المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7867 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الجمعة
2024-09-16
صلاة الجماعة
2024-09-16
صلاة الاستسقاء
2024-09-16
صلاة الاستخارة
2024-09-16
شروط الصلاة
2024-09-16
حقيقة الصلاة وضروبها
2024-09-16

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « الإتلاف » (*)  
  
516   08:39 صباحاً   التاريخ: 16-9-2016
المؤلف : اية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص25 - 51.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / الإتلاف - من اتلف مال الغير فهو له ضامن /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-24 216
التاريخ: 16-9-2016 370
التاريخ: 16-9-2016 310
التاريخ: 2024-07-24 242

ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة التي تمسك بها الفقهاء في موارد الضمان هي قاعدة « من أتلف مال الغير بلا إذن منه فهو له ضامن ».

والبحث فيها من جهات ثلاث :

 [ الجهة ] الأولى

في مداركها‌ :

أقول : إن هذه القاعدة مما اتفقت عليه الكل ولا خلاف فيها ، بل يمكن أن يقال إنها مسلمة بين جميع فرق المسلمين ، وربما يقال إنها من ضروريات الدين.

واستدل عليها الشيخ وابن إدريس في المبسوط (1) والسرائر (2) بقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] .

ولا شك في أن إتلاف مال الغير بدون إذنه ورضاه اعتداء عليه ، وتعبيره سبحانه‌ وتعالى عن أخذ المثل في المثليات والقيمة في القيميات الذي هو عبارة عن كونه ضامنا بالاعتداء للمشاكلة، كقوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكقول الشاعر :

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه    قلت اطبخوا لي جهة وقميصا.

فالآية تدل دلالة واضحة على أن من أتلف مال الغير بدون إذنه ورضاه فهو له ضامن.

وقال الشيخ في المبسوط : روى الأعمش عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » (3). ولا شك في أن احترام المال وأنه بمنزلة دمه يدل على أنه لو أتلفه متلف لا يذهب هدرا، بل يكون ضمانه عليه.

وروي الشيخ أيضا في المبسوط عن عبد الله بن السائب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : « لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا ، من أخذ عصا أخيه فليردها » (4).

وأيضا روي في المبسوط عن الحسين أو حسن ، عن سمرة أن النبي صلى الله عليه واله قال : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (5).

والرواية الأخيرة ، أي قوله صلى الله عليه واله « وعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي » وفي بعض النسخ « حتى تؤديه » رويت عن طريق الخاصة أيضا (6).

كما أنّ ما رواه ابن مسعود ، أي قوله صلى الله عليه واله « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » أيضا رواه الخاصة ، (7) وأيضا يدل عليه وقوله عليه السلام : « المغصوب مردود » (8).

وحكى في المستدرك عن دعائم الإسلام : روينا عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ رسول الله صلى الله عليه واله خطب يوم النحر بمنى في حجّة الوداع وهو على ناقة العضباء ، فقال : أيّها الناس إنّي خشيت أن لا ألقاكم بعد موقفي هذا ، بعد عامي هذا ، فاسمعوا ما أقول لكم فانتفعوا به ، ثمَّ قال أيّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا : هذا اليوم يا رسول الله. قال : فأي الشهور أعظم حرمة؟ قالوا : هذا الشهر يا رسول الله. قال : فأيّ بلد أعظم حرمة؟ قالوا : هذا البلد يا رسول الله. قال : فإنّ حرمة أموالكم عليكم ، وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقوا ربكم فيسئلكم عن أعمالكم ، ألا هل بلّغت؟ قالوا : نعم. قال : « اللهم أشهد » الحديث. (9) ‌

وأيضا عنه ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال في حديث : « فمن نال من رجل شيئا من عرض أو مال وجب عليه الاستحلال من ذلك ، والانفصال من كل ما كان منه إليه ، وإن كان قد مات فليتنصّل من المال إلى ورثته ، وليتب إلى الله مما أتى إليه حتى يطلع عليه عزّ وجلّ بالندم والتوبة والانفصال. ثمَّ قال : ـ ولست آخذ بتأويل الوعيد في أموال الناس ، ولكنّي أرى أن أؤدي إليهم إن كانت قائمة في يدي من اغتصابها وينتصّل إليهم منها ، وإن فوّتها المغتصب أعطى العوض منها ، فإن لم يعرف أهلها تصدّق بها عنهم على الفقراء والمساكين ، وتاب إلى الله عزّ وجلّ ممّا فعل » (10).

