أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-10-2016
533
التاريخ: 19-10-2016
1193
التاريخ: 19-10-2016
675
التاريخ: 19-10-2016
594
|
كان فشل مؤتمر كانكون ديسمبر 2003 نقطة تحول فاصلة في حركة تطور العولمة، حيث صدرت عناوين الصحف بعد مؤتمر كانكون معلنةً فشل مؤتمر منظمة التجارة العالمية، ووصل الأمر بالبعض إلى حد إعلان موت المنظمة. وقد أرجعت الصحافة هذا الفشل إلى فلاحي الدول النامية والمنظمات الأهلية غير الحكومية التي اتخذها الفلاحون كمستشارين لهم.
تعتبر تلك التعليقات الصحفية شديدة المبالغة كالعادة كما كان الوضع بعد مؤتمر سياتل الذي شهد تعليقات أكثر إثارة، فمازال النظام الرأسمالي في شكله الليبرالي الجديد يعمل بكفاءة ومازالت ضحاياه تزداد يوما من بعد يوم، ومازالت مجموعات الضغط لرجال الأعمال (بالذات اتحاد رجال الأعمال الأوربيين) تدفع من أجل العودة للمفاوضات بشكل سريع.
لم يجتمع أعضاء اللجنة التي تقرر تشكيلها من بعد مؤتمر الدوحة في مقر منظمة التجارة العالمية منذ مؤتمر كانكون وهي اللجنة المخولة بمناقشة البرامج التي توقفت عندها في الدوحة. وقد ترك لرئيس المجلس (مجلس ممثلي الدول الأعضاء في منظمة التجارة) السفير الأوروجواني كارلوس بريز دي كاستيلو اتخاذ اللازم من أجل إعادة بدء عملية المفاوضات على قرارات الدوحة. والمعروف أن الأساس الذي ترتكز عليه عملية المفاوضات هو إعلان 13 سبتمبر 2003، والذي يلائم متطلبات البلاد الغنية على حساب بلدان الجنوب. أعلن دي كاستيلو في 15 - 16 ديسمبر 2003 في كانكون عن تعثر المفاوضات و أتساع الـهوية بين دول الشمال ودول الجنوب. وقد أكدت معظم دول الجنوب رفضها لإعلان 13 سبتمبر حول الزراعة حيث أنه ليس سوى نسخة منقحة من ذلك الإعلان الذي صدر في 13 أغسطس 2003 حول الزراعة عقب اللقاء المشترك بين ممثلي كل من الولايات المتحدة الأمريكية و المجموعة الأوربية، وأن رغبة دي كاستيلو في أخذ هذا النص كنقطة انطلاق تبدأ منها المفاوضات لا يقرب بين وجهات النظر. وتعد كذلك النقاط الأساسية التي ينبع منها الصراع في وجهات النظر التي يتضمنها إعلان 13 سبتمبر هي القطن و فتح الأسواق أمام المنتجات غير الزراعية، وهي النقاط التي أدخلت المفاوضات في نفق مسدود. وعقب الاجتماع الوزاري لوزراء منظمة التجارة العالمية في سنغافورة من أجل أن يكون قاعدة المفاوضات التالية بعد عام 1999، برز تعبير عناصر سنغافورة على العناصر التي تم التوصل إليها في هذا الاجتماع، والتي يبلغ عددها أربعة عناصر (الاستثمارات - عقبات التبادل التجاري- المنافسة - أسواق المشروعات العامة). وقد سعت الدول المتقدمة وبالذات الاتحاد الأوربي إلى التحول مباشرةً إلى التفاوض على النص المقدم دون الخوض في مناقشات مطولة عنه. ولكن رفضت بشدة الدول الآخذة في النمو رفضاً باتاً مبدأ الحد من حريتها في دعم الشركات المحلية العاملة داخل اقتصادها الوطني فيما يخص المشروعات العامة ومنحها الأولوية عن الشركات الأجنبية، وهو أمر غير ممكن في حالة تطبيق بند عناصر سنغافورة الخاص بسوق المشروعات العامة، الذى ينص على التعامل مع الشركات الأجنبية بنفس أسلوب التعامل مع الشركات الوطنية فيما يخص المشروعات العامة.
