أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-10-2016
311
التاريخ: 17-10-2016
302
التاريخ: 17-10-2016
450
التاريخ: 17-10-2016
281
|
كان اعتماد الملوك الفرثيين في حكم الأقاليم التابعة إلى إمبراطورتيهم على الأسر الارستقراطية، وكان الفرثيون في مبدأ أمرهم، كما نوهنا سابقاً أقرب ما يكونون إلى البدو منهم إلى الحضر، حتى ليمكننا أن ننظر إلى انتقال السلطة إليهم على بلاد إيران على أنه كان انتصار الإيرانيين البدو الشماليين على الإيرانيين الحضر في الجنوب. وكان أساس الحكم عندهم النظام الإقطاعي، حيث تقوم فوق هرم السلطة أسر أرستقراطية قليلة (زهاء سبع أسر) وعلى رأسها الأسرة الارشاقية المالكة، ويأتي الملك في قمة الهرم. وكان يتبع تلك الأسر سلسلة طويلة من الأمراء والرؤساء والفرسان، إلى أن نصل إلى أسفل قاعدة الهرم حيث الطبقات الدنيا من المحاربين الأتباع والفلاحين. ولم يسر الفرثيون على نظام ثابت معين في تولي العرش، على أن الطبقات العليا النبيلة كانت عاملاً حاسماً في اختيار الملك الجديد، وكان هذا الاختيار يتم في مجلس خاص بهم أشبه ما يكون بمجلس الشيوخ الروماني (السنات) حيث كان يمنح السلطات أو يحددها، كما كانت طبقة النبلاء هذه من العوامل الحاسمة في إسقاط الملك، وإلى جانب ذلك كان يوجد مجلس آخر الدولة ذو مهمة استشارية للملك، ويتألف بالدرجة الاولى من الكهنة المجوس والحكماء والمقربين إلى الملك(1). كان لكل أمير إقطاعي جيشه الخاص به من أتباعه المحاربين، ويقدم إلى الملك في حالة الحرب خدماته مع أتباعه. وعلى هؤلاء النبلاء كان يقع واجب تجهيز الجيش بالفرسان المسلحين بالرماح والسيوف والمحميين بدروع الزرد (Cataphract). أم صغار النبلاء فكانوا يجهزون جيش الملك بالفرسان المسلحين بأسلحة خفيفة (Sagitarra) مثل السهام والقسي، وجرت العادة أن هؤلاء كانوا هم الذين يبدؤون المناورة بالرمي. أو يوجد صنف ثالث من الجند في الجيش الفرثي، وهو صنف المشاة الذي كان مصدره بالدرجة الاولى من الفلاحين والعبيد.
أما عن ديانة الفرثيين فلا تسعفنا المصادر التي بين أيدينا لمعرفة كثير من الأمور عنها ولا سيما ما ادخلوه إلى إيران من معتقدات جديدة. على أنه الأخمينيين، لم تنتشر واسعاً بين الفرثيين، غير أن عبادة بعض الآلهة الأخمينية المشهورة استمرت تمارس عندهم، وفي مقدمة عبادة الإله "مثرا" والآلهة يمكن القول بوجه عام إن ديانتهم كانت تدور على عبادة القوى الطبيعية كالشمس والقمر. وأظهرت الدراسات الحديثة أن "الزرادشتية"، ديانة الفرس "أناهيتا" و"أهورا مزدا". وقد شيدت لعبادة "أناهيتا" جملة معابد، أحدهما في مدينة "سوسة" (عيلام) وعبدت تحت اسم "نانيا" (وهو الاسم البابلي، لأناهيتا أي عشتار)، وانتشرت عبادتها إلى آسية الصغرى وأقاليم البحر الأسود. ومن ناحية العشائر الدينية الخاصة بدفن الموتى لم يتبع الفرثيون العادة الفارسية المجوسية في تعريض الجثث فوق المرتفعات لتنهشها الجوارح، وإنما اتبعوا طريقة الدفن المألوفة كما تشير إلى ذلك القبور التي وجدت من هذا العهد ولا سيما التوابيت (Sarcophagus) الفرثية المزجحة عادة والتي تشبه في أشكالها الحذاء وكثيراً ما تزخرف ببعض الصور في خارجها. واشتهر الملوك الفرثيون بتساهلهم الديني إزاء الأقاليم التابعة إليهم، بالمقارنة مع اضطهاد السلوقيين والرومان لليهود وغيرهم. ومن قبيل هذا التساهل اقتباسهم أشياء كثيرة من المقومات الحضارية من السلوقيين، كالنظم الإدارية والاجتماعية، كما اشتهروا في تعلقهم بالثقافة الهلنستية.