وأيضا في المستدرك عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه قضى فيمن قتل دابة عبثا ، أو قطع شجرا ، أو أفسد زرعا ، أو هدم بيتا ، أو عوّر بئرا ، أو نهرا أن يغرم قيمة ما استهلك وأفسد ، وضرب جلدات نكالا. وإن أخطأ ولم يتعمّد ذلك فعليه الغرم‌ ولا حبس ولا أدب. وما أصاب من بهيمة فعليه ما نقص من ثمنها (11).

وأيضا يمكن استفادة هذا الحكم من صحيحة أبي ولاّد التي ذكرها الشيخ الأنصاري قدس سرّه في المكاسب (12).

ودلالة هذه الأخبار على ضمان المتلف لمال الغير بدون إذنه ورضاه في كمال الوضوح ، مضافا إلى ما عرفت من الآية الشريفة.

وأما ما اشتهر في الألسن من قولهم « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » فلم نجده في كتب الحديث ، ولعلّ المتتبّع الخبير يجده أو وجده.

وعلى كلّ حال ثبوت هذا الحكم عند عامّة الفقهاء بدرجة تكون غنيّة عن الفحص والبحث في مداركه.

الجهة الثانية

في بيان المراد من هذه القاعدة‌ :

أقول : الظاهر أنّ التلف بمعنى الهلاك والفناء ، فإتلاف المال عبارة عن إهلاكه وإفنائه ، والإفناء قد يتعلّق بذات المال وقد يتعلق بماليته مع بقاء ذاته ، مثلا لا شكّ في أنّ الثلج له ماليّة في الصيف ، وأمّا في الشتاء فلا ماليّة له ، أي العقلاء لا يبذلون بإزائه المال ، فإذا أفنى ذات ثلج الغير فهذا إتلاف مال الغير.

وأمّا إذا حبسه على صاحبه حتّى دخل الشتاء ، كما لو غصب المثلج أي المكان الذي يذخرون فيه الثلج لبيعه في الصيف فرده على صاحبه مع الثلج الذي فيه في الشتاء ، فهذا إتلاف ماليّة الثلج ، لا نفسه.

والأمثلة لهذا القسم من الإتلاف أي إتلاف الماليّة دون نفس المال كثيرة.

والظاهر من إتلاف المال ـ سواء كان بعبارة « من أتلف مال الغير » كما هو معقد الاتفاق والإجماع ، أو كان هو بعبارة « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ـ هو المعنى الأوّل ، أي إفناء نفس المال لا إفناء ماليّته ، وبناء على هذا المعنى فالضمان في موارد إفناء المالية دون نفس المال يحتاج إلى التماس دليل آخر.

ويكفي في الحكم بالضمان في موارد إفناء الماليّة دون نفس المال قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] بالتقريب الذي تقدّم.

وأمّا المراد من « المال » فالظاهر هو أنّ كلّ شي‌ء يكون مطلوبا ومرغوبا عند الناس لأجل قضاء حوائجهم به ، ويكون دخيلا في معاشهم من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمساكن والمراكب والأشياء التي يتزيّنون بها ، أو شي‌ء يحصل مطلوبهم به كالنقود ، سواء كانت من ذهب أو فضّة أو يكون من جنس آخر ، فهو المال.

والحاصل : أنّ « المال » عبارة عن كل شي‌ء يكون للناس احتياج إليه في تدبير أمورهم في حياتهم وعيشتهم ، في حال صحّتهم ومرضهم بل في حال موتهم ، فالأدوية التي يعالج بها المريض مال عند العرف والعقلاء ، والمعول (13) الذي يحتاجون إليه في دفن موتاهم مال ، وأقسام النقود التي يحصلون بها ما يحتاجون إليه مال.

