحماً، فألقى السيف وجلس. وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب، ورأى الناس عبد الملك وليس معه عمرو، فجاء إلى باب عبد الملك يحيى بن سعيد ومعه ألف عبد لعمرو فجعلوا يصيحون: أسمعنا صوتك يا أبا أمية، وكسروا باب القصر وضربوا الناس بالسيوف، وضرب عبد من عبيد عمرو يقال له مصقلة الوليد بن عبد الملك ضربة على رأسه، واحتمله إبراهيم بن عربي صاحب الديوان، فأدخله بيت القراطيس، ودخل عبد الملك فوجد عمراً حياً، فقال لعبد العزيز: أخزى الله أمك، وكانت أم عبد العزيز ليلى، وأم عبد الملك عائشة بنت معاوية بن المغيرة...
ثم إن عبد الملك قال: يا غلام ائتني بالحربة، فأتاه بها فهزها ثم طعنه فلم تجز فيه، فضرب بيده إلى عضد عمرو، فوجد مس الدرع، فضحك ثم قال: ودارع أيضاً، يا غلام ائتني بالصمامة، فأتاه بسيفه، ثم أمر بعمرو فصرع، وجلس على صدره فذبحه. وانتفض عبد الملك رعدة، وزعموا أن الرجل إذا قتل ذا قرابة له أرعد.
فحمل عبد الملك عن صدره، فوضع على سريره، ودخل يحيى بن سعيد ومن معه على بني مروان الدار فجرحوهم ومن معهم من مواليهم، فقاتلوا يحيى وأصحابه، وجاء عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس. فألقاه إلى الناس.
وقد قيل أن عبد الملك بن مروان لما خرج إلى الصلاة أمر غلامه أبا الزعيزعة بقتل عمرو، فقتله وألقى رأسه إلى أصحابه.
وأمر عبد الملك بسريره فأبرز إلى المسجد وخرج فجلس عليه، وفقد الوليد فجعل يقول: ويحكم أين الوليد؟ وأبيهم إن كانوا قتلوه فلقد أدركوا بثأرهم، فأتاه إبراهيم بن عربي، فقال: هذا الوليد عندي قد أصابته جراحة وليس عليه بأس. فأتى عبد الملك بيحيى بن سعيد، فأمر به أن يقتل، فقام إليه عبد العزيز، فقال: أذكرك الله يا أمير المؤمنين في استئصال بني أمية وإهلاكها. وأمر بعنبسة فحبس، ثم أتي بعامر بن الأسود الكلبي فضرب عبد الملك رأسه بقضيب خيزران كان معه، ثم قال: أتقاتلني مع عمرو وتكون معه علي؟ قال: نعم لأن عمراً أكرمني وأهنتني، وقربني وأبعدتني، وأحسن إلي وأسأت إلي، فكنت معه عليك. فأمر به عبد الملك أن يقتل، فقام إليه عبد العزيز، فقال: أذكرك الله يا أمير المؤمنين في خالي، فوهبه له، وأمر ببني سعيد فحبسوا، ومكث يحيى في الحبس شهراً أو أكثر. ثم إن عبد الملك صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم استشار الناس في قتله، فقام بعض خطباء الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، هل تلد الحية إلا حية، نرى والله أن تقتله، فإنه منافق عدو. ثم قام عبد الله بن سعد الفزاري، فقال: يا أمير المؤمنين، إن يحيى ابن عمك، وقرابته ما قد علمت، وقد صنعوا ما صنعوا، وصنعت بهم ما قد صنعت، وما أرى لك قتلهم، ولكن سيرهم إلى عدوك، فإن هم قتلوا كنت قد كفيت أمرهم، وإن هم رجعوا رأيت فيهم رأيك. فأخذ رأيه، فأخرج آل سعيد فألحقهم بمصعب بن الزبير.
ثم إن عبد الملك بعث إلى امرأة عمرو الكلبية: ابعثي إلي بالصلح الذي كنت كتبته لعمرو، فقالت لرسوله: ارجع إليه فقل له أني قد لففت ذلك الصلح معه في أكفانه ليخاصمك به عند ربك. ثم جمع أولاده فرق لهم وأحسن جائزتهم.
وكان الواقدي يقول: إنما تحصن في دمشق في سنة تسع وستين، أما قتله إياه فكان في سنة سبعين.
وقال يحيى بن أكثم يرثيه:
أعيني جودا بالدمع على عمرو... عشية تبـــتز الخـــــــلافة بالغدر
كــــأن بني مـــروان إذ يقتلونه ... بغاث من الطير اجتمعن على صقر
لحى الله دنيا تدخل النار أهلها ... وتهتك ما دون المحــــارم من ستر
..........
