المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



مزاعم في التأويل  
  
1929   05:44 مساءاً   التاريخ: 14-11-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب
الجزء والصفحة : ج1 ، ص31-42 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التأويل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014 2223
التاريخ: 14-11-2014 1856
التاريخ: 2024-08-26 294
التاريخ: 21-11-2020 2212

هناك من حسب من تأويل القرآن شيئا وراء المفاهيم الذهنية او التعابير الكلامية ، وكان من نمط الاعيان الخارجية ، وكان ما ورد في القرآن من حكم وآداب وتكاليف واحكام كلها تعود اليه ، اذ تنتزع منه وتنتهي اليه في نهاية المطاف ، فكان ذلك تأويلا للقرآن في جميع آياته الكريمة .

وقد اختلفوا في تبيين تلك الحقيقة التي تعود اليها جميع الحقائق القرآنية في اصول معارفه والاحكام :

ذكر ابن تيمية ـ في رسالة وضعها بشان المتشابه والتأويل ـ : ان التأويل في عرف المتأخرين صرف اللفظ عن معناه الراجح الى معنى مرجوح ، لدليل يقترن به فالتأويل ـ على هذا ـ يحتاج الى دليل ، والمتاول عليه وظيفتان : بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي يدعيه ، وبيان الدليل الموجب للصرف اليه عن المعنى الظاهر.

قال : واما التأويل ـ في عرف السلف ـ فله معينان : احدهما : ما يرادف التفسير والبيان ، وهو الذي عناه مجاهد بقوله : ان العلماء يعلمون تأويل القرآن ، اي تفسيره وتبيينه .

والثاني : نفس المراد بالكلام ، ان كان طلبا فتأويله نفس العمل المطلوب ، وان كان خبرا فتأويله نفس الشي المخبر به .

قال : وبين هذا المعنى ـ الاخير ـ والذي قبله ـ الذي جاء اولا في عرف السلف ، والذي جاء في عرف المتأخرين ـ بون ، فان الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام كالتفسير والشرح والايضاح ويكون وجود التأويل في القلب واللسان ، له الوجود الذهني واللفظي والرسمي .

واما هذا ـ المعنى الثاني في عرف السلف ـ فالتأويل فيه نفس الامور الموجودة في الخارج ، سواء كانت ماضية او مستقبلة فاذا قيل : طلعت الشمس ، فتأويل هذا نفس طلوعها.

قال : وهذا الوضع والعرف الثالث ـ الذي جاء ثانيا في عرف السلف ـ هو لغة القرآن التي نزل بها (1) .

وقال في تفسير سورة الاخلاص ـ بعد كلام تفصيلي له عن تأويل المتشابه من الآيات ، وان الراسخين في العلم يعلمون تأويله ، واستعظام ان يكون جبرائيل ومحمد(صلى  الله عليه واله)و الصحابة والتابعون لهم بإحسان وائمة المسلمين لا يعرفون تأويل متشابه القرآن ، ويكون اللّه تعالى قد استأثر بعلم معاني هذه الآيات كما استاثربعلم الساعة ، وانهم جميعا كانوا يقراون الفاظا لا يفهمون لها معنى ، كما يقرأ احدنا كلاما ليس من لغته فلا يعرف معناه ، من قال ذلك فقد كذب على القوم ، والمأثور عنهم متواترا يناقض هذا الزعم ، وانهم يفهمون معنى المتشابه كما يفهمون معنى المحكم ـ قال بعد ذلك :

فان قيل : هذا يقدح فيما ذكرتم من الفرق بين التأويل الذي يراد به التفسير ، وبين التأويل الذي في كتاب اللّه .

قيل : لا يقدح في ذلك ، فان معرفة تفسير اللفظ ومعناه وتصوره في القلب ، غير معرفة الحقيقة الموجودة في الخارج ، المرادة بذلك الكلام .

فان الشي له وجود في الاعيان ، ووجود في الاذهان ، ووجود في اللسان ، ووجود في البيان فالكلام لفظ له معنى في القلب ، ويكتب ذلك اللفظ بالخط فاذا عرف الكلام وتصور معناه في القلب وعبر عنه باللسان ، فهذا غير الحقيقة الموجودة في الخارج ، وليس كل من عرف الاول عرف عين الثاني .