وازدهرت الحياة الاقتصادية وتجمعت الثروات الطائلة لدى الفرثيين والأقاليم التابعة لهم ومن بينها بلاد ما بين النهرين، وكان العامل الرئيسي في ذلك اتساع التجارة الخارجية والسيطرة على معظم طرق القوافل التجارية العالمية المشهورة مما كان يربط بين قارة آسية وبين العالم الغربي، وكانت غيران والعراق مركزين ضخمين للتجارة الدولية ما بين الشرق والغرب، واحتكر الفرثيون تجارة العند والصين وأوسط آسية. ومما ساعد على ازدهار التجارة التحسن البارز في وسائل النقل والعناية بالطرق وسلامتها، فكانت طرق القوافل في البادية تجهز بالآبار والمنازل. وشيدت في المدن التجارية المهمة مثل سلوقية وتدمر و "دورا يوربس" والبتراء البيوت والخانات (المنازل) الخاصة بإيواء التجار. وتشير الوثائق التي وجدت في "دورا يوربس" إلى أن شرطة خاصة أنشئت للمحافظة على أمن الطرق التجارية. كما استفاد الفرثيون من جهاز البريد المنتظم الذي أنشأه قبلهم الفرس الأخمينيين، ولا سيما إقامة محطات الطرق لتبديل خيول العربات لضمان السرعة. فيقال مثلاً إن الملك (Vardanes) وقد شيد على قطع مسافة 350 ميلاً في يومين لما جاء لخلع أخيه "جوتارز". واستعمل نعل الخيول لأول مرة في هذا العهد.
وكان من نتائج النشاط التجاري والازدهار الاقتصادي ظهور آثارهما في العراق ولا سيما إبان القرن الثاني والأول ق.م، واتساع الحركة العمرانية. فإن المدن التي أسست في العصر السلوقي السابق استمر معظمها في الازدهار والاتساع وتضاعف العمران فيها كما أبانت التنقيبات الأثرية. وإلى هذا فإن كثيراً من المدن القديمة مما قبل العهد السلوقي التي هجرت واضمحلت قد أعيدت إليها الحياة وتجدد الاستيطان والعمران فيها. ففي الأجزاء الجنوبية من العراق وجدت آثار العهد الفرثي في معظم المدن القديمة التي جرى التنقيب فيها مثل بابل وكيش ونفر والوركاء، وفي مدن مهجورة قديمة مثل منطقة لجش(2). ففي الوركاء الاستيطان ووجدت فيها بقايا معبد شيد للإله الإيراني "كاروس" (Gareus) الفرثي "وردان" طراز روماني تقريباً، كما وجدت بناية أخرى يرجح أنها معبد للإله "مثرا"(3) وعثر في مدينة "نفر" على معبد ضخم للإله "انانا" (عشتار) من العهد الفرثي بالإضافة إلى أبنية أخرى. ومما تجدر ملاحظته في تمييز الأبنية من الدور الفرثي ما تتصف به من ضخامة الجدران وحجم اللبن الكبير المستعمل فيها.
اما في الأجزاء الشمالية من العراق فقد اعيد الاستيطان والازدهار في عدة مدن قيمة، مثل نوزي يورغان تبع قرب كركوك) وكازو (تركلان قرب كركوك أيضاً) وتبه كورا (شبانبا القديمة). ويمكن اقول إن مدينة آشور القديمة قد شيدت من جديد تقريباً فأصحت في هذا العهد مدينة كبيرة، ولكن الواقع أن إعادة بناء آشور وغيرها من المدن القديمة لم تسر على الخطط القديمة بل إن مدناً جديدة أقيمت فوق أنقاضها القديمة أو بالقرب منها. ويتجلى ذلك في مدينة آشور التي قلنا إنها أصبحت مدينة جديدة ذات شوارع مستقيمة واستعملت في أبنيتها الأعمدة وشيدت فيها الآغورات (Agora) او الأسواق على غرار "الأغورا" اليونانية، واستعملت في أبنيتها الحجارة المهندمة (Ashlar) بدلاً من اللبن والآجر كما ظهر استعمال الاواوين المفتوحة من الأمام، والساحات المحاطة بالعمد(4) (Peristyle).
