أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-6-2019
1119
التاريخ: 2023-04-30
1109
التاريخ: 7-10-2016
2222
التاريخ: 8-10-2016
1639
|
وهي من الشخصيات العامة في تأريخ بلاد الشام في فترة ما قبل الاسلام. وقد حظيت باهتمام المؤرخين والاخباريين العرب، ويذكر الطبري ان اسمها (نائة بنت عمر بن الظرب بن حسان بن اذينه بن السميدع بن هوبر العمليقي) ويسميها المسعودي (الزباء بنت عمر بن الظرب بن حسان بن اذينة بن السميدع بن هوبر العمليقي). كا يذكر ابن خلدون ان اباها (عمرو بن الظرب) كان ملك العرب في ارض الحيرة، وبمشارف الشام والجزيرة وانه قتل في الحرب بينه وبين (جذيمة الابرشي) ملك عرب الناحية بين الحيرة والانبار في بادية العراق، فلما آل الملك الى (الزباء) صممت على الانتقام من (جذيمة الابرشي) للثأر لمقتل ابيها.
وكانت لها اخت تدعى (زبيبة) كانت ذات دهاء فنصحتها بالتخلي عن فكرة الحرب لانها غير مضمونة النتائج وعرضت عليها ان تستدرجه بالمكر والخديعة الى قصرها على شاطئ الفرات الغربي وتوقع به تمت هذه الخطة بنجاح وتمكنت من قتله في قصرها غدرا.
وتضيف هذه الرواية، ان (عمرو بن عدي) خليفة (جذيمة الابرشي)، وقد احتال بدورة لقتل الزباء بعد ان اطمأنت الى جانبه وادخل الى المدينة مجموعة من رجاله المسلحين بالسيوف ووضعهم في جولات كبيرة، وان الزباء لما اكتشفت الحيلة، وادركت انها لا محالة ستلقى حتفها بسيوفهم فضلت ان تنتحر فمصت خاتمها الذي يحتوي على كمية من السم ونطقت بالمقولة المشهورة (بيدي لا بيدك عمرو) .
وهذه القصة اقرب الى الاساطير، وينفي انتسابها الى (زنوبيا) تطورت الاحداث منذ تسلمت مقاليد الحكم في تدمر بعد مقتل زوجها اذينة الثاني وربما قصد بهذه القصة اختها التي عاشت في الحيرة قرب نهر الفرات.
وهناك رواية اخرى، تقول انها زعمت انها من مصر، ومن صلب الملكة (كليوبترا) الشهيرة وانها تتكلم اللهجة المصرية بطلاقة وانها الفت كتابا عن تاريخ مصر الامم الشرقية، ولعلها قصدت في ذلك اكتساب ود المصريين حتى يسهل تحقيق مشروعها بالاستيلاء على مصر.
وفي رأي وايت وآخرين ان الزباء من اب عربي وام مصرية وبعض المؤرخين يزعمون انها رومية تتكلم العربية. ويرى المؤرخ اليهودي (كريتس) وانها ادومية من نسل هيرودس، وتدين باليهودية ولكن لا توجد من الاثار ما يفيد انها كانت يهودية بل هنالك اخبار تدل على ان اليهود كانوا ناقمين على دولة تدمر.
ولكنها في رأي اكثر المؤرخين عربية الاصل، وكانت تعرف عند العرب بأسم الزباء وفي الكتابات التدمرية كانت تذكر باسم (بت زباي) نسبة الى والدها (زباي) ثم حور الى (الزباء).
تولى زنوبيا الحكم في تدمر بعد مقتل زوجها اذينة الثاني:
بعد مقتل اذينة الثاني انتقل الملك الى ابنه (وهب اللات) ويسمى ايضا (وهبلت) او (وهبلات) وامه زنوبيا او الزباء وكان له شقيقان آخران هما خيران و يتم الله.
