المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



مفاد صيغة الأمر  
  
1889   09:27 صباحاً   التاريخ: 16-10-2016
المؤلف : عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني
الكتاب أو المصدر : الوافية في أصول الفقه
الجزء والصفحة : ص66
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

صيغة الامر هل تقتضي الوجوب أو لا؟. اختلف الناس في ذلك، فقيل: إنها للوجوب (1)، وقيل: للندب (2)، وقيل: للقدر المشترك بينهما وهو الطلب (3)، وقيل: باشتراكها بينهما لفظيا (4)، وقد تدرج الاباحة فيه (5) لفظيا أو معنويا (6) باعتبار الاذن في الفعل، وقد يدرج التهديد فيها لفظيا (7)، وقيل: بالوقف (8) في الاولين (9)، وقيل للوجوب شرعا لا لغة (10).

والحق: أنها للقدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو الطلب، ولكن دل الشرع على وجوب امتثال الاوامر الشرعية فيحكم بالوجوب عند التجرد عن قرائن الندب (11)، فههن مقامان: الاول: أنها حقيقة في الطلب والدليل عليه من وجوه:

الاول: أن المفهوم من الصيغة ليس إلا طلب الفعل، وربما لا يخطر بالبال الترك، فضلا عن المنع عنه (12)، ولهذا عرف النحاة (13) وأهل الاصول (14) الامر بأنه: طلب الفعل على سبيل الاستعلاء أو العلو (15).

الثاني: ضعف دليل مثبتي الفصول المميزة - من الوجوب والندب – في حقيقة صيغة الامر، كما ستطلع عليه. الثالث: كثرة ورود الامر في الاحاديث متعلق بأشياء بعضها واجب وبعضها مندوب، من دون نصب قرينة في الكلام، وهذا غير جائز لو لم يكن حقيقة في القدر المشترك. وكذا كثرة وروده متعلقا بالأمور الواجبة وكذا بالمندوبة، من دون نصب القرينة في الكلام.

لا يقال: على تقدير كون الصيغة حقيقة في القدر المشترك، كيف يجوز استعمالها في الواجب (16) أو الندب، بدون القرينة؟! إذ المجاز مما لابد له من القرينة؟! لانا نقول: الصيغة ليست مستعملة إلا في الطلب، وإنما يعرف كون متعلقه (17) جائز الترك أو غير جائز الترك، من موضع آخر (18)، فليست إلا مستعملة في معناها الحقيقي. والقول باحتمال اقترانها بالقرينة حين الخطاب وخفائها علينا الآن، مما يأبى عنه الوجدان، لبعد خفائها في هذه المواضع على كثرتها، ولاشتراك التكاليف بيننا وبينهم (19).

حجة من قال بأنها حقيقة في الوجوب أمور:

أحدها: أن السيد إذا قال لعبده: (إفعل كذا) ولم يكن هناك قرينة أصلا، فلم يفعل، عد عاصيا، وذمه العقلاء لتركه الامتثال، فتكون للوجوب. (20)

والجواب: لا نسلم تحقق العصيان والذم على تقدير انتفاء القرينة، والقرائن في مثل هذه المواضع لا يكاد يمكن انتفاؤها، إذ الغالب علمه بالعادة العامة، أو عادة مولاه، أو فوت منفعة مولاه، ولهذا لو أمره مولاه بما (21) يختص بمصالحه، من غير أن يعود على السيد منه نفع ولا ضرر، لما ذمه العقلاء إذا لم يفعل، وهذا ظاهر. والادلة الباقية: آيات قرآنية، تدل على عدم جواز ترك ما تعلق به أمر الشارع (22)، وسيجئ بعضها. والجواب: أن هذه الآيات لا تدل على كون الصيغة حقيقة في الوجوب، كما لا يخفى. وحجة من قال بأنها للندب أمران: أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (23) أي ما شئتم (24).

وجوابه ظاهر، لبطلان تفسير الاستطاعة بالمشيئة.

وثانيهما: مساواة الامر والسؤال إل في الرتبة، والسؤال إنما يدل على الندب، فكذا الامر (25).

وجوابه: منع المساواة أولا، ونص أهل اللغة عليها غير ثابت، ومنع دلالة السؤال على الندب ثانيا.

المقام الثاني: إن امتثال الاوامر الشرعية واجب إلا مع دليل يدل على جواز ترك الامتثال، والدليل عليه أيضا من وجوه: الاول: أن امتثال الامر طاعة، إذ ليس معنى الطاعة إل الانقياد كما صرح به أرباب اللغة، وحصول الانقياد بامتثال الامر بديهي، وترك الطاعة عصيان، لتصريح أهل اللغة بأن العصيان خلاف الطاعة (26)، والعصيان حرام، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ }[الجن: 23]. الثاني: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] مع الآيات الدالة على ذم ترك الطاعة، كقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [النساء: 80] وغيرها. الثالث: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