مثال ذلك : ان اهل الكتاب يعلمون ما في كتبهم من صفة النبي (صلى  الله عليه واله) وخبره ونعته ، وهذا معرفة الكلام ومعناه وتفسيره ، وتأويل ذلك هو نفس محمد المبعوث ، فالمعرفة بعينه معرفة تأويل ذلك الكلام .

وكذلك الانسان قد يعرف الحج والمشاعر ، كالبيت والمساجد ومنى وعرفة ومزدلفة ، ويفهم معنى ذلك ولايعرف الامكنة حتى يشاهدها ، فيعرف ان الكعبة المشاهدة هي المذكورة في قوله : (وللّه على الناس حج البيت ) وكذلك ارض عرفات وغيرها.

وكذلك الرؤيا يراها الرجل ، ويذكر له العابر تأويلها فيفهمه ويتصوره ، ثم اذا كان ذلك فهو تأويل الرؤيا ، ليس تأويلها نفس علمه وتصوره وكلامه ، ولهذا قال يوسف الصديق : (هذا تأويل رؤياي من قبل ) وقال : (لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نباتكما بتأويله قبل ان يأتيكما) فقد انباهما بالتأويل قبل ان يأتي التأويل ، فنحن نعلم تأويل ما ذكر اللّه في القرآن من الوعد والوعيد ، وان كنا لا نعرف متى يقع هذا التأويل المذكور في قوله تعالى : (هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله) (2) .

وقد اشاد السيد محمد رشيد رضا (منشئ مجلة المنار المصرية ) من هذه النظرة التيمية بشان تأويل القرآن ، واعجبته غاية الاعجاب قال ـ بعد ان نقل عن شيخه الاستاذ محمد عبده ، ان التأويل بمعنى ما يؤول اليه الشي وينطبق عليه ، لا بمعنى ما يفسر به (3) ـ : ليس في كتب التفسير المتداولة ما يروي الغليل في هذه المسالة ، وماذكرناه آنفا هو صفوة ما قالوه ، وخيرة كلام الاستاذ الامام وقد راينا ان نرجع بعد كتابته الى كلام في المتشابه والتأويل ، لشيخ الاسلام احمد بن تيمية ، فرجعنا اليه وقراناه بإمعان ، فاذا هو منتهى التحقيق والعرفان ، والبيان الذي ليس وراه بيان ، اثبت فيه انه ليس في القرآن كلام لا يفهم معناه ، وان المتشابه اضافي اذا اشتبه فيه الضعيف لا يشتبه فيه الراسخ ، وان التأويل الذي لا يعلمه الا اللّه تعالى هو ما تؤول اليه تلك الآيات في الواقع ، ككيفية صفاته تعالى ، وكيفية عالم الغيب ، وكيفية قدرته تعالى وتعلقها بالإيجاد والاعدام ، وكيفية استوائه على العرش ولا كيفية عذاب اهل النار ، ولا نعيم اهل الجنة ، كما قال تعالى : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة : 17] فليست نار الاخرة كنار الدنيا ، وانما هي شيء آخر وليست ثمرات الجنة ولبنها وعسلها من جنس المعهود لنا في هذا العالم ، وانما هو شيء آخر يليق بذلك العالم ويناسبه .

قال : واننا نبين ذلك بالإطناب الذي يحتمله المقام ، مستمدين من كلام هذا الحبر العظيم ، ناقلين بعض ما كتبه (4) وجعل ينقل ما سرده ابن تيمية بإسهاب .

وهذا الذي ذكره ابن تيمية واشاد به رشيد رضا ، لا يعدو ما يعود اليه امر الشي ، اخذا بالمفهوم اللغوي لمادة التأويل اما العين الخارجية بالذات فلعله من اشتباه المصداق بالمفهوم ، فان الوجود العيني للاشيا هي عين تشخصاتها المعبر عنها بالمصاديق الخارجية ، ولم يعهد اطلاق لفظ (التأويل) على المصداق في متعارف الاستعمال الا ان يكون من عرفهما الخاص ، ولا مشاحة في الاصطلاح .

وعلى اى تقدير ، فانهما لم يأتيا بشي جديد ، فان مسالة الموجودات الاربعة للاشيا(الذهني واللفظي والكتبي والعيني ) امر تعارف عليه ارباب المنطق منذ عهد قديم ، الا ان الشي الذي لم يتعارف عليه هو اطلاق اسم (التأويل) على العين الخارجية ، باعتبارها مصداق اللوجودات الثلاثة المنتزعة عنها ، سوى كونه مصطلحا جديدا غير معروف .

