المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8099 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

تفسير الاية (21-26) من سورة الجاثية
12-5-2017
نظرية الصفوة الدينية لا النخبة الاجتماعية
4-3-2019
الكمون Cuminum cyminum L.
1-8-2022
طبوغرافية قاع البحار والمحيطات Topography of Seas
2024-08-26
أسعد بن يزيد بن الفاكه.
30-9-2020
أحمد بن عبد السيد بن علي
10-04-2015


قاعدة « تلف المبيع قبل قبضه - إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بايعه »  
  
358   01:51 مساءاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص 353 – 366 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / تلف المبيع قبل قبضه - اذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه /

[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :  

- مستند القاعدة من الإجماع والأحاديث وبناء العقلاء‌ .

- حكم النماءات الحاصلة بعد العقد وقبل التلف‌ .

- إذا حصل التلف بفعل البائع أو المشتري‌ .

- إلحاق تلف الثمن بتلف المبيع وعدمه‌ .       

- هل القاعدة تختص بباب البيع أو تجري في جميع المعاوضات‌ .

قاعدة تلف المبيع قبل قبضه من القواعد المشهورة في أبواب المعاملات قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ومعناه كما سيأتي إنشاء اللّه انفساخ البيع عند تلف المبيع قبل إقباض البائع للمشتري ووجوب رد الثمن اليه والكلام فيها في مقامات.

1- مستند القاعدة :

ويدل عليها أمور‌ :

الأول اتفاق أصحابنا عليه كما ادعاه العلامة في التذكرة حيث قال :

«لا خلاف عندنا في الضمان على البائع قبل القبض مطلقا، فلو تلف حينئذ انفسخ العقد وسقط الثمن، وبه قال الشافعي، واحمد في رواية، وهو محكي عن الشعبي وربيعة، لأنه قبض مستحق بالعقد، فاذا تعذر انفسخ البيع، كما لو تفرقا قبل القبض في الصرف، وقال أبو حنيفة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلا العقار، وقال مالك إذا هلك المبيع قبل القبض لا يبطل البيع، ويكون من ضمان المشتري، الا ان يطالبه به، فلا يسلمه فيجب عليه قيمته للمشتري، وبه قال احمد وإسحاق لقوله عليه السّلام «الخراج بالضمان» ونمائه للمشتري فضمانه عليه» «1».

وقال الشيخ الطائفة في الخلاف في المسئلة 243 من كتاب البيوع: «إذا تلف المبيع قبل القبض للسلعة بطل العقد، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك لا يبطل، دليلنا: انه إذا باع فإنه يستحق الثمن إذا قبض المبيع، فاذا تلف تعذر عليه التسليم فلا يستحق العوض» «2».

ولا تهافت بين الكلامين، فيما نقل عن أبي حنيفة من استثناء العقار في أحدهما دون الأخر، لأن هذه من فروع المسئلة.

و ادعاه جماعة آخرون حتى ادعي في «الرياض» تواتر نقل الإجماع على المسئلة حيث قال: فان تلف المبيع بعد ثبوته بانقضاء الثلاثة كان من مال البائع إجماعا تواتر نقله جدا «3».

و قال في «مفتاح الكرامة» وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه إجماعا، كما عن السرائر وكشف الرموز وجامع المقاصد والروضة ويتناوله إجماع الغنية «4».

و حكى الإجماع أو دعوى عدم الخلاف في موضع آخر عن جماعة آخرين.

و بالجملة المسألة غير خلافية عندنا، وان خالف فيه بعض فقهاء العامة كما عرفت، وان كان مجرد الإجماع في أمثال هذه المسائل التي توجد فيها دلائل أخر غير كاف في إثبات المطلوب، ولكن مثل هذه الإجماعات يؤكد المقصود تأكيدا تاما.

نعم قد يظهر من بعض ما حكى من المحقق الأردبيلي نوع ترديد في المسألة لو لا الإجماع، حيث قال بعد كلام له في المسألة مماشاة للجماعة ما نصه: «فتأمل‌ فإن الأمر مشكل لكون الملك للمشتري مثلا قبل القبض في زمن الخيار على ما مر، وبعده، والبائع غير مقصر والقاعدة تقتضي كونه من ماله» «5».

