أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-1-2016
2323
التاريخ: 6-11-2014
3274
التاريخ: 6-11-2014
6511
التاريخ: 3-12-2015
2437
|
الزوائد – وهي كلمات وأكثرها حروف – رأى بعضهم أنها لا حاجة لها من حيث الإعراب ، فإذا أسقطت بقي الكلام تاما كالباء في خير ليس (1) ، حذفها ووجودها سواء ، تقول (أليس الله بقادر) وتسيقك الباء فتقول أليس الله قادرا ، فهي إنما يؤتى بها لتأكيد الكلام وتقويته .
وذهب آخرون الى أنها لا تزيد المعنى شيئا ، فالمعنى سواء إن وجدت أم حذفت ، وإنما جيء بها لغرض لفظ يتعلق بجرس الكلام ، وجمال إيقاعه وحلاوة نغمه . ويقينا أن هذه الزوائد لم تكن معروفة ، ولم يكن لها وجود عند اولئك الذين نزل القرآن فيهم ، ونكاد نجزم أنها لم تكن شائعة مشتهرة في خير القرون كذلك ، بل كان كل حرف من حروف القرآن ولك كلمة تعمل في نفوسهم عملها ، ذلك لأن هذه الكلمات كان لكل منها معنى تؤديه ، ولقد من الله سبحانه وتعالى علي وله الفضل والمنة بإخراج كتاب (لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن) أحصيت فيه ما ادعى أنه زائد في كتاب الله – وهي سبع وعشرون كلم – والآيات التي ادعي أن فيها زيادة ، ورددت هذا القول ردا نرجو أن نكون قد أصبنا فيه إن شاء الله (2) ، ولذا فإننا نكتفي بذكر بعض الأمثلة هنا ، من أراد الاستزادة فليرجع الى الكتاب المذكور .
1- قال تعالى : {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة : 195] .
قالوا إن الباء زائدة ، وتعجب مما قالوا : لأنه ليس المقصود هنا بالنهي إلقاء الأيدي فيكون المعنى لا تلقوا أيديكم .
وإذا وقفنا مع النص الكريم وجمعنا النصوص بعضها الى بعض ، ندرك أ، ما ذكروه غير مستقيم ، فالآية {أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [البقرة : 195] واليد يعبر عنها كثيرا في نصوص الكتاب والسنة بأنها المعطية أو المانعة ، قال تعالى : {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء : 29] وفي الحديث (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه) وما قاله عليه الصلاة والسلام (أسرعكن بي لحوقا أطولكن يدا) .
فالآية الكريمة – إذن – تريد أن تبين أن اليد هي سبب التهلكة ، والمعنى إذن أنفقوا وجاهدوا ولا تلقوا أنفسكم بأيدكم الى التهلكة ، فتكون اليد سببا في الهلاك .
شتان بين هذا وبين أن يقال : ولا تلقوا أيديكم الى التهلكة فالباء هنا للتعدية وقد تفيد السببية ولعل في سبب نزولها ما يوضح ما ذهبنا اليه ، فقد أخرج أصحاب السنن وغيرهم عن أسلم بن عمران قال : خرجنا من المدينة نريد القسطنطينية – وعلى الجماعة عبد الرحمان بن خالد بن الوليد – فخرج من المدينة صف عظيم من الروم ، وصففنا صفا عظيما من المسلمين ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروح حتى دخل عليهم فصاح الناس : ألقى بيده الى التهلكة فقال أبو أيوب :
يا أيها الناس ، نحن أعلم بهذه الآية ، وإنما أنزلت فينا صحبنا رسول الله (صلى الله عليه واله) فنصرناه ، وشهدنا معه المشاهد ، وآثرناه على أهلينا وأموالنا وأولادنا ، فلما فشا الإسلام وكثر أهله ووضعت الحرب اوزارها رجعنا الى أهالينا وأولادنا وأموالنا نصلحها ، ونقيم فيها فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والما وترك الجهاد .
2- قوله سبحانه : {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } [يوسف : 31] .
قالوا الباء زائدة ، والتقدير {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } ونحن إذا رجعنا الى الآيات القرآنية الكريمة وجدنا هذا الفعل قد ذكر كثيرا في كتاب الله ، يتعدى بنفسه دون حرف الجر ، قال سبحانه {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا } [آل عمران : 181] وقال : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ } [المجادلة : 1] وقال : {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } [النور : 12] لعلة هذا هو أغرى القائلين بالزيادة .