عبد الملك والغناء:
اجتمع الناس على عبد الملك فكتب إليه ابن عمرو، وأبو سعيد، وسلمة بن الأكوع بالبيعة، وكان عبد الملك يجلس للناس في كل أسبوع يومين.
أخبرنا ابن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن التنوخي، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم المازني، قال: حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: حدثنا أبو العباس الكديمي، قال: أخبرنا السلمي، عن محمد بن نافع مولاهم، عن أبي ريحانة أحد حجاب عبد الملك بن مروان، قال: كان عبد الملك يجلس في كل أسبوع يومين جلوساً عاماً، فبينا هو جالس في مستشرف له وقد أدخلت عليه القصص، إذ وقعت في يده قصة غير مترجمة فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته تغنيني ثلاثة أصوات ثم ينفذ في ما يشاء من حكمه.
فاستشاط من ذلك غضباً، وقال: يا رباح، علي بصاحب هذه القصة، فخرج الناس جميعاً وأدخل عليه غلام كما أعذر الصبيان وأحسنهم، فقال له عبد الملك: يا غلام هذه قصتك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: وما الذي غرك مني، والله لأمثلن بك، ولأردعن بك نظرائك من أهل الجسارة، علي بالجارية، فجيء بجارية كأنها فلقة قمر، وبيدها عود، فطرح لها كرسي وجلست، فقال عبد الملك: مرها يا غلام، فقال: غني لي يا جارية بشعر قيس بن ذريح:
لقد كنت حسب النفس لو دام أو دنا... ولكنما الدنيا متاع غرور
وكنا جميعاً قبل أن يظهر الهوى... بأنعم حالي غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لنا... بطون الهوى مقلوبة بظهور
فغنته وأجادت، فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تخريقاً، ثم قال له عبد الملك: مرها تغنيك الصوت الثاني، فقال: غني بشعر جميل:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذاً لسعيد
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به... مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالباً... ولا حبها فيما يبيد يبيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها... ويحيا إذا فارقتها فيعود
فغنته الجارية وسقط مغشياً عليه ساعة، ثم أفاق، فقال له عبد الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث. فقال: يا جارية غني بشعر قيس بن الملوح:
وفي الجيرة الغادين من بطن وجزة ... غزال غضيض المقلتين ربيب
فـــلا تحسبي أن الغريب الذب نـــأى ... ولكن من تنأين عنـــه غريب
فغنته الجارية، فطرح الغلام نفسه من المستشرف فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع. فقال عبد الملك: ويحه لقد عجل على نفسه، ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل، وأمر فأخرجت الجارية من قصره، ثم سأل عن الغلام، فقالوا: غريب لا يعرف، إلا أنه منذ ثلاث ينادي في السوق ويده على رأسه:
غداً يكثر الباكون منا ومنكم... وتزداد داري من دياركم بعدا
في اختياره ولاته:
وأنبأنا علي بن عبيد الله، عن عبد الصمد بن المأمون، عن إسماعيل بن سعيد، قال: خبرنا أبو بكر الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله، قال: حدثنا محمد بن يزيد بن ريان الكلبي، عن عبد الملك بن عمير، قال : لما اشتدت شوكة أهل العراق وطال وثوبهم بالولاة يحصبونهم ويقصرون بهم أمر عبد الملك، فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطبهم ثم قال: أيها الناس، إن العراق قد علا لهيبها، وسطع وميضها، وعظم الخطب فيها، فجمرها ذكي وشهابها وري، فهل من رجل ينتدب لهم ذي للاح عتيد، وقلب شديد، فيخمد نيرانها، ويبيد شبانها، فسكت الناس، فوثب الحجاج بن يوسف، وقال: أنا يا أمير المؤمنين، قال: ومن أنت؟ قال: الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم القريتين، قال له: اجلس فلست هناك، ثم أطرق عبد الملك مليا، ثم رفع رأسه، وقال: من للعراق؟ فسكت الناس، فوثب الحجاج وقال: أنا يا أمير المؤمنين، قال: ومن أين أنت؟ قال : من قوم رغبت في مناكحتهم قريش ولم يقيت منهم، وإعادة الكلام مما ينسب صاحبه إلى العي، ولولا ذلك لأعدت الكلام الأول، فقال له: اجلس فلست هناك. ثم أطرق عبد الملك ملياً ورفع رأسه وقال: من لأهل العراق؟ فسكت الناس، فوثب الحجاج فقال: أنا للعراق، يا أمير المؤمنين، قال: وما الذي أعددت لأهل العراق؟ قال: ألبس لهم جلد النمر، ثم أخوض الغمرات، وأقتحم الهلكات، فمن نازعني طلبته، ومن لحقته قتلته بعجلة وريث، وتبسم وازورار، وطلاقة واكفهرار، ورفق وجفاء، وصلة وحرمان، فإن استقاموا كنت لهم ولياً حفياً، وإن خالفوا لم أبق منهم أحداً، فهذا ما أعددت لهم يا أمير المؤمنين، ولا عليك أن تجربني، فإن كنت للطلى قطاعاً وللأرواح نزاعاً، وللأموال جماعاً، وإلا فاستبدل بي فإن الرجال كثير.