و لكن مثل هذا لا يعد خلافا في المسألة كما هو ظاهر.

2- السنة :

العمدة في دليل المسئلة هي عدة روايات مروية عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السّلام.

1- منها: الرواية المعروفة عنه صلّى اللّه عليه وآله «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه».

و هذه الرواية وان كانت مرسلة، ولم توجد في أكثر كتب الحديث منا ومن غيرنا، ولكنها مشهورة معروفة.

نعم أخرجها في المستدرك عن غوالي اللئالي «6» ومن هنا قال في مفتاح الكرامة وضعف السند منجبر بعمل الكل، فقد طفحت عباراتهم بذلك في المقام وفي خيار التأخير «7».

و قال الفقيه الماهر صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام: للنبوي المنجبر بعمل الأصحاب كافة «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» «8».

و من هنا يظهر ما في كلام صاحب الحدائق (قدس سره) في بعض حواشيه على كتاب الحدائق في المسألة حيث قال بعد نقل الرواية عن العلامة في التذكرة ما نصه :

«و هذا الخبر لم نقف عليه فيما وصل إلينا من كتب الاخبار، ووجه الإيهام فيه قوله «من مال بائعه»، فإنه دال على خروج ذلك عن ملكه بالبيع، فليس معنى قوله «من ماله» الا باعتبار ضمانه مثله أو قيمته «9».

و سيأتي الكلام فيما أشار إليه من وجه الإيهام في الحديث.

2- منها: ما رواه عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير انه ترك المتاع عنده ولم يقبضه قال آتيك غدا ان شاء اللّه، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال من صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع، ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله اليه «10».

و الرواية وان كانت ضعيفة لجهالة «عقبة بن خالد» وكذا الراوي عنه «محمد ابن عبد اللّه بن هلال» ولكن الذي يسهّل الخطب عمل المشهور بها، بل قد عرفت ان مضمونها مما قد ادعى تواتر الإجماع عليه، ولذا قال في الرياض مشيرا اليه والى الرواية السابقة: «و قصورهما سندا منجبر بعمل الكل جدا، فهما بعد الإجماع مخرجان للحكم هنا عن مقتضى القاعدة المتقدمة القائلة بحصول الملكية بمجرد العقد المستلزم لكون التلف من المشتري» «11».

و قال في مفتاح الكرامة مشيرا إليهما وضعف السند فيهما منجبر بعمل الكل فقد طفحت عباراتهم بذلك في المقام ومبحث خيار التأخير «12».

3- ومنها ما رواه علي بن يقطين انه سأل أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يبيع البيع‌ ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه، والا فلا بيع بينهما «13».

و استدل به السبزواري في الكفاية في كتاب البيع حيث قال: ولو تلف المبيع كان من مال البائع بعد الثلاثة بلا خلاف أعرفه، وقبل الثلاثة على الأشهر الأقرب لظاهر «صحيحة علي بن يقطين»، مؤيدا برواية عقبة بن خالد، وذهب المفيد والمرتضى وسلار ومن تبعهم الى ان تلفه من المشتري نظرا الى ثبوت الناقل من غير خيار «14».

هذا والرواية وان كانت قوي السند ولكن الظاهر انه لا دلالة لها على ما نحن بصدده، فإنه لا نرى فيها ما يدل على حكم التلف في ثلاثة أيام، بل السؤال والجواب عن حكم البيع عند عدم القبض والإقباض، من دون تعرض لحكم التلف، فاذا لا يبقى من الروايات إلا الأوليان اللتان أشرنا إليهما آنفا.

بقي هنا شي‌ء :

وهو ان ظاهر الخبرين الذين هما الأصل في المسألة: النبوي، ورواية عقبة بن خالد، ان التلف يتحقق في مال البائع، مع ان الملك ملك المشتري بحسب البيع الصحيح السابق، فمعنى هذا الكلام انه ينفسخ العقد آنا ما قبل التلف وينتقل المبيع الى ملك البائع، والثمن الى ملك المشتري، فيكون تلف المبيع من مال بايعه، واما ان الفسخ هل هو من حينه، أو من الأصل الذي تظهر ثمرته في النمائات المتخللة فهو أمر آخر، سيأتي الكلام فيه، ولا دخل له بما نحن بصدده فعلا، وان كان يظهر من كلمات بعضهم انه وقع الخلط بينهما عنده.