ونحن عندما نقف مع هذه الآيات الكريمة نستشعر الفرق بينها وبين الآية التي معنا ، فهذه الآيات كلها كان السماع فيها مباشرا دون واسطة ، ولكن الآية التي معنا ليست كذلك ، فامرأة العزيز لم تسمع من هؤلاء السنوة سماعا مباشرا ، ثم إن المكر بمعناه الظاهر لا سمع ، وعلى هذا فلقد جاءت الباء تؤدي رسالة لا يتم الأمر إلا بها .
إن من المعلوم أن أخبار الملوك وأصحاب القصور سريعة الانتشار ، ثم إن الناس يتحدثون عنهم دون أن يجابهوهم ، فالنسوة في المدينة يتحدثن ، وهناك من تود ان تكون لها حظوة عند امرأة العزيز فتنقل لها هذه الأقوال ، فكأن السماع هنا مضمن معنى الإخبار ، اي أخبرت بمكرهن ، وإنما اختير الفعل (سمع) لبيان عناية المرأة ، ورغبتها في ان تستمع لكل ما يقال عنها ، وجاءت الباء لتبين لنا أن هذا السماع إنما كان بواسطة ، وهكذا لا يمكن أن نتصور زيادة الباء لأن القول بالزيادة لا أقول سيذهب برونق اللفظ وحده بل بدقة المعنى كذلك ، لأنه إذا قيل (فلما سمعت مكرهن) دل ذلك على أنها كانت معهن في مجلس واحد فلا معنى حينئذ لقوله (فأرسلت إلهين) .
الباء في الآية الكريمة – إذن – لها شانها وشأوها ، وليس وجودها وعدمها سواء بل هي من أساسيات النظم الذي هو انسجام اللفظ مع المعنى .
3- قال تعالى : {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة : 30] قالوا إن اللام زائدة أي نقدسك.
والتقديس التطهير ، أي نطهر أنفسنا وأفعالنا وقلوبنا لك ومن أجلك ، وهذا أحد معنيين للآية الكريمة ، والذي يحسن التأويل أن قول الملائكة {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة : 30] جاء في مقابلة قولهم {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } [البقرة : 30] فقد ذكروا امرين أثنين :
الامر الأول : الإفساد في الأرض وراسه الشرك ، فقابل الملائكة هذه المعصية بالتسبيح ، وهو البعد في تنزيه الله تبارك وتعالى عما لا يليق بجلاله سبحانه ، ويدخل الشرك في ذلك دخولا أوليا ، فإن الله تبارك وتعالى {لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء : 48] .
والأمر الثاني : سفك الدماء ، وهو أبشع الجرائم ، وذكروا في مقابله التقديس وهو التطهير ، أي نطهر أنفسنا من أجل الله ، وعلى هذا المعنى لا تتصور زيادة اللام .
وأما المعنى الثاني : فإن التقديس خاص بالله تبارك وتعلى ، وفرقوا بين التسبيح والتقديس ، إذ التسبيح يلاحظ فيه جهة العبد المنزه ، أما التقديس فيلاحظ فيه المنزه وعلى هذا المعنى : نقدسك لا من أجل شيء ولكن لأجلك انت فاللام تعليلية .
4- قال تعالى : {وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ} [يس : 34] قالوا إن من زائدة والمعنى وفجرنا فيها العيون قياسا على قوله تعلى حكاية عن الطوفان {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر : 12].
والحقيقة أن (من) هن تبعيضية ، لان الله لم يفجر عيون الأرض جميعا ، وشتان بين ما تشير إلي كل من الآيتين فالآية الأولى – أعني آية يس – تتحدث عما اكرم الله به الإنسان من تفجير بعض عيون الماء في الأرض نعمة منه سبحانه ، والآية الثانية تتحدث عما كان أيام الطوفان وانتقاما ، ولقد كانت الأرض كلها كذلك .
5- قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ } [آل عمران : 152] التقدير عندهم : حتى إذا فشلتم تنازعتم في الامر ، ولكن الفراء لم يرتض القول بالزيادة فحسب ، بل غير النظم الكريم ، وقدم فيه وأخر ، والتقدير عندهم : حتى إذا فشلتم ... وهذه عبارته ، قال عفا الله عنه :
(يقال إنه مقدم ومؤخر ، حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم ، فهذه الواو معناها السقوط كما يقال {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ} [الصافات : 103، 104] معناه ناديناه ، وهو في (حتى إذا) ، (فلما أن) مقول لم يأت في غير هذين ، قال الله تبارك وتعالى : {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء : 96] ثم قال {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء : 97] معناه : اقترب ، وقال الله تبارك وتعلى : {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر : 73] ، وفي موضع آخر {فُتِحَتْ } [الزمر : 71] (3) .