والمال بهذا المعنى قد يكون من قبيل الجواهر الموجودة مستقلا ولا في الموضوع ، وذلك مثل كلية الأجسام التي تستعمل في رفع الحاجات كما أشرنا إلى بعضها ، وقد يكون من قبيل العوارض كركوب الدابّة ، وسكنى الدار ، والتزيّن بالذهب والفضة والأحجار الكريمة ، أو غيرها.

ويسمّى هذا القسم في اصطلاح الفقهاء تبعا للإطلاقات العرفيّة بـ « المنافع » ، فالمنافع أيضا مال.

فهذه الأمور كلّها ، وأيضا كلّ ما يمكن به تحصيل بعض هذه الأمور مال ، غاية الأمر أنّ نفس هذه الأمور أموال تكوينيّة ليست ماليّتها بجعل في عالم الاعتبار.

وما يحصل به أحد هذه الأمور قد يكون مالا تكوينا وذلك كالمبادلات الجنسيّة ، وقد يكون من الأموال الاعتبارية كالأوراق الماليّة الموجودة في هذه الأعصار ، فإنّها في حدّ نفسها ليست ممّا يستعمل في رفع حوائج الإنسان أو الحيوان ولكن بعد اعتبارها من ناحية من بيده الاعتبار يمكن تحصيل ما يرفع الحوائج بها ، وعليها الآن مدار المعاملات والمعاوضات في الأسواق.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ مدار مالية المال على أحد أمرين :

أحدهما : كون الشي‌ء بحيث يرفع به إحدى حاجات الإنسان ولو كان علفا لدابّته ، أو بنزينا لسيّارته ، فضلا عن أن يكون مأكولا أو مشروبا أو ملبوسا لنفسه.

والثاني : أن يكون ممّا يحصل به أحد هذه الأمور كالأوراق الماليّة ، والنقود الذهبيّة ، والفضّية، أو أحد هذه الأمور فيما إذا وقع عوضا في المعاملة لجنس آخر من هذه الأمور.

ومنه تعريف بعضهم البيع بمبادلة مال بمال ، وبهذا المعنى الثاني قد تكون ماليّة المال من الأمور الاعتباريّة وذلك كالأوراق الماليّة ، فهي بالاعتبار تصير مالا ، وكذلك تسقط ماليتها باعتبار آخر ممّن بيده الاعتبار.

فقوله تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] المراد بالمال المذكور في الآية الشريفة هو هذه الأمور التي تقضي بها الحوائج وأمور المعاش كلّها ـ كما ذكرنا ـ أو ما يمكن أن يحصّل تلك الأمور به. والمال بهذا المعنى مدار الغناء والفقر وجودا وعدما.

وأمّا تعريفه كما صدر عن بعضهم بأنّه ما يبذل بإزائه المال ، فهو تعريف لفظي ، وإلاّ ففيه دور واضح.

وأمّا الضمان في هذه القاعدة : فالمتفاهم العرفي منه هو كون التالف بوجوده الاعتباري في عهدة من أتلفه ، وهذا هو الضمان الواقعي.

وأما الضمان المسمّى فهو الذي سمّاه الطرفان في العقود المعاوضيّة عوضا عن ما يقابله من الطرف الآخر.

فحاصل معنى القاعدة المتسالم عليها هو أنّه إن أفنى مال الغير بدون إذنه في ذلك الافناء ، يكون ذلك المال على عهدته بوجوده الاعتباري ، وإن لم يكن تحت يده فيجب عليه الخروج عند عهدته بإعطاء ، المثل في المثليّات والقيمة في القيميات.

الجهة الثالثة

في موارد تطبيق هذه القاعدة ‌:

وقبل ذلك لا بدّ من بيان مقدّمة :

وهي أنّ الإتلاف قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالتسبيب.

فالأوّل مثل أن يأكل ماله الذي من المأكولات ، أو يشرب ماله الذي من المشروبات ، أو يحرق أثوابه وأمثال ذلك ممّا يصدر (14) فناء مال الغير ، عن نفسه بدون توسيط فاعل إرادي أو غير إرادي آخر.

والثاني عبارة عن كلّ فعل صار سببا لوقوع التلف ولم يكن علّة تامّة للتلف أو جزء الأخير من العلّة التامّة ، بل يكون بحيث لو لم يصدر عنه هذا الفعل لم يقع التلف.