وفي ذلك الوقت كان وهب اللات صغير السن قاصر فتولت امه الوصاية عليه وحكمت الدولة باسمه. وقامت بتأديبه بأدب الملوك وعلمته الفروسية واللاتينية والعلوم التي كانت معروفة في عصره، وهيأته لان يصبح عندما يبلغ سن الرشد ملكا عظيما يليق بدولة فتية طموحة تسعى لمنافسة الرومان والفرس وهما القوتان العظيمتان آنذاك.
ومن جهة اخرى قامت زنوبيا بأعباء الحكم على خير وجه واظهرت مقدرة فائقة في ادارة شؤون الدولة وسعت لتوسيع خدودها وبسط نفوذها على مناطق واسعة لم تخضع من قبل الى تدمر وهذه المطامع قد ادت الى حدوث صدام بينها وبين الرومان، الذين حاولوا القضاء عليها قبل استفحال امرها.
وبتحريض من اعضاء مجلس الشيوخ في روما، ارسل الامبراطور (غاليا نوس) جيشا الى الشرق متظاهرا انه يريد محاربه الملك شابور ولكنه كان يعتزم مهاجمة تدمر، واخضاع الملكة زنوبيا فلما ادركت حقيقة مقصده استعدت لمقابلته في ساحة القتال واشتبكت قواتها بكتائب الرومان وحققت انتصارا باهرا عليها، فاضطرت الى الفرار وسقط قائدها (مرقيانوس) قتيلا في هذه المعركة وكان لذلك اثر بالغ في نفوس الرومان .
وقد تنبهت زنوبيا الى الخطر الفارسي فعملت على تقوية حدود مملكتها من ناحيتهم، وامرت بتشييد حصن زنوبيا على نهر الفرات ليصد هجمات الفرس الساسانيين التي يوجهونها نحوها من الشرق. وكانت السياسة العربية التي اتبعتها زنوبيا بعد مقتل زوجها تعتمد على التقرب من الاعراب والاعتماد عليهم في القتال والحروب.
كما تقربت الى العناصر العربية من المقيمين في المدن واخذت تعمل لتنظيم، واستغلال قوة العرب التي لا يستهان بها، ومن اجل تكوين دولة عربية قوية واحدة بزعامتها وذلك بعد ان ادركت ان الرومان هم اعداء تدمر وانهم لا يفكرون الا في مصالحهم الخاصة.
وقد تكرر تحريض اعضاء مجلس الشيوخ للتخلص من زنوبيا بعد مقتل الامبراطور غاليانوس سنة 268م، واثناء مبايعة الامبراطور الجديد (اوريليوس قلوديوس) فقد صاح اعضاء مجلس الشيوخ عدة مرات بصوت واحد قائلين(ياقلوديوس اغسطس نجنا من فيكتوريا وزنوبيا، يا قلوديوس اغسطس اغثنا من التدمريين).
وفي الرسالة التي بعث بها الامبراطور(قلوديوس) الى مجلس الشيوخ في روما اثناء احدى حملاته لتأديب الجماعات التي اعتدت على حدود الامبراطورية قال (ان جبيني ليندي خجلا كلما تذكرت ان جميع الرماة بالقس هم في خدمة زنوبيا).
فتح مصر عام 270م:
اخذت زنوبيا تتحين الفرصة لتتدخل في مصر، ومهدت لنفسها عندما اعلنت انها مصرية الاصل.
وكان الامبراطور (قلوديوس) قد امر عامله على مصر، ويدعى(بروبوس) بالخروج على راس اسطول الاسكندرية الى عرض البحر لمطاردة (القوط) الذين يحاولون مهاجمة حدود الأمبراطورية.
فخرج بروبوس بالأسطول ومعه قوة كبيرة من الرومان لمطاردتهم فأنتهز هذه الفرصة الوطنيون لحكم الرومان وفي مقدمتهم رجل يزناني الاصل يدعى (تيماجينيس) وذكر بعض الباحثين انه عربي واشتق اسمه من (يتم اللات) وكتبوا الى زنوبيا يحثونها على تحرير مصر من حكم الرومان وتولى الحكم فيها.