وشمل هذا النشاط العمراني تجديد معابد الآلهة القديمة مثل معبد الإله آشور في مدينة آشور والإله "نابو" في بورسبا. أما معبد الإله "مردوخ" في بابل (أي ــ ساكلاً) فيبدو أنه لم ينل العناية الكافية في تجديده، كما أن المدينة نفسها استمر فيها الإهمال والتدهور باستثناء دور السكن من هذا العهد. ولعل هذا الإهمال يعزى إلى الثورة التي قامت بها بابل من جانب شخص اسمه "هيمروس" (Hymeros) في عام 127 ق.م. ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أن الامبراطور الروماني تراجان لما زارها في عام 115م لم يجد فيها ما يستحق الذكر سوى أنه "قدم القرابين لروح الاسكندر" وعندما مر بها الامبراطور الروماني "سيتيموس سويروس" (عام 199م) وجد مدينة نبوخذ نصر مهجورة يعمها الخراب(5).
ومن ناحية التركيب السكاني لمثل هذه المدن أضيف إلى السكان الأصليين والمستوطنيين الإغريق من العصر السلوقي السابق عناصر جديدة من السكان من إيران وبعض الأقطار الشرقية. ومع الاختلاط بين هذه العناصر فيبدو أن كل جماعة حافظت على مآثرها وعباداتها يشجعها في ذلك ما سبق أن ذكرناه من روح التساهل الديني الذي امتاز به الحكام الفرثيون. ففي بعض المدن مثل "دورا يوروبس" وجدت معابد إغريقية ومعابد آرامية وكنيسة مسيحية وكنيس يهودي ومعبد لعبادة الإله الإيراني مثراً. ونجد مثل هذه الصورة الطريفة في مدينة الحضر حيث عبادة الإله البابلي ــ الآشوري القديم "نرجال" جنباً إلى جنب مع عبادة الإله اليوناني "هرمز" والإلهة الآرامية "عتار غاتس" والإلهة العربية "اللات" (المضاهية للآلهة اليونانية أثينا).
أما الوثائق المسمارية التي جاءتنا من هذا العهد فلم تكن بأعداد كبيرة حيث إنها لا تتجاوز بضعة عقود تجارية وزهاء المأتي نص من النصوص الفلكية والتنجيمية، واجراء غير كاملة مما يسمى "التواريخ" (Chronicles) وثبت صغير بالمفردات الإغريقية والبابلية(6). وهكذا فيبدو أن الخط المسماري واللغات التي دونت به في مدى ثلاثة آلاف عام كان في آخر اطواره إلى الاحتضار والموت، وكان آخر ما وصل إلينا قد دون ما بين العامين 74 و 75 للميلاد على هيئة تقويم فلكي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: Ghirshman, IRAN, (1954).
(2) وجدت في تلول بقايا قصر يرجع في تأريخيه إلى المهدين السلوقي والفرثي (القرن الثالث ق.م) وقد نقش بعض أجره باليونانية باسم ملك آرامي اسمه "أدد ــ نادن ــ آخي" انظر:
Parrot, Tello, (1948), 309.
(3) انظر تقارير تنقيبات الوركاء لعام 1935 و 1940 و 1956 و 1958 و 1960.
(4) انظر: Leuzen, Die Parther stadt Assur, (1933)
(5) انظر: Dio Cassius, LXXXI, 2.
Ammianus Marcellinusm XIII, 4, 34.
(6) حول النصوص المسمارية القليلة التي جاءتنا من اعهد الفرثي انظر:
Strassmair, "Arsakiden inschriften", in ZA, (1888).
Kohler and Ungnad, 100 Ausgewaite Rechtsukunder der Spatzeit … (1909).
Sachs and Schaumberger, Late Bab. Astronomical and Related Texts (1955).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|