قال في مفتاح الكرامة: ومعنى كونه من مال بائعه انه ينفسخ العقد بتلفه من‌ حينه، ويرجع الثمن الى ملك المشتري، كما قد تشعر به رواية عقبة، وبه صرح في المبسوط وما تأخر عنه مما تعرض له فيه، فلو كان قد تجدد له نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري- الى ان قال- وحينئذ فيقدر دخوله في ملك البائع قبل التلف آنا ما ويكون التلف كاشفا عنه «15».

و قال في «التذكرة»: إذا انفسخ العقد كان المبيع تالفا على ملك البائع فلو كان عبدا كان مئونة تجهيزه عليه، وبه قال الشافعي، وهل يقدر انه ينتقل الملك اليه قبيل التلف، أو يبطل العقد من أصله؟ فيه احتمالان، وأصح وجهي الشافعية الأول «16».

و قد عرفت ان كون الفسخ من أصله أو من حينه لا ربط له بما نحن بصدده، والمقصود هنا انه يقع الفسخ على كل حال قبل التلف آنا ما، اما من أصله أو من حينه فينتقل المال إلى البائع فيكون التلف في ملكه، وهل يترتب عليه سائر آثار الملك مثل ما ذكره العلامة في عبارته السابقة عن التذكرة من كون مئونة تجهيز العبد التالف على مالكه أو يكون ثمرة انتقال المال إلى البائع كون تلفه من ماله لا غير، فيه وجهان والقدر المتيقن الثاني وظاهر إطلاق الحديث الأول فتأمل.

الى غير ذلك مما ورد في كلماتهم في هذا المجال، ونختم هذا البحث بما ذكره الشهيد الثاني في المسالك حيث قال: «المراد انه ينفسخ العقد بتلفه من حينه ويرجع الثمن الى ملك المشتري، فلو كان قد تجدد له نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري، وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو القيمة، وان كان الحكم بكونه من مال البائع يوهم ذلك، وانما عبروا بذلك تبعا للنص، والمراد منه ما ذكرناه وحينئذ يقدر دخوله في ملك البائع قبل التلف آنا ما، فيكون التلف كاشفا عنه» «17».

وكلامه جيد بالنسبة الى ما هو المقصود، اعني معنى كون التلف من مال البائع ولكن يرد عليه أولا ان مسئلة كون الفسخ من حينه أو من أصله لا دخل له بما نحن فيه والخلط بين المسئلتين غير جائز، وثانيا قوله ان النص يوهم جواز مطالبة البائع بالمثل أو القيمة غير صحيح، بل ظاهر هذا التعبير هو انفساخ البيع فتدبر.

3- بناء العقلاء في القاعدة :

قد يدعى ان هذه القاعدة مقبولة عند العقلاء، وان بنائهم على انفساخ العقد لو وقع التلف قبل القبض، وانه يرجع الثمن إلى المشتري، وان الوجه فيه ان قوام المعاملة عندهم بالقبض والإقباض، وان كان إنشاء العقد والمبادلة بين المالين قبل ذلك كثيرا، فاذا سقط الثمن عن قابلية القبض والإقباض، وكونه بدلا عن الثمن، فتنفسخ المعاملة قهرا، فيذهب من كيس صاحبه قبل المعاوضة.

هذا ولكن كون بنائهم عليه غير ثابت، والاستدلال الذي ذكر غير كاف في إثبات المقصود، وان شئت اختبر المسألة فيما إذا أدى المشتري الثمن ولم يقبض المتاع بتأخير من البائع، (مع كون البيع شخصيا) لبعض الموانع، ثمَّ ارتفع قيمة المتاع بعد ذلك فتلف عنده من دون ان يكون العين امانة عنده، فكون البائع ضامنا للثمن فقط دون المتاع الذي ارتفعت قيمته أول الكلام.

وبالجملة لو ثبت بناؤهم على ذلك في بعض الموارد فهو غير ثابت في الجميع بل يمكن ان يكون بناؤهم في بعض الموارد من باب عدم تفاوت قيمة المتاع عن الثمن الذي أعطاه.

فالعمدة في المسألة ما عرفت من روايات الباب المؤيدة بإجماع الأصحاب.