وابدى فيرموس وهو من كبار الاثرياء المصريين استعداده لمساعدة زنوبيا بالمال واللوازم الاخرى اذا اعتزمت الاستيلاء على مصر. وعلى اثر ذلك وفي عام 270م، ارسلت زنوبيا قائدها زبدا الى مصر على راس جيش قوامه سبعون الف رجل فأشتبك مع الجيش الروماني الذي كان يبلغ 50الف رجل وانتصر عليه وفرق شمله.
وبعد قليل عاد زبدا بقواته الى تتدمر بعد ان ترك في مصر حامية صغيرة من خمسة الاف رجل وعين تيماجينيس نائبا عن زنوبيا في مصر.
واثناء ذلك علم بروبوس بهجوم التدميريين على مصر وتغلبهم على الرومان فأسرع بالعودة اليها، وجمع جيشا من المصريين الموالين للرومان وزحف به على الاسكندرية واخذ يتعقب التدمريين ويعمل فيهم بسيوفه.
فلما سمعت زنوبيا بذلك امرت قائدها بالعودة بجيشه ثانية الى مصر ووقعت معارك بين الجانبين وانتهت بانتصار التدمريين على بروبوس وقواته وذلك عند حصن بابليون الذي عرف بأسم الفسطاط فيما بعد.
ويذكر ان عرب مصر من سكان الاقاليم الشرقية قد قدموا مساعدات كبيرة لجيش زي نوبيا في مصر حدثت تطورات غير معروفة على وجه التحديد.
ويظهر انه قد حدث اتفاق بين زنوبيا والمسؤولين في روما وعقدت اتفاقية بين الجانبيين في اواخر عهد الامبراطور قلوديوس وافقت فيها روما على بقاء جيش تدمر في مصر، مقابل اعتراف التدمريين بسيادة الرومان على مصر.
ويؤكد ذلك وجود نقد ضرب في الاسكندرية خلال سنتي 270، 271م، نقشت على احد وجهيه صورة مزدوجة لوجه الامبراطور اورليانوس وهو يحمل لقب اغسطس مع وجه وهبلات صاحب العرش في تدمر تحت وصاية امه زنوبيا واضفى عليه لقب روماني ممتاز.
ولكن هذا الحكم المزدوج في مصر لم يدم طويلا.
توتر العلاقات بين تدمر وروما وزنوبيا تعلن استقلالها التام:
وكان كبار رجال الدولة في روما قد مارسوا ضغطا شديدا على الامبراطور اورليانوس لكي ينقذ الإمبراطورية مما لحق بها من تصدع في اوربا في الشرق.
فلما علمت زنوبيا بنوايا الامبراطور تجاهها قررت القيام بعمل سريع قبل مباغتتها فألغت الاتفاق الذي عقدته مع الرومان في عهد الامبراطور فلوريوس وامرت بمحو صور الامبراطور اورليانوس من النقود.
وفي ذلك الوقت شعرت زنوبيا بأنها قد اصبحت على درجة من القوة تسمح لها بأن تعلن استقلالها التام عن الرومان وان تتحرر من سيادة روما الاسمية عليها.
وبدأت زنوبيا بإضفاء لقب (ملك الملوك) اغسطس المخصص للإمبراطور الروماني على ابنها (وهبلات) وامرت بوضع صورته وحده مع لقب الامبراطور الروماني على النقود .
كما اضفت على نفسها لقب ملكة وامرت بنقش اسمها واسم ابنها وهبلات بهذه الالقاب على المنشأة الضخمة التي شرعت في تشييدها ومنها تمثال للملكة اقيم على عمود مرتفع في شارع الاعمدة الكبيرة في تدمر بتاريخ اغسطس سنة 271م، نقش عليه باللغتين اليونانية والتدمرية العبارة التالية:
(الى سيدتهم سبتيما زنوبيا (1) اكثر الملكات شهرة وتقوى والى القائدين الممتازين بلقب سبتيموس وهما زبدا القائد العام، وزباي قائد الموقع).
وذكر ان الملك الزباء قد اتفقت مع فيكتوريا ملكة اقليم الغال على تنسيق الخطط فيما بينها لمهاجمة الامبراطورية الرومانية واقتسامها.