ولسيدنا العلامة الطباطبائي كلام تحقيقي لطيف حول مسالة التأويل ، يراه متغايرا مع المفاهيم ، بعيدا عن جنس الالفاظ والمعاني والتعابير ، وانما هي حقائق راهنة ، موطنها خارج الاذهان والعبارات .

انه (ره ) تعرض لكلام ابن تيمية ، فصححه من جهة ، وخطاه من جهة اخرى ، صححه من جهة قوله : بشمول التأويل لجميع آي القرآن ، محكمه ومتشابهه ، وقوله : بانه خارج الاذهان والعبارات لكن خطاه في حصره للتأويل في العين الخارجية البحت ، فانه مصداق وليس بتأويل انما التأويل حقائق راهنة ، هي مصالح واقعية واهداف وغايات مقصودة من ورا التكاليف والاحكام ، وكذا الحكم والمواعظ والآداب ، وحتى القصص والاخبار والاثار التي جات في القرآن .

قال ـ مناقشا لراي ابن تيمية ـ : . (انه وان اصاب في بعض كلامه ، لكنه اخطأ في بعضه الاخر انه اصاب في القول : بان التأويل لا يختص بالمتشابه ، بل هو عام لجميع القرآن ، وكذا القول : بان التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي ، بل هو امر خارجي يبتنى عليه الكلام لكنه اخطأ في عد كل امر خارجي مرتبط بمضمون الكلام ـ حتى مصادقي الاخبار الحاكية عن الحوادث الماضية والمستقبلة ـ تأويلا للكلام) (5) .

ثم قال : (الحق في تفسير التأويل انه الحقيقة الواقعية التي تستند اليها البيانات القرآنية ، من حكم او موعظة الحكمة ، وانه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها ، وانه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ ، بل هي من الامور العينية المتعالية من ان يحيط بها شبكات الالفاظ وانما قيدها اللّه سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من اذهاننا بعض التقريب ، فهي كالأمثال تضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح ، بحسب ما يناسب فهم السامع ، كما قال تعالى : (والكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم ) (6) .

و قال ـ في شرح الآية ـ : .

(ان هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا ، وانما البس لباس القراة والعربية ليعقله الناس ، والا فانه ـوهو في ام الكتاب ـ عند اللّه على لا تصعد اليه العقول ، حكيم لا يوجد فيه فصل وفصل فالكتاب المبين ـ في الآية ـ هو اصل القرآن العربي المبين ، وللقرآن موقع هو في الكتاب المكنون ، وان التنزيل حصل بعده ، وهو الذي عبر عنه بأم الكتاب وباللوح المحفوظ فالكتاب المبين الذي هو اصل القرآن وحكمه الخالي عن التفصيل ، امر ورا هذا المنزل ، وانما هذا بمنزلة اللباس لذاك ان هذا المعنى ، اعني كون القرآن في مرتبة التنزيل بالنسبة الى الكتاب المبين ، ونحن نسميه بحقيقة الكتاب ، بمنزلة اللباس من المتلبس ، وبمنزلة المثال من الحقيقة ، وبمنزلة المثل من الغرض المقصود بالكلام) (7).

واضاف : (فالحقيقة الخارجية التي توجب تشريع حكم من الاحكام او بيان معرفة من المعارف الالهية او وقوع حادثة هي مضمون قصة من القصص القرآنية ، وان لم تكن امرا يدل عليه بالمطابقة نفس الامر والنهي او البيان او الواقعة الكذائية ، الا ان الحكم او البيان او الحادثة ، لما كان كل منها ينشا منها ويظهر منها ، فهو اثرها الحاكي لها بنحو من الحكاية والاشارة) (8) .

واخيرا لخص كلامه في بيان التأويل بما يلي : .

(التأويل في عرف القرآن هو الحقيقة التي يتضمنها الشي ويؤول اليها ويبتنى عليها ، كتأويل الرؤيا ، وهو تعبيرها ، وتأويل الحكم ، وهو ملاكه ، وتأويل الفعل ، وهو مصلحته وغايته الحقيقية ، وتأويل الواقعة ، وهوعلتها الواقعية ، وهكذا) (9) .

