أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2016
1299
التاريخ: 13-11-2016
797
التاريخ: 13-11-2016
927
التاريخ: 13-11-2016
786
|
وبينما كانت شمس "البتراء" آخذة بالغروب كانت تشرق "شمس تذمر"، وهي: مدينة أخرى للقوافل، وكان الذين استقروا فيها بضع قبائل عربية بفضل نبع غزير يقوم في قلب الصحراء، وتصلح مياهه للشرب وكانت مملكة في واحة في صحراء الشام في الشمال الشرقي من دمشق، وتنسب هذه المملكة إلى عاصمتها "تدمر".
وكانت مدينة عامرة ذات شهرة واسعة في العصور القديمة بنيت لها الهياكل والمعابد الضخمة، وشقت الطرق الفسيحة وأقيمت الأسواق الواسعة وتظهر بهذا الاسم لأول مرة "حوالي 1800 ق. م." وتعود في الظهور إلى وثيقة أشورية لاصقة تقول: "إن: تيجلات فلاسر" حوالي 1100 ق، م. طارد أعداءه البدو حتى هذا الملجأ الصحراوي، ولا يزال الاسم السامي القديم يظهر في كلمة تدمر العربية.
والمؤرخ العبراني: "أخبار الأيام الثاني 8: 4" يروى: أن سليمان بني "تدمر"، والاسم باليوناني يعني مدينة النخيل؛ وهي: المدينة التي ذكرها القرآن، واستعمل سليمان الجن في بنائها؛ وكانت "تدمر" تقوم بين هاتين الإمبراطوريتين العالميتين، وساعد موقعها المنعزل في قلب الصحراء على عدم تمكن الرومانية من سهولها؛ للاستيلاء عليها(1).
واستفاد تجارها من وضعها الفريد كمحطة رئيسية لنزول القوافل عند نقطة التقاء الطرق التي تعبر الصحراء من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وحصل الزعماء التدمريون من شيوخ القبائل في الصحراء على إذن بمرور قوافلهم بسلام، وكان الأدلاء يقودون هذه القوافل عبر المنطقة الجرداء كما كان يحميها ركب الرماة من غارات البدو، واستعيض بالتدريج عن أكواخها الطينية ببيوت من "الحجر الكلس" وأنشئت شوارع عريضة، وكان الشارع الرئيسي يؤدي إلى معبد "بعل" وقد أقيمت الأعمدة في الشوارع واتخذت المدينة مظهر مدينة رومانية يونانية مزدهرة، لم يكن سهلا لمدينة الصحراء أن تحافظ على سيادتها التامة في وجه النفوذ المتزايد للإمبراطورية الواقعة في غربها، وفي أوائل العصور المسيحية كانت قد اعترفت بسيادة "روما" وبدأ "تدمر" والدول التي تدور في فلكها عهدًا جديدًا من الازدهار الذي دام أكثر من قرن ونصف بعد أن أصبحت تابعة "لدومة"، وأخذ المواطنون البارزون في "تدمر" يضيفون أسماء "رومانية" إلى أسمائهم؛ كان التدمريون آراميين وإن كان بعض حكامهم يرجعون إلى أصل عربي، وقد تأثروا بالحضارة اليونانية ودخل لغتهم كثير من الكلمات اليونانية، ومن ثم كانت اللغة التدمرية لهجة آرامية لم يدخلها من العربية إلا بعض أسماء أعلام، ويرجع الفضل إلى الآراميين في تعديل الأبجدية الفينيقية ونشرها(2).
من ملوك تدمر:
ارتقت أسرة "أذينة" التي كان يتصدر اسمها "سبتموس" إلى مركز الزعامة في "تدمر" في منتصف القرن الثالث؛ والتمثال الذي شيد في عام "251 على شرف عميد الأسرة سبتيموس حيرن بن أذينة يدعوه زعيم رأس تدمر" ويبدو أنه كان أول "تدمري" أضاف لقب "راس" إلى رتبته الرومانية كعضو في مجلس الشيوخ.
