المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

The long monophthongs THOUGHT
2024-07-01
تجزئة التوبة
16/9/2022
احكام المريض والمسافر
2024-10-16
ألوان من الفضائل المعراجية
5-1-2020
تطور مسألة تنازع القوانين
25-3-2017
الحالات المرضية البكتيرية : الحالة الرابعة والعشرون
1-9-2016


السلالات الحاكمة في عصر السلالات  
  
3867   01:59 مساءاً   التاريخ: 18-10-2016
المؤلف : طه باقر
الكتاب أو المصدر : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة
الجزء والصفحة : ص329-334
القسم : التاريخ / عصر فجر السلالات /

ملوك ما قبل الطوفان وحقيقة هذا الطوفان:

لعل أول ما يلفت النظر في أثبات الملوك السومرية أنها تبدأ بالقول إن "الملوكية هبطت من السماء" وحلت في خمس مدن بصورة متعاقبة وحكم فيها ثمانية ملوك لعهود حكمهم أرقام عالية خارجية عن مدى الأعمار البشرية الطبيعية، تناهز ربع مليون عام (أي 241000 عام)، كما خصصت لحكم كل منهم رقماً خيالياً يذكرنا بالأعمار الطويلة المخصصة لآدم وأحفاده والأنبياء القدامى في التوراة. وإن عبارة "هبطت الملوكية من السماء" التي تبدأ بها هذه الأثبات ذات دلالة مهمة على عقيدة القوب بأصل نظام الحكم، مما سبق أن نوهنا به في فصل المقدمة الجغرافية وسنفصل القول فيها في كلامنا عن نظام الحكم والديانة في الجزء الثاني من كتابنا، اما الآن فتقتصر على إيجاز خلاصتها في أن الآلهة هي التي تحكم الكون والبشر، وأن نظام الحكم والملوكية وشاراتها كان عند الآلهة ف السماء؛ ولكي تحكم الأرض والناس فإنها تنتدب أو تفوق نواباً عنها تصطفيهم من بين البشر ليكونوا نواباً عنها في حكم البشر. وهذه نظرية أساسية عند القوم في أصل نظام الحكم في وادي الرافدين يقف عليها الفاحص لمآثر هذه الحضارة في مختلفة أوجهها ومقوماتها. ولعل اوضح تعبير عن هذه النظرية ما نجده في مقدمات الشرائع التي يتجلى فيها تسلسل التفويض الإلهي من كبار الآلهة إلى إله المدينة التي أصدر ملكاً الشريعة ثم تفويض هذا الإله بدوره ملك هذه المدينة ليحكم الناس بالنيابة. كما ان جعل "اريدو" أول مركز حلت فيه الملوكية في عهود قبل الطوفان ذو مغزى حضاري مهم. فقد سبق ان رأينا في تتبعنا لأدوار حضارة وادي الرافدين في عصور ما قبل التأريخ كيف ان أقدم معالم للاستيطان في السهل الرسوبي قد عثر على بقاياها في "أريدو"، في الدور الذي أطلق عليه دور "أريدو"، او كم سميناه "دور العبيد الاول" في حدود منتصف الألف الخامس ق.م . ولعله يمكن الاستنتاج بهذا الصدد ان القسم الأول من أثبات الملوك قد وضع من جانب كهنة "اريدو" وكتبتها.

ثم تذكر تلك الأثبات أن الملوكية انتقلت من أريدو إلى المدينة المسماة "باد ــ تبيرا" التي أصبح تعيينها بالبقايا الاثرية المسماة "تل المدينة" من الأمور

الاكيدة تقريباً(1)،؛ وخصصت أثبات الملوك المدينة ثلاثة ملوك مجموع سني حكمهم (108000) عام، آخرهم "دموزي" الملقب بالراعي، ولا يعلم هل ان "دموزي" هذا هو الإله الشهير "تموز" أو أنه إنسان كان راعياً.

انتقلت الملوكية من "باد ـت نبيرا" السالفة الذكر إلى المدينة المسماة "لرك" التي يحتمل أن بقاياها ما يسمى الآن تل الولاية(2)، ثم انتقل الحكم منها إلى مدينة "سبار"(3) الشهيرة في تأريخ حضارة وادي الرافدين، وهي من مدن بلاد آكد، ولكن الغريب في الامر أن هذه المدينةلم يقم لها شان سياسي بين السلالات التي حكمت من بعد الطوفان، أي في عصر فجر السلالات.

وأخيراً انتقلت الملوكية إلى مدينة "شروباك" (تل فارة الآن) وحكم فيها ملك واحد اسمه "أوبارــ توتو" . والجدير بالملاحظة ان هذا الملك ورد في خبر الطوفان بسب رواية ملحمة جلجامش بصفته جد بطل الطوفان "أوتو ــ نبشم" أو أباه، وكان موطن هذا البطل في هذه المدينة  أيضاً. وننهي هذه الملاحظات الموجزة عن ملوك ما قبل الطوفان في التنويه بأن تلك المدن الهمس التي خصصت لملوك ذلك العهد البعيد ورد ذكرها أيضاً في إحدى الاساطير السومرية(4) بكونها أولى مدن أسستها الآلهة من بعد خلق الإنسان، وأضيفت إليها في نص آخر متأخر لهذه الاسطورة مدينة "نفر" و "أوروك" (الوركاء) ومدينة بابل.

الطوفان:

إذا رجعنا إلى نص أثبات الملوك الذي أوردنا ترجمته وجدناه يروي أن الطوفان جرف البلاد من بعد حكم مدينة "شروباك". وهذه أول إشارة كتابية يرد فيها ذكر الطوفان، وأنه كان حدثاً بلغ من عظم الأثر والجسامة عند سكان وادي الرافدين بحيث ان جامعي أثبات السلالات ومؤلفي القصص والأساطير جعلوه حداً فاصلاً بين عهدين متميزين في تأريخ البلاد، عهد ما قبل الطوفان وعهد ما بعد الطوفان، أي لعله يضاهي ما تواضع عليه المؤرخون المحدثون من تقسيم التأريخ البشري العام إلى العصور القديمة والعصور الحديثة. وهنا تتوارد إلى الذهن تساؤلات كثيرة: ترى هل كان هذا الطوفان المذكور في أثبات الملوك وفي القصص والأساطير حدثاً تاريخيا واقعياً ومتى وقع؟ وهل كان طوفاناً واحداً او عدة طوفانات تكرر  حدوثها فاختبر أشدها وأعنفها ليكون حداً فاصلاً بين عهدين من تاريخ البلاد؟ وهل ان الطوفان المذكور في أثبات الملوك هو نفسه الوارد في ملحمة جلجامش والقصص الاخرى المماثلة؟ ثم هل وجدت في أثناء التحريات التي أجريت في مدن العراق القديمة آثار أو إمارات على طوفان أو طوفانات؟ وهل أن هذا الطوفان الذي اشتهر في حضارة وادي الرافدين هو الطوفان المذكور في الكتب المقدسة ولا سيما التوراة؟

إن مثل هذه التساؤلات وغيرها لا يمكن الإجابة عليها إجابة واحدة قاطعة بل هناك عدة احتمالات قد يكون ادها أقرب إلى الحقيقة. على أننا نستطيع أن نقول بشيء من التأكيد إن الطوفان المذكور في أثبات الملوك السومرية وفي ملحمة جلجامش وغيرها من قصص الطوفان السومرية والبابلية كان طوفاناً واحداً، وإنه كان حدثاً تأريخياً واقعياً حدث في طيات الماضي البعيد، وكان كما قلنا قد بلغ من عظم الأثر بحيث إنه جعل موضوع تلك القصص لها خلقه من آثار بليغة في ذاكرة الاجيال المتعاقبة، وإنه اختير من بين الطوفانات الكثيرة التي تعرض إليها السهل الرسوبي وما زال يتعرض إليها منذ أبعد العصور.

أما زمن هذا الطوفان ولا سيما الطوفان الوارد في أثبات الملوك وفي ملحمة جلجامش والذي رجحنا أن يكون طوفاناً واحداً فلا يمكن تحديده بالنسبة إلى الأدوار التأريخية المعروفة في حضارة وادي الرافدين، ولكننا إذا أخذنا بالافتراض القائل إن سلالة كيش الأولى التي حكمت من بعد الطوفان مباشرة يقع زمنها في عصر فجر السلالات الثاني ولا سيما الاطوار الاولى منه وإن زمن جلجامش في بداية الطور الثالث من هذا العصر فأقرب الاحتمالات أن ذلك الطوفان حدث ما بين دور جمدة نصر وبين عصر فجر السلالات الأول، ولعل من آثار هذا الطوفان ما وجد من ترسبات غرينية في جملة مواضع أثرية جرى التنقيب فيها مثل كيش والوركاء وشروباك (تل فارة) ولجش، وهي تفصل ما بين الطبقات العائدة إلى دور جمدة نصر وبين عصر فجر السلالات الأول(5). وذهب الباحث المعروف المرحوم "وولي" (Woolley)، الذي نقب في أور، إلى أن الطوفان المأثور وقع في زمن ما من الدور العبيد ( في حدود 4000 ق.م)، أي قبل الزمن الذي افترضناه بأكثر من ألف عام، مستنداً في راية هذا إلى ما وجده من آثار ترسبات عرينية في أور من دور العبيد، بلغ ثخنها زهاء(11) قدماً، وقد عثر عليها في موضع قريب من المقبرة الملكية، ولكن لم يعثر على بقايا مماثلة من هذا الدور في المواضع الاخرى مثل "أريدو" القريبة من أور.

ويكاد الإجماع ينعقد بين الباحثين أن خبر الطوفان الوارد في الكتب المقدسة ولا سيما التوراة هو الطوفان الوارد في مآثر حضارة وادي الرافدين نفسه(6).

ويرى بعض الباحثين أننا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن رواية الطوفان في مآثر حضارة وادي الرافدين ولا سيما في ملحمة جلجامش وفي التوراة تجعل المصدر الرئيسي لهذا الطوفان الأمطار الجسيمة، فلعله يمكن الافتراض أن زمن ذلك الطوفان يرجع إلى عصور ما قبل التأريخ البعيدة، وعلى وجه التحديد إلى العصر الحجري القديم أو أواخر هذا العصر، أي إلى العصر الجليدي الرابع حيث كان يقابل هذا العصر، عصر ممطر في أقطار الشرق الادنى مما أوجزناه في الفصل الخاص بعصور ما قبل التأريخ(7). وخلاصة القول إن معرفتنا الراهنة لا تمكننا من الجزم برأي قريب من الواقع، ولعل التحريات المقبلة ستكشف لنا ما يلقي ضوءاً أكثر في سبيل حل هذه القضية.

سلالات ما بعد الطوفان:

1- سلالة كيش الأولى:

بعد تلك الملاحظات التي بيناها عن سلالات ما قبل الطوفان نتابع تحليلنا لأثبات الملوك وربط ما جاء فيها عن السلالات التي حكمت من بعد الطوفان بما لدينا من المصادر التأريخية الأخرى. ونبدأ بسلالة "كيش" التي كانت اولى السلالات من بعد الطوفان بحسب تلك الأثبات، حيث تخصص لها 23 ملكاً أو 22 ملكاً إذا أسقطنا من حسابنا اسم الملك الثاني من ملوك هذه السلالة باعتبار أن هذا كما قلنا ليس اسم ملك بل عبارة سومرية تعني أن الاسم "مخروم" والعلم عند "الإلهة" ندايا. وإذا غضضنا النظر عن سني هؤلاء الملوك المبالغ في أطوالها مبالغة فوق المعقول، فإن حقائق أخرى مهمة تبدو واضحة من تحليلنا لأسماء هؤلاء الملوك. فأولاً إن مصادر مدونة اخرى سنشير إليها تثبت أن البعض من هؤلاء الملوك كانوا شخصيات تأريخية وأنهم حكموا في الواقع في حدود الطور الثاني من عصر فجر السلالات، وهو العهد الذي خصصه البحث الحديث إلى زمن سلالة كيش الأولى هذه، وأن سلالة الوركاء التي أعقبتها في تلك الأثبات كانت في الواقع معاصرة لها بصورة جزئية.

وهناك امر ثان ذو أهمية تأريخية خاصة في نسبة جامعي تلك الأثبات السلالة الاولى التي حكمت من بعد الطوفان إلى مدينة تقع في بلاد "آكد" وليس في بلاد "سومر"(8)، وبعبارة أخرى إلى منطقة الساميين. وإلى هذا فإن أسماء ما لا يقل عن اثني عشر ملكاً من ملوك هذه السلالة البالغ عددهم 22 أو 23 ملكاً، أسماء سامية الأصل والاشتقاق أو انها ألقاب سامية. اما الأسماء الباقية فستة منها أسماء سامية الأصل والاشتقاق أو أنها ألقاب سامية. اما الأسماء الباقية فستة منها أسماء سومرية الأربعة الباقين من أصل لا يعلم اشتقاقه اللغوي، ولعلهم من القوم المجهولين غير الساميين ولا السومريين  بسكان العراق القدماء . ولعل اول ما يستنتج من هذه الحقائق المستقاة من أثبات الملوك ظاهرة الاختلاط العنصري او القومي بين سكان وادي الرافدين القدماء منذ أقدم عصور التأريخ، الأمر الذي يقدم لنا عكس الصورة التي ارتآها الباحثون القدماء في افتراضهم الصراع والاحتراب الدائمين ما بين الساميين وبين السومريين(9). والأمر الآخر الذي تجدر ملاحظته عن هذه السلالة ما سبق أن نوَّهنا به من أن جعل كيش مركز أولى سلالة ملوكية أو سلالة حاكمة من بعد الطوفان قد يفسر لنا الحقيقة التأريخية في ان عدة ملوك قدامى قد اتخذوا لقب "ملك كيش" إشارة إلى اتساع سلطانهم السياسي في البلاد، وتطور مدلول هذا اللقب في العصور المتأخرة ولا سيما لدى الملوك الآشوريين إلى معنى" ملك العالم" (Shar – Kishshati).

ونقرأ إزاء اسم الملك الثالث عشر من سلالة كيش الاولى المسمى "إيتانا" ملاحظة طريفة عن هذا الملك هي أنه كان راعياً وأنه عرج إلى السماء ووطد جميع البلاد. و الشق الثاني من هذه العبارة يشير إلى شيء من الحقيقة التأريخية عن اتساع حكم هذا الملك. اما عن عروجه إلى السماء فتوجد أسطورة طريفة وصلت إلينا وهي مدونة باللغة البابلية(10) تروي صعود هذا الملك على ظهر تسر إلى السماء لجلب نبات خاص بحمل النساء لأن امرأته كانت عاقراً. ومع أن اللوح المدونة فيه هذه الأسطورة غير كامل فلا يعلم على وجه التأكيد هل حقق الملك "ايتانا" مطلبه، بيد أن حقيقة ما جاء في أثبات الملوك بجعل الملك الذي خلقه وهو المسمى "باليخ"، ابن ايتانا تشير إلى نجاحه في مسعاه. وغدت هذه الأسطوانة من المواضيع المحببة الشائعة عند صانعي الأختام الاسطوانية حيث ينقش فيها مشهد شخص يطير إلى السماء على ظهر نسر. ونجد ما يضاهيها في الاسطورة اليونانية والفن الكلاسيكي في أخذ الإله اليوناني "زيوس" للشاب الجميل "كانيميده" (Ganymrde) على ظهر نسر إلى السماء ليكون ساقياً له. وهناك أسطورة اخرى خاصة بايتانا في لوح موجود الآن في متحف "بوشكين" (في روسية)، وقد ترحم حديثاً وهي تدور على تزول "ايتانا" إلى العالم الاسفل(11).

أما بقية اسماء ملوك هذه السلالة فلا نعرف عنهم شيئاً آخر سوى ذكرهم في أثبات الملوك إلى أن نأتي إلى الملكين الأخيرين فيها، أي الملك الثاني والعشرين والثالث والعشرين المسمى أولهما "اينميبراكيسي" والثاني ابنه "أكا" (Aggs) حيث ذكرت تلك الأثبات عن الأول منهما أنه قهر بلاد عيلام. وقد ثبتت حقيقة هذا الملك التأريخية وتحديد زمن حكمه من نص مدون وجد في خفاجى (توتب القديمة في منطقة ديالى) في طبقة أثرية تعود في زمنها إلى الطور الثاني من عصر فجر السلالات الثاني. ورغم قصر هذا النص فإنه على قدر كبير من الأهمية لأنه، كما قلنا، يؤيد حقيقة هذا الملك التأريخية كما يعين الزمن الذي حكم فيه، فهو يذكر اسمه ولقبه بصفته ملك كيش(12). وإلى جانب هذا النص المهم يعيننا النص الذي ذكرناه بعنوان كتابة "تمال" وأوردنا ترجمته، في إثبات أن الملك "اينميبراكيسي"  وابنه "أكا" كانا أول ملكين شيدا معبد الإلهة "ننليل" في الحارة المقدسة "تمال" في نفر. إن هذه الإشارة التأريخية المهمة تجعل هذين الملكين الأخيرين من سلالة كيش الأولى متعاصرين مع الملوك الأربعة الأوائل من سلالة الوركاء الأولى التي أعقبت سلالة كيش في الحكم بحسب تلك الأثبات، وأشهرهم الملك الخامس "جلجامش"  وابنه "أور ــ ننكال" اللذان يذكرهما نص "تمال" السالف الذكر من بين الملوك الذين جددوا بناء ذلك المعبد للمرة الثالثة. وجدد هذا البناء، بحسب ذلك النص، "ميسانيبدا" الذي هو بلا شك مؤسس. سلالة أور الاولى. فيستنتج من ذلك أن هذا الملك كان معاصراً أيضاً جلجامش بعض الزمن.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار القصة الملحمية القصيرة التي تدور على النزاع والحرب ما بين "جلجامش"، خامس ملوك الوركاء وبين "آكا"، آخر ملوك كيش على أن ما جاء فيها له نصيب من الحقيقة التأريخية، فإن هذه يضيف إلى معرفتنا حقيقة أخرى مهمة عن عناصر أواخر ملوك كيش مع أوائل ملوك سلالة الوركاء الاولى؛ وتصور لنا هذه القصة الطريفة(13)، التي تنتهي على ما يبدو بالمصالحة ما بين "جلجامش" و "آكاد" ، جانباً مما كان يسود عصر دول المدن (عصر السلالات) من النزاع والاحتراب بين السلالات الحاكمة.

ميسلم:

قبل أن نورد ما نعرفه من ملاحظات على سلالة الوركاء الأولى التي تلت سلالة كيش بحسب أثبات الملوك، نذكر بعض الامور الموضحة عن ملك مهم لم يرد ذكره في هذه الأثبات، ولكن جاءت عنه أشياء تأريخية مهمة في مصادر أخرى، ونعني به الملك الشهير "ميسلم" الذي يرجح أنه حكم القطر كله أو في مدينة ما، وأن زمنه يقع في عصر السلالات الثاني. ويقرأ بعض الباحثين اسمه بهيئة "ميسلم"، ويضع الباحثون ولا سيما الألمان منعم زمنه في الطور الثاني من عصر فجر السلالات حتى أنهم يطلقون على هذا الطور اسم "عصر ميسلم"، على أن باحثين آخرين يرجعون عهده إلى الطور الثالث من ذلك العصر، وأنه حكم من بعد "أكا" بقليل، قبيل زمن ألواح "فارة". ومن الباحثين من يطابقه بمؤسس سلالة أور الأولى "ميسانيبدا"، وأنه كان ملكاً على كيش وأور . ولعل تخصيص زمن هذا الملك في فترة ما من عصر السلالات الثاني أقرب إلى الحقيقة بدلالة الإشارات القديمة إليه من جانب حكام سلالة "لجش" الأوائل الذي حكموا عصر فجر السلالات الثالث. واهم إشارة تأريخية إلى "ميسلم" هي التي وردت في نصوص "انتيمينا" حاكم مدينة "لجش" في نصه التأريخي الشهير الذي يدون أخبار النزاع والحرب ما بين مدينته "لجش" وبين المدينة المجاورة "اوما"، حيث كان الحكم في ذلك النزاع "ميسلم" الذي حكم قبل "انتيمينا" بعدة أجيال، وأنه هو الذي حدد الحدود ما بين الدولتين المتحاربتين، ويذكره بلقب ملك كيش(14)، وأن إلهه الحامي كان الإله المسمى "ستران"(Sataran) المعروف الآن بتلول العقر قرب بلدة بدرة). ونشير الكتابات القصيرة التي جاءت إلينا من الملك، "ميسلم" إلى امتداد سلطانه السياسي ولا سيما ما وجد في مدينتي لجش و "أدب" اللتين كان حاكماهما تابعين له؛ ومن الباحثين من يرى أن اسم هذا الملك كان اسماً سامياً.

وهناك احتمال طريف عن الملك "ميسلم" هو ان اسمه ورد في الجزء المخروم من أثبات الملوك السومرية كيش الاولى، أي إنه كان ثاني ملك من ملوك تلك السلالة. اما الإشارة إليه في نص "انتيمينا" على أنه ملك "كيش" فيمكن تفسيره بأمرين، اولهما أنه كان ملك كيش في الواقع ولكن سقط اسمه في أثبات الملوك كما ذكرنا، أو أن هذا لقب يشير إلى امتداد سلطانه جرياً على العرف السياسي الذي سار عليه حكام عصر فجر السلالات حين يبسطون نفوذهم على مدن أخرى، كما نوَّهنا بذلك من قبل.

2- سلالة الوركاء الاولى:

بينما في كلامنا على سلالة كيش الأولى تعاصر اواخر ملوكها ولا سيما الملك المسمى "اينميبراكيسي" وابنه "أكا" مع أوائل سلالة الوركاء الأولى. وعلى وجه التخصيص مع "جلجامش" وابنه "أور ــ ننكال" بحسب دلالة نص "تمال". اما مؤسس سلالة الوركاء فكان بحسب تلك الأثبات "مسكي كاشر"، الذي وردت بجانب اسمه ملاحظة انه كان ابن الإله الشمس "أوتو"، وأنه حكم بصفته " اين" (En) ثم بصفته ملكاً، وذهب إلى البحر وارتقى الجبال. وباستثناء هذه الملاحظة لا نعرف شيئاً آخر عن هذا الملك؛ على ان تلك الملاحظة، على اقتضابها، ذات مغزى تأريخي، فهي اولاً تشير إلى أصل هذا الملك المقدس، وان كونه حكم اولاً بصفة "أين" ثم بصفة ملك يلقي ضوءاً مهماً على أصل نظام الحكم وتطوره. فإن وظيفة الـ "أين"، كانت تجمع ما بين السلطتين الدينية والزمنية، إذ كان الحاكم والكاهن الأعلى في الوقت نفسه، وأنها سبقت وظيفة الملوكية (لوكال)، ثم ظهرت وظيفة الحاكم المجرد "آنسي" (Ensi) وكذلك وظيفة الملك حيث انفصلت الوظيفتان وأصبح الـ "أين" الكاهن الأعلى فقط.

وخلف "مسكي كاشر" ابنه المسمى "اينمركار" الذي تصفه أثبات الملوك بأنه شيد مدينة الوركاء، حيث ذكر أبوه بأنه حكم في "أي ــ أنا"، وقد سبق ان بيّنا أن "أي ــ أنا" كان أحد القسمين الرئيسين من مدينة الوركاء والقسم الثاني "كلاب" او "كلابا". ولعل ملاحظة أثبات الملوك تشير إلى أن " اينمركار" جمع قسمي المدينة وجعل منهما مدينة كبيرة واحدة يضمها سور كبيرة، وسيمر بنا أن جلجامش هو الذي أقام أسوار الوركاء. وجاءتنا من العهد البابلي القديم قصص أو ملامح قصيرة باللغة السومرية عن أعمال "أينمركار" البطولية، أشهرها القصة التي تدور على النزاع بين هذا الحاكم وبين حاكم "أراتا" (Aratta) أحد حكام المنطقة الجبلية في الأجزاء الغربية من إيران(15)، لأن "اينمركار" كان يريد إخضاع هذا الحكام سلماً أو حرباً لضمان الحصول على بعض المواد الأولية التي كانت تحتاج إليها مدينته الوركاء، ولا سيما بعض الأحجار الكريمة مثل حجر اللازورد، وكان إقليم "أراتا" على طرق القوافل الشهيرة إلى مصادرنا تلك الموارد. ولعل هذه أقدم إشارة تأريخية إلى الاتصالات التجارية ما بين وادي الرافدين وبين الجهات الشرقية. ولعل "اينمركار" هو الذي ذكر في الكتابات الإغريقية بهيئة "سوخروس" (Seuechros) وأنه كان جد البطل جلجامش (جلجامش بحسب تلك الكتابات). ويأتي من بعد "اينمركار" في أثبات الملوك "لوكال بندا"، وقد نعت الراعي. وجاء في ملحمة جلجامش أن ام هذا البطل الإلهة "ننسون" وأباه الملك المؤله "لوكال بندا". وخلف لوكال بندا في حكم الوركاء "دموزي" وقد وصف بأنه كان صياداً (صائد سمك). ولا يعلم هل هذا هو الإله "تموز" الشهيرة. اما عن "لوكال بندا" السالف الذكر فبالإضافة إلى ذكره في ملحمة جلجامش ورد عنه بعض القصص القصيرة التي تدور على النزاع مع بلاد "أراتا" مثل قصص الملك "اينمركار".

جلجامش:

سبق أن ذكرنا أن جلجامش كان الملك الخامس في سلالة الوركاء الاولى بحسب أثبات الملوك التي تضيف إزاء اسمه عبارة أن أباه كان "لُلا"، كاهن "كلاب" (أحد قسمي مدينة الوركاء). ومما لا شك فيه أن يكون جلجامش هذا بطل الملحمة الشهيرة نفسه، وهي الملحمة التي ترجع في أصولها إلى عدة قصص سومرية، ثم ألف منها باللغة الآكدية في العصر البابلي القديم في حدود القرن (الثامن عشر ق.م)(16) تلك القصة الجميلة التي تعد بحق من أروع من ما انتجه أدب حضارة وادي الرافدين والآداب القديمة.

حكام عصر فجر السلالات الثاني والثالث:

كيش 2800 ق. م 

سلالة كيش الأولى: حكم فيها 22 أو 23 ملكاً من بعد الطوفان، منهم "كلبم. قلومم. زقاقب. ايتانا، اينمراكيسي ، وآخرهم "اكا" (انظر أثبات الملوك السومرية).

سلالة كيش الثانية: 8 ملوك، منهم : داداسك و "ماما كال" (انظر أثبات الملوك).

سلالة كيش الثالثة: ملكة واحدة "كوبابا" أو "كوباو" .

سلالة كيش الرابعة : 7 ملوك : بوزر ــ سين، اور ــ زبابا، سيمودار (سيمودرا)، اوسي ــ واتر، عشتار ــ موتي ، يشمع ــ شمش، نانيا.

سلالة الوركاء الأولى: 12 ملكاً منهم: مسكيكاشر، اينمركار، لوكال بندا، دموزي، جلجامش، أور ـت ننكال، اودل ـت كلاماً، ميلام ــ أنا، لوكال ـت كيدو.

سلالة الوركاء الثانية : 3 ملوك : اين ــ شاكش ــ أنا، لوكال ــ كنيشيدودو، لوكال ــ كيسالسى

سلالة الوركاء الثالثة: لوكال ــ زاكيزي ، (2370-2400 ق.م).

سلالة الوركاء الرابعة: خمسة ملوك (2230 – 2120).

انظر أثبات الملوك.

سلالة الوركاء الخامسة: أوتو ــ حيكال (2114 – 2120) ق.م).

أور:

المقبرة الملكية: ميس ـت كلام ــ دك، آ ــ كلام ــ دك.

سلالة أور الاولى : مسانيبدا، آنيبدا ، مسكياكننا، ايلولو، بالولو.

سلالة اور الثانية: لوكال ـت كنيشيدودو، لوكال ــ كيسالسى.

لـــجش: اين ـت حيكال، لوكال ــ شاك ــ انكر.

سلالة أور – ناشئة: اور ــ ناشئة ، آكور ــ كال، ايانانم، اناناتم الاول، انتمينا، اناناتم الثاني، انيتارزي، انليتارزي، لوكال أندا، أورو كاجينا، (2370 – 2378 ق.م).

سلالات مدن اخرى:

مدينة "اوما" اوش، اينكالي، أور ــ لما ، لوكال زاكيزي.

مدينة أكشك: اونزى، اوندالولو، بوزر ــ نيراخ، ايشو ، شو ــ سين.

سلاللة اوان، سلالة حمازي:

سلالة أدب : لوكال ــ آني ــ موندو.

سلالة ماري: 6 ملوك

(انظر أثبات الملوك).

عموما. وإلى جانب ما ذكرناه عن جلجامش في كلامنا على سلالة الوركاء الأولى نضيف أن احد ملوك الوركاء المسمى "أنا"، في مطلع الألف الثاني ق.م، ذكر جلجامش بأنه هو الذي شيّد أسوار مدينة الوركاء، وبهذه الصفة أيضاً ذكر في الملحمة وايدت ذلك التحريات الآثارية الحديثة، إذ وجدت بقايا أسوار المدينة وهي مشيدة باللبن "المستوى ــ المحدب" الذي قلنا إنه يميز أبنية عصر فجر السلالات ولا سيما مباني الطورين الثاني والثاني منه. ولعل اهم إشارة تأريخية إلى جلجامش أن اسمع واسم "لوكال بندا" ذكرا من بين الأسماء المؤلهة في الألواح الصورية القديمة (الاركائية) المكتشف في تل "فارة" (مدينة شروباك القديمة) والتي قلنا إنها ترجع في زمنها إلى مطلع عصر فجر السلالات الثالث. وجاء ذكر جلجامش ايضاً في احد الكتابات المنسوبة إلى الملك "أور ـت نمو"، مؤسسة سلالة أور الثالثة أنه صار أحد قضاة العالم الأسفل. وصار جلجامش وصاحبه "أنكيدو" من المواضيع المحببة لدى ناحيتي الأختام الإسطوانية من مختلفة العهود التأريخية. هذا وقد سبق أن ذكرنا ما جاء عن جلجامش وعن ابنه "اور ـت ننكال" في نص "تمال" حيث جددا بناء معبد الإلهة "ننليل" في نفر للمرة الثانية، كما نوهنا بتعاصر جلجامش مع الملك "ميسانيبدا"، مؤسس سلالة اور الأولى، بالاستناد إلى دلالة ذلك النص.

ولعله يمكن تفسير جانب من جوانب الوضع السياسي في بلاد سومر في عصر فجر السلالات الثالث بأن "ميسانيبدا"، في سعيه للسيطرة على البلاد استطاع أن ينتزع السيطرة على المدينة المقدسة "نفر" من "أكا"، آخر ملوك سلالة كيش الاولى، ولعله استطاع أن يحكم مدينة كيش نفسها، ولذلك نجده يلقب نفسه "ملك كيش" في الكتابة المنقوشة على أحد أختامه الاسطوانية، وهذا لقب كان يعني السيطرة على البلاد كما بينا، بيد أن المرجح أنه كان طاعناً في السن لما استولى على مدينة "نفر" فلم يستطع بناء معبد "تمال"، فاضطلع بالأمر من بعده ابنه المسمى "مسكيا  كننا"، كما جاء في نص "تمال"، ولكن جلجامش نازعه السيطرة على نفر فانتزعها منع، وكان جلجامش على ما سيبدو مقدماً في السن أيضاً فوقع على ابنه "أور ــ ننكال" أمر تجديد بناء معبد "تمال"(17).

خلف ابن جلجامش في حكم الوركاء ستة ملوك لا نعرف عنهم شيئاً سوى أسمائهم الواردة في أثبات الملوك، ثم يعقب ذلك بسلالة أور الاولى التي جاءت عنها مصادر تاريخية مهمة اخرى.

سلالة "أور" الأولى:

عند انتقال الحكم من الوركاء إلى أور تبرز ظاهرة مهمة في أثبات الملوك، في حقيقة أن السنين المخصصة لملوك سلالة أور أرقام ضمن مدى الأعمار البشرية المألوفة. والواقع أن هذه الظاهرة تبدأ قبيل ذلك الزمن، اعتباراً من حكم "أور ــ ننكال"، ابن جلجامش في سلالة الوركاء الاولى.

وبالنسبة إلى هذه السلالة الجديدة لم يكن ملوكها مجرد أسماء اقتصر ذكرها في أثبات الملوك، بل إلى ذلك جاءتنا عن المهمين منهم جملة وثائق تأريخية، وأولهم مؤسس السلالة المسمى "ميسانيبدا"، الذي خصص لحكمه 80  عاماً، والمرجح كثيراً أن هذا رقم مبالغ فيه ولعله يدخل ضمنه حكم ابنه المسمى "آنيبدا"، الذي لم يرد ذكره في أثبات الملوك، ولكن النص المنقوش على آجرة رخامية وجدت في بقايا معبد الإلهة "ننخرساك" في تل العبيد يذكر اسمه وانه ابن "ميسانيبدا"(18). ولعله يصح الافتراض بهذا الصدد أن "آنيبدا" خلف اخاه "مسكياكننا" الوارد في أثبات الملوك، كما يصح العكس.

أما مؤسس السلالة "ميسانيبدا" فقد سبق أن ذكرنا عنه جملة ملاحظات في أثناء كلامنا على المقبرة الملكية في "اور" التي أرجع زمنها إلى قبيل

تأسيس تلك السلالة، كما تطرقنا إلى مسألة تعاصره مع "أكا" ومع جلجامش، وأنه استطاع أن يفرض سيطرته على مدينة "نفر" وعلى مدينة "كيش"، ولذلك اتخذ لقب ملك كيش، بدلالة كتابة أحد أختامه الاسطوانية كما ذكرنا. وهناك رأي يذهب إلى أن "ميسانيدا" و "ميسلم" شخصية تأريخية واحدة. وإذا استثنينا الكتابة القصيرة التي تنسب إلى "أيلولو" ثالث ملوك سلالة أور الاولى، فلا توجد أخبار أخرى عن ملوك السلالة الآخرين ولا عن ملوك السلالات الاخرى التي أعقبتها في الحكم.

السلالات الحاكمة من بعد سلالة "أور" الاولى:

تعدد أثبات الملوك ما بين نهاية سلالة أور الأولى وبين قيام الملك "سرجون"، مؤسس السلالة الآكدية إحدى عشرة سلالة ذكرت بهيئة متعاقبة في الحكم على النحو الذي ذكرت فيه السلالات الأخرى، في حين أن الدلالة التأريخية تشير إلى احتمال ان الكثير منها كانت متعاصرة في الزمن، كلياً أو جزيئاً(19). وإذا أخذنا بدلالة تلك الأثبات من أن السلالة التي خلقت سلالة أور في الحكم كان مركز حكمها في مدينة "أوان"(20) فإن هذا يشير إلى تسلط العيلاميين على بلاد سومر، ولكن أسماء الملوك الثلاثة المخصصة لهذه السلالة مشوهة لا يمكن قراءتها. ثم حكم من بعد سلالة "اوان" سلالة ملوك ثانية حكمت في مدينة "كيش"، وتعدد أثبات الملوك لها ثمانية ملوك ولسني حكمهم رقماً خيالياً هو (3195) سنة، ولا يعرف عنهم شيء آخر سوى ذكرهم ف تلك الأثبات. ثم ياتي من بعد ذلك حكم ملك يؤسس سلالة حاكمة في مدينة "حمازي" أو "همازي"، وهي من مدن بلاد عيلام، ثم ينتقل الحكم إلى مدينة الوركاء، حيث تقوم فيها سلالتها الثانية وعدد ملوكها ثلاثة لا نعرف عنهم سوى أسمائهم الذكورة في تلك الأثبات، ويعقبهم ملوك سلالة "أور" الثانية الذين انخرمت أسماؤهم، والمرجح أن عددهم أربعة ملوك. ثم تاتي ست سلالات قبل السلالة الآكدية لا يعرف عنها شيء سوى أسماء ملوكها المذكورة في أثبات الملوك؛ بيد أن الملك المخصص لسلالة مدينة "أدب" (تل بسمي الآن) "لوكال انيموندو" قد وجدت له كتابة متاخرة عن زمنه بألف عام تقريباً تشير إلى فتوح هذا الملك البعيدة التي امتدت إلى جبال "زاجروس"، وتعدد الحكام (أنسي Ensi) التابعين له في بلاد عيلام وفي بلاد الكوتيين (في الجهات الشمالية الشرقية)، وتذكر طرفاً من أعماله العمرانية في حقل البناء منها تشييده معبد إلهة مدينة "أدب" المسماة "ننتو" (Nin-tu) ومعيدها باسم "أي ــ نام ــ زو" (e. nam – zu)(1). وبمناسبة ذكرنا لسلالة أدب يجدر أن ننوه بأن ملكاً او حاكماً ورد اسمه بهيئة "لوكال دالو" (Lugaldalu) حكم في هذه المدينة في فترة عصر فجر السلالات الثالث أو قبيل هذا الزمن، ولكن لم يرد ذكره في أثبات الملوك، بيد أنه وجد تمثاله في أثناء التنقيبات التي اجريت في هذه المدينة (1904).

وتذكر أثبات الملوك من بعد سلالة "أدب" ستة ملوك حكموا في مدينة "ماري" (تل الحريري الآن قرب البوكمال)، لم يبق من أسمائهم سوى الملك الأول واسمع "ايل ــ شو"، وهو اسم سامي. ويجدر ان ننوه بهذا الصدد أن التنقيبات المهمة التي قام بها الفرنسيون في مدينة "ماري" كشفت عن بقايا وآثار مهمة، من بينها جملة تماثيل لحكام وشخصيات بارزة تدل هيئاتهم وأسلوب نحت تماثيلهم على أنها من عصر فجر السلالات ولا سيما من الطور الثالث منه. والمرجح أن اولئك الحكام يعودون إلى تلك السلالة الواردة في أثبات الملوك، نذكر منهم الملك المسمى "لماكي ــ ماري" (Lamagi-mari) و "أيكو ــ شمكان" (Iku - shamgan)، ومن بين الشخصيات المهمة "ابخ ــ ابل" (Ibikh-il) و "ادي ــ نازم" (Idi – narum). وعلى الرغم من أسلوب النحت السومرية والزي السومري في هذه التماثيل فإنها تعود إلى شخصيات من الساميين كما تدل على ذلك أسماء أصحابها.

وخلفت سلالة ماري سلالة حكمت في مدينة "كيش"، خصصت لحكمها أثبات الملوك ملكة واحدة اسمها "كوباو" او "كوبابا" وانها حكمت مائة عام، وكانت صاحبة حانة ووطدت الحكم في كيش. وجاء ذكر هذه الملكة في النصوص المتأخرة بأنها أزاحت من الحكم ملك مدينة "كشك" المسمى "بوزر ـت نيراخ" (Puzur – nirakh)، فيبدو أن شهرتها انتقلت إلى العصور المتأخرة، فذكرت في نصوص الفأل والتنبؤ (الخاصة بفحص أعضاء الحيوانات المقربة)، والمرجح انها أصل الاسم "كمبابوس" (Kombabos)، الكاهن "الخصي" في مدينة "هيرابوليس" ( في سورية)، ولاسمها أيضاً صلة باسم الإلهة الجثية "كوبابا" التي عبدت في شمالي ما بين النهرين. ويأتي من بعد سلالة الملكية "كوبابا" في كيش سلالة حكمت في مدينة اكشك ثم يعقب ذلك سلالة كيش الرابعة التي كان من ملوكها الملك المسمى "أور ـت زبابا" حيث كان سرجون ساقيا لهذا الملك ثم انتزع منه السلطة.

____________

(1) يقع تل المدينة بنحو 45 كم شمال شرقي الوركاء وزهاء 32 كم جنوب غربي بلدة الشطرة. وقد اشتهرت مدينة "باد ـت تبيرا" في عهد سلالة لجش(عصر فجر السلالات الثالث). وقد شيد فيها معبد للإلهة "انانا" (عشتار) عرف باسم "أي ــ مش" (e-mush) وعبد فيه قرينها الإله "دموزي" (تموز) الذي لقب لذلك بـ (Lugal e-mush). وقد يرد اسم هذا المعبد بهيئة (e-mush – kalama) حول تعيين "باد تبيرا" بتل المدينة انظر:

Vaughn Crawford in IRAQ, XXII (1960), 197ff.

(2) تل الولاية يقع في منطقة ناحية الحسينية (لواء الكوت) في الأراضي المسماة سابقاً أراضي امير ربيعة. انظر مجلة "سومر"، المجلد 15، (1959)، ص 51 فيما بعد.

(3) تعرف بقايا مدينة سبار باسم تل "أبو حبة" (على بعد نحو 20 ميلاً جنوب غربي بغداد) وقد سبق أن ذكرناها في أكثر من موضع واحد ولا سيما في أثناء كلامنا عن تأريخ التنقيبات، حيث كانت من المواضع التي تناولتها التحريات القديمة، مثل تحريات "هرمز رسام" عن المتحف البريطاني ( 1882- 1881) والأب "شايل" (Scheil) (1894) و"أندريه" و "يوردان" (1927)، واشتهرت سبار بكونها إحدى مراكز عبادة الإله الشمس "شمش"، حيث معبده فيها المسمى "اي ــ ببار" (e. babbar) وعبدت فيه معه زوجته المسماة "آي". حول التحريات في هذه المدينة انظر: Parrot, M, I, 10ff.

 (4) انظر ترجمة الاسطورة في :

Kramer, The Sumerian Mythology (1944), P. 97.

 (5) حول هذه الاحتمالات وغيرها راجع الآراء في المرجح الآتي:

CAH, I, part 2, (1971), 272ff.

(6) انظر:

A. Heidel, Gilgamesh Epic and Old Testament Parallets, (1949).

وكذلك طه باقر في مجلة سومر (1951)، والبحث المنشور في مجموعة بحوث المؤتمر السابع للمستشرقين من جماعة "ثورو دانجان" (باريس 1958) 1960 بعنوان:

M. David, Le Recit du Deluge et L'Epopee de Gilgamesh.

(7) انظر:

G. Roux, Ancient Iraq, (Pelican Book, 1966), P. 110.

 (8) راجع المقدمة الجغرافية (الفصل الأول) حول تحديد هذين القسمين من السهل الرسوبي.

(9) راجع فصل المقدمة الخاص بسكان العراق القديم، حيث الإشارة إلى أن الأستاذ "ياكبسون" (Jacobsen) كان اول من تصدى لتفنيد هذا الرأي. اما الأسماء السامية في ملوك سلالة كيش الأولى فهم الملوك المرقمة أسماؤهم بالترتيب 3 ، 4 ، 6 ، 7 ، 9 ، 12 ، 13 ، 14 ، 19 ، 20 ، 21. راجع حول الموضوع:

A. Goetze in JCSm XV, (1961), 105ff.

(10) سترد ترجمة هذه الأسطوانة في الفصل الخاص بأدب حضارة وادي الرافدين، فيكفي ان ننوه بأنها جاءتنا في كسرتين من العهد البابلي القديم وكسرة من العهد الآشوري. انظر ترجمتها في :

Speiser, in ANET.

(11) انظر: Kramer, The Sumerians, (1963), p. 44.

(12) وجد هذا النص حديثاً (1959) على كسرة إناء من حجر الرخام في المتحف العراقي (رقم سجلها 30590)، وهو يطابق النص القصير الذي وجد في خفاجى. اما نص المتحف العراقي فيذكر اسم هذا الملك بهيئة (Me – Barag – si Lugal Kish) بدون أن يذكر المقطع "اين" في أول الاسم، لأنه على ما يرجح لقب وليس جزءاً من الاسم كما نوهنا بذلك في ملاحظتنا عن بعض الأسماء الواردة في أثبات الملوك المبتدأة بمقطع (En). راجع ترجمة النص والتعليف عليه في:

Edzard, in ZA, (1959), 9ff.; SUMER, (1959), 2ff.

 (13) راجع ترجمة القصة والتعليق عليها في:

Kramer in American Journal of Archaeology, vol. LIII.

Kramer, Feom the Tablets of Sumer, (1956).

وترجمة الكتاب الثاني من جانب مؤلف هذا الكتاب بعنوان: "من ألواح سومر" (1958).

(14) حول نص "انتيمينا" راجع:

Gadd, Sumerian Reading Book, (1924).

وكذلك : Thureau – Dangin, SAK.

 (15) راجع الفصل الخاص بالآداب في الجزء الثاني من هذا الكتاب. وتجد القصة مترجمة في

Kramer, The Sumerians, (1963).

Kramer, From The Tablets of Sumer, (1956 

 (16) راجع ترجمة مؤلف هذ الكتاب لملحمة جلجامش، الطبعة الأولى (1962) والطبعة الثانية المنقحة (1971)، وسيأتي تفصيل القول عنها في الفصل الخاص بالآداب، في الجزء الثاني من هذا الكتاب. ونورد فيما يأتي أشهر الترجمات للملحمة:

1. A. Schott, Das Gilgamesh – Epos, (1934 – 1958).

2. A. Heidel, Gilgamesh Epic, (1949).

3.Speiser, in ANET, (1955).

4. C. Thomson, The Gilgamesh Epic, (1930).

5. Garelli, Gilgamesh et Sa Legende (1960).

 (17) راجع تفسير الحوادث الواردة في نص "تمال" في:

Kramer, The Sumerians,(1963), 328ff.

(18) لعله من المفيد أن ونورد ترجمة هذا النص القصير: "إلى ننخرساك، آنيبدا، ملك اور، ابن ميسانيبدا، ملك أور، شيّد هذا المعبد". Gadd, Ur Excavations, I, p. 126).

 (19) حول ذلك راجع:

CAH, (1967-71), chap, IV, 200, 220ff.

(20) لم يعين موقع مدينة "اوان" بعد، والمحتمل أنها تقع في موضع ما في منطقة "دزفول"، في الطرف الشمالي الشرقي من بلاد عيلام (الأهواز أوخوزستان). حول الحكام القدماء في بلاد عيلام، ولا سيما في عصر فجر السلالات الثالث انظر: CAH, I, part2, XXIL.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).