أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2021
1865
التاريخ: 18-9-2016
2217
التاريخ: 6-9-2021
2847
التاريخ: 18-9-2016
2461
|
ومن جملة القواعد الفقهيّة القاعدة المعروفة « بأصالة الصحّة ».
والظاهر أنّ عمدة الدليل عليه هي سيرة العقلاء كافّة ، من جميع الملل ، في جميع العصور ، من أرباب جميع الأديان من المسلمين وغيرهم ، والشارع لم يردع عن هذه الطريقة بل أمضاها، كما هو مفاد الأخبار في أبواب متعدّدة.
بل يمكن أن يقال : لو لم يكن هذا الأصل معتبرا لا يمكن أن يقوم للمسلمين سوق ، بل يوجب عدم اعتباره اختلال النظام كما ادّعاه شيخنا الأعظم الأنصاري (1).
والإنصاف أنّ الاختلال الذي يلزم من عدم اعتبار هذه القاعدة أشدّ وأعظم من الاختلال الذي يلزم من عدم اعتبار قاعدة اليد ، فإنّ هذه القاعدة جارية في أغلب أبواب الفقه من العبادات والمعاملات ؛ ولذلك لا يبقى محلّ للاستدلال على اعتبارها بالإجماع ؛ لأنّه من المظنون أن يكون مدرك المجمعين هو الذي ذكرنا ، فليس من الإجماع المصطلح الأصولي الذي يكون اعتباره من جهة كشفه عن رأي المعصوم عليه السلام .
وأمّا الاستدلال عليه بالآيات والروايات فلا يخلو عن مناقشة بل منع في أكثرها.
والإنصاف أنّ اعتبار هذه القاعدة وحكومتها على الاستصحاب وأصالة الفساد من المسلّمات التي لا خلاف فيها أصلا ، فلا ينبغي تطويل المقام بذكر الآيات والأخبار التي أوردوها ، والمناقشة فيها.
أنّ المراد من الصحّة في هذه القاعدة هل الصحّة الواقعيّة ، أو الصحّة باعتقاد الفاعل؟
وهناك احتمال آخر وهو أن يكون المراد منها الصحّة باعتقاد الحامل.
ولكن في تعيين أحد هذه الاحتمالات لا بدّ من ملاحظة دليل القاعدة ، وأنّ أيّ واحد من هذه الاحتمالات مفاد ذلك الدليل.
فنقول : سواء أكان الدليل هي سيرة العقلاء من كافّة الناس ، أو الإجماع ، أو اختلال النظام من عدم الاعتبار ولا شكّ في أنّ المراد هو الصحّة الواقعيّة ؛ وذلك لأنّ بناء العقلاء من المعاملات التي تقع بين الناس وحملها على الصحّة هي الصحّة الواقعيّة ، وإلاّ لو كانت الصحّة باعتقاد الفاعل لما كان للحمل على الصحّة أثر ؛ لأنّ اعتقاد الصحّة عند الفاعل مع عدم إثبات الصحّة الواقعيّة لا يوجب لسائر الناس ترتيب آثار الصحّة ، مع أنّ الناس قاطبة يرتّبون آثار الصحّة ، مثلا لو علموا أنّ رجلا طلق زوجته ؛ أو باع داره ، أو اشترى دارا ، أو أي فعل صدر عن شخص يحملونه على الصحّة الواقعيّة ، ويرتّبون على ذلك الفعل آثار الصحّة ، سواء أكان ذلك الفعل من العبادات أو المعاملات ، ومن العقود أو الإيقاعات.
والحاصل : أنّه كما أنّ في قاعدة الفراغ إذا شكّ في صحّة العمل الذي أتى به مفاد تلك القاعدة حمل الفعل الصادر عن نفسه على الصحّة الواقعيّة ؛ لبناء العقلاء على ذلك.
كذلك الأمر في الفعل الصادر عن الغير ، بل يمكن أن يقال : أن الصحّة عند الجميع هي الصحّة الواقعيّة ، غاية الأمر أنّ الفاعل أو الحامل قد يخطئان فيعتقدون ما ليس بصحيح واقعا صحيحا واقعيا ، فبناء العقلاء على ما هو الصحيح واقعا.
وكذلك الإجماع انعقد على ذلك ، بل اختلال النظام لا يرتفع إلاّ بالحمل على الصحيح الواقعي.
وما يقال : من أنّ مدرك هذه القاعدة لو كان ظهور حال المسلم في أنّه لا يأتي بالعمل إلاّ صحيحا ، فلا بدّ وأن يكون المراد هي الصحّة عند الفاعل ؛ لأنّه لا يأتي إلاّ بما يراه صحيحا ، لا ما هو صحيح عند سائر الناس.
ففيه أولا : هذا فيما إذا كان الفاعل عالما بالصحيح والفاسد ، والقاعدة أعمّ.
وثانيا : عرفت أنّ المدرك هي سيرة العقلاء ولا اختصاص لها بالمسلم ، وأنّ عدم اعتبارها يوجب اختلال النظام وتعطيل الأسواق ، فالعمدة في مدرك هذه القاعدة هذان الأمران ، أي السيرة ، ولزوم اختلال النظام من عدم اعتبارها.
فلا شكّ في أنّ مفاد هذين الدليلين هي الصحّة الواقعيّة ، وعليها مدار جريان المعاملات في الأسواق وفي باب العقود والإيقاعات.
نعم فيما إذا علم الحامل أنّ الصحيح عند الفاعل مخالف مع ما هو الصحيح واقعا ، بمعنى أنّ الفاعل مخطئ في تطبيق الصحّة الواقعيّة على ما يأتي به ، ففي هذه الصورة حمل فعله على الصحّة الواقعيّة مشكل ؛ لأنّ كون ما أتى به صحيحا واقعيّا متوقّف على أحد أمرين :
إمّا كونه متعمّدا بأن يأتي بما هو خلاف معتقده أنّه صحيح ، أو كونه غافلا عن معتقده حال العمل وأتى بالصحيح الواقعي من باب الصدقة والاتّفاق ، وكلاهما مخالف للأصل العقلائي.
[ المبحث ] الثالث :
أنّ هذا الأصل لا يجري إلاّ بعد إحراز عنوان العمل ، مثلا لو علم بأنّه صدر منه عملا ولم يعلم العنوان وأنّه بيع ، أو إجارة ، أو هبة أو غير ذلك فلا مورد لجريان أصالة الصحّة ؛ وذلك من جهة أنّ بناء العقلاء على أنّ العمل الصادر عن الغير بعد صدوره بعنوان الغسل مثلا واحتمل فقد جزء ، أو شرط ، أو وجود مانع لا يعتنون بذلك الاحتمال ، ويبنون على الصحّة.
وأمّا إذا كان الشكّ والاحتمال في أنّه هل قصد الغسل أو السباحة فليس بنائهم على صحّة هذا الغسل ؛ لأنّه في العناوين القصديّة قصد العنوان بمنزلة الموضع لهذا الأصل ، فلا معنى لإجرائه مع الشكّ في موضوعه.
ولذلك لو شكّ في صلاة الظهر أو العصر مثلا وأنّه هل قصد عنوان الظهريّة أو العصريّة ـ وكذلك في سائر الصلوات ، بل وفي كلّ فعل معنون بعنوان قصدي الذي لا يتحقّق إلاّ بذلك العنوان ـ لا يجري هذا الأصل إلاّ بعد إحراز ذلك العنوان.