تنبيهات القاعدة :

الأول: في حكم النماءات الحاصلة بعد العقد وقبل التلف :

قال في الجواهر: «كيف كان فالنماء بعد العقد قبل التلف للمشتري، كما في المسالك وغيرها، بل قيل انه يظهر منه دعوى الوفاق عليه، لأنه نماء ملكه فالقاعدة واستصحاب الحالة السابقة يقضيان بان الفسخ من حينه، فاحتمال كون الفسخ من الأصل كما عن التذكرة ضعيف، لكن في الرياض انه ينافي الفسخ من حينه ظاهر النص وفتوى الجماعة فيحتاج الى تقدير دخوله في ملك البائع آنا ما ويكون التلف كاشفا».

ثمَّ قال: «قلت: قد لا يحتاج الى هذا التقدير ويكون المراد من النص والفتوى ان حكم هذا التالف حكم ما لو كان مالا للبائع أي لا يستحق بالعقد ثمنا على المشتري» «18».

و قال في مفتاح الكرامة: «و معنى كونه من مال بائعه انه ينفسخ العقد بتلفه من حينه ويرجع الثمن الى ملك المشتري كما قد تشعر به رواية عقبة، وبه صرح في المبسوط، وما تأخر عنه، مما تعرض له فيه، فلو كان قد تجدد له نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري، كما هو مقتضى القاعدة واستصحاب الحالة السابقة، وظاهرهم انه لا خلاف فيه وان كان ظاهر النص والفتوى قد ينافيه لكنهم تأولوهما بما تسمعه «19».

والمسألة مبنية على ما عرفت من كون الفسخ من حين التلف أو من أصله، فلو كان من حين التلف فلا شك في ان النماءات ملك للمشتري، لأن المفروض بقاء المتاع على ملكه الى حين التلف والا كان للمالك.

ويقرب منه ما ذكره في الرياض: «هل النماء بعد العقد قبل التلف بالافة للمشتري أو البائع وجهان مبنيان على ان التلف هل هو امارة الفسخ للعقد من حينه أو من أصله؟ ظاهر المسالك وغيره الأول مشعرا بدعوى الوفاق عليه، وهو مقتضى القاعدة واستصحاب الحالة السابقة، لكن ينافيه ظاهر النص والعبارة كعبارات الجماعة فيحتاج الى تقدير دخوله في ملك البائع آنا ما ويكون التلف كاشفا عنه «20».

وقال السبزواري في الكفاية: «إذا حصل للمبيع النماء كالنتاج وثمرة النخل كان ذلك للمشتري، قالوا فان تلف الأصل سقط الثمن عن المشتري، وله النماء، وهذا مبني على ان التلف انما يبطل البيع من حينه» «21».

وحيث قد عرفت انه لا طريق لنا الى الحكم في المسألة الا من طريق روايات الباب، فاللازم ملاحظة مفادها، نعم لو وصل الأمر إلى الشك فالقاعدة تقتضي كونها للمشتري لأن الملك كان ملكه، بمقتضى العقد فالنماءات له، فما لم يقم دليل على خلافه فاللازم إلحاق المنافع به.

فنقول: اما قوله صلّى اللّه عليه وآله «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» فلا دلالة فيه على شي‌ء من الأمرين، وكونه من مال البائع لا دلالة على ان الفسخ من أصله، بل لعله بمعنى انه بحكم مال البائع، أو انه يقع الفسخ قبل التلف آنا ما، فيعود الملك إلى البائع ويكون التلف من ملكه، فلا دلالة لها على شي‌ء.

وكذلك قول الصادق عليه السّلام في رواية عقبة بن خالد بعد السؤال من ان المتاع إذا سرق من مال من يكون؟ قال: «من صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع».

وبالجملة لا يظهر من روايات المسألة بالنسبة إلى النماءات شي‌ء وقد عرفت‌ ان القاعدة تقتضي كونها للمشتري.

نعم لو دلت رواية «علي بن يقطين» على القاعدة كان قوله «و الا فلا بيع بينهما» ظاهرا في الفسخ من أصله ولكن قد عرفت عدم دلالتها على المطلوب.