وعقب ذلك ارسلت حملة الى لآسيا الصغرى بقيادة زبدا وزباي تمكنت من الاستيلاء على بتينية.
واستمرت في تقدمها من غير مقاومة تذكر حتى بلغت (انكيرا) انقرة وخلقيدون في مواجهة القسطنطينية.
وفي هذه الاثناء كانت الجيوش الرومانية منشغلة بحروبها مع الجرمان في حوض الدانوب ويقال ان زنوبيا كانت تستعد لدخول عاصمة الرومان وامرت بصنع عجلة فاخرة تدخل بها في موكب النصر.
تدخل الرومان بقوات كبيرة وانتزاع مصر واجزاء من آسيا الصغرى وسوريا من نفوذ التدمريين:
وكانت الملكة الزباء قد اضطرت الى سحب جزء كبير من جيشها المعسكر في مصر، معتمد على المصريين في الدفاع عن انفسهم اذا هاجمهم الرومان وذلك عندما شرعت في التوغل في آسيا الصغرى.
فأنتهز الامبراطور (اورليانوس) هذه الفرصة وارسل بعض الامدادات الى قائده في مصر (بوربس) في حين وصل اليها القائد زبدا بفرقة لمساعدة فيرموس نائب ملكه تدمر على صد الرومان.
وقد دارت معارك بين الجابيين في اواخر عام 271م، كانت تنتهي بالنصر للتدمريين لولا ان بروبوس قد امكنه استمالة فريق من المصريين فآزره حتى تغلب غلى جيش زبدا وبعد ذلك اضطر التدمريون الى التخلي عن مصر، وتركها للرومان وكان ذلك اول نكبة فادحة تلحق (بالزباء).
ومنذ 29 اغسطس سنة 271م، انقطع في الاسكندرية ضرب النقود التدمرية التي كانت تحمل صورة الملكة (الزباء) وابنها(وهبلات) .
وخسارة مصر على هذه النحو قد ادت الى اضعاف معنويات التدمريين وشدت من ازر الرومان وانعكس ذلك على اوضاع تدمر العسكرية في اسيا الصغرى وبلاد الشام آنذاك. وكان اهل (خلقيدون) قد ابوا التسليم للتدمريين اثناء زحفهم على آسيا الصغرى وارسلوا الى الامبراطور الروماني في طلب النجدة.
وبعد ان استقرت اوضاع الامبراطورية في اوربا سار الامبراطور اورليانوس على رأس جيش الى الشرق وفي اوائل عام 272م، عبر مضيق البوسفور، وفاجأ التدمريين بنزوله بقواته في بتينيه وطردهم منها ثم سار الى جلاطية وقفادوقي، حتى بلغ انقره وسلمت له البلاد ثم واصل الرومان تقدمهم السريع الى بلاد الشام.
وكان التدمريون قد توقفوا عند خلقيدون ولم يتمكنوا من الاستيلاء على نيقية وتراجعوا في خططهم العسكرية الهجومية ثم اخذوا موقف الدفاع على اثر تقدم الرومان السريع الذي افزع الملكة الزباء ورجالها وجعل المدن التي كانت موالية لتدمر تشك في مقدرة ملكتها في الدفاع عن نفسها وشاعت بين الناس ابناء عن الالتزام الامبراطور الروماني القضاء على حكم الزباء واخضاع تدمر لحكم الرومان.
وعند مدينة انطاكية تهيأت الملكة الزباء لملاقاة الامبراطور اورليانوس وقواته وكانت قواتها بقيادة القائد زبدا. وفي بداية المعركة هجم فرسان تدمر على الكتائب الرومانية وشتتوا شملها فأمر الامبراطور بتراجع قواته لمسافة معينة ليوهم التدمريين انه قد فر من المعركة ثم يباغتهم بالهجوم بعد ان يبتعدوا عن قواعدهم.