نعم لو كان الفعل الذي يصدر منه من غير العناوين القصديّة كالتطهير عن الخبث ـ حيث أنّه ليس متقوّما بالقصد ـ فحمله على الصحّة عند الشكّ في إتيان بعض شرائطه يمكن ، ولو مع عدم إحراز أنّه قصد بهذا الفعل تطهير ثوبه مثلا أم لا.
فلو رأى إنسانا يغتسل ثوبه ولكن لم يحرز أنّه بصدد تطهير ذلك الثوب ، ويحتمل أن يكون غسله بقصد إزالة الوسخ لا بقصد التطهير ، فلو شكّ في أنّه هل عصر ذلك الثوب الذي غسله بالماء ـ بناء على اشتراط التطهير بالعصر فيما يقبل العصر ـ فيمكن إجراء أصالة الصحّة والحكم بطهارة ذلك الثوب.
[ المبحث ] الرابع :
في أنّه لا يجري هذا الأصل إلاّ بعد وجود الشيء فحينئذ إذا شكّ في أنّ ما أتي به هل صحيح ، أي تامّ من حيث الأجزاء والشرائط وعدم الموانع ويترتّب عليه الأثر المقصود منه ، أم لا؟ فبمقتضى هذا الأصل يحكم عليه بالصحّة ، ويترتّب عليه الأثر المقصود منه. وأمّا قبل وجوده فلا معنى لأن يقال : إنّ ما يريد أن يأتي به صحيح وتامّ ويترتّب عليه الأثر.
فلو شكّ في أثناء عمل شخص أنّ ما يأتي به هل هو صحيح أم لا ، لا مورد لجريان أصالة الصحّة ، وليس بناء العقلاء على الحكم بالصحّة وترتيب آثارها عليه قبل وجود الشيء في وعاء وجوده.
فلو أراد رجل أن يصلّي على الميّت ، أو يغسله ، أو أراد أن يحجّ فإجراء أصالة الصحّة قبل وجود هذه المذكورات فيها لا يخلو من غرابة ، وكذلك في أثناء العمل مثلا لو دخل شخص في إحرام عمرة حج التمتع ، فالحكم بصحّة عمرته وحجّه بمحض دخوله في الإحرام من باب أصالة الصحّة لا صحّة فيه.
نعم بالنسبة إلى تلك القطعة التي أتى بها يمكن أن يقال إنّها صحيحة من باب بناء العقلاء أو التعبّد ، وأمّا بالنسبة إلى مجموع العمل الذي لم يأت به بعد ، كيف يمكن أن يقال إنّ المأتي به موافق للمأمور به؟
فالحقّ أنّ موطن جريان أصالة الصحّة هو بعد وجود العمل والفراغ عنه.
فالفرق بينها وبين قاعدة الفراغ في عمل النفس هو أنّ الدخول في الغير لا يحتاج إليه هاهنا ، ولو قلنا بالاحتياج إليه في قاعدة الفراغ.
وذلك كلّه من جهة أنّ معنى أصالة الصحّة عند العقلاء هو أنّ العمل الذي صدر عن الغير ويشكّ فيه أنّه أوجده صحيحا وتامّا لا خلل فيه أو ناقص غير تامّ وفيه الخلل ، يبنون على صحّته وتماميّته ؛ فموضوع أصالة الصحّة هو العمل الصادر عن الغير لا الذي سيصدر ، ولا الذي صدر بعضه دون بعض.
وأمّا مسألة أحكام الميّت التي هي واجبات كفائيّة ، كغسله ، وكفنه ، ودفنه والصلاة عليه ، وعدم اعتناء من رأى أنّ شخصا يشتغل بهذه الأعمال باحتمال وقوع خلل فيها أو عدم إتمامها ، فليس من جهة جريان أصالة الصحّة في الأثناء كما توهّم ، بل إمّا من جهة الاطمئنان بأنّه يتمها ولا يتركها ـ كما هو الغالب ـ أو من جهة استصحاب البقاء على الاشتغال بذلك العمل إلى إتمامه ، وبعد الفراغ عن العمل إذا شكّ في صحّته وفساده يجرى فيه أصالة الصحّة.
في أنّه من المعلوم أنّها تجري في المعاملات في أبواب العقود والإيقاعات ، وتكون مقدّمة على أصالة الفساد فيها التي هي عبارة عن أصالة عدم النقل والانتقال فيها ، سواء قلنا بأنّ مدركها سيرة العقلاء وبناؤهم على ذلك ، أو قلنا أنّ مدركها الإجماع. وعلى الثاني سواء قلنا بوجود إجماع آخر في خصوص أبواب المعاملات والعقود والإيقاعات ـ غير الإجماع على اعتبارها مطلقا ـ أم لا ، بل قلنا بتحقق إجماع واحد يدلّ على اعتبارها في جميع الموارد.
وإنّما الكلام في أنّ جريانها في مورد الشكّ في صحّتها مطلقا سواء أكان الشكّ من جهة احتمال وقوع خلل في شرائط العقد أو في شرائط المتعاقدين أو في شرائط العوضين ، أو لا يجري إلاّ في مورد الشكّ في شرائط نفس العقد دون شرائط المتعاقدين أو العوضين أو يجري فيما سوى الشروط العرفيّة للمتعاقدين أو العوضين.
فبناء على الاحتمال الأوّل تكون حاكمة على كلّ أصل يقتضي فساد العقد ، سواء أكان ذلك الأصل المقتضي للفساد جاريا في شرائط العقد ، أو في شرائط المتعاقدين ، أو في شرائط العوضين.
وبناء على الاحتمال الثاني تكون حاكمة على الأصل الذي يقتضي الفساد الجاري في شرائط نفس العقد ، دون ما يقتضي الفساد الجاري في شرائط المتعاقدين أو العوضين.
وبناء على الاحتمال الثالث تكون حاكمة على كلّ أصل يقتضي الفساد ، إلاّ إذا كان ذلك الأصل الذي يقتضي الفساد جاريا في الشرائط العرفيّة للعوضين أو المتعاقدين. مثلا بناء على هذا الاحتمال لو شكّ في ماليّة العوضين ، أو في رشد المتعاقدين ، أو أحدهما فلا تجري أصالة الصحّة كي تكون حاكمة على أصالة عدم ماليّة العوضين ، أو أصالة عدم رشد المتعاقدين ، أو أحدهما.
إذا عرفت هذه الاحتمالات والوجوه ، فنقول :
تارة يقال بأنّ مدرك اعتبار أصالة الصحّة هو الإجماع وإنّ هناك إجماعان :
أحدهما قام على اعتبار أصالة الصحّة مطلقا ، سواء أكان مورد جريانها العبادات أو المعاملات.
والثاني انعقاده على حجيّة أصالة الصحّة في خصوص أبواب المعاملات ، وأنّه دليل لبّى لا إطلاق لمعقده في كلا الإجماعين، فلا بدّ من الأخذ به في المورد المتيقّن دون المورد الذي وقع فيه الخلاف.
وبناء على هذه المقالة ـ أي كون مدركها الإجماع وعدم إطلاق لمعقده ـ لا يبعد صحّة ما أفاد شيخنا الأستاذ من اختصاصها بمورد احتمال الإخلال في نفس العقد ، دون شرائط المتعاقدين أو العوضين (2).