الثاني: إذا حصل التلف بفعل البائع أو المشتري :

ظاهر كلام غير واحد منهم في عنوان المسألة من تقييده بتلف سماوي ان هذا الحكم لا يجري إذا حصل الإتلاف من البائع أو المشتري أو أجنبي، وهو كذلك لقصور النص عن شمول مسألة الإتلاف، لأن العنوان فيه هو التلف، فاللازم الرجوع الى مقتضى القاعدة، ومن الواضح ان مقتضاها كون المتلف ضامنا للمثل أو القيمة، إذا كان المتلف البائع أو الأجنبي، لأن المبيع دخل في ملك المشتري بمجرد إنشاء البيع، ولا يكون القبض والإقباض شرطا هنا.

واما لو كان الإتلاف من المشتري فالظاهر انه بحكم قبض المتاع، لأنه هو الذي أخرجه من قابلية القبض والإقباض، وقد ادعى عدم الخلاف في ذلك لأنه قد ضمن ماله بإتلافه.

الثالث: إلحاق تلف الثمن قبل قبضه بتلف المبيع :

وقع الكلام بينهم في اختصاص هذه القاعدة بالمبيع أو لشمولها للثمن أيضا.

ظاهر كلام غير واحد منهم العموم، بل قد يدعى عدم الخلاف فيه، بل قد يشعر بعض كلماتهم بالإجماع.

قال في مفتاح الكرامة :

«ثمَّ ان ظاهر العبارات في البابين ومقتضى الأصل وظاهر النبوي ان تلف‌ ثمن المعين قبل قبضه يكون من مال البائع، لأنه صار ماله بالعقد على عينه، لكن ظاهر مجمع البرهان انه كالمبيع وانه لا خلاف فيه، قلت: قد صرحوا بذلك في باب الشفعة، بل ظاهرهم هناك الاتفاق على ذلك من دون تأمل ولا اشكال، وقال في مجمع البرهان ان في خبر عقبة إيماء إلى التعميم في البائع والمشتري ويمكن ارادة المشتري من البائع في النبوي فإنه لغة يطلق عليهما ولا يضر عدم صحة السند لعدم الخلاف في العمل والقبول على الظاهر» انتهى «22».

وقال في الرياض:

«ان مقتضى الأصل واختصاص ظاهر الفتاوى والنص بالبيع كون الحكم في تلف الثمن تلفه من مال البائع لأنه صار بالعقد ماله، فيجب ان يكون التلف منه، الا ان ظاهر بعض الأصحاب إلحاقه بالأول، مشعرا بدعوى الوفاق عليه، وعلى ارادته من المبيع، وارادة المشتري من البائع، التفاتا الى صدقهما عليهما لغة» «23».

هذا ولكن لا ينبغي الإشكال في ان مقتضى انتقال الثمن بمجرد العقد الى ملك البائع انه إذا تلف تلف من ملكه، ومن يدعي كونه من ملك المشتري لا بد له من اقامة الدليل على انفساخ العقد آنا ما من حينه أو من أصله، وبدون اقامة الدليل لا يمكن المصير اليه.

وغاية ما يستدل به للعموم، فيما عرفت من كلماتهم وغيرها أمور:

1- شمول النبوي «كل بيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» للبائع والمشتري والثمن والمثمن بناء على صدق هذا العنوان على كليهما كما أشار إليه غير واحد منهم.

ولكن الإنصاف انه مخالف للظاهر جدا، لا يمكن المصير اليه من دون قرينة.

2- شمول رواية «عقبة بن خالد» له فان قوله عليه السّلام في ذيل الرواية «فإذا أخرجه من بيته (اي أقبض البائع المتاع) فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله اليه» ان المشتري ضامن للثمن بعد قبض المثمن.

وأورد عليه بأمور: أحدها- ان رواية «عقبة» انما تدل بعد القبض.

ثانيها- انه يمكن حملها على كون الثمن كليا كما هو الغالب، والضمان أعم من الانفساخ الحاصل بتلف المبيع.

ثالثها- انه لا جابر لهذه الرواية الضعيفة بالنسبة الى ذلك (و ان تمت دلالتها بالنسبة إلى المبيع لانجبارها كما عرفت) «انتهى» «24».