وبالفعل ظن التدمريون ان الرومان قد انهزموا فتعقبوهم الى مسافات بعيدة وفجأة انقلبت عليهم الكتائب الرومانية وباغتوهم بهجوم ساحق بعد تطويقهم والحقوا بهم هزيمة منكرة عند انطاكية.
وعلى اثر ذلك استقر رأي الملكة الزباء على ترك المدينة والرحيل عنها بسرعة وخاصة ان سكانها كانوا يكرهون حكم التدمريين فكان فيها جالية كبيرة من اليونانيين كانوا يفضلون حكم الرومان على حكم الشرقيين عليهم وكان بها جماعة من النصارى استاءوا من موقف الملكة الزباء تجاه رجل الدين بولس السميساطي) الذي قرر مجمع انطاكية عزله من منصبه فجعلته الرئيس الروحي والدنيوي على الانطاكيين كما ان اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة كانوا يكرهون حكم التدمريين.
وبعد مغادرة الزباء وقواتها انطاكية توجهت الى حمص وفي اليوم التالي دخلها اورليانوس يتعقب خط سير الملكة الزباء وقواتها وفتح عددا من المدن في طريقه، حتى ادركها عند مدينة حمص وكانت على راس جيش قوامه 70الف رجل.
وفي حمص دارت معركة حامية بين الفريقين وقد تفوق التدمريون في الجولة الاولى وولي الرومان الادبار مذعورين ولكن الامبراطور اورليانوس ادرك نقطة الضعف في خطة قتال التدمريين وسبها وجود فاصل بعيدة بين الفرسان والمشاة في جيش تدمر وكان فرسان تدمر يتعقبون فرسان الروم الفارين وعندئذ امر اورليانوس جنوده بالهجوم على مشاة التدمريين وكانوا اقل من جنود الرومان في التدريب والاستعداد فتمزقوا كل ممزق وحلت بهم هزيمة منكرة.
واثناء المعركة احجم اهل حمص عن مساعدة التدمريين الذين كانوا يحقدون عليهم ويريدون التحرر من سيطرتهم.
وعقب ذلك اضطرت الملكة الزباء الى مغادرة حمص بقواتها قاصدة عاصمتها تدمر للدفاع عنها فدخلها الامبراطور اورليانوس بجيشه وتوجه بالشكر الى اله حمص الشمس وتعهد بأن يوسع معبده ويجمله بأحسن زينه.
زحف الرومان على العاصمة تدمر ودعوة الملكة الزباء للاستسلام:
وقد ايقن الامبراطور اورليانوس ان احراز نصر حقيقي يمكن ان يحقق الاستقرار للإمبراطورية في تلك المنطقة لا يأتي الا بفتح تدمر والقبض على الملكة الزباء لذلك قرار الزحف على المدينة بأقصى سرعة قبل ان تتمكن الملكة من تحصبنها او تتصل بالفرس وبالقبائل العربية في البادية لمساعدتها.
وبسرعة وصل اورليانوس العاصمة تدمر ان تغلب على صعوبات ومشقات الطريق وسط الصحراء والقى الحصار عليها ولكن التدمريين اخذوا يقذفون الرومان بالحجارة والنيران والنبال وصبوا عليهم اقذع الشتائم والاستهزاء من فوق اسوار المدينة.
واثناء ذلك تعرض الامبراطور اورليانوس في روما للسخرية ووصف بعجزه عن احتلال هذه المدينة الصحراوية وعدم قدرته على قهر امرأة تحكمها فساءه ذلك كثيرا وكتب الى مجلس الشيوخ يقول:
".... قد يستضحك مني بعض(2) الناس لمحاربتي امرأة... فأعلموا ان الزباء اذا قاتلت كانت ارجل من الرجال...".
وبعد ذلك كتب الى الملكة الزباء طالبها منها التسليم وبالخضوع للرومان حتى تستحق العفو وتنال السلامة وان يسمح لها بالإقامة مع اسرتها في مدينة يحددها مجلس الشيوخ.
وقد رفضت الزباء في كبرياء هذه الدعوة للخضوع والاستسلام وابلغته انها ستقاوم للنهاية عندما نصلها مساعدات الفرس والارمن والعرب وقالت في جوابها:
"ان ما التمسته مني في كتابك لم يتجاسر (3) احد من قبلك ان يطلبه مني برسالة انسيت ان الغلبة بالشجاعة لا بتسويد الصفحات انك تريد ان استسلم لك اتجهل ان كيلوبترا قد آثرت الموت على حياة سبقها عارة الدبرة.
فها انا ذى منتظرة عضد الفرس والارمن والعرب لفك شبائك وكسر شوكتك واذا كان لصوص الشام قد تغلبوا عليك وهم منفردون فما يكون حالك اذا اجتمعت بحلفائي على مقاتلتك لاشك انك ستذل وتخنع لي فتجرد نفسك من كبريائها التي حملتك على طلب المحال كأنك مظفر منصور في كل اين ولآن".
ولكن الفرس لم يتمكنوا من ارسال قوة لمساعدة الملكة الزباء بسبب الفتن الداخلية التي ظهرت في بلادهم لعد وفاة الملك شابور الاول في عام 271م، وتولية ملك ضعيف عزل بعد سنة من حكمه هو (هرمز كز) .
كما ان القبائل العربية لم يمكن الاعتماد عليها وحدها فقد تحرش قسم منها بالرومان ثم تخلوا عن مهاجمة المحاصرين بعد ان اصيبوا بخسائر فادحة وقسم اخر اغراهم الامبراطور بالمال فاتفقوا معه وتجنبوا محاربته.
وعندئذ ادركت الزباء انها تحارب في معركة خاسرة وان لا امل في ارغام العدو غلى فك حصاره عن المدينة بعد ات تقاعس الفرس والقبائل العربية والارمن عن مساعدتها.
ومع تحسن وضع الامبراطور بوصول مدد كبير اليه من الشام بالاضافة الى كمات كبيرة من المواد الغذائية، تكفي لإطالة امد الحصار فقد قررت التخلي عن العاصمة مؤقتا وتسللت منها ليلا بنفسها قاصدة الفرس لعلهم يرسلون لها النجدة المطلوبة التي يمكن ان تحسم الموقف وتبدل الحال الراهن.
وقد دبرت امر هذه الخطة في سرية تامة وهربت من المدينة ليلا دون ان يشعر بها الرومان ويرى بعض الباحثين انها هربت عن طريق نفق سري يتصل بمعبد المدينة ويمر من تحت السور الى مسافة كافية خارج المدينة وله باب سري خصص لمثل هذه الحالات وربما خرجت من انفاق سرية اخرى وهذه السراديب والقنوات ترى بقايا تحت اسوار تدمر وقلاعها حتى الوقت الحاضر.
ويذكر ان الزباء بعد خروجها من المدينة امتطت ناقة سريعة واتجهت بها نحو نهر الفرات ووصلت سالمة الى شاطيء النهر عند (دير الزور) وبالقرب من (زليبية) .
ولكن الحظ خانها بعد ذلك اذا اكتشفت بسرعة امر هربها من المدينة وكان صدمة للإمبراطور فأمر على الفور خيرة فرسانه بامتطاء اسرع خيوله لاقتفاء اثرها والقبض عليها واحضارها وهي على قيد الحياة مهما كلفهم الامر.
وبينما كانت الزباء تهم الركوب بزورق لينقلها الى الشاطيء الاخر من نهر الفرات انقض عليها هؤلاء الفرسان وعدوا بها مسرعين الى تدمر للمثول امام الامبراطور اورليانوس وهو على رأس جنوده يحاصر تلك المدينة العنيدة التي امتنعت عن الخضوع والتسليم له.
ولما احضرت الزباء امام الامبراطور قال لها (صرت في قبضتنا(4) يازينب الست انت التي ادت بك الخسارة الى ان تستصغري شأن قيصر روماني؟).
فأجابت قائلة (نعم اني اقر لك الان بكونك قيصرا وقد تغلبت على وأما غاليانوس وارليوس وغيرهما فلست انظمهم في سلك القياصرة وانما بارتني فيكتورية في السلطة والعز فلولا بعد الاوطان لعرضت عليها ان تشاركني في الملك).
وكان لهذه الكلمات تأثيرها الطيب في اورليانوس فأعطاها الامان.
سقوط تدمر في بداية عام 273م ميلادية وخضوعها للحكم الروماني المباشر:
وبعد ان علم اهل المدينة المحاصرون بأسر ملكتهم انقسموا في الرأي فأراد فريق منهم الاستمرار في المقاومة وعدم تسليم المدينة مهما كان الثمن وفريق آخر آثروا السلامة ورأوا عدم الفائدة في اطالة امد المقاومة وقد تغلب رايهم وصاحبوا من اعلى الاسوار في طلب الامان ثم فتحوا ابواب المدينة فدخلها الامبراطور اورليانوس وقواته ظافرين وكان ذلك في بداية عام 273م.
ويذكر ا ن اول عمل قام به الامبراطور عند دخوله الى المدينة هو ذهابه الى معبد الاله (بعل) للشكر على انه وفقه ونصره على اهل تدمر وبعد ذلك تم القبض على حاشية الزباء ومستشاريها والمحرضين على معارضة الرومان وفرضوا غرامة كبيرة على سكان المدينة.
كما استولى الرومان على اموال الزباء وجواهرها ونهبوا كنوز المدينة وزخارفها الثمينة لاستخدامها في تزيين معبد الشمس الجديد الذي انشيء في روما. وقد اختار الامبراطور قائدا من الرومان نصبه حاكما على المدينة ويدعى سنداريون كلفه بحفظ الامن وادارة شئونها ووضع تحت امرته حامية تضم ستمائة من الرومان.
ثم غادر اورليانوس المدينة متوجها الى حمص واصطحب معه الزباء ومستشاريها الاخرين الذين قبض عليهم .
وفي حمص على زعم المؤرخ زوسيموس تعرضت الوباء ومستشارها للمحاكمة امام الامبراطور فأخذت تتنصل من مواقفها المتصلبة السابقة مع الرومان تحت اغراء ونصائح بعض مستشاريها وفي مقدمتهم لونجينوس فحكم عليه الامبراطور بالإعدام ونفذ فيه حكم الموت فورا بعد تعذيبه وقد شكك بعض الباحثين في صحة هذه الرواية بحجة ان سمو اخلاقها وثقافتها يمنعها من الوشاية بأتباعها الذين اخلصوا في خدمتها.
وبعد ذلك غادر الامبراطور اورليانوس حمص قاصدا روما ومعه الزباء وابناؤها وعدد من الاسرى ويذكر انه اثناء عبور البوسفور غرق عدد من اتباع الزباء وقيل ان بينهم ابنها وهبلات.
اندلاع الثورة على الرومان في تدمر ومصر وتصدي الامبراطور اورليانوس لقمعها والاحتفال بانتصاراته في روما:
واثناء تواجد الامبراطور في تراقية جاءت اخبار عن قيام اهل تدمر بالثورة على سنداريون الذي عينه الامبراطور حاكما عليها.
كما وصلت اخبار من مصر تنفيذ قيام فيرموس الثري المشهور بالثورة وانفق اموالا كثيرة لمساعدة الجمعيات الوطنية المناهضة لروما وشكل جيشا استولى به على الاسكندرية واتخذ لنفسه القاب قياصرة الرومان.
وقد جمع فيرموس حوله انصار الزباء في مصر واخذ يتفاوض مع التدمريين لتوحيد الخطط والعمل بجدية للتحرر من حكم الرومان والحصول على الاستقلال وكان ذلك هدف الثوريين في مصر وتدمر.
وعلى ذلك اسرع الامبراطور اورليانوس بالعودة الى الشرق لمعالجة الموقف المضطرب هناك قبل فوات الاوان.
وعندما وصل الى تدمر تداعت المدينة بسرعة للمفاجأة المذهلة بعودته فأذعنت للإمبراطور يتصرف فيها كيفا شاء .