وأمّا لو قلنا بأنّ مدرك اعتبارها هي سيرة العقلاء من المسلمين وغير المسلمين ، مضافا إلى الإجماع المحقّق ـ كما اخترنا هذا الوجه في وجه حجّيتها بل قلنا أنّه لا محلّ للإجماع الاصطلاحي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام لإمكان اتّكاء المجمعين على تلك الأمور التي ذكرناها من السيرة ، واختلال النظام والآيات ، والروايات التي تقدّم ذكرها ـ فلا بدّ وأن ينظر إلى مقدار قيام السيرة ، وأنّها هل قامت على اعتبارها مقابل أصالة الفساد في خصوص شرائط العقد إذا شكّ في وجودها ـ كالماضويّة وتقدّم الإيجاب على القبول والموالاة وأمثال ذلك ممّا هو مذكور في محلّه ـ أم لا ، بل قامت على اعتبارها مقابل أصالة الفساد في جميع ما شكّ في وجوده ممّا اعتبر في العقد ، أو في المتعاقدين ، أو في العوضين إذا لم يكن من الشرائط العرفيّة للمتعاقدين أو العوضين ، بمعنى أن يكون عند العرف من مقوّمات المعاملة ، بحيث لا يمكن تحقّق عنوان المعاملة عرفا إلاّ مع وجود تلك الشرائط؟
ولا شكّ في قيام السيرة على الحمل على الصحّة بالمعنى الثاني ، أي في كلّ مورد شكّ في صحّة معاملة من المعاملات ، بيعا كان ، أو إجارة ، أو هبة ، أو نكاحا ، أو غير ذلك من العناوين المذكورة في أبواب المعاملات من العقود والإيقاعات بعد تحقّق ذلك العنوان بنظر العرف وعندهم ، لاحتمال فقد شرط اعتبره الشارع أو العقلاء زائدا على ما هو المقوّم لذلك العنوان عندهم ، أو احتمال وجود مانع كذلك ، فيبنون على الصحّة ولا يعتنون إلى ذلك الاحتمال.
ولا فرق عندهم ـ أي العقلاء ـ بين أن يكون ذلك الشرط المحتمل الفقدان من شرائط العقد ، أو المتعاقدين ، أو العوضين ، وكذلك المانع المحتمل الوجود.
ففي كلّ مورد في المعاملات تحقّق موضوع أصالة الصحّة الذي هو عبارة عن وجود ذلك العنوان الذي شكّ في صحّته وفساده لاحتمال فقد شرط ، أو وجود مانع ـ في غير ما هو دخيل في تحقّق ذلك العنوان عند العرف وفي نظرهم ـ نجري أصالة الصحّة. وأمّا مع الشكّ في تحقّق موضوعها فلا تجري البتّة ، شأن كلّ حكم مع موضوعه.
وبعبارة أخرى : هذه القاعدة لها عقد وضع وعقد حمل ، كما هو الحال في جميع القواعد. وشأن كلّ قاعدة إثبات محمولها لموضوعها بعد الفراغ عن ثبوت موضوعها.
وأمّا ثبوت موضوعها أو عدم ثبوته فليس من شؤون تلك القاعدة ، فكلّ قاعدة متكفّلة لعقد حملها لا لعقد وضعها ، وحيث أنّ موضوع هذه القاعدة في أبواب المعاملات تلك العناوين المذكورة في أبواب العقود والإيقاعات ، فلا بدّ من إحرازها لإجراء هذه القاعدة مع احتمال عدم صحّتها لاحتمال وقوع خلل فيها من فقد شرط أو وجود مانع. وأمّا مع عدم إحراز ذلك العنوان ـ بما هو مشكوك الصحّة والفساد ـ فلا محلّ لجريان هذه القاعدة ؛ لامتناع تحقّق الحكم بدون تحقّق الموضوع.
فتلخّص من مجموع ما ذكرنا : أنّ ما شكّ في صحّته وفساده تارة هو السبب ، أي العقد. وأخرى : هو المسبب ، أي المعاملة الكذائيّة كالبيع مثلا.
فإن كان هو العقد واحتمل عدم صحّته ، أي عدم تماميّته من حيث الأجزاء والشرائط وإعدام الموانع ، بحيث يشكّ في ترتّب الأثر المقصود منه عليه ولو انضمّ إليه سائر الشرائط المعتبرة في المتعاقدين ، فلا شكّ في جريان أصالة الصحّة في نفس العقد إذا لم يكن الشرط المحتمل الفقدان ، أو المانع المحتمل الوجود ممّا له دخل في تحقّق عنوان العقد عرفا ؛ لما ذكرنا من لزوم تحقّق ما هو موضوع أصالة الصحّة.
فبعد إحراز ما هو موضوع أصالة الصحّة يثبت به الشرط المحتمل الفقدان ، وأيضا يثبت به عدم المانع المحتمل الوجود ، فيترتّب على ذلك العقد الأثر المقصود ، أي المعاملة الفلانيّة إذا انضمّ إليه سائر ما اعتبر في المعاملة ، من شرائط المتعاقدين كبلوغهما ورضائهما بمعنى عدم كونهما مكرهين أو أحدهما مكرها وأمثال ذلك ، ومن شرائط العوضين ككونهما قابلين للنقل والانتقال ، كأن لا يكون أحدهما حرّا مثلا ، وأن يكونا مملوكين بأن لا يكونا من قبيل الخمر والخنزير ، وذلك من جهة أنّ صحّة العقد ليس معناها ترتّب أثر المعاملة الصحيحة عليه بمجرده ، بل معنى صحّته أن يترتّب الأثر المطلوب من المعاملة عليه لو انضم إليه سائر ما اعتبر في المعاملة من شرائط المتعاقدين والعوضين.
وذلك من جهة أنّ الصحّة التعبّدية الثابتة بأصالة الصحّة ليست بأعظم من الصحّة المحرزة بالوجدان ، ومعلوم أنّ صحّة العقد واقعا وقطعا لا تترتّب عليها آثار صحّة المعاملة ما لم ينضمّ إليه جميع الشرائط التي للمتعاقدين ، وأيضا للعوضين.
وأمّا إن كان ما شكّ في صحّته وفساده هو المسبّب ، أي المعاملة الكذائيّة لأجل احتمال خلل ، من فقد شرط أو وجود مانع للعقد ، أو للمتعاقدين ، أو العوضين فيجري هذا الأصل فيها ويحكم بصحّتها ، سواء أكان الشرط المحتمل الفقدان ، أو المانع المحتمل الوجود من شرائط العقد أو موانعه ، أو من شرائط المتعاقدين وموانعهما ، أو العوضين ، أو نفس المسبب كذلك ما لم يكن من مقوّمات تحقّق المعاملة عرفا ؛ لما بيّنّا مفصّلا فلا نعيد.
فما هو التحقيق في المقام أن يقال بجريان هذا الأصل في جميع ما شكّ في صحّته وفساده بعد إحراز عقد وضع هذه القضيّة ، سواء أكان الشكّ في ناحية السبب أي العقد ، أو المسبب أي عناوين المعاملات المذكورة في أبواب العقود والإيقاعات. ومعلوم أنّ جميع الشكوك ـ التي محلّها إمّا العقد أو المتعاقدين أو العوضين ـ ترجع إمّا إلى السبب ، أو إلى المسبّب ، أو إلى كليهما.
ثمَّ إنّه هاهنا فروع ربما يستشكل في جريان قاعدة أصالة الصحّة فيها :
منها : بيع الوقف ، من جهة عدم صحّة بيع الوقف لو خلي وطبعه ، ولا يجوز إلاّ بطروّ أحد مجوّزات بيعه ، وليس هناك ما يدلّ على طروّ المجوّز إلاّ ظهور حال المسلم في أنّه لا يرتكب ما لا يجوز.
وهذا المعنى أوّلا غير أصالة الصحّة التي بناء العقلاء على اعتبارها. وثانيا : لا دليل على اعتبار مثل هذا الظهور ؛ لأنّ كثيرا من المسلمين يفعلون ما لا يجوز وما ليس بنافذ شرعا.