والتهديد على مخالفة مطلق الامر لا يصح إلا مع وجوب امتثال مطلق الامر. الرابع: م ذكره السيد المرتضى رحمه الله من حمل الصحابة كل أمر ورد في القرآن أو السنة على الوجوب(27). والظاهر كون باعث حملهم هو ما ذكرناه في هذا المقام، لما مر (28) في المقام الاول، ولأصالة عدم النقل. واعلم أن صاحب المعالم قال في أواخر هذا البحث: فائدة: يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الائمة عليهم السلام، أن استعمال صيغة الامر في الندب كان شائعا في عرفهم، بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتماله من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي، فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به منهم عليهم السلام (29) انتهى كلامه أعلى الله مقامه. وأنت بعد خبرتك بما ذكرنا تعلم أن صيغة الامر في كلام الائمة عليهم السلام ليست مستعملة إلا فيما استعملت فيه في كلام الله تعالى (30)، وكلام جدهم صلى الله عليه وآله، وكيف يتصور عنهم نقل لفظ كثير الاستعمال عن معناه الحقيقي في كلام جدهم صلى الله عليه وآله من غير تنبيه وإعلام لاحد: أن عرفنا في هذا اللفظ هذا المعنى؟! حاشاهم عن ذلك، بل الصيغة في كلامهم أيضا مستعملة في طلب مبدأ الصيغة، وإنما يعلم العقاب على الترك وعدمه من أمر خارج. وورودها في كلامهم أيضا مجردة، محمولة على الوجوب المذكور، لفرض طاعتهم أيضا، لما مر، ولما رواه الكليني، في باب فرض طاعة الائمة عليهم السلام من الكافي، بسنده عن بشير العطار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته (31). وبسنده عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } [النساء: 54] قال: الطاعة المفروضة (32).

وفي الصحيح: عن أبي الصباح الكناني، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا... الحديث (33). وروى الحسين بن أبي العلاء، في الصحيح: قال: ذكرت لابي عبد الله عليه السلام قولنا في الاوصياء: إن طاعتهم مفترضة؟ قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وهم الذين قال الله عز وجل {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55] (34).

وفي الصحيح: عن معمر بن خلاد قال: سأل رجل فارسي أب الحسن عليه السلام، فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال: نعم. قال: مثل طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: نعم (35). وفي الموثق: عن أبى بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الائمة هل يجرون في الامر والطاعة مجرى واحد؟ قال: نعم (36). إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المذكورة في هذا الباب وفي غيره، ولا شك أن الانقياد لمطلوبهم (37) طاعة، وطاعتهم واجبة، فامتثال أوامرهم واجب مطلقا إلا ما دل دليل على جواز عدم العمل به، وهذا ظاهر.

تذنيب : في مفاد صيغة الأمر الواردة بعد الحظر:

اختلفوا في صيغة الامر إذا وردت بعد الحظر، على أقوال: الوجوب (38)، والندب، والاباحة (39)، وتابعية ما قبل الحظر، والتوقف (40).

والحق: أن صيغة الامر - إذا وردت بعد الحظر أو الكراهة (41)، أو في مقام مظنة الحظر أو الكراهة، بل في موضع تجويز السائل واحدا منهما (42)، كأن يقول العبد: هل أنام أو أخرج؟ أو نحو ذلك، فيقول المولى له: (إفعل ذلك) (43) - لا تدل إلا على رفع ذلك المنع التحريمي أو التنزيهي المحقق أو المحتمل (44).

وهو كالإذن في الفعل، أمر مشترك بين الاباحة والندب والوجوب. فالإباحة: مثل {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } [المائدة: 2]. والندب: مثل {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10].

والوجوب: مثل {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. لن: تبادر رفع المنع من الفعل. والظاهر أنها مجاز في هذا المعنى، والتبادر لأجل القرينة، وهي مسبوقية الصيغة بالمنع المحقق أو المحتمل، وتعليقها على زوال علة المنع في البعض. وأيضا: إجراء أدلة الوجوب والندب لا يتصور فيما نحن فيه، لأنه فرع فهم الطلب من (45) الصيغة، وفرديتها لمفهوم الامر، مع أنها ليست كذلك فيما نحن فيه (46).

_____________

(1) ذهب إليه الغزالي: المنخول: 107، والفخر الرازي: المحصول 1 / 204، والمحقق الحلي: معارج الاصول: 64، والعلامة الحلي: تهذيب الاصول: 21، والبيضاوي، كما في الابهاج: 2 / 22، وابن الحاجب: المنتهى: 91، وشرح العضد: 1 / 191 (المتن)، والمحقق الشيخ حسن: معالم الدين: 46.

(2) ذهب إليه ابو هاشم، كما في: شرح العضد 1 / 191.

(3) ذهب إليه الجبائي. حكاه عنه في: المنخول: 104.

(4) ذهب إليه الشافعي. حكاه عنه في: المستصفى: 1 / 426، وقال به السيد المرتضى أيضا: الذريعة: 1 / 53.

(5) كذا في ط، وفي النسخ: فيهما. حكاه الأسنوي دون أن يسمي قائله: التمهيد: 268.

(6) كذا في ب، وفي سائر النسخ: ومعنوي.