ولهذا عرّفوا السبب بأنّه ما لا يلزم من وجوده الوجود ، وإلاّ فهو العلّة التّامة أو الجزء الأخير منها ، ولكن يلزم من عدمه العدم فعلى هذا المعنى للتسبيب فلو حفر بئرا مكشوفة في الطريق فوقع فيها شي‌ء وتلف‌ فهو السبب.

فالقسم الأوّل يقينا إتلاف حقيقة ، فيكون موجبا للضمان قطعا ، لما ذكرنا من الأدلّة وعليه الاتفاق من المسلمين قاطبة ، بل عليه اتّفاق جميع عقلاء العالم من المسلمين وغير المسلمين من ذوي الأديان ، بل ومن غير ذوي الأديان.

وأما القسم الثاني ، أي ما يلزم من عدمه عدم التلف فأيضا يمكن تحصيل الإجماع على كونه موجبا للضمان ، وقد ادّعى في الجواهر (15) نفي الخلاف فيه.

هذا مضافا إلى دلالة الأخبار على هذا المعنى.

فمنها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ، سألته عن الشي‌ء يوضع على الطريق فتمرّ الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال عليه السلام : « كلّ شي‌ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه » (16).

ومنها : صحيح زرارة عنه عليه السلام أيضا ، قلت له : رجل حفر بئرا في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها؟ فقال عليه السلام : « عليه الضمان لأنّ كلّ من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان » (17).

ومنها : موثّق سماعة : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحفر البئر في داره أو ملكه؟ فقال عليه السلام : ما كان حفر في داره أو ملكه فليس عليه ضمان ، وما حفر في الطريق أو في غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها » (18).

ومنها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه واله: من أخرج ميزابا أو كنيفا ، أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابّة ، أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن » (19).

وأيضا هناك روايات معتبرة في باب تغريم شاهد الزور حتى قتله في بعض الصور (20) ، مثلا لو شهد شاهدان عدلان مرضيّان بحسب الظاهر على أنّ فلانا قتل فلانا ، فقتل المشهود عليه بواسطة هذه الشهادة ، ثمَّ رجعا عن شهادتهما. فان قالوا : أخطأنا ، فعليهما دية المقتول. وإن قالوا : تعمّدنا الكذب ، فيقادان.

وخلاصة الكلام أنّ الروايات في باب ضمان المسبب ـ بالكسر مثل المباشر ـ للإتلاف كثيرة ، وقد ذكرنا جملة منها في شرح قاعدة « المغرور يرجع إلى من غر » (21).

ثمَّ إنّ ظاهر الروايات التي ذكرناها بعضها فيه الإطلاق بالنسبة إلى قصد موجد السبب الوقوع المسبب وعدم قصده ، بل ظاهرها هو الضمان. ولو كان حفره للبئر في غير ملكه بقصد عدم وقوع أحد فيه وبرجاء ذلك ، فان كان مدرك الضمان في هذه الصورة هو الإجماع يمكن أن يقال بأنّ المتيقّن منه هو فيما إذا قصد بإيجاد السبب وقوع التلف.

ولكن إذا كان المدرك هي الروايات كما هو كذلك ، لما ذكرنا مرارا من أنّ مع وجود دليل معتبر في المقام لا يبقى مجال للإجماع ، لأنّ أحد مقدّمات تحقّق الإجماع المصطلح‌ في الأصول ـ الذي هو من الأدلّة وقلنا بحجيته ـ هو عدم وجود دليل معتبر يمكن أن يكون هو منشأ ذلك الإطلاق ، فلا شكّ في إطلاقها في كون إيجاد سبب الفناء والهلاك بالمعنى الذي ذكرنا للسبب موجب الضمان ، قصد الموجد للسبب ترتّب المسبّب على فعله أو لم يقصد.

نعم يلزم أن يصدق عليه ما أخذ موضوعا للضمان ، وهو عنوان « من حفر بئرا في غير ملكه فوقع فيها شي‌ء فهو ضامن » وإن قصد العدم أي حفر برجاء عدم وقوع أحد فيها.