ولكن الإنصاف أن بيع الوقف ان كان من قبل الناظر أو الحاكم الشرعي ، فحيث أنّه يمكن أن يكون صحيحا لوقوعه مع وجود أحد المسوّغات وليس وجود المسوّغ من مقوّمات تحقّق بيع الوقف عرفا ، بل ممّا اعتبره الشارع في صحّته ، فبناء على الضابط الذي ذكرنا لجريان قاعدة أصالة الصحّة تجري وتكون حاكمة على أصالة عدم وجود المسوغ ، كما هو شأن قاعدة أصالة الصحّة في جميع المقامات ، حيث أنّها تقدّم على استصحابات العدميّة.
نعم بناء على ما اختاره شيخنا الأستاذ من اختصاص جريانها بصورة الشكّ في صحّة العقد لاحتمال وجود خلل فيه ، من فقد شرط من شرائط العقد ، أو وجود مانع من موانعه. وأمّا إذا كان الشكّ من جهة عدم قابليّة المتعاقدين أو أحدها شرعا لإيقاع المعاملة ، ككونهما أو أحدهما غير بالغ ، أو كان الشكّ من جهة عدم قابليّة المال للنقل والانتقال كالوقف إلاّ مع طروّ أحد المسوغات وكان طروّه مشكوكا ، فلا يجري هذا الأصل. (3)
ولكن أنت عرفت ما في كلامه وعمدة ما ذكره في وجه ما اختاره ، أنّ مدرك هذه القاعدة هو الإجماع ، والإجماع قاصر عن شموله لغير شرائط العقد. وقد عرفت أنّ المدرك هو بناء العقلاء والسيرة لا الإجماع.
ومنها : بيع الصرف لو شك في القبض في المجلس ، فالبناء على صحّة العقد لا يثبت وقوع القبض في المجلس الذي هو شرط صحّة المعاملة ووقوع النقل والانتقال شرعا.
ولكن أنت خبير أنّ بعد إحراز عنوان المعاملة وتحقّقه في نظر العرف ، فأصالة الصحّة تجري فيه ولو كان الشكّ في وقوعه شرعا من جهة احتمال عدم شرط اعتبره الشارع في صحّة المعاملة ، وترتيب الأثر عليها كالقبض في المجلس في مسألة بيع الصرف.
ولا شكّ أنّ القبض في المجلس في بيع الصرف ليس من مقوّمات المعاملة عرفا كي يكون الشكّ فيه مساوقا للشكّ في تحقّق عنوان المعاملة ، فعنوان المعاملة يتحقّق عرفا حتّى مع هذا الشكّ ، فبجريان أصالة الصحّة يثبت هذا الشرط تعبّدا.
وبعبارة أخرى : نتيجة أصالة الصحّة في الشبهات الموضوعيّة نتيجة أصالة الإطلاق في الشبهات الحكميّة ، فكما أنّ بإطلاق أدلّة عناوين المعاملات لو كان إطلاق في البين مثل قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [البقرة: 275] أو مثل {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } [النساء: 128] وأمثالهما يتمسّك لرفع شرطيّة ما هو مشكوك الشرطيّة ، وعدم مانعيّة ما هو مشكوك المانعيّة بعد تحقّق هذه العناوين عرفا حتّى على القول الصحيحي ، كذلك في الشبهة الموضوعيّة التي هي مجرى أصالة الصحّة أو حصل الشكّ واحتمل عدم شرط من شرائط صحّة ذلك العنوان ، أو احتمل وجود مانع عن صحّته مع إحراز ذلك العنوان في نظر العرف، فبأصالة الصحّة يثبت الصحّة ويترتّب على ذلك الفعل آثار وجود ذلك الشرط وعدم ذلك المانع.
ولكن يمكن أن يقال : إنّ مورد جريان أصالة الصحّة ـ كما تقدّم ـ هو احتمال وقوع خلل فيما وقع وصدر بعد إحراز عنوان ذلك الشيء.
وأمّا لو كان موضوع الأثر مركبا من أمرين أحدهما وجد ولا خلل فيه من فقد شرطه أو وجود مانعه ، وإنّما لا يترتّب الأثر ويتوقف فيه للشكّ في وجود جزء الآخر ، فهذا غير مربوط بأصالة الصحّة ؛ لأنّ ما وقع صحيح بالوجدان ولا خلل فيه ، فإجراء أصالة الصحّة فيه من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبّد. والمفروض ، أي وقوع المعاملة وإنشائها في بيع الصرف مع الشكّ في تحقّق القبض في المجلس من هذا القبيل ، فإنّ إنشاء المعاملة وقع صحيحا وبلا خلل ، ولكن موضوع الأثر شرعا هو وشيء آخر ، أي القبض في المجلس المشكوك وجوده وإحرازه غير مربوط بجريان أصالة الصحّة فيما وقع.
ومن هذا يظهر حال الشكّ في صدور الإجازة من المالك في عقد الفضولي ؛ لأنّ عقد الفضولي الصادر من الفضول لا خلل فيه ، وإنّما يكون الأثر مترتّبا شرعا عليه وعلى أمر آخر وهو إجازة المالك المشكوك وجودها. وأمّا مسألة بيع الوقف ليس من هذا القبيل إذا صدر من المتولّي أو الحاكم ، لأنّ ما وقع إن كان مع وجود المسوّغ فهو صحيح وإلاّ فلا ، فمع الشكّ في وجود المسوّغ يحكم إليه بالصحّة بأصالة الصحّة ، ويثبت بها وجود المسوّغ أو لزوم ترتيب آثار وجوده.
ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ بيع الراهن ماله المرهون مع الشكّ في إذن المرتهن أيضا من هذا القبيل ، أي من قبيل بيع الفضولي مال الغير مع الشكّ في إجازة المالك ، فموضوع الأثر فيه أيضا مركّب من العقد الصادر من المالك الراهن مع سبق إذن المرتهن أو لحقوق إجازته ، وأصالة الصحّة فيه لا يثبت سبق الإذن أو لحوق الإجازة من المرتهن ، بل لا معنى لجريان أصالة الصحّة فيما صدر عن الراهن ؛ لأنّ صحّته ـ كما قلنا فيما تقدّم ـ وجداني ، بمعنى أنّه لو تعقّب بالإجازة ، أو اقترن بالإذن يترتّب عليه الأثر يقينا.
فإن شئت قلت : إنّ مجرى أصالة الصحّة هو فيما إذا دار الأمر بين صحّته الفعليّة أو بطلانه رأسا ، كما أنّه في مسألة الوقف الصادر من المتولي مع الشكّ في وجود المسوّغ بكون الأمر هكذا ، أي يدور ذلك البيع أمره بين أن يكون صحيحا فعليّا يترتّب عليه الأثر ـ أي النقل والانتقال ، وهذا فيما إذا كان المسوّغ موجودا ـ وبين أن يكون باطلا من رأس. وهذا فيما إذا لم يكن المسوّغ موجودا الذي هو الاحتمال الآخر.
وأمّا في المذكورات من بيع الراهن مع الشكّ في إذن المرتهن ، وبيع الفضول مع الشكّ في تعقّبه بالإجازة ، وبيع الصرف مع الشكّ في القبض في المجلس ، فالصحّة التأهلية ـ بمعنى أنّه لو تعقّب بالإجازة في بيع الراهن والفضولي ، وبالقبض في المجلس في بيع الصرف ـ يقينا موجودة ، وإنّما الشكّ في وجود أمر آخر تكون الصحّة الفعليّة منوطة به.
