أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-3-2022
1852
التاريخ: 22/12/2022
1533
التاريخ: 19-2-2022
1839
التاريخ: 16-8-2022
1893
|
أن مساواة حسن حال العدو و سوء حاله ، و عدم وجدان التفرقة بينهما في النفس ، ليست مما تدخل تحت الاختيار.
فالتكليف به تكليف بالمحال , فالواجب في نفي الحسد و إزالته هو القدر الذي يمكن دفعه ، و بيان ذلك , أن الحسد :
(أولا) إما يبعث صاحبه على إظهاره بقول أو فعل ، بحيث يعرف حسده من آثاره الاختيارية ولا ريب في كونه مذموما محرما ، و كون صاحبه عاصيا آثما ، لا لمجرد آثاره الظاهرة التي هي الغيبة و البهتان مثلا ، إذ هي أفعال صادرة عن الحسد ، محلها الجوارح ، و ليست عين الحسد ، إذ هو صفة للقلب لا صفة للفعل ، و محله القلب دون الجوارح ، قال اللّه سبحانه : {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر : 9] , و قال : {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء : 89] , و قال : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران : 120] .
فلو كان الإثم على مجرد أفعال الجوارح ، لم يكن أصل الحسد الذي هو صفة القلب معصية ، و الأمر ليس كذلك ، فيكون عاصيا لنفس الحسد الذي في قلبه أيضا ، أعني ارتياحه بزوال النعمة مع عدم كراهة ذلك من نفسه.
والإثم حقيقة على عدم كراهته و عدم مقته و قهره على نفسه لهذا الارتياح الذي يجده منها لكونه اختياريا ممكن الزوال ، لا على نفس الارتياح و الاهتزاز، لما أشير إليه من أنه طبيعي غير ممكن الدفع لكل أحد فهذا القسم من الحسد أشد أنواعه ، لترتب معصيته على أصله ، و أخرى على ما يصدر عنه من آثاره المذمومة.
(ثانيا) أولا يبعثه على إظهاره بالآثار القولية و الفعلية ، بل يكف ظاهره عنها ، إلا أنه بباطنه يحب زوال النعمة من دون كراهة في نفسه لهذه الحالة.
ولا ريب في كونه مذموما محرما أيضا ، لأنه كسابقه بعينه و لا فرق إلا في أنه لا تصدر منه الآثار الفعلية و القولية الظاهرة ، فهو ليس بمظلمة بحسب الاستحلال منها ، بل معصية بينه و بين اللّه ، لأن الاستحلال إنما هو من الأفعال الظاهرة الصادرة من الجوارح.
(ثالثا) أولا يبعثه على الآثار الذميمة الظاهرة ، ومع ذلك يلزم قلبه كراهة ما يترشح منه طبعا من حب زوال النعمة ، حتى أنه يمقت نفسه و يقهرها على هذه الحالة التي رسخت فيها.
والظاهر عدم ترتب الإثم عليه إذ تكون كراهته التي من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع ، فقد أدى الواجب عليه , و أصل الميل الطبيعي لا يدخل تحت الاختيار غالبا ، إذ تغير الطبع بحيث يستوي عنده المحسن و المسيء ، وعدم التفرقة بين ما يصل منهما إليه من النعمة والبلية ، ليس شريعة لكل وارد , نعم من تنور قلبه بمعرفة ربه ، و أشرقت نفسه بأضواء حبه وأنسه ، و صار مستغرقا بحب اللّه تعالى مثل الشكران الواله ، و استشعر بالارتباط الخاص الذي بين العلة و المعلول ، و الاتحاد الذي بين الخالق والمخلوق ، وعلم أنه أقوى النسب و الروابط ، ثم تيقن بأن الموجودات بأسرها من رشحات وجوده ، والكائنات برمتها صادرة عن فيضه وجوده ، وأن الأعيان الممكنة متساوية في ارتضاع لبان الوجود من ثدي واحدة ، و الحقائق الكونية غير متفاوتة في شرب ماء الرحمة و الجود من مشرع الوحدة الحقيقية - فقد ينتهى أمره إلى ألا تلتفت نفسه إلى تفاصيل أحوال العباد ، بل ينظر إلى الكل بعين واحدة ، و هي عين الرحمة ، و يرى الكل عبادا للّه و أفعاله ، ويراهم مسخرين له ، فلا ينظر إلى شيء بعين السخط و المساءة ، وإن ورد منه ما ورد من السوء و البلية ، لأنه ينظر إليه من حيث هو حتى يظهر التفاوت بل من حيث انتسابه إليه سبحانه ، والكل في الانتساب إليه سواء.
ثم من الناس من ذهب إلى أنه لا إثم على الحسد ما لم تظهر آثاره على الجوارح ، وعلى هذا ينحصر الحسد المحرم في القسم الأول , واحتج على ما ذهب إليه بما ذكرناه من قوله (صلى اللّه عليه و آله) : «ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن : الحسد .. .» ، وبقوله (صلى اللّه عليه و آله): ثلاث في المؤمن له منهن مخرج ، و مخرجه من الحسد ألا يبغي» , والصحيح أن تحمل أمثال هذه الأخبار على القسم الثالث ، وهو ما يكون فيه ارتياح النفس بزوال النعمة طبعا مع كراهة له من جهة العقل والدين ، حتى تكون هذه الكراهة في مقابلة حب الطبع , إذ أخبار ذم الحسد تدل بظاهرها على أن كل حاسد آثم ، والحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال الظاهرة , و على هذا المذهب ، لا يكون إثم على صفة القلب ، بل إنما يكون على مجرد الأفعال الظاهرة على الجوارح.
فقد اتضح بما ذكر، أن الأحوال المتصورة لكل أحد بالنسبة إلى أعدائه ثلاثة : الأولى : أن يحب مساعدتهم ، و يظهر الفرح بمساءتهم بلسانه و جوارحه ، أو يظهر ما يؤذيهم قولا أو فعلا ، و هذا محظور محرم قطعا ، و صاحبه عاص آثم جزما , الثانية : أن يحب مساعدتهم طبعا ، و لكن يكره حبه لذلك بعقله ، و يمقت نفسه عليه ، و لو كانت له حيلة في إزالة ذلك الميل لأزاله. وهذا معفو عنه وفاقا ، و فاعله غير آثم إجماعا , الثالثة : و هي ما بين الأوليين : أن يحسد بالقلب من غير مقته لنفسه على حسده ، و من غير إنكار منه على قلبه ، ولكن يحفظ جوارحه عن صدور آثار الحسد عنها ، وهذا محل الخلاف , وقد عرفت ما هو الحق فيه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|