غير ان وقفة فاحصة عند كلام هذا المحقق العلامة ، تجعلنا نتردد في التوافق معه ، انه (ره ) لو كان اقتصر على مالخصه اخيرا ، من جعل ملاكات الاحكام والمصالح والغايات الملحوظة في التشريعات والتكاليف تأويلا ، اي اصلا لها ومرجعها الاساسي لكل ذلك المذكور ، لامكننا مرافقته .

لكنه توسع في ذلك ، وفرض من تأويل آي القرآن كلها امرا بسيطا ذا احكام رصين ، ليس فيه شيء من هذه التجزئة والتفصيل الموجود في القرآن الحاضر الذي يتداوله المسلمون منذ اول يومهم فإلى ما لا نهاية ، فان ذاك عار عن كونه آية آية وسورة سورة ، وجودا واحدا بسيطا صرفا ، مستقرا في محل ارفع ، في كتاب مكنون لايمسه الا المطهرون .

وفرض من القرآن ذا وجودين : وجودا ظاهريا يتشكل في الفاظ وعبارات ذوات مفاهيم معروفة ، وهو الذي يتلى ويقرا ويدرس ، ويتداوله الناس حسبما الفوه طوال عهد الاسلام .

ووجودا آخر باطنيا ، هو وجوده الحقيقي الاصيل ، المترفع عن ان تناله العقول والاحلام ، فضلا عن الاوهام ، وذلك الوجود الحقيقي الرفيع هو تأويل القرآن ، اي اصله ومرجعه الاصيل .

قال ـ بصدد بيان نزول القرآن دفعة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان ، وانه لم يكن هذا القرآن المتلو الذي بأيدي الناس ، فانه نزل تدريجا بلا ريب ـ : .

(والذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب امر آخر ، فان الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان او في ليلة القدر انما عبرت عن ذلك بلفظ الانزال الدال على الدفعة ، دون التنزيل ، واعتبار الدفعة اما بلحاظ المجموع والبعض ، واما لكون الكتاب ذا حقيقة اخرى ورا ما نفهمه بالفهم العادي ، الذي يقضي فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج ، هو المصحح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلا بالأنزال دون التنزيل ، وهذا هو اللائحة من الآيات الكريمة : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود : 1] فان هذا الاحكام مقابل التفصيل ، والتفصيل هو جعله فصلا فصلا وقطعة قطعة ، فالأحكام كونه بحيث لا يتفصل فيه جز من جز ، ولا يتميز بعض من بعض ، لرجوعه الى معنى واحد لا اجزأ فيه ولا فصول والآية ناطقة بان هذا التفصيل المشاهد في القرآن ، انماطرا عليه بعد كونه محكما غير مفصل ، واوضح منه قوله تعالى : {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف : 1 - 4] فانه ظاهر في ان هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا ، وانما البس لباس القراة والعربية ليعقله الناس ، والا فانه في ام الكتاب عند اللّه على لا يصعد اليه العقول ، حكيم لا يوجد فيه فصل فصل فالكتاب المبين الذي هو اصل القرآن وحكمه الخالي عن التفصيل امر ورا هذا المنزل وانما هذا بمنزلة اللباس لذاك (10) .

ثم احال تمام الكلام الى بيانه الاتي حول آية المتشابهات ، قال هناك : . (الحق في تفسير التأويل انه الحقيقة الواقعية التي تستند اليها البيانات القرآنية ، وانه موجود لجميع الآيات ، وانه ليس من قبيل المفاهيم بل من الامور العينية المتعالية من ان يحيط بها شبكات الالفاظ ، وانما قيدها اللّه بقيد الألفاظ لتقريبها من اذهاننا ، قال تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف : 3، 4] وفي القرآن تصريحات وتلويحات بهذا المعنى (11) .

وبعد ، فلنتسأل : ما هو السبب الداعي لفرض وجودين للقرآن الكريم : وجودا لديه تعالى في كتاب مكنون ، لايمسه الا المطهرون ، عاريا عن التجزئة والتفصيل ، متعاليا عن شبكات الالفاظ والعبارات ، ووجودا ارضيا نزل تدريجا لهداية الناس ، والبس لباس العربية لعلهم يعقلونه ؟ ولعله للنظر الى قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة : 185] وقوله : {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا } [الدخان : 1 - 5] وقوله : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر : 1] .