هذا ولكن العمدة من إشكالاته هو الإشكال الأول لأن كون الثمن كليا خلاف ظاهر الحديث جدا، لأنه لا معنى حينئذ لضمان المشتري لحق البائع حتى يرد ماله إليه، فإن هذا كالصريح في كون الثمن شخصيا، بل لا يتصور التلف في الثمن الكلي، وكذا التفكيك في العمل بين الفقرتين مشكل بل قد يظهر منهم العمل بهما كما عرفت.

ولكن هنا «اشكال آخر» يرد على الاستدلال بالرواية وهو ان كون المشتري ضامنا لحق البائع حتى يرد ماله اليه لا يدل على كون تلف الثمن من ماله، ليكون ملازما للفسخ من حينه أو من الأصل، بل لعل الضمان هنا انما هو بالمثل أو القيمة، والوجه فيه عدم العذر للمشتري بعد قبض المتاع في تأخير أداء الثمن.

فالاستدلال بهذه الرواية أيضا ضعيف.

3- «إلغاء الخصوصية» عن حكم المثمن وتنقيح المناط فيه، بان يقال: ان العلة لانفساخ البيع انما هو عدم استحكامه قبل القبض، وهذا أمر مشترك بين الثمن والمثمن، والانصاف ان هذا أيضا تخرص على الغيب، وقول بلا دليل.

نعم قد يقال ان المسألة عقلائية ولا فرق عندهم بين الثمن والمثمن في ذلك ولكن قد عرفت عدم ثبوت هذه الدعوى، فاذا لا يسعنا إلحاق الثمن بالمثمن، فيبقى الحكم على الأصل، وهو كون تلفه من مال البائع إذا لم يكن من ناحية المشتري تقصير، والا فهو ضامن له بمثله أو قيمته (و اللّه العالم).

4- هل القاعدة تختص بباب البيع أو تشمل سائر المعاوضات أيضا ؟

لم نر في كلماتهم ذكرا له الا نادرا وأدلة المسألة أيضا خاصة بالبيع من دون فرق بين النبوي المشهور وما رواه عقبة بن خالد، والإجماع.

نعم ذكر شيخنا الأعظم في مكاسبه: انهم ذكروا في الإجارة والصداق وعوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض، لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت في كلماتهم، الا انه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات.

وعلى كل حال لا دليل على التعميم وما قد يقال ان مدرك المسألة هو بناء العقلاء وهو عام قد عرفت ما فيه.

نعم بالنسبة إلى العقود القائمة بالمنافع (مثل الإجارة) إذا تلف العين المستأجرة فلا شك في بطلان الإجارة وكذا إذا كانت العين باقية، ولكن تلف المنافع قبل قبضها لمانع حصل من القبض، كوقوع العين في معركة القتال، أو في وسط السيل، أو غير ذلك، فلا يبعد الحكم بالانفساخ لبناء العقلاء عليه في خصوص هذه الموارد، ولكن مع ذلك لا يمكن استفادة الحكم منها كليا فتأمل.

________________

(1) تذكرة الفقهاء المجلد الأول ص 473.

(2) الخلاف ج 2 ص 68.

(3) الرياض ج 1 ص 526.

(4) مفتاح الكرامة ج 4 ص 596.

(5) حكى في الحدائق عنه في ج 19 ص 77.

(6) المستدرك ج 2 ص 473 (أبواب الخيار الباب 9).

(7) مفتاح الكرامة ج 4 ص 596.

(8) الجواهر ج 23 ص 83.

(9) الحدائق ج 19 ص 76.

(10) الوسائل ج 12 أبواب الخيار الباب 10 ح 1 ص 358.

(11) الرياض ج 1 ص 528.

(12) مفتاح الكرامة ج 4 ص 596.

(13) الوسائل ج 12 أبواب الخيار الباب 9 ح 3 ص 357.

(14) كفاية الأحكام ص 92.

(15) مفتاح الكرامة ج 4 ص 596.

(16) التذكرة ج 1 ص 474.

(17) المسالك ج 1 ص 181.

(18) الجواهر ج 23 ص 84.

(19) مفتاح الكرامة ج 4 ص 596.

(20) الرياض ج 1 ص 528.

(21) الكفاية ص 96.

(22) مفتاح الكرامة ج 4 ص 597.

(23) الرياض ج 1 ص 528.

(24) جواهر الكلام ج 23 ص 85.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.