ولو اجتمع السبب والمباشر ، فهل الضمان على المباشر أو السبب أو على كليهما بالاشتراك؟ احتمالات :

قال المحقّق في الشرائع : إذا اجتمع السبب والمباشر قدّم المباشر في الضمان على ذي السبب ، كمن حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدفع غيره فيها إنسانا ، فضمان ما يجنيه الدفع على الدافع (22).

وادّعى جمع ـ على هذا القول ـ عدم الخلاف والإجماع ، وكان تقديم المباشر على السبب عندهم من المسلّمات.

والأمر في هذه الفرع الذي ذكره المحقّق وإن كان كما ذكره ، لأنّ الجناية مستند عرفا بل عقلا إلى الدافع ، وحفر البئر بالنسبة إلى هذه الجناية من المعدّات التي لا توجب الضمان مع صدور الإتلاف عن الفاعل المختار ، وإلاّ كان صانع السيف ضامنا إذا قتل به المباشر شخصا ، وهذا ممّا لم يقل به أحد ، ولا يصحّ القول به قطعا.

إلاّ أنّ جميع موارد اجتماع السبب والمباشر ليس من هذا القبيل ، مثلا لو وصف الطبيب دواء وكان سمّا قاتلا ، والممرض أعطاه للمريض فأتلفه ذلك السمّ ، ففي هذا المورد استناد الجناية إلى السبب أي الطبيب أقوى من المباشر ، خصوصا إذا كان‌ المرض جاهلا والطبيب عالما بأنه سمّ قتّال.

نعم إذا كان الممرض عالما بأنه سمّ قتّال فيكون هو الجاني.

وكذلك في باب شهادة الزور التي تصير سببا لإتلاف نفس المشهود عليه أو ماله الضمان على السبب أي الشاهد الزور ، لا على المباشر أي الحاكم أو من يأتمر بأمره وينفذ حكمه.

وخلاصه الكلام في هذا المقام ـ أي فيما إذا اجتمع السبب والمباشر ـ أنّ المباشر إذا كان فاعلا مختارا عاقلا ، وكان ملتفتا إلى أنّ فعله هذا يترتّب عليه التلف ، فلا شكّ في اختصاصه بكونه ضامنا في هذه الصورة ، وليس على ذي السبب ضمان أصلا.

وأمّا لو يكن المباشر ذا إرادة وشعور فالضمان على ذي السبب ، وذلك كمن أجّج نارا في غير ملكه والريح نشر النار فأصابت النار مال غيره فاحترق ، أو حفر بئرا في الطريق فدفعه حيوان أو مجنون إلى البئر ووقع فيها فتلف هو نفسه أو ماله ، ففي مثل هذه الصورة الضمان على ذي السبب ، لأنّه المتلف حقيقة ، والتلف حاصل بسبب فعله بالمعنى الذي ذكرنا للسبب.

وأمّا إن كان عاقلا مختارا في فعله ولكن لم يكن يعلم بأنّ فعله هذا يترتّب عليه التلف ، فإن لم يكن مغرورا ولا مكرها فأيضا الضمان عليه ، أي على المباشر ، لأنّ هذه القاعدة مفادها أنّ من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، سواء كان عالما بأنّ فعله هذا يترتّب عليه الإتلاف أو لم يعلم ، لأنّ عدم العلم لا يؤثّر في عدم الضمان ، إذ موضوع كون الضمان عليه هو الإتلاف مطلقا ، لا الإتلاف مع العلم بأنّه إتلاف. وأمّا لو كان مغرورا كالممرض الجاهل فيرجع ـ بما خسره من باب ضمان الإتلاف ـ إلى الغارّ. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الغارّ عالما أو جاهلا بتغريره لهذا التلف.

وأمّا إن كان مكرها فليس عليه ضمان إذا كان الإكراه في غير الدماء ، فإذا أكره على الدفع في البئر فمات فيضمن الدية أو يقاد ، إذا كان الدفع في البئر من الأسباب‌ العادية للموت ، لأنّه لا تقية في الدماء.

وأما إذا أكره على إتلاف مال الغير فالضمان على المكره ـ بالكسر ـ لا على المتلف الذي هو مكره ـ بالفتح ـ لأنّ السبب هنا أقوى من المباشر ، لأنّ المباشر وإن كان فاعلا ولكن ليس بمختار.

ولذلك نقول ببطلان معاملات المكره من عقوده وإيقاعاته ، والعرف والعقلاء ينسبون الفعل إلى المكره ـ بالكسر ـ ويسندون إليه ، كما أنّه لو أمر المكره بهدم دار شخص خدّامه وغلمانه الذين يخافون من مخالفته لا ينسب هدم الدار عند العرف إلاّ إلى ذلك المكره ، والناس يقولون إنّ فلانا ـ الذي هو المكره ـ هدم دار فلان ، لأنّه أمر غلمانه بذلك.

وبناء على هذا لو أكره إنسانا على حفر البئر في الطريق ، فوقع فيها مال شخص وتلف ماله بذلك الوقوع ليس على الحافر ضمان ، بل الضمان على الآمر المكره.

إذا ظهرت لك هذه المقدّمة ، فنقول : ذكروا هاهنا فروعا كثيرة في كتبهم الفقهيّة ، واختلفوا في الحكم بالضمان وعدمه في بعض الموارد وأنّه على السبب في بعضها وعلى المباشر في موارد آخر ، ونحن نذكر جملة منها إن شاء الله تعالى وبتوفيقه

منها : أنّه قال في الشرائع : لو ألقي صبيا في مسبعة ، أو حيوانا يضعف عن الفرار ضمن لو قتله السبع (23).

وهذا كلام حقّ لما ذكرنا من الضابط في كون الضمان على السبب دون المباشر ، وهو أن لا يكون المباشر فاعلا عاقلا ، بل يصدر عنه الفعل بدون تروّ وتفكّر في عواقبه لعدم قدرته على التروّي والتفكّر. وإن شئت عبّر عن هذا بأنّ السبب أقوى من المباشر ، كما عبّر به في الشرائع.

وبناءً على هذا يكون لهذا الفرع نظائر كثيرة تشبهها في هذه العلة ، مثلا لو أعطى سكينا بيد مجنون فجرح أو قتل ، أو فتح باب الحبس على سبع ففرس إنسانا أو‌ حيوانا ، أو ألقى حية على نائم أو من ليس بنائم ولكن لا يقدر على التحرّز عنها بقتلها أو فراره عنها فلدغته ، وأمثال ذلك من النظائر الكثيرة.

ففي جميع هذه الموارد يكون الضمان على السبب ، لما ذكرنا ، ولعدم إمكان كون الضمان على المباشر لعدم العهدة في الحيوان أي السبع أو الحية المباشران للإتلاف حتى يكون الضمان عليهما.

وأما ما ذكر في عنوان المسألة في الشرائع بأنّه لو ألقى صبيّا ، فلعلّه باعتبار ضمان اليد وأنّ الصبي يقع تحت اليد بخلاف الكبير ، أو لعلّ هذا التخصيص بلحاظ عدم قدرة الصبي على الفرار أو الدفاع ، بخلاف الكبير.

فإن كان بلحاظ الوجه الأوّل فهو واضح البطلان ، لأنّ الحرّ لا يقع تحت اليد ، صغيرا كان أو كبيرا ، ولذلك لو أخذ ولدا صغيرا بالقهر عن وليّه ، فمات حتف أنفه بدون أيّ تعدّ أو تفريط في حقّه لم يكن ضامنا ، بخلاف ما لو كان الولد عبدا ومات ولو حتف أنفه وبآفة سماويّة يكون ضامنا.

وان كان بلحاظ الوجه الثاني فليس بمطّرد ولا بمنعكس ، كما هو واضح ولا يحتاج إلى البيان ، فالحقّ أنّه لا فرق في هذه المسألة بين الصغير والكبير ، والحر والعبد ، والإنسان والحيوان ، لأنّ الكلام في ضمان الإتلاف لا ضمان اليد. فالمناط في الضمان إمكان التحرّز بالدفاع أو الفرار وعدمه إمكانه.

ومنها : أيضا ما ذكر في الشرائع من أنّه : لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي الضمان تردّد، وكذا لو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتّفق تلفها ، وكذا التردّد لو غصب دابّة فتبعها الولد (24).

