أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2016
1703
التاريخ: 11-6-2020
1614
التاريخ: 8-8-2016
1565
التاريخ: 31-8-2016
1187
|
صيغة الامر هل تقتضي الوجوب أو لا؟. اختلف الناس في ذلك، فقيل: إنها للوجوب (1)، وقيل: للندب (2)، وقيل: للقدر المشترك بينهما وهو الطلب (3)، وقيل: باشتراكها بينهما لفظيا (4)، وقد تدرج الاباحة فيه (5) لفظيا أو معنويا (6) باعتبار الاذن في الفعل، وقد يدرج التهديد فيها لفظيا (7)، وقيل: بالوقف (8) في الاولين (9)، وقيل للوجوب شرعا لا لغة (10).
والحق: أنها للقدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو الطلب، ولكن دل الشرع على وجوب امتثال الاوامر الشرعية فيحكم بالوجوب عند التجرد عن قرائن الندب (11)، فههن مقامان: الاول: أنها حقيقة في الطلب والدليل عليه من وجوه:
الاول: أن المفهوم من الصيغة ليس إلا طلب الفعل، وربما لا يخطر بالبال الترك، فضلا عن المنع عنه (12)، ولهذا عرف النحاة (13) وأهل الاصول (14) الامر بأنه: طلب الفعل على سبيل الاستعلاء أو العلو (15).
الثاني: ضعف دليل مثبتي الفصول المميزة - من الوجوب والندب – في حقيقة صيغة الامر، كما ستطلع عليه. الثالث: كثرة ورود الامر في الاحاديث متعلق بأشياء بعضها واجب وبعضها مندوب، من دون نصب قرينة في الكلام، وهذا غير جائز لو لم يكن حقيقة في القدر المشترك. وكذا كثرة وروده متعلقا بالأمور الواجبة وكذا بالمندوبة، من دون نصب القرينة في الكلام.
لا يقال: على تقدير كون الصيغة حقيقة في القدر المشترك، كيف يجوز استعمالها في الواجب (16) أو الندب، بدون القرينة؟! إذ المجاز مما لابد له من القرينة؟! لانا نقول: الصيغة ليست مستعملة إلا في الطلب، وإنما يعرف كون متعلقه (17) جائز الترك أو غير جائز الترك، من موضع آخر (18)، فليست إلا مستعملة في معناها الحقيقي. والقول باحتمال اقترانها بالقرينة حين الخطاب وخفائها علينا الآن، مما يأبى عنه الوجدان، لبعد خفائها في هذه المواضع على كثرتها، ولاشتراك التكاليف بيننا وبينهم (19).
حجة من قال بأنها حقيقة في الوجوب أمور:
أحدها: أن السيد إذا قال لعبده: (إفعل كذا) ولم يكن هناك قرينة أصلا، فلم يفعل، عد عاصيا، وذمه العقلاء لتركه الامتثال، فتكون للوجوب. (20)
والجواب: لا نسلم تحقق العصيان والذم على تقدير انتفاء القرينة، والقرائن في مثل هذه المواضع لا يكاد يمكن انتفاؤها، إذ الغالب علمه بالعادة العامة، أو عادة مولاه، أو فوت منفعة مولاه، ولهذا لو أمره مولاه بما (21) يختص بمصالحه، من غير أن يعود على السيد منه نفع ولا ضرر، لما ذمه العقلاء إذا لم يفعل، وهذا ظاهر. والادلة الباقية: آيات قرآنية، تدل على عدم جواز ترك ما تعلق به أمر الشارع (22)، وسيجئ بعضها. والجواب: أن هذه الآيات لا تدل على كون الصيغة حقيقة في الوجوب، كما لا يخفى. وحجة من قال بأنها للندب أمران: أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (23) أي ما شئتم (24).
وجوابه ظاهر، لبطلان تفسير الاستطاعة بالمشيئة.
وثانيهما: مساواة الامر والسؤال إل في الرتبة، والسؤال إنما يدل على الندب، فكذا الامر (25).
وجوابه: منع المساواة أولا، ونص أهل اللغة عليها غير ثابت، ومنع دلالة السؤال على الندب ثانيا.