ويرجح أن: حيران هذا والد أذينة" المشهور باليونانية "أوديناتوس" ويستدل من أسماء الأعلام بأن: الأسرة كانت من أصل عربي، ويدعو المؤرخون اليونان "أذينة" هذا "حاكم العرب" وفي زمن "حيران" كان الجيش الفارسي أوقع هزيمة مخجلة بالجيوش الرومانية قرب "أديسا" حتى أن إمبراطورها "فاليران" وقع أسيرًا وتوفي في الأسر، في هذه الأثناء قد خرج "أذينة" في هذه المعركة على رأس جيش كبير من السوريين وقبائل البدو لإنقاذ "فاليران" فهزم الفرس، غير أنه لم يتمكن من فك أسر "فاليران"، وكوفئ أذينة في 262 على ولائه للإمبراطور الجديد "فالينوس" فمنح لقب زعيم، الذي منه ما يشبه نائب الإمبراطور على الجناح الشرقي من الإمبراطورية. في ذروة نجاح "أذينة" اغتيل وريثه في أحوال غامضة في "266-267" وكانت من تدبير "رومة" ومهما يكن فإنه يتضاءل كشخصية تاريخية أمام أرملته التي حكمت بعده باسم ولدها القاصر "وهب اللات"، وكانت "زنوبيا" التي تذكرها الكتابات الأثرية التدمرية باسم "تبت راباي" ابنة "العطية" وهي "الزباء" وقد ادعت القربى بزميلتها السابقة "كليوباترا" في مصر، ورعت الثقافة اليونانية وكانت هي نفسها تتكلم الآرامية اليونانية وبعض اللاتينية، وبلغ منها أنها جمعت تاريخ الشرق وكانت زينة المفكرين، بين رجال بلاطها الفيلسوف "لونجينوس"، وهكذا استطاعت "ملكة البادية أن تشكل لنفسها ولابنها" إمبراطورية انتزعتها من الرومان(3).
وتعتبر آثار "تدمر" من أكثر المناظر جلالا في الصحراء، وقد تحول معبد "بعل" الذي يقوم على سطح مرتفع إلى ما يشبه المتحف، ووجدت فيه أشكال نساء محجبات وهن يساهمن في احتفال ديني؛ وكانت الحضارة "التدمرية" حضارة غريبة فهي مزيج من عناصر سورية ويونانية وفارسية، ولا شك أن السكان الأصليين كانوا قبائل عربية وقد تبنوا في كلامهم وكتابتهم اللغة الآرامية السائدة، وبقيت أكثرية السكان عربية رغم امتزاجها بالآراميين، ولا شك أن الطبقة المثقفة كانت تتكلم اليونانية زيادة على الآرامية، ويظن أن رجال الأعمال كانوا يفهمون اللغة العربية كما كان يستعملها بعض "التدمريين" كلغة دارجة(4).
فيلسوف "تدمر" لونجينوس:
لم ينبغ في "تدمر" أحد من رجالها ورجال الفكر المتميزين سوى: "دبونيسيسوس كاشيوس لونجينوس" ويرجح أنه من مواطني حمص، وقد درس أولا في الإسكندرية ثم في أثينا حيث كان من تلامذة "فيرفريوس"، وكانت أمه سورية وعرفت اللغة السريانية؛ وكان من معاصريه "أميليوس الأنامي"، ويعتبر هذا الفيلسوف التدمري فريدًا في عصر كثر فيه الثرثارون الخياليون، وبلغ من سعة معلوماته أن وصفه أحد معاصريه بأنه مكتبة حية ومتحف متنقل. "ولونجنيوس" هو الذي علم "زنوبيا" الأدب اليوناني، وأصبح مستشارها بعد ذلك، ولسوء الحظ لم يبق من مؤلفاته سوى بعض الفقرات والمقتطفات، وترينا هذه بأنه قد بقي وثنيا رغم أنه لم يكن مناوئا لليهودية والمسيحية وتحمل القتل على يدي الرومان برباطة جأش وبشاشة وجه حريتين بجعله كسقراط.
_______
(1) تاريخ سورية جـ1 ص433.
(2) الأمم ص108.
(3) تاريخ سورية جـ1 ص439، ص440.
(4) السابق ص444.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|