أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-12-2015
4802
التاريخ: 2-10-2014
4953
التاريخ: 9-11-2014
5248
التاريخ: 2023-04-27
1105
|
إذا قلنا بالتحسين والتقبيح العقليين وأنّ العقل يدرك لزوم ما يُحسّنه العقل ، والاجتناب على ما يُقبّحه ، يُفسّر بذلك لفيف من الآيات :
أ ـ إنّه سبحانه يصف فعله بالنزاهة عن العبث واللغو ، ويقول :
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون : 115].
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الدخان : 38] .
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص : 27].
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] .
وعلى ضوء ذلك فأفعاله سبحانه لا تنفك عن الأغراض ، لكن الغرض غاية للفعل لا للفاعل ، وبذلك يُعلم جواب السؤال التالي :
لو كان فعله تعالى نابعاً عن الغرض لكان ناقصاً بذاته ، مستكملاً بتحصيل ذلك الغرض ؛ لأنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه وهو معنى الاكتمال .
والجواب : أنّ السائل خلط بين الغرض الراجع إلى الفاعل والغرض الراجع إلى فعله ، فالاستكمال موجود في الأوّل دون الثاني ، والقائل بأنّ أفعاله سبحانه ليست منفكّة عن الغايات والدواعي إنّما يعني بها الثاني، أي كونه غرضاً للفعل دون الأوّل، فانّ الغرض بالمعنى الأوّل ينافي كونه غنياً بالذات ، والغرض بالمعنى الثاني يوجب خروج فعله عن كونه عبثاً ولغواً وكونه سبحانه عابثاً ولاغياً ، فالجمع بين كونه غنياً غير محتاج إليه وكونه حكيماً منزّهاً عن العبث واللغو يحصل باشتمال أفعاله على مصالح وحكم ترجع إلى العباد والنظام لا إلى وجوده وذاته .
نعم ربّما يمكن أن يقال إنّ هذا النوع من التفسير يرجع إلى تفسير الآية في ضوء المدارس الكلامية مع أنّ البحث في غيره .
والجواب أنّ المقصود من المدارس الكلامية هو الأحكام العقلية غير الواضحة على أكثر العقول ، وأمّا الظاهر عليه فهو تفسير بالعقل الصريح ، والتحسين والتقبيح من هذا النوع من الإدراكات العقلية وان استخدمته العدلية في مدارسهم الكلامية .
ب ـ اللّه عادل لا يجور
إنّه سبحانه يصف نفسه بكونه قائماً بالقسط ، يقول : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ } [آل عمران : 18].
وكما شهد على ذاته بالقيام بالقسط ، عُرف الغاية من بعثة الأنبياء بإقامة القسط بين الناس .
قال سبحانه : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد : 25].
كما صرّح بأنّ القسط هو الركن الأساس في محاسبة العباد يوم القيامة ؛ إذ يقول سبحانه : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } [الأنبياء : 47].
وما في هذه الآيات وغيرها إرشادات إلى ما يدركه العقل من صميم ذاته ، بأنّ العدل كمال لكلّ موجود حي مدرِك مختار ، وأنّه يجب أن يوصف اللّه تعالى به في أفعاله في الدنيا والآخرة ، ويجب أن يقوم سفراؤه به .
وبعبارة أُخرى : اللّه سبحانه عادل ؛ لأنّ الظلم قبيح ، ولا يصدر القبيح من الحكيم ، فلا يصدر الظلم من اللّه سبحانه .
هذا نموذج ثان لتفسير الآيات بالعقل العملي الصريح ، وعليك الإمعان في الآيات التي ترجع إلى العقائد ، كي تستخرج منها ما يرجع إلى العقل النظري وما يرجع إلى العقل العملي وتفسيرها بأحدهما في نهاية الأمر .
بقيت هنا أُمور :
الأوّل : إنّه سبحانه يصف نفسه في سورة الحشر بصفات لا يمكن تفسيرها إلاّ في ضوء العقل الصريح ، فمَن رفض العقل في تفسير القرآن الكريم يعرقل خطاه في تفسير هذا القسم من الآيات .
يقول سبحانه : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر : 22].
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر : 23].
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الحشر : 24].
وفي هذا القسم من التفسير لا يهتم المفسّر في إخضاع الآيات لمنهج عقلي كلامي خاص ، وإنّما هو من قبيل الاستضاءة بهذه الأُصول الثابتة عند العقل في تحصيل الآيات .
الثاني : إنّ مَن اتّخذ العقل أداةً وحيدة للتفسير يجب عليه الاقتصار على تفسير الآيات الراجعة إلى العقائد والمعارف وشيئاً ممّا يرجع إلى الأخلاق والمسائل الاجتماعية ، ولا يتمكن من تفسير آيات الأحكام والقصص والمغازي وما أشببهما .
الثالث : قد وقفت على كتاب أسماه مؤلّفه السيد نور الدين الحسين العراقي ( المتوفّـى عام 1341هـ . ق ) ( القرآن والعقل ) و قد طُبع في أجزاء ثلاثة ، فقد قام بتفسير القرآن بما يوحي إليه عقله الشخصي ويدركه بوجدانه ، وإنّما أسمى كتابه بهذا ؛ لأنّه لم يكن حين تأليف التفسير كتاب سوى تفسير الجلالين وقد ألّفه وهو في ساحات الحروب ينتقل من نقطة إلى أُخرى .
وعلى كلّ تقدير فليس ما ألّفه على غِرار ما ذكرنا من التفسير بالعقل السليم ، وإليك نماذج من بعض تفسيراته :
1 ـ قال في تفسير قوله سبحانه جواباً لطلب موسى الرؤية : قال : {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف : 143].
قال : وقد يقال إنّ كلمة الشرط ( فإن استقر ) تدلّ على سببية الشرط للجزاء ، وأي سببية بين بقاء جبل ورؤية موسى ( عليه السَّلام ) مع كون الجبل من الجمادات ، وموسى ( عليه السَّلام ) إنساناً كاملاً ؟!
فأجاب بقوله : لو كان المراد بالرؤية الرؤية البصرية الجسمية ، فالربط بين الشرط والجزاء يكون حاصلاً ؛ فإنّ الجسم الصلب العظيم غير الشاعر بالتجلّي ، إذا لم يبقَ وصار مندكّاً ، فالعين الباصرة التي هي مركبة من العناصر وفي منتهى اللطافة تتلاشى بمشاهدة التجلّـي مع كونها ذي حس بالأولوية القطعية (1) .
2 ـ يقول في تفسير قوله سبحانه : {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ } [هود : 74، 75].
كان إبراهيم يجادل رسل اللّه تبارك وتعالى في إهلاك قوم لوط ؛ حيث استدعى إمهالهم لعلّهم يرجعون لكن إبراهيم خوطب بترك الجدال وقال : {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود : 76] .
أمر سبحانه إبراهيم بالإعراض عن الشفاعة وذلك ؛ لأنّ الشفاعة فرع وجود الاستعداد في المشفوع له لا بعد شهود زوال الاستعداد للكمال ، وصيرورة أخلاقهم الفاسدة مَلكات راسخة غير زائلة (3) .
3 ـ يقول في تفسير قوله سبحانه : {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ } [هود : 82] .
قال في وجه رجوع العالي إلى السافل ، والسافل إلى العالي : إنّ المورد كبعض الزلازل العظيمة التي تنشق الأرض بسببها ، فإذا انهدمَت تقع العوالي وتصل إلى المنشقات وتصير السفلى ، والأسفل يقع في البعد ويصير أعلا (5) .
4 ـ يقول في تفسير قوله سبحانه : { لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف : 7] .
ومن تلك الآيات الكذب البيّن حيث أتوا بالقميص صحيحاً و في الوقت نفسه قالوا افترسه الذئب مع أنّهما متناقضان .
ثمّ يقول : ونظير ذلك أنّ قريشاً يتّهمون النبي بأنّه مسحور أو مجنون مع ما يرون في النبي من العقل والذكاء ، والبرهنة والاستدلال ، ومع ذلك يخفونه ويظهرون جنونه (4) .
هذه نماذج ممّا التقطناها من الجزء الثاني من هذا الكتاب وهو يقع في ثلاثة أجزاء وهو بعد لم يكمل تفسير عامة السور على النهج الذي سار عليه .
إلى هنا تمّ تفسير القرآن بالعقل الصريح ، وإليك الكلام في سائر الصور من تفسير القرآن بالعقل أي بغير النقل .
___________________
1 ـ القرآن والعقل : 2 / 83 .
2 ـ القرآن والعقل : 2 / 329 .
3 ـ القرآن والعقل : 2 / 333 .
4 ـ القرآن والعقل : 2 / 367 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|