وقد ورد في الحديث ـ من طرق الفريقين ـ : ان القرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر ، ثم نزل تدريجا طوال عشرين عاما) (12) .

ولذلك فرض علامتنا الطباطبائي وجودين للقرآن الكريم ونزولين وكان نزوله الدفعي بوجوده البسيط الذي كان بمنزلة الروح لهذا القرآن ، النازل تدريجا بوجوده التفصيلي .

وبذلك نراه قد جمع بين ظواهر الآيات ودلالة الروايات ، وايد ذلك بالفارق اللغوي بين لفظتي (الانزال) و(التنزيل).

لكن تشريف شهر رمضان انما كان بنزول هذا القرآن المعهود لدى المخاطبين بهذا الخطاب ، لا بامر لا يعرفونه على ان القرآن النازل في هذا الشهر ، قد وصف بكونه {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة : 185] ومعلوم ان الهداية والبينات ، انما هي بهذا الكتاب الذي يتداولونه ، لا بكتاب مكنون عند اللّه محفوظ لديه في مكان على لا تناله الايدي والابصار.

كما ان الذي يبتغيه اهل الزيغ لاجل الفساد في الارض ، هو تفسير الآيات على غيروجهها ، لا وجودا آخر للقرآن ، هو في اعلى عليين .

فقوله (ره) :  (وانه موجود لجميع الآيات محكمها ومتشابهها ، وانه ليس من قبيل المفاهيم بل من الامور العينية المتعالية من ان يحيط بها شبكات الالفاظ) غير مفهوم لنا.

والفرق بين (الانزال) و(التنزيل) امر ابدعه الراغب الاصبهاني ، ولا شاهد له .

قال : وانما خص لفظ الانزال دون التنزيل ، لما روي ان القرآن نزل دفعة واحدة الى سما الدنيا ، ثم نزل نجما فنجما ولفظ الانزال اعم من التنزيل ، قال : {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر : 21] ولم يقل : لو نزلنا ، تنبيها انا لو خولناه مرة ما خولناك مرارا.

ويرد عليه ما حكاه اللّه عن قولة العرب : {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [الفرقان : 32].

وكذلك قوله تعالى : {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [الأنعام : 37].

وقوله : {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} [محمد : 20].

وقوله : {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ } [الأنعام : 7].

وقوله : {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء : 95].

كما جمع بين التعبيرين بشان امر واحد في قوله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل : 44] .

كما جاء استعمال (الانزال) بشان التدريجيات ايضا :

{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ } [البقرة : 22] .

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران : 7].-

لان الكتاب الذي منه محكم ومتشابه ، هو هذا الكتاب الذي نزل تدريجا {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام : 114] ، اذ الذي نزل مفصلا هو هذا القرآن الذي نزل منجما.

واخيرا فما هي الفائدة المتوخاة من ورا نزول القرآن دفعة واحدة الى السماء الدنيا او الى السماء الرابعة ، في البيت المعمور او بيت العزة ـ على الاختلاف في الفاظ الروايات ـ ، ثم نزوله بعد ذلك تدريجا في طول عهد الرسالة ؟.

وهل لوجود القرآن بوجوده البسيط الروحاني ـ في ذلك المكان الرفيع ـ فائدة تعود على اهل السماوات او سكان الارضين ؟.

واجاب الفخر الرازي عن ذلك ، وعلل وجود القرآن هناك ، في مكان انزل من العرش واقرب الى الارض ، ليسهل التناول منه لجبرائيل عند مسيس الحاجة (13) .

وعلل بعض الاساتذة المعاصرين ذلك ، بان الرابط بين ذلك القرآن المحفوظ لديه تعالى ، وهذا القرآن المعروض على الناس ، هو (رابط العلية) فكل ما في هذا القرآن من حكم ومواعظ وآداب ، وتعاليم ومعارف واحكام ، انما تنشا مما حواه ذلك القرآن ، على بساطته وعلو رفعته ، فهذا اشعاع من ذلك النور الساطع ، وافاضة من ذلك المقام الرفيع (14).

غير ان هذا كله تكلف في التأويل ، وتمحل في القول بلا دليل ، ولعلنا في غنى عن البسط فيه والتذييل .