وهاهنا فرع ذكره الشيخ الأعظم (4) وأستاذنا المحقّق (5) وهو أنّه لو علم بصدور البيع عن المالك الراهن ، وأيضا برجوع المرتهن عن إذنه ولكن شكّ في المتقدّم منهما ، فلو كان الرجوع متأخّرا عن البيع فالبيع صحيح ، ولو كان متقدّما عليه فالبيع باطل ، فهل تجري هاهنا أصالة الصحّة في البيع أم لا؟
مقتضى ما ذكرنا ـ من أنّ مجرى أصالة الصحّة فيما إذا كان الفعل الصادر دائرا أمره بين الصحّة الفعليّة والفساد ـ عدم الجريان ؛ لأنّ الفعل الصادر من الراهن قطعا صحيح إذا تعقّب بإجازة المرتهن ولم يرجع قبل البيع ، وعدم ترتيب الأثر لأمر آخر وهو الشكّ في بقاء إذنه إلى حال البيع ، وليس مستندا إلى احتمال فساد ما صدر عن الراهن ؛ فهذا خارج عن مجرى أصالة الصحّة.
نعم يبقى شيء وهو أنّ أصالة عدم تحقّق الرجوع إلى زمان تحقّق البيع هل تكون لها معارض أم لا؟ ولا شكّ في أنّ ما هو موضوع الأثر شرعا ـ ويكون سببا للنقل والانتقال ـ هو صدور البيع عن المالك الراهن مع إذن المرتهن ، والبيع وجد وجدانا. وعدم الرجوع معناه بقاء الإذن ؛ ولذلك لا فرق بين استصحاب بقاء الإذن أو استصحاب عدم الرجوع فيتحقّق كلا جزئي الموضوع ، أحدهما بالوجدان وهو بيع المالك الراهن ، والثاني بالأصل وهو بقاء الإذن وعدم الرجوع.
لا يقال : هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم وقوع البيع إلى زمان الرجوع.
وذلك من جهة أنّه مثبت ، إذ لازمه عقلا حينئذ وقوع البيع مع عدم إذن المرتهن. ولا أدري لما ذكر هذا الفرع مع أنّه لا خصوصيّة فيه يكون موجبا لذكره ، وهو من الوضوح بمكان مع أنّه خرّيت هذه الصناعة.
[ المبحث ] السادس :
قد عرفت فيما تقدّم أنّ الأفعال والعناوين القصديّة لا تجري فيها أصالة الصحّة إلاّ بعد إحراز أنّ الغير الفاعل لذلك الفعل قصد عنوان ذلك العنوان القصدي ، وقد ذكرنا من باب المثال أنّ الذي يصلّي صلاة الظهر مثلا لا تجري أصالة الصحّة في فعله بعد صدوره عنه إلاّ بعد إحراز أنّه قصد عنوان الظهريّة في المثال المذكور. ولا شكّ في أنّ النيابة من العناوين القصديّة ، بمعنى أنّه لو حجّ ، أو زار أحد المعصومين :
بدون قصد النيابة عن قبل زيد مثلا ، لا تقع النيابة عن قبل زيد. وأمّا إذا أحرز المستنيب أنّ النائب قصد بفعله النيابة عن قبله بمحرز وجداني أو تعبّدي ، وشكّ في أنّ النائب هل أتى بالحجّ مثلا بجميع ما اعتبر فيه وجودا كالأجزاء والشرائط ، أو عدما كالموانع أم لا ، فتجري أصالة الصحّة في فعل النائب ، ويثبت بها أنّه بجميع ما اعتبر فيه ؛ فيسقط عن المنوب عنه ويستحقّ النائب الأجرة إن كان بأجرة هذا.
ولكن الشيخ الأعظم الأنصاري أفاد أنّ لفعل النائب عنوانين :
أحدهما من حيث أنّه فعل من أفعال النائب ، ولذا يجب عليه مراعاة الأجزاء والشرائط ، وبهذا الاعتبار يترتّب عليه جميع آثار صدور الفعل الصحيح منه ، مثل استحقاق الأجرة ، وجواز استيجاره ثانيا بناء على اشتراط فراغ ذمّة الأجير في صحّة استيجاره ثانيا.
الثاني من حيث أنّه فعل للمنوب عنه ، حيث أنّه بمنزلة الفاعل بالتسبيب والآلة ، وكان الفعل بعد قصد النيابة والبدليّة قائما بالمنوب عنه ، وبهذا الاعتبار يراعي فيه القصر والإتمام في صلاة ، والتمتّع والقران في الحجّ ، والترتيب في الفوائت. والصحّة من الحيثيّة الأولى لا يثبت الصحّة من هذه الحيثيّة الثانية ، بل لا بدّ من إحراز صدور الفعل الصحيح عنه على وجه التسبيب.
وبعبارة أخرى : إن كان فعل الغير يسقط التكليف عنه من حيث أنّه فعل الغير كفت أصالة الصحّة في السقوط ، كما في الصلاة على الميّت ، وإن كان إنّما يسقط التكليف عنه من حيث اعتبار كونه فعلا له ولو على وجه التسبيب. إلى أن قال : لم تنفع أصالة الصحّة في سقوطه ، بل يجب التفكيك بين أثري الفعل من الحيثيتين انتهى. (6)
ولكن أنت خبير بأنّ ما هو موضوع سقوط التكليف عن المنوب عنه ـ وعدم وجوب الاستيجار عليه ثانيا مع موضوع استحقاق النائب للأجرة إذا كان أجيرا ـ واحد ، وهو صدور الفعل التامّ الأجزاء والشرائط وفاقد الموانع ـ أي الفعل الصحيح ـ مع إحراز أنّه قصد بهذا الفعل النيابة عن ذلك المنوب عنه ، والمفروض أنّ المنوب عنه أحرز أنّه قصد النيابة عنه. وأمّا صحّة فعله ـ وأنّه واجد لجميع الأجزاء والشرائط ، وفاقد للموانع ـ فبأصالة الصحّة ؛ فلا وجه لعدم سقوط التكليف عن المنوب عنه. ولا يحتاج إلى إثبات أن هذا فعل المنوب عنه بالتسبيب ، بل ولو كان محتاجا إلى ذلك فليس ذلك مربوطا بأصالة الصحّة، بل يتحقّق الانتساب إليه إمّا من ناحية استنابته له ، وإمّا من ناحية قصد النائب النيابة عنه ، وكلا الأمرين لا ربط له بأصالة الصحّة.
إن قلت : نعم هذا الفعل الصادر من النائب منتسب إلى المنوب عنه بالاستنابة أو بقصد النائب ، ولكن الفعل المنتسب إليه فعل مشكوك الصحّة والفساد ، وما هو موضوع سقوط التكليف عنه هو انتساب الفعل الصحيح إليه ، فيحتاج إلى إحراز صحّته ، ولا يمكن إحرازها بأصالة الصحّة لما ذكرنا من أنّها لا تثبت الصحّة من حيث أنّه فعل المنوب عنه ، بل تثبت الصحّة من حيث أنّه فعل النائب.
قلت : بعد ما كان هذا الفعل الصادر عن النائب منتسبا إلى المنوب عنه ولو ادّعاء ومجازا ، وحكم الشارع بأنّه تامّ وصحيح ، فهذا الفعل الذي صحيح تعبّدا منتسب إلى المنوب عنه فهو في الأثر مثل انتساب الفعل الصحيح الوجداني. هذا ، مضافا إلى ما ذكرنا من أنّ موضوع سقوط التكليف عن المنوب عنه هو صدور الفعل الصحيح وجدانا أو تعبدا عن النائب بقصد النيابة عنه، ولا يحتاج إلى انتساب الفعل إليه.
نعم لا بدّ للمنوب عنه أو من يستنيب عنه إحراز أنّ النائب قصد النيابة عنه ، فهل يثبت وجود هذا القصد ويتحقّق في عالم الإثبات بأخبار النائب مطلقا ، أو فيما إذا كان عادلا ، أو لا يثبت به وإن كان عادلا ما لم يحصل وثوق واطمينان من قوله وإخباره؟
والحق هو هذا الأخير ؛ لأنّه لا دليل على حجّية قول العادل الواحد في الموضوعات ، بل ظاهر رواية مسعدة خلافه وأنّه على ذلك حتّى تقوم عليه البينة (7) وإذا كان العادل الواحد لا يقبل فغير العادل بطريق أولى.
اللهمّ إلاّ أن يقال بقبول إقراره وسماعه بقاعدة « من ملك شيئا ملك الإقرار به » ولا شكّ في أنّ النائب مالك لأنّ يفعل ما أنيب فيه.
وأمّا الأخير أي قبول قوله عند الوثوق والاطمئنان فلأنّ ذلك طريقة العقلاء في باب الأولياء والوكلاء والنواب في الأمور التي بيدهم وأودعت تحت تصرّفهم ، فالناس يصدّقونهم في تلك الأمور ، ولا يطلبون منهم البيّنة إذا كانوا موثوقين ومورد الاطمئنان. والظاهر أنّ الشارع أمضى هذه الطريقة ولو بعدم الردع.
المبحث السابع : في أنّها أصل أو أمارة :
فإنّها إن كانت أمارة فبناء على ما تقدّم بأنّ جعل حجّية الأمارات من باب تتميم الكشف ، فتكون مثبتة لجميع الآثار التي لذلك الفعل الذي تجري فيه أصالة الصحّة إذا كان صحيحا واقعا ، سواء أكانت تلك الآثار آثارا شرعيّة ، أو كانت من اللوازم العقليّة التي لها آثار شرعيّة.
وأمّا إن كانت أصلا عمليّا سواء قلنا بأنّه من الأصول المحرزة أم لا ، بل كانت من الأصول غير المحرزة ، فلا يثبت بها إلاّ الآثار الشرعيّة التي تكون لذلك الفعل ، بلا واسطة أثر عقلي في البين.
وهذا الأمر ليس من مختصّات أصالة الصحّة ، بل يجري في كلّ أصل وأمارة. وهذا هو المراد من قولهم : إنّ مثبتات الأمارات حجّة دون الأصول.
وأمّا تعيين أنّها أمارة ، أو أصل محرز ، أو أصل غير محرز فهذا راجع إلى النظر في مدرك اعتباره.
فإن كان هو الإجماع ، فالقدر المتيقن من معقده هو ترتيب الآثار الشرعيّة التي للفعل الصحيح بلا واسطة لازمه العقلي ، سواء لم يكن لها واسطة أصلا ، أو كانت بواسطة الآثار الشرعيّة التي لذلك الفعل.
وأمّا إن كان هو بناء العقلاء كما اخترناه ، فإن كان بناؤهم على اعتبارها من جهة ظهور حال كلّ فاعل عاقل سواء كان مسلما أو غير مسلم في أنّه يفعل فعله وعمله صحيحا تاما ، لا ناقصا وفاسدا ، فإن قلنا إنّ بنائهم من جهة تتميمهم الكشف الناقص الموجود في ظهور حالهم ، فتكون أمارة وتكون مثبتاتها أيضا حجّة شأن كلّ أمارة.
وأمّا إن قلنا بأنّ بنائهم ليس من جهة تتميم الكشف ، بل يعملون طبق ذلك الظهور من دون أن يرونه طريقا وكاشفا تامّا في عالم اعتبارهم ، ولكن يعملون طبق ذلك الظهور عمل المتيقّن ، فيكون أصلا محرزا. وان كان عملهم طبق ذلك الظهور من دون بنائهم أنّه عمل المتيقّن ، فيكون أصلا غير محرز.
ولكن الظاهر من بنائهم هو الاحتمال الثاني ، فتكون من الأصول المحرزة ، وعلى كلّ حال ليس بناؤهم على ترتيب آثار الصحّة على فعل الغير من جهة كونه طريقا وكاشفا.
ولا فرق في عدم حجّية مثبتاتها بين أن تكون أصلا محرزا أو غير محرز.
فبناء على هذا لا يثبت بأصالة الصحّة ما يلازم الفعل الصحيح عقلا ، بل يترتّب على ذلك الفعل الآثار الشرعيّة فقط. وفرّع الشيخ الأعظم الأنصاري على هذا ـ أي على عدم إثبات أصالة الصحّة اللوازم العقليّة ـ وقال : إنّه لو شكّ في أنّ الشراء الصادر عن الغير كان بما لا يملك كالخمر والخنزير ، أو بعين من أعيان ماله ، فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته ، بل يحكم بصحّة الشراء وعدم انتقال شيء من تركته إلى البائع ؛ لأصالة عدمه. انتهى ما قال بعين عبارته. (8)
والظاهر من هذا الكلام أنّ هذه المعاملة صحيحة بحكم أصالة الصحّة ، ولكن لازم الصحّة عقلا أن يكون الثمن عينا من أعيان ماله ، لا الشيء الذي لا يملك كالخمر والخنزير ؛ لأنّ ما لا يملك ليس قابلا للنقل والانتقال شرعا.
وبعبارة أخرى : ترديد الثمن بين ما لا يملك كالخمر والخنزير وبين عين من أعيان ماله ، إذا انضم إلى صحّة المعاملة يكون لازم الصحّة عقلا هو أن يكون الثمن المردّد منطبقا على ما هو المملوك ، إذ كون غير المملوك ثمنا ينافي صحّة المعاملة. ولكن حيث أنّ هذا من اللوازم العقليّة للصحّة لا من الآثار الشرعيّة ، وقد عرفت أنّ هذا الأصل لا يثبت اللوازم العقليّة ، فلا يثبت أنّ الثمن هو ذلك الفرد المملوك ، أي عين من أعيان تركته ، فيحكم بصحّة الشراء بأصالة الصحّة ويعطي المبيع لورثة المشتري ، ولكن لا ينتقل شيء من تركته إلى البائع ؛ لأصالة عدم الانتقال ، ولا علم إجمالي بانتقال شيء من تركته إلى البائع لاحتمال أن يكون الثمن هو ما لا يملك ، وتكون المعاملة باطلة. ولا ينافي احتمال بطلانها واقعا مع إجراء أصالة الصحّة ، بل مورد جريان أصالة الصحّة دائما هو مع احتمال البطلان.
نعم لا يجوز للوارث أو الورثة التصرّف في المبيع ومجموع التركة ، أو خصوص تلك العين من أعيان ماله إذا كان طرف الترديد في الثمن المسمّى عينا معيّنا ؛ وذلك من جهة العلم الإجمالي إمّا بعدم دخول المبيع في ملك مورّثهم لو كان الثمن المسمّى ما لا يملك ، وإمّا بخروج تلك العين الشخصيّة أو مقدار ما يساوي المبيع من التركة عن ملك مورّثهم ، فيجب الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي.
وقد أشار إلى لزوم هذا الاحتياط الفقيه الهمداني في حاشيته على رسائل شيخنا الأعظم الأنصاري في هذا المقام.
وقد اعترض شيخنا الأستاذ (9) على ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري ، من الجمع بين صحّة الشراء وانتقال المبيع إلى المشتري المفروض ، وبين عدم انتقال شيء من تركته إلى البائع ، بأنّه إن كان الثمن المردّة بين ما لا يملك كالخمر والخنزير وبين عين من أعيان ماله ، كان في حاقّ الواقع هو ما لا يملك ، فلا يدخل المبيع في ملك المشتري ؛ لأنّه يلزم أن يكون انتقال المبيع بلا ثمن ، وهذا ينافي مع حقيقة البيع ؛ لأنّ حقيقة البيع هي المبادلة بين المالين فلا يكون صحيحا. وإن كان هو ذلك المال الذي عيّنه وسمّاه ، فهذا مناف مع عدم انتقال شيء من تركته.
وبعبارة أخرى : حاصل ما أفاد أنّ صحّة الشراء مع عدم انتقال شيء من تركته إلى البائع متنافيان ، فيعلم إجمالا بكذب أحد الأصلين ، إمّا أصالة الصحّة ، وإمّا أصالة عدم الانتقال ، فيتساقطان بالتعارض.
ثمَّ أنّه حكم ببطلان هذا الشراء وهذه المعاملة للشكّ في قابليّة الثمن للنقل والانتقال ؛ وذلك بناء على مبناه من أنّ أصالة الصحّة لا ترفع الشكّ الذي في جانب العوضين أو المتعاقدين. وقد تقدّم تفصيل ذلك.
ولكن أنت خبير بأنّه وإن كان كذلك بالنسبة إلى الصحّة الواقعيّة وانتقال المبيع واقعا إلى المشتري وعدم انتقال شيء من تركته إلى البائع واقعا فإنّهما متنافيان ، ولكن ليس كذلك بالنسبة إلى الصحّة الظاهريّة وعدم الانتقال ظاهرا ؛ لأنّه من الممكن عدم الصحّة واقعا ولكن الشارع حكم بالصحّة ظاهرا في ظرف الشكّ ، فحينئذ مع هذا الحكم الظاهري بالصحّة في المفروض لم ينتقل شيء من تركته إلى البائع قطعا وكذلك في صورة العكس ـ أي في صورة حكم الشارع ظاهرا بعدم انتقال شيء من تركته إلى البائع ـ لا مانع من صحّة المعاملة واقعا ؛ لأنّ عدم الانتقال الظاهري في ظرف الشكّ في الانتقال بحكم الاستصحاب لا ينافي الانتقال الواقعي ، فلا تنافي بين الظاهريين منهما كما في المقام بطريق أولى. وقد وقع نظيره كثيرا في مفاد الأصول والأحكام الظاهرية.
نعم نفس المشتري إذا كان حيّا أو ورثته ، إذا كان ميتا ليس لهم التصرّف في المبيع ، وذلك الذي كان طرف ترديد الثمن من أمواله للعلم الإجمالي المذكور لما ذكرنا. ولكن هذا شيء آخر لا ربط له بما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري وأفاده ، ولعلّ عدم ذكره من جهة وضوحه.
المبحث الثامن : في تقديم أصالة الصحّة على الاستصحابات الموضوعيّة أو تقديمها على أصالة الصحّة :
فنقول : بناء على ما اخترنا من جريان أصالة الصحّة في شرائط العقد ، والعوضين ، والمتعاقدين عند الشكّ في وجودها فتكون حاكمة على الأصول الموضوعيّة العدميّة ولو كان من شروط العوضين أو المتعاقدين بناء على كونها أمارة ؛ وذلك من جهة كشفها عن وجود تلك الشرائط تعبّدا.
فلا يبقى موضوع للاستصحابات أصلا في عالم الاعتبار التشريعي ، وهذا معنى الحكومة. فبناء على أماريّتها الأمر في غاية الوضوح.
ولكن نحن أنكرنا أماريّتها وبنينا على أنّها من الأصول المحرزة ، فلا يمكننا القول بتقديمها على الاستصحابات العدميّة من جهة حكومة الأمارات على الأصول ، ولا بدّ من القول بوقوع التعارض ؛ لأنّ كليهما من الأصول المحرزة.
ولكن مع ذلك كلّه يمكن أن يقال أنّ مدرك حجيّة أصالة الصحّة إمّا الإجماع كما يقول به شيخنا الأستاذ (10) وإمّا بناء العقلاء وسيرتهم من كافّة الأمم ، سواء كانوا مسلمين أو لم يكونوا كذلك.
فعلى الأوّل فلا بدّ وأن ينظر في الإجماع ، وأنّه هل لمعقده إطلاق ـ بحيث يشمل موارد الاستصحابات الموضوعيّة العدميّة في غير الشرائط التي دخيلة في تحقّق عنوان المعاملة عرفا ، إذ في الشكّ فيها لا مجال لجريان أصالة الصحّة كما تقدّم بيان ذلك تفصيلا ـ أم لا؟ فإن كان لمعقده إطلاق يشمل تلك الموارد ، فأيضا لا يبقى للاستصحابات الموضوعيّة مجال ؛ إذ إطلاق معقد الإجماع مثل الإطلاق الدليل اللفظي حاكم على الاستصحاب.
وأمّا إن كان المدرك لحجيّة أصالة الصحّة هو بناء العقلاء وسيرتهم ـ كما اخترناه ـ فالظاهر أيضا تقدّمها على تلك الاستصحابات.
بيان ذلك : أنّ سيرة العقلاء إذا قامت على شيء فعدم ردع الشارع كاف في الإمضاء فحينئذ لا بدّ من أن ننظر إلى دليل الاستصحاب وأنّه هل صالح لأن يردع هذه السيرة أم لا؟
فنقول : لا شكّ في أنّ الاستصحاب وظيفة علميّة مجعولة للشاكّ المتحيّر ، فإذا قامت سيرة العقلاء في مورد الشكّ في صحّة معاملة إذا كان منشأ الشكّ فقد شرط أو وجود مانع لا دخل لها في تحقّق عنوان المعاملة عرفا ، سواء كانت من شرائط العقد ، أو من شرائط العوضين ، أو من شرائط المتعاقدين فلا يرى نفسه متحيّرا شاكّا ، بمعنى أنّه لا يلتفت إلى كونه شاكّا ، وإن كان لو التفت إلى حاله يكون شاكّا ، ولكن لا يتحيّر فلا يرى نفسه موضوعا لخطاب « لا تنقض » حتّى يكون رادعا.
ولا تتوهّم من هذا أماريّة أصالة الصحّة ، وهو خلاف المفروض ، لأنّ فرضنا الآن على تقدير الأصليّة وأنّها أصل محرز ، وإلاّ فعلى تقدير الأماريّة بيّنّا حكومتها على الاستصحابات الموضوعيّة ، شأن حكومة كلّ أمارة على كلّ أصل. وذلك من جهة أنّ معنى الأمارة الشرعيّة أن يجعلها الشارع في عالم اعتباره التشريعي كاشفا تامّا ، ونحن ما ادّعينا مثل ذلك لها ، وإنّما قلنا أنّ بناء العقلاء على العلم على طبق المعاملة الصحيحة التامّة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط ، وهذا المعنى لا يلازم جعلها كاشفا شرعا.
هذا ، مضافا إلى أنّه ما من مورد يشكّ في صحّة معاملة من أقسام المعاملات من العقود والإيقاعات ، إلاّ وأن يكون بالنسبة إلى بعض شرائط المتعاقدين أو العوضين مجرى استصحابات العدميّة ، فلو كانت تلك الاستصحابات مقدّمة على هذا الأصل لا يبقى مورد له أصلا ، أو كان مورده في غاية القلّة بحيث يكون مثل هذا التشريع لغوا ، بل يوجب سقوط هذا الأصل في تلك الموارد ـ سواء كان من باب تقديم تلك الاستصحابات ، أو من باب سقوطه بالمعارضة ـ اختلال النظام أيضا ، فلا بدّ من تقديمه على تلك الاستصحابات ، سواء قلنا بأنّه أصل أو أمارة.
وبعبارة أخرى : يكون هذا الأصل أخصّ بحسب المورد عن الاستصحاب ، فيكون مخصّصا لدليل الاستصحاب ، كما هو الشأن في مورد الخاصّ والعامّ المختلفين في الحكم. هذا تمام الكلام في مباحث أصالة الصحّة.
ثمَّ أنّ الشيخ الأعظم الأنصاري ذكر أصالة الصحّة في الأقوال والاعتقادات ، وذكر للأوّل صورا وقال في بعضها بجريان أصالة الصحّة فيها ، وفي بعضها الآخر أنكر جريانها. (11)
ولكن جملة من الصور التي ذكرها لا ربط لها بأصالة الصحّة ، بل يكون مرجعها إلى أصالة الظهور الكاشف عن مراد المتكلّم ، أو الأصول التي تستعمل لتشخيص الظاهر عن غيره ، كأصالة الحقيقة ، وأصالة العموم ، وأصالة الإطلاق.
نعم الأقوال من حيث أنّها فعل من أفعال المكلّفين ، فإذا كان لصحيحها أثر شرعي فتجري فيها أصالة الصحّة بلا كلام. ولا إشكال مثل القراءة في الصلاة ، فإذا شكّ في أنّه أتى بها صحيحة أو فاسدة من جهة النقص في مادّتها من حيث مخارج الحروف ، أو نقيصة بعض حروف الكلمة ، أو من جهة النقص في إعرابه فتجري فيها أصالة الصحّة ويترتب عليه الأثر.
وأمّا أنّه أراد معناه الحقيقي ، أو المجازي ، أو ما أراد معنى أصلا ، أو ما أخبر به مطابق مع الواقع وصدق فيما أخبر أو كذب وأمثال ذلك ، فكلّ ذلك لا ربط له بأصالة الصحّة ، بل يرجع إمّا إلى أصالة الظهور ، أو إلى الأصول التي تستعمل لتشخيص الظاهر من غيره. وأمّا إنّه صادق أو كاذب فيرجع إلى أدّلة حجّية الخبر الواحد.
وأمّا الثاني ـ أي أصالة الصحّة في الاعتقادات ـ إن كان المراد من الاعتقادات العقائد في أصول الدين التي يجب العلم بها ومعرفتها ، فالشكّ في اعتقادها وأنّه هل اعتقاده صحيح أو فاسد ، مثلا إذا شكّ في اعتقاده بالله وأنّه واحد أحد لا شريك له ولا تركيب فيه ، لا ، من الأجزاء الخارجيّة ولا من الأجزاء العقلية ، وأنّ صفاته عين ذاته ، وأنّه واجب الوجود بالذات ، وأنّه تعالى مجمع الكمالات وينبوع الفضائل ، وأنّ محمّدا صلى الله عليه واله أشرف الخلائق أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين ، وأنّ الناس يحشرون بأجسامهم وأبدانهم الموجودة في دار الدنيا ، وأنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين ، وأولاده المعصومين أئمّة هداة مهديّون وحجج الله تعالى على الخلق أجمعين ، أو لا ، بل لا يعترف بشيء من المذكورات أو ببعضها، وفرضنا لاعتقاده الصحيح أثر شرعي يجب ترتيبه عليه ، فإن أظهر ذلك الاعتقاد باللسان أو بدالّ آخر يكون ذلك الظاهر حجّة له ، أو عليه ، ولا ربط له بأصالة الصحّة.
وأمّا إن لم يظهر أو كان غائبا أو ميّتا ولكن لاعتقاده الصحيح أثر شرعا ولو بعد مماته ، وحصل هذا الشكّ فهل يحمل على الصحّة أم لا؟
والظاهر أنّه يحمل على الصحّة إذا علم أو ثبت بحجّة شرعيّة أنّه منتحل للإسلام وسيرة المسلمين قائمة على صحّة اعتقاد من يدّعي ويظهر الإسلام حتّى يعلم خلافه.
وأمّا إن كان المراد من الاعتقاد ، الاعتقاد في الفروع وأحكام الفقهيّة ، بمعنى رأي الفقيه واعتقاده مثلا بوجوب شيء أو حرمته حيث أنّ لاعتقاده ورأيه إذا كان عن منشأ صحيح أثر بالنسبة إلى مقلّديه ، فإذا شكّ في أنّ هذا الرأي هل هو عن استنباط صحيح أم لا ، بل لم يؤدّ وظيفة الاستنباط كاملا بل تساهل وتسامح ، فالظاهر هو الحمل على الصحّة ، وعليه بناء عامّة المقلّدين في الأعصار والأمصار. ولكن هذا في الحقيقة إجراء أصالة الصحّة في الاستنباط ، لا في الاعتقاد.
نعم لا يمكن إثبات أنّ هذا الرأي والاعتقاد مطابق للواقع بأصالة الصحّة بالمعنى المذكور ؛ لأنّ الاستنباط ولو كان عن مدرك صحيح موافق للقواعد المقرّرة الفقهيّة والأصولية وكان في كمال الدقّة ، ومع ذلك كلّه قد يخطئ وقد يصيب ، فكون الاستنباط عن مدرك صحيح لا يلزم دوام الإصابة ، فلا يمكن الحكم بالإصابة ومطابقة هذا الرأي للواقع بإجراء أصالة الصحّة في الاستنباط.
هذا تمام الكلام في أصالة الصحّة.
والحمد لله أوّلاً وآخراً.
_________________
(*) « الحق المبين » ص 68 ؛ « عوائد الأيّام » ص 72 ؛ « عناوين الأصول » عنوان 27 و 28 و 94 ؛ « خزائن الأحكام » العدد 4 ؛ « مناط الأحكام » ص 5 و 19 ؛ « دلائل السداد وقواعد فقه واجتهاد » ص 28 ؛ « مجموعه قواعد فقه » ص 178 ؛ « القواعد » ص 153 ؛ « قواعد فقه » ص 207 ؛ « قواعد فقهي » ص 245 ؛ « قواعد فقهية » ص 91 ؛ « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج 1 ، ص 115 و 43 ؛ « أصل صحت وأصل لزوم عقد » احمد شهيدى ؛ « أصالة الصحة » جمال الدين جمالي ، « مجلة كانون سر دفتران » ؛ « أصل صحت » حسين فريار ، « نشرة مؤسسة حقوق تطبيقى » ، العدد 6 ، العام 1358 ؛ « أصل صحت در عمل غير » أبو القاسم الگرجي ، مجلّة كليّة الحقوق والعلوم السياسي ، العدد 28 ؛ « دو قاعدة فقهي ( الغرور وأصالة الصحة ) » مجلة « حق » فصليّة ، العدد 10 ، العام 1366 ؛ « صحت معاملات » محمد اعتضاد البروجردي ، مجلّة « كانون وكلاء » ، العدد 4 لسنتها الأولى ، والعدد 9 لسنتها الثانية.
(1) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 720.
(2) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 654.
(3) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 654.
(4) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 726.
(5) حاشية « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 663.
(6) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 727.
(7) « الكافي » ج 5 ، ص 313 ، باب النوادر ( من كتاب المعيشة ) ح 40 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 226 ، ح 989 ، باب من الزيادات ، ح 9 ؛ « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 60 ، أبواب ما يكتسب به ، باب 4 ، ح 4.
(8) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 828.
(9) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 666.
(10) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 654.
(11) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 731.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|