وكان الثوار في تدمر قد اعدموا سنداريون الحاكم الذي عينه الامبراطور على المدينة وفتكوا بحاميتها الرومانية. وقد عفى الامبراطور عن انطيوخس الذي اقامه التدمريون ملكا عليهم، وهو من اقارب الزباء ولكنه اقتص من اهلها وجعلهم تحت رحمة جنوده، الذين اعلموا فيهم سيوفهم وخناجرهم بدون تميز للجنس او العمر.
كما اباح لهم نهب اموال التدمريين وتخريب وهدم مباني المدينة وابوابها ودك اسوارها.
وبعد فتره صفح الامبراطور عن اهل تدمر فطلب من قائد المدينة ان يكف الجند عن المذابح والتخريب وان يعيد بناء هيكل الشمس وترميمه وترميم الاسوار. واثناء تواجد اورليانوس في تدمر، صدقوه ارسلها الفرس لمساعدة اهلها ثم عين احد قادته الماهرين ويجعل ساترنيوس قائدا على الحدود لحمايتها من هجمات الفرس .
وبعد ان اطمأن على الاوضاع في تدمر توجه اورليانوس الى مصر لقمع الثورة فيها فأستولى على الاسكندرية وقبض على حاكمها فيرموس الذي اتخذ لقب قيصر وامر بمعاقبته في قسوة بالغة كما يعاقب اللصوص بأعدامه مصلوبا على صليب خشبي.
وبعد هذه الانتصارات التي احرزها الامبراطور اورليانوس وتمكنه من اعادة الاستقرار الى الاقاليم الشرقية للإمبراطورية، عاد الى عاصمته روما في عام 274م، واضفى عليه لقب (معيد الشرق للرومان) وكان دخول الامبراطور للعاصمة في موكب عظيم اشترك فيه 1600 مصارع، وعدد كبير من الاسرى من اقوام مختلفة من بينهم الملكة الزباء وأبناؤها وسار في الموكب ثلاث عجلات ملكية مزينة بالذهب والجواهر وهي عجلة (اذينة الثاني) زوج الزباء وعجلة اهداها (هرمز بن شابور)الى القيصر وعجلة الزباء التي اعدتها لتدخل بها عاصمة الرومان في حالة انتصارها في الحروب السابقة. وكان يتقدم الموكب عشرون فيلا وعدد من الوحوش والحيوانات التي جيء بها من فلسطين ومصر وليبيا واماكن اخرى.
وقد سار الموكب الى (الكابيتول) ثم الى قصر الامبراطور. وفي اليوم التالي اقام الشعب احتفالا خاصا، جرت فيه العاب مختلفة وقدمت فيه مشاهد تمثيلة وسباق من مختلف الانواع.
الملكة الزباء ومدينة تدمر في ايامها الاخيرة:
اما الزباء فقد خصص لها ولأبنائها بيت في مدينة تيبور بإيطاليا عاشت فيه مع ابنائها بقية حياتها في عزلة بعيدا عن السياسة والشرق. وقد تحدث بعض المؤرخين اليونان عن زواج الزباء بأحد اعضاء مجلس الشيوخ الروماني، وذلك ضمن الاساطير التي راجت عن حياة ملكة الشرق الزباء وعن ابنائها في الفترة الاخيرة من حياتها .
ولم تعد تدمر على حالها منذ غادرتها الملكة الزباء وخاصة بعد ان نقل مركز الطرق التجارية بعيدا عنها. وفي عهد الامبراطور (ديوكليتيانوس) (285- 305م) كانت تدمر مجرد قرية صغيرة وقلعة من بين قلوع الحدود لصد هجمات رجال القبائل على المدن المتاخمة للبادية.
وقد استمر على هذا الحال حتى فتحها المسلمون عام 634م.
______
(1) د. نبيه عاقل: تاريخ العرب القديم وعصر الرسالة، ص138.
(2) د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام- الجزء الثالث ص120.
(3) د. جواد علي: المرجع السابق- ص121
(4) د. جواد علي: نفس المرجع، ص123
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|