أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-09
756
التاريخ: 20-09-2014
2106
التاريخ: 5-11-2014
3077
التاريخ: 5-11-2014
1884
|
قال الشيخ عبد القاهر الجرجاني : إذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثراً ، ثُمّ يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ فيقول ، حلو رشيق ، وحسن أنيق ، وعذب سائغ ، وخَلُوب رائع ، فاعلم أنّه ليس يُنبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف ، وإلى ظاهر الوضع اللغوي ، بل إلى أمر يقع من المرء في فؤاده ، وفضل يقتدحه العقل من زناده (1) .
تعريف بديع عن أُسّ البلاغة الفاخرة ، وتحديدٌ دقيق عن سرّ الفصاحة الباهرة ، ليس يقصر جمال الكلام في حسن منظره حتى ينضاف إليه كمال مخبره :
إنّ الـكلامَ لفي الفسادِ وإنّما جُعل الكلامُ على الفؤادِ دليلا
وهكذا تجلّى القرآن في سناء جلاله وبهاء جماله ، رائعاً في بديع نظمه ، وفخماً في رفيع أُسلوبه ، فذّاً فريداً لا يدانيه أيُّ كلام ، ولا يضاهيه أيّ بيان ، قد فاحت من طيّاته نفحات القدس ، وفاضت من تواقيع نغماته نسمات الأُنس ... {رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة : 89].
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52].
وتلك زهوره الباسقات ، جاءت في حقول عشرة مكتملات ، نقدّم لك إجمالها قبل بيان التفصيل :
( أولاً ) دقيق تعبيره ورقيق تحبيره :
( واضعاً كلّ لفظٍ موضعه الأخصّ الأشكل به ، بحيث إذا أُبدل بغيره جاء منه فساد معنى الكلام أو سقوط رونقه ) .
( لو انتزعت منه لفظةٌ ثم أُدير لسان العرب على لفظة في أن يوجد أحسن منها لم توجد ) .
( فلم يجدوا في الجميع كلمةً ينبو بها مكانها ، ولفظةً يُنكر شأنها ... بل وجدوا اتّساقاً بَهَر العقول ، وأعجز الجمهور ) .
( قدامى علماء البيان )
( ثانياً ) طرافة سبكه وغرابة أُسلوبه :
سبكٌ جديد وأُسلوب فريد ، لا هو شعر كشعرهم ولا هو نثر كنثرهم ، ولا فيه تكلّف أهل السجع والكهانة ، على أنّه جَمَع بين مزايا أنواع الكلام الرفيع ، فيه أناقة الشعر وطلاقة النثر وجزالة السجع الرصين ، ممّا لم يوجد له نظير ولم يخلفه أبداً بديل ، ولا استطاع أحد أن يماريه أو يجاريه ، لا في أُسلوبه ولا في نظمه البديع .
حلوٌ رشيق وخلوبٌ رحيق ( إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّه لمثمر أعلاه ، مُغدِق أسفله ، إنه يعلو وما يُعلى ... ) كلام قاله عظيم العرب وفريدها الوليد .
( ثالثاً ) عذوبة لفظه وسلاسة عباراته :
يسيح سيحاً كجري الماء في مصبّه ، ويفيح فيحاً كنسيم الصِبا من مهبّه ، عَذِباً سائغاً رويّاً ، تبتهج له الأرواح وتنشرح له الصدور ، في رونق جذّاب وروعة خلاّبة .
( رابعاً ) تناسق نظمه وتناسب نغمه :
( قد جمع بين مزايا الشعر وخصائص النثر... ) .
( ويجد الإنسان لذّةُ ، بل وتعتريه نشوةٌ إذا ما طرق سمعه جواهر حروف القرآن ... ) .
( لرأيناه أبلغ ما تبلغ إليه اللغات كلها ، في هزّ الشعور واستثارة الوجد النفسي ... ) .
( أُدباء معاصرون )
( خامساً ) تجسيد معانيه في أجراس حروفه :
تتواءم أجراس حروفه مع صدى معانيه ، ويتلاءم لحن بيانه مع صميم مراميه ، مِن وعد أو وعيد ، ترغيب أو ترهيب ، كلّ تعبير يجري مجراه من شدة أو لين ، ويتطلّب مقتضاه من تفخيم أو تهويل ، كلّ يتناسب وجرس لفظه ولحن أدائه ، الأمر الذي يزيده جلالاً وفخامةً وأُبّهةً وكبرياءً ... .
( سادساً ) تلاؤم فرائده وتآلف خرائده :
كأنّه عقدُ جُمان ، تناسقت فرائده ، وتناسبت لآليه ، سياقاً منتظماً متلائماً ، متلاحم الألفاظ والمعاني ، متواصل الأهداف والمباني .
قال سيّد قطب : ( من ألوان التناسق الفنّي ، هو ذلك التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات والتناسب من غرض إلى غرض ... ) .
( سابعاً ) حسن تشبيهه وجمالُ تصويره :
اعترف أهل البيان بأنّ تشبيهات القرآن أمتن التشبيهات الواقعة في فصيح الكلام ، وأجمعهنّ لمحاسن البديع ، وأوفاهنّ بدقائق التصوير ورقائق التعبير ورحائق التحبير .
( ثامناً ) جودة استعارته وروعةُ تخييله :
عمد القرآن ـ في إفادة معانيه ، والإشادة بمبانيه ـ إلى أنواع الاستعارة والكناية والمجاز ، في نطاق واسع ، أبدع فيها وأجاد إجادةَ البصير المُبدع ، وأفاد إفادةَ الخبير المضطلع ، في إحاطة بالغة لم يعهد لها نظير ، ولم يخلفه أبداً بديل .
( تاسعاً ) لطيف كنايته وظريف تعريضه :
جاءت كناياته ـ حسبما تقدّم ـ أوفى الكنايات وأدقّهنّ وأرقّهنّ ، ولم تفته لطافةٌ في كناية ولا ظرافةٌ في تعريض .
( عاشراً ) طرائفٌ وظرائف :
محاسن جمّة غفيرة ، ومزايا كثرة وفيرة ، تجمّعت في القرآن الكريم ، لا نظير لها في سائر الكلام ولا مثيل .
وبعد .
________________
1- أسرار البلاغة : ص3 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|