فقال عبد الملك: أنت لها، ثم التفت إلى كاتبه، وقال: اكتب عهده، ولا تؤخره، واعطه من الرجال والكراع والأموال ما سأل.
قال عبد الملك بن عمير: فبينا نحن جلوس في المسجد الأعظم بالكوفة إذ أتانا آت فقال: هذا الحجاج بن يوسف وقد قام أميراً على العراق، فاشرأب الناس نحوه، وأفرجوا له إفراجه عن صحن المسجد، فإذا نحن به يتنهنس في مشيته عليه عمامة حمراء متلثماً بها متنكباً قوساً عربياً يؤم المنبر فما زلت أرمقه ببصري حتى صعد المنبر فجلس عليه وما تحدر اللثام عن وجهه، وأهل الكوفة يومئذ لهم حال حسنة وهيئة جميلة، وعز ومنعة، يدخل الرجل منهم المسجد معه عشرة أو عشرون رجلاً من مواليه وأتباعه عليهم الخزوز والقوهية، وفي المسجد رجل يقال له عمير بن ضابئ البرجمي، فقال لمحمد بن عطارد التميمي: هل لك أن أحصبه لك، قال: لا حتى نسمع كلامه، فقال: لعن الله بني أمية حيث يستعملون علينا مثل هذا، ولقد ضيع العراق حيث يكون مثل هذا أميراً عليه، والله لو أن هذا كله كلام ما كان شيئاً.
والحجاج ينظر يمنة ويسرة، حتى إذا غص المسجد بالناس، قال: يا أهل العراق، أني لأعرف قدر اجتماعكم، هل اجتمعتم؟ فقال رجل: قد اجتمعنا أصلحك الله، فسكت هنيهة لا يتكلم. فقال الناس: ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر، فقام الحجاج فحسر لثامه، وقال: يا أهل العراق، أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود، ثم قال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
صليت العود من سلفي نزار... لنصل السيف وضاح الجبين
وماذا يبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت رأس الأربعين
أخو خمسين مجتمع لشدي... ونجدة في مداومة الشؤون
وأني لا يعود إلي قرني... غداة العين إلا أي حين
قال أبو بكر: قال أبي: والشعر لسحيم بن وثيل الرياحي، تمثل به الحجاج، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى:
هذا أوان الشد فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبل ولا غنم ... ولا بجزار على ظهر وضم
وقال:
قد لفها الليل بعصلبي ... وشمرت عن ساق سمري
أروع خراج من الدوي ... مهاجر ليس بأعرابي
ما علتي وأنا شيخ رود ... والنفوس فيها وتر على عود
مثل ذراع البكر أو أشد ... وتروى مثل حران العود
والله يا أهل العراق ما يغمز جانبي كتغماز التين، ولا يقعقع لي بالشنان ولقد فرزت عن ذكاء وفتشت عن تجربة، وأجريت من الغابة، وإن أمير المؤمنين نثر كنانته فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرها عوداً، وأشدها مكسراً، فوجهني إليكم، فرماكم بي.
يا أهل الكوفة، يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق، فإنكم طالما أوضعتم في أودية الفتنة، اضطجعتم في منام الظلال، وسننتم سنن الغي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غريبة الإبل، إني والله لا أحلف إلا بررت، ولا أعد إلا وفيت، وإياي هذه الزرافات والجماعات، وقال وما يقول، وكان وما يكون وما أنتم وذاك.
يا أهل العراق، إنما أنتم أهل " قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف " فأتاها وعيد القرآن من ربها، فاستوثقوا واعتدلوا ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا وتتابعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار، لا الفرار ولا النقار، وإنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء ولا الصيف حتى يدل الله لأمير المؤمنين عزكم، ويقيم له أودكم وصفوكم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر من الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور من النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، قد أمرتكم بذلك وأجلتكم ثلاثاً، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به ويستوفيه مني، لئن تخلف رجل منكم بعد قبض عطائه لأضربن عنقه، ولأنتهبن ماله، ثم التفت إلى أهل الشام، فقال: يا أهل الشام، أنتم الجند والبطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأذفر، إنما أنتم كما قال الله تعالى: " ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء " .
ثم أقبل على أهل العراق، فقال: يا أهل العراق، لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار " .
اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام، فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى من بالعراق، من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو.
فسكتوا، فقال الحجاج من فوق المنبر: اسكت يا غلام، فسكت القارئ، فقال: يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق، ومساوئ الأخلاق، أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه السلام، هذا أدب ابن أبيه.