وقد ادعى الاتحاد الأوربي المرونة في مواجهة هذا المطلب معلناً استعداده للتفاوض بشكل منفصل على كل عنصر من عناصر سنغافورة، وهو ما لا يعني التنازل عنها و يتماثل مع ما طرحه دي كاستيلو في تناول عنصرين فقط من العناصر الأربع المطروحة(تسهيل عملية التبادل - سوق المشروعات العامة) بشكل منفصل عن العنصرين الآخرين (الاستثمارات - المنافسة ) مع دراسة كيفية التفاوض فيهما مستقبلاً . لكن المشكلة تكمن في أن المفاوضات المنفصلة تلك ستتم عبر ما يعرف بالمفاوضات الجماعية (مفاوضات تشترك فيها الدول التي ترغب في المشاركة وتكون النتائج ملزمة لكافة الأعضاء). بهذا يسعى الاتحاد الأوربي إلى تحقيق ما يرغب فيه على مرتين، وقد أيدت كل من كندا والولايات المتحدة وسويسرا هذا الاقتراح الذي عرف باسم ( 2+ 2). ولكن الدول الآخذة في النمو (الصين - الـهند - نيجيريا - جنوب أفريقيا - والبلدان الأكثر فقراً) قدمت نصاً تطالب باستمرار النقاش حول ثلاثة من العناصر الأربعة، مع المطالبة بالمزيد من التوضيحات حول العنصر الرابع ورفضوا رفضا باتاً مناقشة العناصر بشكل جماعي حيث إن منظمة التجارة العالمية وفقاّ لميثاقها منظمة متعددة الأطراف، وبالتالي يجب أن تتم المناقشة والتفاوض بمشاركة كل الأطراف.
لم يتم التوصل لنتائج إيجابية خلال كانكون حيث لم تحل المشاكل المعلقة، إلا أن مؤتمر كانكون أثبت أن الدول النامية تسعى إلى توحيد صفوفها للصمود أمام ضغوط الدول الغنية بالرغم من تناقض مصالح الدول النامية في بعض الحالات وتباين مستويات النمو الاقتصادي فيما بينها.
لم تعد مقاومة العولمة محصورة على الحركات الجماهيرية التي تملئ الشوارع وشاشات نشرات الأخبار والصحف عند عقد كل اجتماع من اجتماعات منظمة التجارة العالمية أو اجتماعات ديفوس ، بل أصبحت هناك مجموعات تتشكل داخل المنظمة نفسها وهي مجموعات لا تعتمد الأساس الجغرافي أو مستوى التطور الاقتصادي كمنطلق لها، بل أنها تجتمع على تشابه المواقف تجاه قضايا وملفات بعينها مثال مجموعـــة (جي 20) في مواجهة ملف الزراعة وعناصر سنغافورة و مجموعة (جي 90) في مواجهة ملف القطن والمواد الغير زراعية، وذلك من أجل تشكيل قوة في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. لم تقم تلك المجموعات الجديدة المشكلة حول ملفات بعينها بإضعاف التكتلات القديمة الموجودة على أسس سياسية وجغرافية مثل تجمع البلدان الأفريقية و تجمع بلدان الكاريبي و المحيط الـهادي أو تجمع البلدان الأكثر فقراَ، بل على العكس شاركت تلك التجمعات في مناقشات و مداولات مجموعات جي 20 وجي 30 من اجل صياغة موقف مشترك. وبالرغم من أن وسائل الأعلام في كل من الولايات المتحدة و أوربا أعلنت مراراً عن تفكك تلك المجموعات وعدم فاعليتها لعدم إجماع أعضائها على موقف مشترك، ولكن الواقع الفعلي اثبت أن المناقشات في داخل قلب تلك المجموعات التي تمت قبل انعقاد جلسات 15- 16 ديسمبر 2003 دعمت موقف مجموعات جي 20 وجي 30، حيث أعلنت المجموعات رغبتها في التفاوض و لكن دون الخضوع لأي ضغوط كانت من قبل الدول الكبرى . رهنت الولايات المتحدة الأمريكية و أوربا العودة للمفاوضات بما سمته بمرونة الدول الآخذة في النمو فيما يخص ملفات (الزراعة - عناصر سنغافورة - المنتجات غير الزراعية). يعني ذلك من وجهة نظر الأوربيين توقف الدول المعنية عن الاعتراض على مشروع الإعلان الوزاري المقدم في كانكون، وأعلنوا على استعدادهم للعودة للمفاوضات بشرط الخضوع لمتطلباتهم. يجمع تجمع جي 90 العديد من الدول الآخذة في النمو وهي الدول التي تعارض التفاوض على عناصر سنغافورة، أنضم للمجموعة في بداية تجمع كانكون حوالي أربعين دولة ثم أصبح سبعين حتى وصل مع نهاية المؤتمر إلى 90 دولة، طالبوا بسحب عناصر سنغافورة من أجندة منظمة التجارة العالمية وألا يتم التفاوض حولـها. تكونت مجموعة جي 20 من أجل حماية مبادئ حرية التبادل من قبل أعضاء منظمة التجارة العالمية، ومن أجل أن تحترم تلك المبادئ في مجال الزراعة من قبل الجميع بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وقد قدمت مجموعة العشرين العديد من الاقتراحات البديلة، و تمثل مجموعة العشرين حوالى نصف سكان العالم وحوالى 63% من فلاحينه حيث نجد بين أعضائها دول مثل جنوب أفريقيا - الأرجنتين - البرازيل - الصين - الـهند - بوليفيا - باراجواي - باكستان. اثبت مؤتمر كانكون أن وجود مجموعات المقاومة تلك تمثل ثقلاً مضاداً لمشروعات العالم المتقدم في السيطرة على اقتصاديات العالم عبر منظمة التجارة العالمية وأنها قادرة على الصمود في مواجهة كل أنواع الضغوط.
ولأول مرة منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية تتكون في داخلها قوي تمنع تحقيق خيارات مجموعة الدول الغنية ( كندا - الولايات المتحدة - المجموعة الأوربية - اليابان). بالتأكيد يعكر هذا التجمع صفو الدول الغنية التي لا ترغب في مشاركتها في صنع القرار وتقسيم خريطة العالم اقتصادياً، مهما كانت ادعاءاتها بالمرونة والرغبة في الحوار وتبادل وجهات النظر. وبعيدا عن المرونة الأوربية المفتعلة والتي هي في الأصل موجهة إلى الصحف ووسائل الأعلام، جاءت نهاية مؤتمر كانكون ببعض الأخبار السعيدة متمثلة في (شرط السلام) الذي انتهى مع نهاية عام 2003. ينص شرط السلام هذا على عدم تقديم شكاوي من قبل الدول التي تحترم قواعد المنظمة فيما يخص الزراعة ضد الدول التي تخرق تلك القواعد وهم بالتحديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. يعد هذا الخبر من الأخبار السارة للدول الآخذة في النمو التي طالما عانت من مخالفات الدول الكبرى، وقد حاولت تلك الدول بدورها مد العمل بهذا الشرط فيما بعد عام 2005 ولكنهم لم ينجحوا في هذا. طرحت الولايات المتحدة الأمريكية التي يتهمها الاتحاد الأوربي بموقف سلبي داخل المنظمة مشروعاً جديداً قدمه وزير التجارة الأمريكي روبرت زويليك يعلن فيه أن الولايات المتحدة تحاول تلافي أن يكون 2004 عاماً ضائعاً على منظمة التجارة العالمية، واقترح تركيز الجهود الرئيسية على ثلاثة موضوعات هي: الزراعة (والتي يضم إليها القطن) والمنتجات غير الزراعية وقطاع الخدمات.وعلى عكس الاتفاق الأمريكي الأوربي السابق يقترح البيان الأمريكي أولوية التفاوض على ملف الزراعة على أن يحدد تأريخاً لوقف دعم المنتجات الزراعية من قبل الحكومات من أجل تصديرها، كما أنه يطالب بإدخال القطن مع ملف الزراعة و ليس مع المنتجات الغير زراعية. ويرى المشروع المقدم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أن المفاوضات حول ملف الزراعة يجب أن تسبق التفاوض حول أسواق السلع الغير زراعية. ويقترح المشروع أيضا أنه البحث عن معادلة لإعفاء المنتجات الصناعية من الجمارك تدريجيا بحيث تكون الإعفاءات مرنة بالشكل الذي يستفيد منه الجميع، على أن تختفي الجمارك على البضائع في غضون 15 ـ 20 عاماً. فيما يخص قطاع الخدمات، يؤيد وزير التجارة الأمريكي الاقتراح المقدم من 40 دولة أن تتم مشاركة باقي الأعضاء من الدول المتقدمة والدول الآخذة في النمو، وأن تحدد قطاعات الخدمات التي تحقق التكامل والتناسق بين الدول المتقدمة في مجال الخدمات. فيما يخص عناصر سنغافورة، فيقترح زويليك التفاوض فقط حول بند تسهيل عملية التبادل والذي وفقا لوجهة نظره ليس إلا امتداد لعمليات فتح الأسواق أمام المنتجات. أما المفاوضات حول أسواق المشروعات العامة فإنه يقترح التفاوض حولها (تفاوضا جماعياً) وليس تفاوضاً متعدد الأطراف يجمع كل أعضاء المنظمة، أو إلغاء المفاوضات حولها وضمها لملف الاستثمارات والمنافسة، مع الدعوة لمؤتمر قادم في هونج كونج لمتابعة عمليات المفاوضات. يعد هذا الخطاب شديد الذكاء حيث إنه يحاول مع مرونته الشديدة أن يتلاشى المفاوضات متعددة الأطراف التي لا يوافق عليها الكونجرس الأمريكي، وبالتالي فإنه يحاول أن يرضي طموح بعض الدول الآخذة في النمو ليمرر التفاوض الجماعي (كما سبق وأوضحنا هو تفاوض تشترك فيه الدول الراغبة في المشاركة فقط على أن تكون قراراتها ملزمة للجميع). يزيد الموقف الأمريكي المرن من عزلة المجموعة الأوربية التي بالتأكيد ستسعى للرد بمقترح جديد يضمن لها مصالحها .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|