واما الآيات التي استندوا اليها لا ثبات وجود آخر للقرآن محفوظ عند الله ، في كتاب مكنون لا يمسه الاالمطهرون فهي تعني امرا آخر غير ما راموه .

وليعلم ان المقصود من الكتاب المكنون ، هو : علم الل ه المخزون ، المعبر عنه ب (اللوح المحفوظ) ايضا ، وهكذاالتعبير ب (ام الكتاب ) كناية عن علمه تعالى الذاتي الازلي ، بما يكون مع الابد.

وقد ذكر العلامة الطباطبائي ـ في تفسير سورة الرعد حديثا عن الامام الصادق (عليه السلام)قال : (كل امر يريده اللّه ، فهوفي علمه قبل ان يضعه ، وليس شيء يبدو له الا وقد كان في علمه) قال ذلك تفسيرا لقوله تعالى : (يمحواللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) (15) .

فقوله تعالى : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف : 4] يعني قضى اللّه في علمه الازلي الحتم ان القرآن ـ في مسيرته الخالدة ـ سوف يشغل مقاما عليا ، مترفعا عن ان تناله ايدي السفهاء ، حكيما مستحكما قوائمه ، لا يتضعضع ولا يتزلزل ، يشق طريقه الى الامام بسلام (16) .

و كذا قوله : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [البروج : 21، 22] اي هكذا قدر في علمه تعالى المكنون (17) .

وهكذا ذكر الطبري وغيره في تفسير قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة : 77 - 79] انه اشارة الى مقامه الرفيع عند اللّه ، وقد جرى في علمه تعالى انه محفوظ عن مناوشة المناوئين .

قال سيد قطب : (انه لقرآن كريم : كريم بمصدره ، وكريم بذاته ، وكريم باتجاهاته في كتاب مكنون : مصون ، وتفسير ذلك في قوله تعالى بعده : لا يمسه الا المطهرون فقد زعم المشركون ان الشياطين تنزلت به ، فهذا نفي لهذا الزعم فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم اللّه وحفظه ، انما تنزل به الملائكة المطهرون ، ولذلك قال ـ بعدها ـ : تنزيل من رب العالمين ، اي لا تنزيل من الشياطين) (18) .
____________________________

1- رسالة الاكليل ، مطبوعة ضمن المجموعة الثانية من رسائله ص 10 و17 ـ 18.

2- راجع : رسالته في تفسير سورة الاخلاص ، ص 102 ـ 103 ونقله محمد رشيد رضا في تفسير المنار ، ج3 ، ص 195 ـ 196.

3- يرى الاستاذ عبده من متشابهات القرآن ، الامور الاخروية التي ورد ذكرها في القرآن ، لأنها من ضرورة الدين ومن مقاصد الوحي ، حيث العقيدة بأحوال الاخرة من اركان الدين ، فيجب الايمان بها ، الامر الذي لا يمكن الوقوف على حقيقتها الا بعد مشاهدتها في الاخرة ، فهي تأويلها ذلك اليوم ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف : 53] (المنار ، ج3 ، ص 167).

4- تفسير المنار ، ج3 ، ص 172 ـ 196.

5- الميزان ، ج3 ، ص 48.

6- الميزان ، ج3 ، ص 49 ، الزخرف / 4.

7- الميزان ، ج2 ، ص 14 ـ 16.

8- المصدر نفسه ، ج3 ، ص 53.

9- الميزان ، ج13 ، ص 376.

10- الميزان ، ج2 ، ص 14 ـ 16.

11- الميزان ، ج3 ، ص 49.

12- بحار الانوار ، ج94 ، ص 14 ، رقم23 .

13- التفسير الكبير ، ج5 ، ص 85.

14- مباني وروشهاي تفسير ، ص 73.

15- تفسير الميزان ، ج11 ، ص 420 ، الرعد/ 39.

16- راجع : الطبرسي ، مجمع البيان ، ج9 ، ص 39 والطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 179 وابا الفتوح الرازي ، ج10 ، ص 74 والفخر الرازي ، ج27 ، ص 194.

17- راجع : تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ، ص 29 والفخر الرازي ، ج23 ، ص 66 وج28 ، ص 152.

18- في ظلال القرآن ، ج7 ، ص 706 وراجع : المجمع ، ج9 ، ص 226.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .