التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الملامح السياسية العامة لعصر فجر السلالات
المؤلف: عادل هاشم علي
المصدر: البنية الاجتماعية في العراق القديم من عصر فجر السلالات وحتى نهاية العصر البابلي القديم
الجزء والصفحة: ص2-10
18-10-2016
2730
تبدأ ملامح التاريخ السياسي للعراق القديم تظهر بصورة واضحة مع بدايات عصر فجر السلالات(1) والذي يبدأ في الالف الثالث قبل الميلاد ، وقد شهدت هذه الفترة نشوء بواكير الحياة السياسية ونشوء دويلات المدن (city state) في أولى الحضارات البشرية ، والتي كانت اساساً ومنهلاً لباقي الحضارات المعاصرة والمتعاقبة في الشرق الأدنى القديم(2) .
ان الوضع السياسي العام في بلاد سومر خلال عصور فجر السلالات كان يتميز بوجود اكثر من سلالة حاكمة وكانت كل سلالة من هذه السلالات تسيطر على مدينة رئيسة وما جاورها من مدن صغيرة وقصبات ، وقد عرفت ألمنطقه التي تحكمها كل من هذه السلالات عند الباحثين بأسم (دويلة المدينة) ، وقد ازدهرت دويلات المدن هذه في عصور فجر السلالات ثم عادت واضمحلت لتحل محلها دولة القطر الواحد ( الدولة الاكدية ) بعد ان كان النزاع والتنافس بين هذه الدويلات واضحا على الاراضي الزراعية ومصادر المياه فضلا عن الطــرق التجــارية المؤدية إلى مصادر المواد الخــام(3).
وبالاستناد الى جداول الملوك السومرية(4)، نرى ان الملوكية قد نزلت من السماء بعد الطوفان في مدينة كيش ( تل الاحيمر ) ، وقد ذكرت ان هذه المدينة حكم فيها اكثر من عشرين ملك اضفوا عليهم طابع المبالغة في سنين حكمهم(5)، ولعل اهم ما يذكر عن هذه سلالة مدينة كيش هو ان غالبية اسماء ملوكها كانت ذات اشتقاقات جزريه وهذا ما يشير الى اختلاط الاجناس السومرية مع بقية الاجناس الاخرى والتي اهمها الاقوام الجزرية(6).
وفي حكم اخر ملك لسلالة كيش وهو الملك ( اجا ) تعاصر معها ظهور سلالة الوركاء الاولى والتي اشهر ملوكها الملك كلكامش بطل الملحمة المشهورة ، وقد دخل كلكامش في الحرب مع سلالة كيش بعد ان استشار مجلس المسنين ومجلس الشباب ، ولم يعرف تفاصيل النزاع بين حاكم كيش اجا والملك كلكامش الا انه يظهر بان الطرفان قد توصلا الى صلح بين الدولتين وباتفاقية حددت بينهما(7)، ويبدو ان الصراع بين مدينة كيش ذات الطابع الجزري البدوي ومدينة الوركاء ذات الطابع السومري المتمدن ، كان يمثل صراعاً بين البداوة والحضارة وبداية تدفق الاقوام الجزرية البدوية وسيطرتها على المدن السومرية المتحضرة .
بعد سلالة الوركاء الاولى ظهرت سلالة ملكيه حاكمه جديده في مدينة اور ، وهي سلالة اور الاولى ، وقد زودتنا المصادر المسمارية بمعلومات وثائقية كثيرة عن هذه السلالة وعن اعمال ملوكها واشهرهم . ويبدو ان مؤسس هذه السلالة ( مس آنيبادا ) كان معاصراً لملك الوركاء كلكامش وملك كيش آجا(8)، ويظهر بانه هو الذي وضع نهاية الى سلالة كيش وحاكمها آجا(9)، وترجع الى زمن هذه السلالة المقبرة الملكية المشهورة التي عثر عليها في مدينة اور(10) .
بعده تذكر جداول الملوك الى ان الملوكية انتقلت الى خارج بلاد سومر وبالتحديد الى بلاد عيلام وفي مدينة ( آوان ) وحكم فيها ثلاث ملوك بعدها عادت الملوكية الى مدينة كيش معلنة قيام سلالة كيش الثانية التي ذكرتها جداول الملوك بالأضافة الى سلالات أخرى بالوركاء فضلا عن سلالة اور الثانية التي تلتها سلالة أدب ( بسمايا )(11) وقد حكم في هذه السلالة ملك ذكرته المصادر بانه من الملوك العظام الذي ارغم البلاد الأجنبية على دفع الجزيه له واعاد بذلك هيبة الملوكية السومرية (12).
ثم توالت الملوكية وتعاصرت في المدن السومرية حتى وصلت الى مدينة لكش ( تللو) حيث تكونت هناك سلالة قويه وكبيره الا انها لم يرد ذكرها في اثبات الملوك السومريين ، وربما السبب في ذلك هو ان ملوكها لم يتمتعون بصفة دينيه وانما كانوا أمراء حرب زمنيين الامر الذي جعل كتبة الجداول لا يعترفون بهم لاسيما وان هؤلاء الكتبة من طبقة الكهنة والقائمين بشؤون الدين والمجتمع على حد سواء(13).
استطاعت مدينة لكش بملوكها الحربيين الاقوياء ، السيطرة على بعض الدويلات المجاورة ونتيجة لذلك فقد دخلت بصراع قوي مع مدينة اوما ( جوخا ) الواقعه الى شمالها وقد استمر النزاع بينهما اجيالاً وكان من اهم اسبابه السيطرة على الانهار ومصادر الارواء الواقعه بين الدويلتين . وقد خلد ملك لكش المسمى ( اياناتم ) انتصاراته على مدينه اوما على مسلة من الحجر عرفت (بمسلة النسور)(14)، وبقي الصراع بين الدويلتين سجالاً حتى تدخل في حسمه احد الحكام المعاصرين كطرف ثالث وهو الملك ( ميسيلم ) حاكم دويلة كيش ، حيث قام بدور الوسيط بي الدويلتين وعقد صلحاً بنيهما وقد ثبتت معاهده الصلح على مسلات من الحجر وضعت على الحدود بين الدويلتين(15)، وهي تعد اقدم معاهدة صلح دوليه حتى الان(16).
لم يستمر ازدهار لكش وقوة امرائها العسكريين وانتصاراتهم على المناطق المجاورة أذ بدأ الضعف يدب فيها من الداخل بسبب الازمات الاقتصادية وسوء تصرف الحكام والامراء فعم الارتباك وقامت ثورة في البلاد واطاحت بالسلالة الحاكمة وتسلم الحكم ملك جديد وهو ( اورو اينمكينا ) الذي اشتهر بإصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية لاسيما وانه كان من طبقة رجال الدين(17)، وقد حكم البلاد مدة ثمانية اعوام أذ ظهر في اوما العدو التقليدي لدويلة لكش ، حاكم قوي وتوسعي وهو الملك ( لوكال زاكيزي ) الذي اطاح بمدينة لكش وقضى عليها نهائياً ؛ وقد امتاز حاكم اوما الجديد لوكال زاكيزي بمقدرته العسكرية والإدارية وطموحاته الواسعة في توحيد البلاد وضم دويلات المدن المختلفة تحت سلطته ونفذه متخذا من مدينة الوركاء عاصمة له ، انطلق منها نحو المدن الاخرى مثل كيش ونفـّـر ( نيبور ) وهو اول من تلقب بلقب ( ملك بلاد سومر )(18), وهو لقب يدل على الوحدة السياسية التي أنجزها بين دويلات المدن السومرية .
وتشير النصوص الى ان الملك لوكال زاكيزي استطاع ان يضم تحت نفوذه مناطق من خارج بلاد سومر حيث يذكر في أخباره انه مد فتوحاته الى خارج بلاد الرافدين حتى وصل الى ساحل البحر المتوسط شمالاً والخليج العربي جنوباً(19). وهذا الامر حسب رأي الدكتور( احمد الفتيان ) ليس من الممكن تصديقه كونه يفتقر الى الموضوعية التاريخية حيث ان لوكال زاكيزي الذي حكم 25 عاماً تغلب عليه حاكم مدينة صغيرة وهو الملك ( سرجون الاكدي ) أذ ليس من المعقول ان يكون ملك مثل لوكال زاكيزي يمتلك جيشا مداده من الخليج العربي الى البحر المتوسط ويخسر ملكه وسلطانه امام شخصية جديده وناشئة ولا تنتمي الى العنصر السومري المتمتع بمظاهر الحضارة والتقدم آنذاك(20).
عموماً ، فأن الشخص الذي ظهر على مسرح الاحداث (سرجون الاكدي) قد نازع لوكال زاكيزي ومعه المدن السومرية، وبعد حرب طاحنة تغلب عليه وظهرت مدينة اكد كعاصمة لبلاد سومر واكد منتهياً بذلك عصر فجــر السلالات وحلول عهد المملكة الموحدة ؛ مستفيداً بذلك (سرجون) مـــن التجربة التي سبقته في توحيد المدن السومرية وماجورها من اقاليم اخرى .
إن ظهور العنصر الجزري ( السامي ) كعنصر قيادي في بلاد الرافدين كان يعد نقطة تحول مهمة على جميع المستويات ؛ اهمها ظهور اول دولة مركزيه في التاريخ اذ نرى ان حاكم مدينة اكد سرجون كان يتمتع بمؤهلات قيادية وعسكرية وادارية من الطراز الاول وقد شملت سيطرته اضافة الى المدن السومرية اقاليم وبلدان بعيدة ؛ فعندما احتل سرجون الاكدي مدينة اور جنوب بلاد سومر ، تشير النصوص الى انه نزل الى البحر الاسفل ( الخليج العربي ) وغسل الجند اسلحتهم في مياهه وربما كان ذلك عبارة عن طقس ديني بمناسبة الانتصار ، وعند رجوعه من الجنوب هاجم مدينة ماري ( تل الحريري ) شمالاً وواصل تقدمه حتى وصل الى مدينة أبلا ( تل مارديخ ) وصولاً الى البحر المتوسط(21).
حكم سرجون الاكدي حوالي 56 سنة ، ادخل العديد من مظاهر الحضارة والتغيير فبي بلاد الرافدين ؛ وفي نهاية حكمه حدثت ثورات عدة حاصر بها الثوار مدينة اكد العاصمة ، ولكنه تمكن من القضاء على الثورة . كما ظهرت في الوقت نفسه ثورة اخرى في مدينة بابل(22)؛ وبقيت الثورات نشطة في بعض المدن وانتهى حكم سرجون دون ان يضع حداً نهائياً لها(23).
خلف سرجون في حكم الامبراطورية الاكدية ابنه ( ريموش ) وقد حكم هذا الملك مدة تسع سنوات قضى معظمها في قمع الثورات التي اندلعت في اثناء تسلمه الحكم وكانت المدن السومرية من اكثر المناطق معارضة لحكم ريموش ، وقد تزعمت مدينة اور هذه الثورات ؛ لذلك فقد جهز الملك ريموش في السنة الثالثة من حكمه حملة عسكرية سقطت على اثرها مدينة اور واطرافها(24).
بعد ان تمكن ريموش من احلال السلام بين الدويلات السومرية توجه شرقاً نحو بلاد عيلام حيث انها كانت مصدراً مهما لتمويل الثورات في المدن السومرية ضد السيادة الاكدية وبالفعل تم له اخضاع تلك المناطق ايضاً . اما من جهة الشمال فقد بنى الملك ريموش ذات طابع عسكري لتكون قاعده لحملاته نحو السوباريين في بلاد آشور وسميت هذه المدينة دور ريموش أي بمعنى حصن ريموش(25).
بعد وفاة الملك ريموش تسلم اخوه الملك ( مانشتوسو)الحكم ودام حكمه فتة 15 عاماً شهدت فيها البلاد نوعاً من الهدوء والاستقرار ، الا ان هذا السكون لم يدم طويلاً اذ اندلعت ثورة كبيرة تحالفت مدن خارجيه الا ان قوة الملك مانشتوسو العسكرية مكنته من القضاء على هذه التمردات فضلاً عن اعادة النظام في مدن بلاد آشور لغرض تنشيط التجارة الخارجية مع مناطق آسيا الصغرى ؛ ومع ذلك فأن التمردات والمؤامرات الداخلية كانت سبباً في انهاء حياة الملك مانشتوسو ، حيث ورد في احد نصوص الفأل البابلية بأنه مات مقتولاً اثر مؤامرة داخليه في البلاط الملكي(26).
تولى الحكم بعد مقتل مانشتوسو ابنه الملك (نرام سين ) وحكم مدة 37 عاما ابتدأها بأبعاد المتآمرين، الذين قتلوا اباه ،من البلاط الملكي ، وقد واجه ايضاً انتفاضات عديدة شملت جميع ارجاء الامبراطورية الاكدية ؛ ففي منطقة بابل ( القسم الجنوبي والأوسط ) ثارت ضده مدن سومرية مثل كيش وكوثى ( تل ابراهيم ) واوما والوركاء ونفر وغيرها من المدن فضلاً عن مناطق مثل مكان (عمان) ومناطق عيلام اضافة الى مناطق الشمال ؛ كمدينة ماري(27).
ويعد الباحثون الملك نرام سين بانه المؤسس الثاني للدولة الاكدية ، وهو يضاهي جده الملك سرجون الاكدي في شخصيته القيادية والعسكرية والادارية ؛ فقد اعاد الملك نرام سين للدولة الاكدية هيبتها بعد ان انفصلت الكثير من المناطق عن مركزية الامبراطورية كون ان هذه المناطق وتلك المدن لم تألف بعد نظام الدوله الكبرى الموحدة ، لأن الاسلوب الساسي السابق في الحكم كان نظام دويلات متفرقة (28).
ولتثبيت اركان الدولة الاكدية اخذ نرام سين بعمل عدة اجراءات اداريه غايتها ربط الولايات والمدن التابعة له بالمركزية الاكدية ، فكان الاجراء الاول هو فصل السياسة عن الدين وزيادة الانصهار الاجتماعي بين السومريين والاكديين ، كما جعل حكم الولايات التابعة للدولة ليس وراثيا ً ليسد الطريق امام الامراء والقادة للتفكير بان يكونوا حكاماً دائمين او ربما يتمردون ويستعصون بأحدى تلك المدن ؛ فضلا عن ذلك فقد ربط القضاء بالعاصمة اكد وجعل القرارات الصادرة من الحكام في الولايات لا تمتلك صفة الالزام الا بعد اقترانها بموافقة الملك(29).
ان نهاية حكم الملك نرام سين غير معروفة تماماً ، وقد تزامن مع نهاية حكمه ظهور الاقوام الكوتيه ، ولكن مجيء ابنه ( شار كالي شري ) الى الحكم من بعده يدل على ان الكوتيين لم يحققوا شيئاً بعد . وعلى الرغم من ان الملك شار كالي شري لم يخلف كتابات مطولة ، ويبدو انه كان منشغلاً في اخماد الثورات ولاسيما في مناطق عيلام فضلاً عن ايقاف الزحف الكوتي نحو الامبراطورية . وقد جاء من بعده ابنه الملك ( بن كلي شري ) الذي وصل للحكم والثورات والتمردات تعصف في الدولة الاكدية وحكم فترة قصيرة جداً جاء بعده ملوك ليس لهم علاقة بأ سرة الملك نرام سين حكموا لفترة وجيزة ، وهذا الامر يدل على الاضطراب الذي حدث داخل الدولة ، حتى ان بعض النصوص المسمارية تصف ذلك بالجملة الآتية " لا ندري من هو الملك ومن هو غير الملك "(30).
هذه الظروف كانت مناسبة جداً للكوتيين الذين هاجموا منطقة السهل الرسوبي في العراق وتمكنوا من احتلاله ومع ذلك فان هذا الاحتلال لم يكن كلياً وانما مناطق معينة ومتفرقة . وقد نعتت المصادر المسمارية الاقوام الكوتية بانهم اقوام لا يعرفون النظام ؛ وقد حكموا حوالي مائة سنة ( 2180 – 2060 ) ق.م عمت خلالها الفوضى والاضطراب السياسي وعدم الاستقرار(31) ؛ وكانت فترة انقطعت بها الاخبار سوى ما ورد لنا عن سلالة لكش الثانية وحاكمها المستقل عن الكوتيين الملك ( كوديا )(32). وبمجيء آخر ملك للكوتيين (تريقان) ظهر في الوركاء حاكم قوي وهو الملــــــــك ( اوتوحيكال ) الذي قاد مدينته في حرب تحرير كاملة ضد الكوتيين الذين اخذوا بالانحسار تدريجيا نحو الشمال وبالفعل قد تم طردهم وتحرير البلاد من التسلط الكوتي وتوحيدها تحت زعامته لفترة قصيرة(33).
من جانب اخر فقد كان حاكم مدينة اور المسمى اورنمو مستقلاً بمدينته الا انه اشترك في حرب التحرير مع اوتوحيكال ضد الكوتيين ؛ وبعدها استطاع بفترة وجيزة القضاء على اوتوحيكال وعلى بقية الحكام المستقلين واعاد الى البلاد وحدتها السياسية ونظام حكمها المركزي معلنا بذالك قيام امبراطورية جديدة عرفت بإمبراطورية اور الثالثة والتي دام عهدها اكثر من مائة عام (2113-2006ق.م)وهي اخر كيان سياسي للسومريين(34).
كان عهد اورنمو مليئاً بالحروب والفتوحات العسكرية التي قضت على جميع السلالات المحلية الحاكمة وعلى بقايا الكوتيين في البلاد وامتدت لتصل الى سواحل البحر المتوسط مستعيداً بذلك النشاط التجاري مع الاقاليم والبلدان المجاورة والبعيدة كما يستدل على ذلك في الوثائق الاقتصادية المكتشفة من هذه الفترة(35)؛ وخلف اورنمو ابنه ( شولكي ) الذي استمر حكمه قرابة نصف قرن وكان عهده زاخراً بالاعمال العمرانية والاجراءات التي دلت على النضوج والتقدم الحضاري . واستمر حال الدولة على ما هو عليه في عهد الملك ( امار سين ) ابن الملك شولكي وكذلك في عهد خليفته شو سين ، وقد بدأ في عهد الاخير بوادر اندفاع الاقوام الامورية نحو بلاد الرافدين(36)؛ في حين شهد عهد الملك ابي سين آخر ملوك سلالة اور الثالثة بداية ضعف وتدهور الامبراطورية ومن ثم انهيارها . وعلى الرغم من ان الملك ابي سين قد جهز في سنوات حكمه الاولى حملات عسكرية مختلفة ، الا ان ذلك لم يكن عاملاً كافيا في ارجاع النظام والاستقرار الى الدوله ؛ فمن جهة اخذ الاموريون بالضغط على حدود الامبراطورية ، ومن جهة اخرى استقلت عيلام عن مركزية سلالة اور الثالثة واخذت الولايات تدريجياً بالاستقلال عن سلطة الدوله المركزية حتى غدت سلطة الملك لا تتجاوز حدود مدينة اور نفسها(37). وقد رافق التدهور السياسي تدهوراً واضحا في الواقع الاقتصادي فكان ذلك سببا عجل في نهاية سلالة اور الثالثة ، وقد استغلت بلاد عيلام هذا الانحلال في اور فهاجمتها وقضت على سلالتها الحاكمة ؛ بينما قامت الاقوام الغربية (الامورية ) بالهجوم على المدن الغربية والسيطرة على المناطق التي كانت تابعة لنفوذ سلالة اور الثالثة التي مثل سقوطها أيذاناً لبداية عهد جديد عرف بين الباحثين باسم ( العهد البابلي القديم )(38).
إن أهم ما يميز العصر البابلي القديم هو استقلالية المدن وانفراد كل منها بحكم نفسها لذا فان البعض يطلق عليه اسم ( عصر دويلات المدن الثاني)(39)، وكان من بين اهم السلالات التي برزت آنذاك هي سلالة ( آيسن ) حيث استغل حاكمها المدعو ( آشبي ايرا ) الانحلال في دولة اور الثالثة فاستغل عن مركزيتها ؛ وبعد سقوط اور الثالثة أصبحت سلالة ايسن الوارث الشرعي لها . اذ تمكن اشبي ايرا من السيطرة على عدد من المدن السومرية التي كانت تابعة لاور ثم طرد الحامية العسكرية العيلامية في أور وجعلها ضمن المدن التابعة له(40).
ما ان دب الضعف في سلالة آيسن حتى ظهرت سلالة جديدة معاصرة لها تنافسها بالسيطرة على البلاد وهي سلالة (لارسا) التي اسسها الملك الاموري ( نبلانم ) لكنها تختلف عن ايسن كونها كانت تحظى بدعم وتأييد من العيلاميين فاستطاعت القضاء على سلالة ايسن وانهاء سيطرتها ونفوذها . ورافق ذلك ظهور مدينة بابل بسلالتها الاولى على مسرح التاريخ والتي بدأـ تنافس السلالات المتعاصرة معها لاسيما سلالة لارســـــا الى أن ظهر الملك حمورابي الذي استطاع من اسقاط سلالة لارسا وجميع السلالات الاخرى مثل سلاله اشنونا وماري وتوحيدها وضمها الى مركزية مدينة بابل العاصمة(41).
إن الحديث عن عهد حمورابي يطول كونه اقام الدولة النموذجية في تاريخ العراق القديم ؛ حيث بدأ الملك حمورابي حياته بالحروب فهاجم مدينة ايسن والوركاء وضمها اليه مما دفع بقية السلالات الى القيام بتحالفات معه في توسعاته ، واعقب هذه الهجمات فترة هدوء دام عشرين سنة ، انصرف فيها حمورابي لتنظيم شؤون دولته الداخلية وتحصين المدن وتنظيم الجيش ووضع الاسس القويمة للإدارة المركزية ، بعده استأنف حمورابي حروبه ضد سلالة لارسا وقضى على سلالتها نهائيا وأخذ بالتوسع في البلاد حتى مد نفــــوذه الى بلاد سوريــــا القديمة مسيطراً بذلك على مراكز الامـــوريين فيها(42).
وبعد وفاة حمورابي اخذت الامبراطورية الواسعة ، التي بناها ، بالانهيار تدريجيا حيث لم يكن خلفاؤه يمتلكون من القوة وحسن الإدارة ما يؤهلهم للحفاظ على الانتصارات التي حققها حمورابي وبدأ تغلغل الاقوام الجنبية في البلاد وانفصلت عدة اقاليم عن مركزية بابل العاصمة ؛ فهاجمت الاقوام الكاشية القادمة من الشرق مدن الوركاء وأور ، فيما استقلت آشور بنفسها وقامت هناك سلالة محليه حاكمة(43)؛ وقد تزامن ذلك مع قيام دولة الحيثيين القوية(44)والتي استطاع احد ملوكها وهو (مورسيليس الاول) ان يمد نفوذه وسيطرته الى بلاد الشام حتى وصل الى بلاد بابل واسقط سلالتها في عام 1595 ق.م . وبهذا انتهى العصر البابلي القديم والذي استمر زهاء أربعة قرون(45).
_______________
(1) هي الفترة التي تبدأ بعد العصر الشبيه الكتابي وقد سمي بعصر ما قبل السرجوني , وعصر لكش وعصر اللبن المستوي المحدب , وقد قسم الى ثلاث اقسام تبدأ من ( 2900-2371) , ويقابل عصر فجر السلالات عصر المملكة المصرية القديمة من نصفها الاول ( 3200-2270) غيث حبيب خليل : وادي الرافدين في عصر فجر السلالات ، رسالة ماجستير غير منشوره جامعة بغداد ، كلية الاداب 2004 ، ص 1 – ص3
(2) طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة . القسم الاول ، دار المعلمين العالية ( بغداد – 1955) ص81 . سامي سعيد الاحمد : السومريون . دار الشؤون الثقافية (بغداد-1990) ص 7.
(3) عامر سليمان، احمد مالك الفتيان: محاضرات في التاريخ القديم. جامعة الموصل – 1978، ص76- ص77.
(4) وهي نصوص مسماريه مدونة باللغة السومرية تم تأليفها على ما يرجح في عهد سلالة اور الثالثة ( 2113- 2006) ق . م وتذكر هذه الجداول اسماء ومدد حكم الملوك التي حكمت القسم الجنوبي منذ اقدم الازمنة وحتى تاريخ تأليفها وقد اعتبرت حادثة الطوفان حداً فاصلاً بيت سلالات ما قبل الطوفان وما بعده . للتفصيل ينظر صموئيل نوح كريمر : السومريون تاريخهم وحضاراتهم وخصائصهم . ترجمة فيصل الوائلي ، دار غريب ، ( الكويت -1973) ص473 وما بعدها .
(5) م . ن . والصفحة .
(6) طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات ، ص 105 .
(7) سامي سعيد الاحمد : السومريون ، ص 10 .
(8)- سامي سعيد الاحمد : المدخل الى تاريخ العالم القديم ( العراق القديم ) ، بغداد -1978، ج 1 ، ص 250.
(9) سامي سعيد الاحمد : السومريون وتراثهم الحضاري ، ص 79 .
(10) عثر في هذه المقبره على ستة عشر قبراً ملكياً ، ولكن ثلاثة اسماء ملوك فقط واسم ملكه واحده وهي الملكة (بو آبي ) التي كانت تقرا خطا شبعاد . بالأضافة الى الحلي والنفائس الثمينة الخاصة بهم .
(11) صموئيل نوح كريمر: السومريون ، ص 375 .
(12) سامي سعيد الاحمد : السومريون وتراثهم الحضاري ، ص 81 .
(13) طه باقر مقدمة في تاريخ الحضارات ، ص 106 .
(14) مسلة النسور stele of vulture : وهي منحوته من الحجر يشاهد فيها مشاهد النصر وقد صفوا الجند فيها صفوفاً على غرار ما عرف بنظام التعبية في زمن الاغريق وقد صور في المسلة الاله ننجرسو اله مدينة لكش بهيئة شخص مسلح بيده اليمنى الدبوس للقتال وفي اليسرى اصطاد بها الاسرى وفي قفا المسلة صور الملك في عدته الحربية وقربه جثث الأعداء تأكلها العقبان والنسور، وهي محفوظه الان في متحف اللوفر في باريس . جورج رو : العراق القديم . ترجمة حسين علوان حسين ، دار الشؤون ن الثقافية ، ( بغداد – 1984 ) ص 195 .
(15) للتفصيل حول الصراع بين لكش واوما ينظر صموئيل نوح كريمر : من ألواح سومر . ترجمة طه باقر ، مراجعة احمد فخري مؤسسة فراكلين ( ب ، ت ) ص 89 – ص 103
(16) عامر سليمان، احمد الفتيان: محاضرات، ص 78.
(17) عن اهم الاصلاحات التي قام بها اورو انمكينا ينظر الفصل الثاني المبحث الثاني .
(18) طه باقر وآخرون : تاريخ العراق القديم . جامعة بغداد – 1980 ، ج2 ، ص 24 .
(19) طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات ، ص 110 .
(20) احمد الفتيان: محاضرات ألقيت على طلبة الدكتوراه 2003 – 2004.
(21) سامي سعيد الأحمد : العراق القديم ، ج2 ، ص 20 – ص 21 .
(22) هذا اول ذكر لمدينة بابل حسب المعلومات وقيل بأن ذكرها في زمن سرجون الاكدي قد يكون للإشارة الى العاصمة اكد نفسها . سامي سعيد الاحمد : العراق القديم ، ج2 ، ص 27 .
(23) ل . ديلابورت : بلاد ما بين النهرين ، ترجمة محرم كمال ، مرتجعة عبد المنعم ابو بكر ، الإسكندرية ( ب ، ت ) ص 34 .
(24) م . ن . ص 35 .
(25) عبد العزيز صالح: الشرق الأدنى القديم، ( القاهرة – 1967) ج1، ص 419.
(26) جورج رو : العراق القديم ، ص 214 .
(27) فوزي رشيد: نرام سين، ملك الجهات الأربعة، ط1، ( بغداد – 1990 )، ص 19، ص 31.
(28) م . ن . ص 89 وما بعدها .
(29) فوزي رشيد، نرام سين، ص 96.
(30) م . ن . ص 123 .
(31) سامي سعيد الأحمد : العراق القديم ، ج2، ص 87 .
(32) طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات ، ص 129 – ص 130 ..
(33) فاضل عبد الواحد علي : اقدم حرب تحرير عرفها التاريخ ؛ مجلة سومر المجلد 30 (1974) ، ص 74 وما بعدها
(34) جورج رو : العراق القديم ، ص 224 .
(35) سامي سعيد الاحمد : العراق القديم ، ج 2 ، ص 109 .
(36) ل. ديلابورت : بلاد ما بين النهرين ، ص 39 – ص 41 .
جورج رو العراق القديم ، ص232 وما بعدها .
(37) فوزي رشيد : ابي سين ، ط1 ، ( بغداد – 1990 ) ص 36 – ص 44.
(38) م . ن . . ص 62 - ص 63 .
(39) سامي سعيد الاحمد : العراق الديم ، ج 2 ، ص 61
(40) طه باقر : مقدمة في تاريخ الحضارات ، ص 135 .
(41) عامر سليمان، احمد الفتيان: محاضرات، ص 122.
(42) هورست كلنغل : حمورابي ملك بابل وعصره ؛ دار الشؤون الثقافية ( بغداد – 1987) ، ص 32 وما بعدها .
(43) عامر سليمان، احمد الفتيان: محاضرات، ص 123.
(44) الحيثين هم فرع من الأقوام الهندو – الأوربية استوطنوا في مناطق آسيا الصغرى ، واستطاع احد الملوك الاقوياء وهو ( لبرناس الاول ) 1680 – 1650 ق . م . تأسيس اول دلة قوية فيها عرفت بالمملكة الحيثية القديمة وعاصمتها حاتوشاش ( بوغاز كوي حاليا ) للتفصيل ينظر أ . ر . جرني : الحيثيون ، ترجمة عبد القادر محمد ( بغداد – 1963) .
(45) سامي سعيد الاحمد : العراق القديم ، ج2 ، ص 218 .