أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-2-2017
7705
التاريخ: 4-12-2016
4543
التاريخ: 19-2-2017
15560
التاريخ: 11-2-2017
5460
|
قال تعالى : {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 51 - 53]
«و» اذكروا {إذ واعدنا موسى} أن نؤتيه الألواح فيها التوراة والبيان و الشفاء على رأس {أربعين ليلة} أو عند انقضاء أربعين ليلة أو عند تمام أربعين ليلة و إنما قلنا أن قوله اذكروا مضمر فيه لأن الله تعالى قال قبل هذا { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40] فإذ هاهنا معطوفة على الآيات المتقدمة و هذه الأربعون ليلة هي التي ذكرها الله في سورة الأعراف فقال {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [الأعراف: 142] و هي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة قال المفسرون لما عاد بنو إسرائيل إلى مصر بعد إنجائهم من البحر و هلاك فرعون و قومه وعدهم الله إنزال التوراة و الشرائع فخلف موسى أصحابه و استخلف هارون عليهم فمكث على الطور أربعين ليلة و أنزل عليه التوراة في الألواح و قوله {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 51] أي اتخذتموه إلها لأن بنفس فعلهم لصورة العجل لا يكونون ظالمين لأن فعل ذلك ليس بمحظور و إنما هو مكروه و أما الخبر الذي روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعن المصورين فالمراد به من شبه الله بخلقه أو اعتقد فيه أنه صورة و قوله {من بعده} أي من بعد غيبة موسى و خروجه و قيل من بعد وعد الله إياكم بالتوراة و قيل من بعد غرق فرعون و ما رأيتم من الآيات و الكل محتمل « أنتم ظالمون » أي مضرون بأنفسكم بما استحققتم من العقاب على اتخاذكم العجل إلها .
( القصة)
روي عن ابن عباس قال كان السامري رجلا من أهل باجرما قيل كان اسمنسيا و قال ابن عباس اسمه موسى بن ظفر و كان من قوم يعبدون البقر وكان حب عبادة البقر في نفسه وقد كان أظهر الإسلام في بني إسرائيل فلما قصد موسى إلى ربه و خلف هارون في بني إسرائيل قال هارون لقومه قد حملتم أوزارا من زينة القوم يعني آل فرعون فتطهروا منها فإنها نجس يعني أنهم استعاروا من القبط حليا و استبدوا بها فقال هارون طهروا أنفسكم منها فإنها نجسة و أوقد لهم نارا فقال اقذفوا ما كان معكم فيها فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة و الحلي فيقذفون به فيها قال و كان السامري رأى أثر فرس جبرائيل (عليه السلام) فأخذ ترابا من أثر حافره ثم أقبل إلى النار فقال لهارون يا نبي الله أ ألقي ما في يدي قال نعم و هو لا يدري ما في يده و يظن أنه مما يجيء به غيره من الحلي و الأمتعة فقذف فيها و قال كن عجلا جسدا له خوار فكان البلاء و الفتنة فقال هذا إلهكم و إله موسى فعكفوا عليه و أحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط قال ابن عباس فكان البلاء و الفتنة و لم يزد على هذا و قال الحسن صار العجل لحما و دما و قال غيره لا يجوز ذلك لأنه من معجزات الأنبياء و من وافق الحسن قال إن القبضة من أثر الملك كان الله قد أجرى العادة بأنها إذا طرحت على أي صورة كانت حييت فليس ذلك بمعجزة إذ سبيل السامري فيه سبيل غيره و من لم يجز انقلابه حيا تأول الخوار على أن السامري صاغ عجلا و جعل فيه خروقا يدخلها الريح فيخرج منها صوت كالخوار و دعاهم إلى عبادته فأجابوه و عبدوه عن أبي علي الجبائي .
{ثم عفونا عنكم} أي وضعنا عنكم العقاب الذي استحققتموه بقبول توبتكم من عبادة العجل {من بعد ذلك} أي من بعد اتخاذكم إياه إلها و قيل معناه تركنا معاجلتكم بالعقاب من بعد اتخاذكم العجل إلها {لعلكم تشكرون} لكي تشكروا الله على عفوه عنكم و سائر نعمه عليكم و قيل معناه التعريض أي عرفناكم للشكر و في هذه الآية دلالة على وجوب شكر النعمة و على أن العفو عن الذنب بعد التوبة نعمة من الله على عباده ليشكروه و معنى قولنا في الله أنه غفور شكور أنه يجازي العبد على طاعاته من غير أن ينقصه شيئا من حقه فجعل المجازاة على الطاعة شكرا في مجاز اللغة و لا يستحق الإنسان الشكر على نفسه لأنه لا يكون منعما على نفسه فالنعمة تقتضي منعما غير المنعم عليه كما أن القرض يقتضي مستقرضا غير المقرض و قد يصح أن يحسن الإنسان إلى نفسه كما يصح أن يسيء إليها لأن الإحسان من الحسن فإذا فعل بها فعلا حسنا ينتفع به كان محسنا إليها بذلك الفعل و إذا فعل بها فعلا قبيحا تستضر به كان مسيئا إليها و لا يستحق الكافر الشكر على الوجه الذي يستحقه المؤمن لأن المؤمن من يستحق الشكر على وجه الإجلال و الإعظام و الكافر لا يستحقه كذلك و إنما يجب له مكافاة نعمته كما يجب قضاء دينه على وجه الخروج منه إليه من غير تعظيم له و الفرق بين الشكر و المكافاة أن المكافاة من التكافي و هو التساوي و ليس كذلك الشكر ففي المكافاة للنعمة دلالة على أنه قد استوفى حقها و قد يكون الشكر مقصرا عنها و إن كان ليس على المنعم عليه أكثر منه إلا أنه كلما ازداد من الشكر حسن الإزدياد و إن لم يكن واجبا لأن الواجب لا يكون إلا متناهيا و ذلك كالشكر لنعمة الله تعالى لو استكثر به غاية الاستكثار لم يكن لينتهي إلى حد لا يجوز له الإزدياد لعظم نعمة الله سبحانه و صغر شكر العبد .
« و » اذكروا {إذ آتينا} أي أعطينا {موسى الكتاب} وهو التوراة « و الفرقان » اختلفوا فيه على وجوه ( أحدها ) و هو قول ابن عباس إن المراد به التوراة أيضا و إنما عطفه عليه لاختلاف اللفظين كقول عنترة : أقوى و أقفر بعد أم الهيثم ) و قال عدي بن زيد :
و قددت الأديم لراهشيه *** و ألفى قولها كذبا و مينا
والمين الكذب (وثانيها) أن الكتاب عبارة عن التوراة و الفرقان انفراق البحر الذي أتاه موسى (عليه السلام) (وثالثها) أن المراد بالفرقان بين الحلال و الحرام و الفرق بين موسى و أصحابه المؤمنين و بين فرعون و أصحابه الكافرين بأشياء كثيرة منها أنه نجى هؤلاء وأغرق هؤلاء (ورابعها) أن المراد بالفرقان القرآن و يكون تقديره و آتينا موسى التوراة و آتينا محمدا الفرقان فحذف ما حذف لدلالة ما أبقاه عليه كما حذف الشاعر في قوله :
تراه كان الله يجدع أنفه *** و عينيه إن مولاه كان له وفر
يريد و يفقأ عينيه لأن الجدع لا يكون للعينين و اكتفي بيجدع عن يفقأ و قال آخر :
يا ليت بعلك قد غدا ***متقلدا سيفا و رمحا
أراد و حاملا رمحا و هو قول الفراء و قطرب و ثعلب و ضعف قوم هذا الوجه لأن فيه حمل القرآن على المجاز من غير ضرورة مع أنه تعالى أخبر أنه آتى موسى الفرقان في قوله {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ } [الأنبياء: 48] و قوله {لعلكم تهتدون} أي لكي تهتدوا بما في التوراة من البشارة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بيان صفته .
___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص 212-215.
بعد ان أهلك اللَّه فرعون ومن معه تنفس الإسرائيليون الصعداء ، وعادوا إلى مصر آمنين ، كما في المجمع ، ولم تكن التوراة قد نزلت بعد على موسى ، فسألوه ان يأتيهم بكتاب من ربهم ، فوعده اللَّه أن ينزل عليه التوراة ، وضرب له ميقاتا ، فقال لهم موسى : ان ربي وعدني بكتاب ، فيه بيان ما يجب عليكم أن تفعلوه ، وتذروه ، وضرب لهم ميقاتا أربعين ليلة ، وهذه الليالي - على ما قيل - هي ذو القعدة ، وعشر ذي الحجة .
وذهب موسى إلى ربه ليأتي قومه بالكتاب ، واستخلف عليهم أخاه هارون ، وقبل أن يمضي الميقات الموعود على غيابه عبدوا العجل من دون اللَّه ، وظلموا بذلك أنفسهم ، وهذا هو المعنى الظاهر من قوله سبحانه : {وإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وأَنْتُمْ ظالِمُونَ}.
وبعد ان رجع موسى إلى قومه تابوا من شركهم ، ورجعوا إلى ربهم ، فقبل اللَّه توبتهم . . وهذه نعمة ثالثة من اللَّه عليهم ، واليها أشارت الآية : {ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} .
أما النعمة الرابعة فهو كتاب اللَّه : {وإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ والْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . وهذا الكتاب هو التوراة الجامعة لبيان الحق والباطل ، والحلال والحرام ، أما عطف الفرقان على الكتاب فهو من باب عطف الصفة على الموصوف ، كقوله سبحانه في الآية 48 من الأنبياء :{ ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الْفُرْقانَ وضِياءً وذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} .
واختصارا ان اللَّه جل وعز ذكّر الإسرائيليين في الآيات المتقدمة بأربع نعم :
انجائهم من ذبح الأبناء واستحياء النساء ، ثم هلاك فرعون ، ثم العفو عنهم ، ثم إيتاء موسى التوراة . ومن أحسن ما قرأته في هذا الباب - وأنا أتتبع ال 17 تفسيرا التي لدي - هو قول أبي حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط :
« انظر إلى حسن هذه الفصول التي انتظمت انتظام الدر في أسلاكها ، والزهر في أفلاكها ، كل فصل منها - أي من النعم - قد ختم بمناسبة ، وارتقى في ذروة فصاحته أعلى مناصبه ، واردا من اللَّه على لسان محمد أمينه دون أن يتلو من قبل كتابا ، ولا خطه بيمينه » .
يشير أبو حيان بهذا إلى ان تلك الصور المتلاحقة المنتظمة هي من معجزات محمد ، لأنه أخبر بها من غير تعلَّم . . رحم اللَّه السلف وغفر لهم ، وأجزل عليهم النعم والعطية ، فإنهم ما رأوا ظاهرة يستشم منها تأييد هذا الدين ونبيه الأكرم الا مدوا إليها الأعناق بلهفة واشتياق ، وبادروا إليها شرحا وتفصيلا ، واستخراجا وتدليلا ، فأين أين نحن علماء هذا الزمان الذين نتكالب على الدنيا ، ولا نرى هما الا همّ أنفسنا ، ولا مشكلة الا مشكلة أولادنا . . أين نحن من أولئك الأعاظم الذين ضحوا بكل شيء من أجل إعزاز الإسلام ونبي الإسلام ؟ .
عفا اللَّه عنهم ورفعهم وكل من خدم الدين إلى أعلى الدرجات .
____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص102-103.
قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} و قص تعالى القصة في سورة الأعراف بقوله: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [الأعراف: 142]، فعد المواعدة فيها أربعين ليلة إما للتغليب أو لأنه كانت العشرة الأخيرة بمواعدة أخرى فالأربعون مجموع المواعدتين كما وردت به الرواية.
___________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص161.
أكبر انحرافات بني إسرائيل
في هذه الآيات ، تأكيد على مقطع آخر من تاريخ بني إسرائيل، وعلى أكبر انحراف اُصيبوا به في تاريخهم الطويل، وهو الإنحراف عن مبدأ التوحيد، والإتجاه إلى عبادة العجل. وهذا التأكيد تذكير لهم بما لحقهم من زيغ نتيجة إغواء الغاوين، وتحذير لهم من تكرر هذه التجربة في مواجهة الدين الخاتم: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} وهي ليالي افتراق موسى عن قومه، {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}.
شرح هذا المقطع من تاريخ بني إسرائيل سيأتي في سورة الأعراف الآية (142) وما بعدها، وفي سورة طه الآية (36) وما بعدها.
وخلاصته، إن موسى(عليه السلام) بعد نجاة بني إسرائيل من قبضة الفراعنة اُمر بالذهاب إلى جبل الطور مدة ثلاثين ليلة لتسلم ألواح التوراة، ثم مُدّت هذه الليالي إلى أربعين ليلة من أجل اختبار قومه. واستغل السامريّ الدّجال هذه الفرصة، فجمع ما كان لدى بني إسرائيل من ذهب الفراعنة ومجوهراتهم، وصنع منها عجلا له صوت خاص، ودعا بني إسرائيل لعبادته. فأتبعه أكثر بني إسرائيل، وبقي هارون ـ أخو موسى وخليفته ـ مع أقلية من القوم على دين التوحيد، وحاول هؤلاء الموحّدون الوقوف بوجه هذا الإِنحراف فلم يفلحوا، وأوشك المنحرفون أن يقضوا على حياة هارون أيضاً.
بعد أن عاد موسى من جبل الطور تألم كثيراً لما رآه من قومه، ووبّخهم بشدّة فثاب بنو إسرائيل إلى رشدهم، وأدركوا خطأهم وطلبوا التوبة، فجاءهم أمر السماء بتوبة ليس لها نظير، سنذكرها فيما يلي.
في الآية التالية يقول سبحانه: {ثُمَّ عَفَونَا عَنْكُم مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُم تَشْكُرُونَ}
وبعد إشارة إلى ما جاء بني إسرائيل من هداية تشريعية: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
كلمتا «الكتاب» و«الفرقان» قد تشيران كلاهما إلى التوراة، وقد يكون المقصود من «الكتاب» التوراة و«الفرقان» ما قدمه موسى من معاجز بإذن الله، لأنّ الفرقان يعني في الأصل ما يفرّق بين الحق والباطل.
________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص187-188.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|