المقام الثاني: إن امتثال الاوامر الشرعية واجب إلا مع دليل يدل على جواز ترك الامتثال، والدليل عليه أيضا من وجوه: الاول: أن امتثال الامر طاعة، إذ ليس معنى الطاعة إل الانقياد كما صرح به أرباب اللغة، وحصول الانقياد بامتثال الامر بديهي، وترك الطاعة عصيان، لتصريح أهل اللغة بأن العصيان خلاف الطاعة (26)، والعصيان حرام، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ }[الجن: 23]. الثاني: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] مع الآيات الدالة على ذم ترك الطاعة، كقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [النساء: 80] وغيرها. الثالث: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
والتهديد على مخالفة مطلق الامر لا يصح إلا مع وجوب امتثال مطلق الامر. الرابع: م ذكره السيد المرتضى رحمه الله من حمل الصحابة كل أمر ورد في القرآن أو السنة على الوجوب(27). والظاهر كون باعث حملهم هو ما ذكرناه في هذا المقام، لما مر (28) في المقام الاول، ولأصالة عدم النقل. واعلم أن صاحب المعالم قال في أواخر هذا البحث: فائدة: يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الائمة عليهم السلام، أن استعمال صيغة الامر في الندب كان شائعا في عرفهم، بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتماله من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي، فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به منهم عليهم السلام (29) انتهى كلامه أعلى الله مقامه. وأنت بعد خبرتك بما ذكرنا تعلم أن صيغة الامر في كلام الائمة عليهم السلام ليست مستعملة إلا فيما استعملت فيه في كلام الله تعالى (30)، وكلام جدهم صلى الله عليه وآله، وكيف يتصور عنهم نقل لفظ كثير الاستعمال عن معناه الحقيقي في كلام جدهم صلى الله عليه وآله من غير تنبيه وإعلام لاحد: أن عرفنا في هذا اللفظ هذا المعنى؟! حاشاهم عن ذلك، بل الصيغة في كلامهم أيضا مستعملة في طلب مبدأ الصيغة، وإنما يعلم العقاب على الترك وعدمه من أمر خارج. وورودها في كلامهم أيضا مجردة، محمولة على الوجوب المذكور، لفرض طاعتهم أيضا، لما مر، ولما رواه الكليني، في باب فرض طاعة الائمة عليهم السلام من الكافي، بسنده عن بشير العطار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته (31). وبسنده عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } [النساء: 54] قال: الطاعة المفروضة (32).
وفي الصحيح: عن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا... الحديث (33). وروى الحسين بن أبي العلاء، في الصحيح: قال: ذكرت لابي عبد الله عليه السلام قولنا في الاوصياء: إن طاعتهم مفترضة؟ قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وهم الذين قال الله عز وجل {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55] (34).
وفي الصحيح: عن معمر بن خلاد قال: سأل رجل فارسي أب الحسن عليه السلام، فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم. قال: مثل طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: نعم (35). وفي الموثق: عن أبى بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الائمة هل يجرون في الامر والطاعة مجرى واحد؟ قال: نعم (36). إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المذكورة في هذا الباب وفي غيره، ولا شك أن الانقياد لمطلوبهم (37) طاعة، وطاعتهم واجبة، فامتثال أوامرهم واجب مطلقا إلا ما دل دليل على جواز عدم العمل به، وهذا ظاهر.
تذنيب : في مفاد صيغة الأمر الواردة بعد الحظر:
اختلفوا في صيغة الامر إذا وردت بعد الحظر، على أقوال: الوجوب (38)، والندب، والاباحة (39)، وتابعية ما قبل الحظر، والتوقف (40).
والحق: أن صيغة الامر - إذا وردت بعد الحظر أو الكراهة (41)، أو في مقام مظنة الحظر أو الكراهة، بل في موضع تجويز السائل واحدا منهما (42)، كأن يقول العبد: هل أنام أو أخرج؟ أو نحو ذلك، فيقول المولى له: (إفعل ذلك) (43) - لا تدل إلا على رفع ذلك المنع التحريمي أو التنزيهي المحقق أو المحتمل (44).
وهو كالإذن في الفعل، أمر مشترك بين الاباحة والندب والوجوب. فالإباحة: مثل {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } [المائدة: 2]. والندب: مثل {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10].
والوجوب: مثل {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. لن: تبادر رفع المنع من الفعل. والظاهر أنها مجاز في هذا المعنى، والتبادر لأجل القرينة، وهي مسبوقية الصيغة بالمنع المحقق أو المحتمل، وتعليقها على زوال علة المنع في البعض. وأيضا: إجراء أدلة الوجوب والندب لا يتصور فيما نحن فيه، لأنه فرع فهم الطلب من (45) الصيغة، وفرديتها لمفهوم الامر، مع أنها ليست كذلك فيما نحن فيه (46).
_____________
(1) ذهب إليه الغزالي: المنخول: 107، والفخر الرازي: المحصول 1 / 204، والمحقق الحلي: معارج الاصول: 64، والعلامة الحلي: تهذيب الاصول: 21، والبيضاوي، كما في الابهاج: 2 / 22، وابن الحاجب: المنتهى: 91، وشرح العضد: 1 / 191 (المتن)، والمحقق الشيخ حسن: معالم الدين: 46.
(2) ذهب إليه ابو هاشم، كما في: شرح العضد 1 / 191.
(3) ذهب إليه الجبائي. حكاه عنه في: المنخول: 104.
(4) ذهب إليه الشافعي. حكاه عنه في: المستصفى: 1 / 426، وقال به السيد المرتضى أيضا: الذريعة: 1 / 53.
(5) كذا في ط، وفي النسخ: فيهما. حكاه الأسنوي دون أن يسمي قائله: التمهيد: 268.
(6) كذا في ب، وفي سائر النسخ: ومعنوي.
(7) قال الأسنوي في التمهيد: 268: حكاه الغزالي في المستصفى. ولكن في المستصفى: وقال قوم هو مشترك بين هذه الوجوه الخمسة عشر كلفظ العين والقرء : المستصفى: 1 / 419.
(8) في ط: بالتوقف.
(9) ذهب إليه الآمدي، حيث قال وهو الاصح : الاحكام: 2 / 369، وابو الحسن الاشعري، والقاضي الباقلاني، كما في المنخول: 105، و: شرح العضد: 1 / 192.
(10) اختلف في القائل بذلك، للاختلاف في فهم كلمات الاصوليين، ولعل المصنف أراد به قول الشافعي. انظر: الابهاج: 2 / 25. وقد ذهب الشيخ الطوسي إلى انها تقتضي الايجاب إن صدرت عن الحكيم: العدة 1 / 63. وقد يكون هذا القول هو مراد من ذكر هذ الاحتمال والله العالم.
(11) الذريعة: 1 / 53، المنخول: 108، المنتهى: 91.
(12) في ب: المنع من الترك.
(13) شرح المفصل: 7 / 58.
(14) التمهيد: 265، معارج الاصول: 62، تهذيب الاصول: 20.
(15) عبارة (أو العلو) ساقطة من أ، ومع فرض وجودها تكون اشارة إلى الخلاف بين الاصوليين في اشتراط العلو، أو اشتراط الاستعلاء، أو عدم اشتراط شيء منهما. انظر تفصيل هذه الاقوال وادلتها في: المحصول: 1 / 198 - 199.
(16) كذا في النسخ، والظاهر انه: الوجوب.
(17) كذا في أ، وفي سائر النسخ: كون متعلق الصيغة.
(18) في ط: مواضع اخر.
(19) فان قلت: فالمنع من الترك والاذن فيه مراد للشارع ليكون داخلا فيما استعمل فيه الصيغة، فيكون استعمال الصيغة في جل المواضع مجاز. قلت: المنع من الترك والاذن فيه ليسا من صفات الطلب ولا الفعل المطلوب حقيقة، بل من صفات الطالب، وظاهر انه لا يختلف معنى الصيغة باختلاف صفات المتكلم بها، بل نقول: المنع من الترك مما لا ينفك عن حقيقة صيغة الامر، غاية الامر أن المنع في بعض المواضع تنزيهي كما في المندوبات، وفي البعض تحريمي غير كبيرة، كما في الواجبات التي تركها من الصغائر، وفي البعض تحريمي كبيرة، كما في ما تركه يوجب الكفر ك (آمن به) ونحوه. فلو كان كون الصيغة للطلب يوجب مجازيتها في هذه المواضع، كان كونه للإيجاب أيضا - يوجب مجازيتها في اغلب مواضع الايجاب، وهم ينكرونه. فالحق ما عرفت من أن العقاب على ترك الفعل أو حرمان الثواب عليه، أو الثواب على الفعل، ليسا مما يتعقل دخوله في معنى الصيغة، فتأمل جدا. (منه رحمه الله).
(20) معارج الاصول: 64.
(21) في أ: لم.
(22): الذريعة: 1 / 57 - 58، المحصول: 1 / 205 - 234.
(23) غوالي اللآلي: 4 / 58 ح 206، صحيح مسلم: 2 / 975 ح 1337، مسند أحمد: 2 / 247 السنن الكبرى: 1 / 215.
(24) المنتهى: 92.
(25) المحصول: 1 / 235، منهاج الوصول: 75.
(26) المفردات في غريب القرآن: حرف العين / ص 337
(27) الذريعة: 1 / 54.
(28) في ط: لا ما مر.
(29) معالم الدين: 53.
(30) في أ: إلا فيم استعمل فيه كلام الله.
(31) الكافي: 1 / 186 - كتاب الحجة / باب فرض طاعة الائمة ح 3.
(32) الكافي: 1 / 186 ح 4.
(33) الكافي: 1 / 186 ح 6.
(34)الكافي: 1 / 186 ح 7.
(35) الكافي: 1 / 186 ح 8.
(36) الكافي: 1 / 186 ح 9.
(37) كذا في ط، وفي سائر النسخ: ان انقياد مطلوبهم.
(38) ذهب إليه الفخر الرازي، المحصول: 1 / 236، والبيضاوي: منهاج الوصول: 76، والعلامة الحلي: تهذيب الوصول: 21.
(39) حكاه ابن الحاجب: المنتهى: 98، والبيضاوي: منهاج الوصول: 76.
(40) حكاه ابن الحاجب: المنتهى: 98. وذهب السيد المرتضى: الذريعة: 1 / 73، والشيخ الطوسي: العدة: 1 / 68، والمحقق الحلي: معارج الاصول: 65، إلى أن حكم الامر الواقع بعد الحظر هو حكم الامر المبتدأ.
(41) كذا في ب، وفي سائر النسخ: والكراهة.
(42) في ط: منها.
(43) في ط: افعل كذا.
(44) هذا قريب مما ذهب إليه الغزالي: المستصفى 1 / 435.
(45) في ط: عن.
(46) عبارة (فيم نحن فيه): زيادة من ب.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|