فقد ذكر الفراء هنا عدة آيات عد الواو فيها زائدة ، وقال إن الواو مآلها السقوط ، والحق أن كلامه هو الذي يجب أن يكون مآله السقوط .
ولقد كان الفراء قد توعد أبا عبيدة صاحب (مجاز القرآن) أن يضربه إن هو لقيه على ماله من تأويلات لكتاب الله تعالى لا تستقيم ، ولا أدري أكان أبو عبيدة وحده الذي يستحق أن يضرب على تأويلاته ، وتأويلات الفراء لا تقل عنها حيث ادعى أمرين خطيرين الأول الزيادة والثاني التقديم والتأخير .
والواو في هذه الآيات جميعها ليست زائدة ، بل لا يتم المعنى إلا بها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فهي في محلها غير قلقة ولا نابية ولا تقديم فيها ولا تأخير أما آية آل عمران : حتى إذا فشلتم (فقد قال الزمخشري فيها :
(فإن قلت : أين متعلق (حتى) ؟ قلت ، محذوف تقدير : حتى إذا فشلتم منعكم نصره (4) ، فالواو – إذن – عاطفة ، عطفت بعض الأمراض على بعض ، فالفشل – الضعف – والتنازع مرضان في حياة الأمم في حربها وسلمها ، وهما لا ريب سن شر ما أصيبت به هذه الأمة ، فمن ضعفنا لاتهابنا الأمم ، بل إنها تزدرينا ، كذلك التنازع جعلنا في مؤخرة الركب .
ونكتفي بما ذكرناه فيما ادعي أنه زائد ، فليس غرضنا الاستقصاء ، ولكن غرضنا بيان الإعجاز في كل آية ، بل في كل كلمة وكل حرف في كتاب الله ، فكل حرف جاء مكانه الذي لا يسد حرف آخر مكانه ، ولا يستقيم المعنى بدونه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مر معنا ذلك عند حديثنا عن بنت الشاطئ .
(2) إن قضية الزوائد قضية خطيرة ولكننا لم نجد كتابا خاصا نوقشت فيه هذه القضية على خطورتها – كما قلت – صحيح كان لبعض العلماء رحمهم الله وجزاهم خيرا جهدا مشكور . لقد تكلم بعضهم عن بعض هذه الزوائد من ذلك ما نجده في بعض كتب التفسير ، ومن ذلك ما كتبه الاستاذ الدكتور أحمد أحمد بدوي في كتابه (من بلاغة القرآن) ، وهو جهد مشكور بحق ، منه ما كتبه الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الازهر الأسبق في مجلة الأزهر ، حيث رد زيادة بعض الحروف وناقش القائلين بالزيادة ، هؤلاء هم الذين كتبوا في هذا الموضوع الخطير جزاهم الله خيرا . ولقد عرض الأخ الفاضل الدكتور صلاح الخالدي لهذه القضية في كتابه (البيان في إعجاز القرآن) ، وأحال القارئ على كتابين قال (ونحيل – لاستكمال هذا الموضوع – على الكتاب القيم (دراسات لأسلوب القرآن الكريم – لمحمد عبد الخالق عضيمة ، والكتاب القيم الآخر (دفاع عن القرآن ضد مطاعن النحويين والمستشرقين) للدكتور أحمد مكي الانصاري (ص 149 ، وننبه على ما يلي : أما الكتاب الثاني الذي ذكره الدكتور فهو رد على النحويين الذين أنكروا بعض القراءات القرآنية الصحيحة ، لم يعرض فيه لقضية الزوائد بكلمة من قريب أو بعيد ولا نجد في الكتاب إشارة ، بكلمة واحدة .
وأما الكتاب الأول فهو دراسة قيمة لحروف المعاني في القرآن ينقل المؤلف فيها أقوال العلماء السابقين من لغويين ، ونحويين ، وكثير من هؤلاء من القائلين بالزيادة ، ولم ينكر عليهم المؤلف ، فموضوع الكتاب – إذن – ليس قضية الزوائد أولا ولا يسعفنا في موضوعنا الذي نحن بصدده وهو نفي الزوائد من كتاب الله .
(3) معاني القرآن للفراء (1 / 238)
(4) الكشاف (1/427) .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|