(7) قال الأسنوي في التمهيد: 268: حكاه الغزالي في المستصفى. ولكن في المستصفى: وقال قوم هو مشترك بين هذه الوجوه الخمسة عشر كلفظ العين والقرء : المستصفى: 1 / 419.

(8) في ط: بالتوقف.

(9) ذهب إليه الآمدي، حيث قال وهو الاصح : الاحكام: 2 / 369، وابو الحسن الاشعري، والقاضي الباقلاني، كما في المنخول: 105، و: شرح العضد: 1 / 192.

(10) اختلف في القائل بذلك، للاختلاف في فهم كلمات الاصوليين، ولعل المصنف أراد به قول الشافعي. انظر: الابهاج: 2 / 25. وقد ذهب الشيخ الطوسي إلى انها تقتضي الايجاب إن صدرت عن الحكيم: العدة 1 / 63. وقد يكون هذا القول هو مراد من ذكر هذ الاحتمال والله العالم.

(11) الذريعة: 1 / 53، المنخول: 108، المنتهى: 91.

(12) في ب: المنع من الترك.

(13) شرح المفصل: 7 / 58.

(14) التمهيد: 265، معارج الاصول: 62، تهذيب الاصول: 20.

(15) عبارة (أو العلو) ساقطة من أ، ومع فرض وجودها تكون اشارة إلى الخلاف بين الاصوليين في اشتراط العلو، أو اشتراط الاستعلاء، أو عدم اشتراط شيء منهما. انظر تفصيل هذه الاقوال وادلتها في: المحصول: 1 / 198 - 199.

(16) كذا في النسخ، والظاهر انه: الوجوب.

(17) كذا في أ، وفي سائر النسخ: كون متعلق الصيغة.

(18) في ط: مواضع اخر.

(19) فان قلت: فالمنع من الترك والاذن فيه مراد للشارع ليكون داخلا فيما استعمل فيه الصيغة، فيكون استعمال الصيغة في جل المواضع مجاز. قلت: المنع من الترك والاذن فيه ليسا من صفات الطلب ولا الفعل المطلوب حقيقة، بل من صفات الطالب، وظاهر انه لا يختلف معنى الصيغة باختلاف صفات المتكلم بها، بل نقول: المنع من الترك مما لا ينفك عن حقيقة صيغة الامر، غاية الامر أن المنع في بعض المواضع تنزيهي كما في المندوبات، وفي البعض تحريمي غير كبيرة، كما في الواجبات التي تركها من الصغائر، وفي البعض تحريمي كبيرة، كما في ما تركه يوجب الكفر ك‍ (آمن به) ونحوه. فلو كان كون الصيغة للطلب يوجب مجازيتها في هذه المواضع، كان كونه للإيجاب أيضا  - يوجب مجازيتها في اغلب مواضع الايجاب، وهم ينكرونه. فالحق ما عرفت من أن العقاب على ترك الفعل أو حرمان الثواب عليه، أو الثواب على الفعل، ليسا مما يتعقل دخوله في معنى الصيغة، فتأمل جدا. (منه رحمه الله).

(20) معارج الاصول: 64.

(21) في أ: لم.

(22): الذريعة: 1 / 57 - 58، المحصول: 1 / 205 - 234.

(23) غوالي اللآلي: 4 / 58 ح 206، صحيح مسلم: 2 / 975 ح 1337، مسند أحمد: 2 / 247 السنن الكبرى: 1 / 215.

(24) المنتهى: 92.

(25) المحصول: 1 / 235، منهاج الوصول: 75.

(26) المفردات في غريب القرآن: حرف العين / ص 337

(27) الذريعة: 1 / 54.

(28) في ط: لا ما مر.

(29) معالم الدين: 53.

(30) في أ: إلا فيم استعمل فيه كلام الله.

(31) الكافي: 1 / 186 - كتاب الحجة / باب فرض طاعة الائمة ح 3.

(32) الكافي: 1 / 186 ح 4.

(33) الكافي: 1 / 186 ح 6.

(34)الكافي: 1 / 186 ح 7.

(35) الكافي: 1 / 186 ح 8.

(36) الكافي: 1 / 186 ح 9.

(37) كذا في ط، وفي سائر النسخ: ان انقياد مطلوبهم.

(38) ذهب إليه الفخر الرازي، المحصول: 1 / 236، والبيضاوي: منهاج الوصول: 76، والعلامة الحلي: تهذيب الوصول: 21.

(39) حكاه ابن الحاجب: المنتهى: 98، والبيضاوي: منهاج الوصول: 76.

(40) حكاه ابن الحاجب: المنتهى: 98. وذهب السيد المرتضى: الذريعة: 1 / 73، والشيخ الطوسي: العدة: 1 / 68، والمحقق الحلي: معارج الاصول: 65، إلى أن حكم الامر الواقع بعد الحظر هو حكم الامر المبتدأ.

(41) كذا في ب، وفي سائر النسخ: والكراهة.

(42) في ط: منها.

(43) في ط: افعل كذا.

(44) هذا قريب مما ذهب إليه الغزالي: المستصفى 1 / 435.

(45) في ط: عن.

(46) عبارة (فيم نحن فيه): زيادة من ب.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.