قال مؤلف الكتاب: كذا في هذه الرواية، والصواب ابن أذينة. وتأتي في طريق آخر.
والله إن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدبه، وليستقيمن لي أو لأجعلن لكل أمرئ منكم في جسده شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام، فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، فلما بلغ موضع السلام صاحوا: وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم نزل فدخل دار الإمارة وحجب الناس ثلاثة أيام، وأذن لهم في اليوم الرابع، فدخل عمير بن ضابئ، فقال: أصلح الله الأمير، إني شيخ كبير وقد خرج اسمي في هذا البعث، ولي ابن هو على الحرب والأسفار أقوى مني وأشجع عند اللقاء، فإن رأى الأمير أن يجعله مكاني ففعل، فقال: انصرف أيها الشيخ راشداً، وابعث ابنك بديلاً، فلما ولى قال له عنبسة بن سعيد بن العاص: أيها الأمير، أتعرف هذا؟ قال: لا والله، قال: هذا عمير بن ضابئ الذي أراد أبوه أن يفتك بأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فلم يزل محبوساً في حبسه حتى أصابته الدبيلة، فمات. ثم جاء هذا فوطئ أمير المؤمنين وهو مقتول فكسر ضلعاً من أضلاعه، وأبوه الذي يقول فيما يقول:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
فقال: علي بالشيخ، فلما أتى قال: أما يوم الدار فتشهده بنفسك، وأما في قتال الخوارج فتبعث بديلاً، وأما والله أيها الشيخ إن في قتلك لراحة لأهل المصرين، يا حرسي اضرب عنقه، فضربت عنقه.
قال: وسمع الحجاج صوتاً فقال: ما هذا؟ قالوا: البراجم ينتظرون عميراً، قال: ارموا إليهم برأسه، فرمي إليهم برأسه فولوا هاربين.
قال؛ وكان ابن لعبد الله بن الزبير الأسدي قد سأله أن يشفع له إلى الحجاج أن يأذن في التخلف، فلما قتل عمير خرج ولم ينتظر الإذن، فقال ابن عبد الله بن الزبير في ذلك:
أقول لإبراهيم لما لقيته ... أرى الأمر أمسى مفظعاً متعصبا
تجهز فإما أن تزور ابن ضابئ ... عميراً وإما أن تزور المهلبا
هما خطتا خسفا نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا
وإلا فما الحجاج مغمد سيفه... مدى الدهر حتى يترك الطفل أشيبا
فأضحى ولو كانت خراسان دونه ... يراها مكان السوق أو هي أقربا
وكم قد رأينا تارك الغزو ناكثاً... ينكث حنو السرج حتى تحنبا
لما اتصل الخيل والرجال بالمهلب تعجب وقال: لقد ولي العراق رجل ذكر.
وقد رويت لنا هذه القصة بزيادة ونقصان.
عبد الملك وزين العابدين(عليه السلام):
أنبأنا محمد بن أبي منصور الحافظ، قال: أخبرنا أبو الفضل جعفر بن يحيى بن إبراهيم المكي، قال: أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر، قال: أخبرني علي بن أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: سمعت الزهري يقول: وجه عبد الملك بن مروان رسلاً في حمل علي بن الحسين[عليه السلام] فوجدوه بمكة، فحملوه مكبلاً بالحديد ومنع الناس أن يدخلوا عليه.
قال ابن شهاب: فأذنت عليه، فصرفني البوابون من عند عبد الملك فأذنوا لي، فدخلت عليه الحبس وجعلت أتوجع له وأقول له: يعز علي يا ابن رسول الله أن أراك على مثل هذه الحالة، فلما رأى شدة حزني وبكائي، قال: يا زهري، لا تجزع إن هذا الحديد لا يؤذيني، ثم نزعه من رجله ووضعه بين يدي، وقال: لست أجوز معهم ذات عرق.
قال: ثم مضوا به محمولاً، فما لبثنا بعد ذلك إلا أربعة أيام حتى أتت رسل عبد الملك يسألون عن علي بن الحسين[عليه السلام] وقد فقدوه، فقلت: كيف كان أمره؟ قالوا: لما نزلنا ذات عرق فبتنا بها ليلتنا تلك فلما أصبحنا وجدنا حديده وفقدناه.
قال ابن شهاب: فقدمت بعد ذلك بأسبوع على عبد الملك وهو بالشام فسألني عن علي بن الحسين[عليه السلام] ، فقلت: أنت أعلم به مني، فقال: إنه قدم علي في اليوم الذي فقده فيه أصحابي بذات عرق فدخل علي من هذا الباب فقال: ما أنا وأنت، فقلت: أريد أن تقيم عندي... .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|