ومنشأ التردّد هو الترديد في صدق التسبيب في هذه الموارد الثلاث ، وفتاوى الفقهاء والأساطين مختلفة في هذه الموارد الثلاث ونظائرها جدّا.

فبعضهم يفتي بالضمان ، وبعضهم ينفي ، وبعضهم كصاحب الشرائع يقف عن الفتوى ويظهر التردّد.

وعلى كلّ حال أنت عرفت أنّ كون التسبيب موجبا للضمان مستفاد من تلك الروايات التي ذكرنا، فلا بدّ من الحكم بالضمان في صدق ما أخذ موضوعا للضمان في تلك الروايات ، من دون أن ينجرّ إلى القياس.

والعناوين المأخوذة في تلك الروايات موضوعا للضمان :

أحدها : عنوان « كلّ شي‌ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه ».

وهذا العنوان أجنبي عن الموارد الثلاث إلاّ أن يقال إنّ المناط في الضمان هو الإضرار بالمسلمين ، ولا خصوصية لكونه من طريق الطريق ، وهو لا يخلو من تأمّل.

الثاني : عنوان « من حفر بئرا في ملك غيره أو في الطريق فهو ضامن لما يسقط فيها ».

ولا شكّ في أنّ هذه الموارد الثلاث ونظائرها ليست من مصاديق من حفر بئرا في ملك غيره ، أو من مصاديق من حفر بئرا في الطريق. اللهمّ إلاّ أن يقال : لا خصوصيّة لحفر البئر ، بل المراد إيجاد ما هو سبب تلف مال الغير في العادة مع وقوع التلف فعلا وترتّبه على السبب ، وليس ببعيد.

الثالث : ما جعل موضوعا للضمان في خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام من قول رسول الله صلى الله عليه واله : « من أخرج ميزابا أو كنيفا » (25) إلى آخر ما ذكره من الأمور الخمسة.

والإنصاف أنّه يستظهر من هذه الرواية قاعدة كليّة ، وهي أنّ كلّ فعل صدر من فاعل عاقل مختار. وكان سببا في العادة لوقوع تلف في مال المسلمين أو في نفسه ، ولم يتوسّط بين ذلك الفعل والتلف فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار بحيث يكون التلف‌ مستندا إليه عند العرف والعقلاء ، فهو ـ أي فاعل السبب ـ ضامن. وهذا استظهار لا قياس.

وبناء على هذا يكون تحقق الضمان وثبوته في الموارد الثلاثة هو الحقّ ، ولا وجه للتردّد.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الرواية ضعيفة من حيث السند ، لاشتراك هذا اللقب ـ أي السكوني ـ بين من هو موثوق إن كان المراد به إسماعيل بن مهران ـ وغير موثوق إن كان المراد منه هو إسماعيل بن أبي زياد فإنّه عامّي.

نعم ظهر لك ممّا ذكرنا ـ من أنّ الضمان يثبت فيما إذا كان الفعل المذكور سببا في العادة للتلف لا بصرف الاتّفاق ـ أنّ حبس مالك الماشية لو كان سببا في العادة يكون موجبا للضمان ، وإلاّ لو اتّفق ذلك كما هو مفروض الشرائع في هذا الموارد فإيجابه للضمان مشكل ، بل لا ينبغي القول به لعدم إطلاق في الرواية لكي يشمل مثل هذا الفرض.

ومنها : ما قال في الشرائع أيضا من أنّه : لو فكّ القيد عن الدابّة فشرّدت ، أو عن العبد المجنون فأبق ضمن ، لأنّه فعل يقصد به الإتلاف. وكذا لو فتح قفصا عن طائر فطار مبادرا أو بعد مكث (26).

أمّا كون هذه الأمور سببا للضمان واضح ، بناء على استفادة تلك القاعدة الكلّية من الروايات ، وهي أنّ كلّ فعل صدر من فاعل عاقل مختار ـ أي غير مكره على ذلك الفعل ـ وكان سببا لوقوع التلف في العادة والأغلب ، ولم يتوسّط بينه وبين التلف فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار، فهو أي موجد السبب ضامن لذلك التالف. ولا شكّ أنّ فكّ القيد عن الدابّة الشرود ، خصوصا إذا كان حيوانا وحشيا مقيّدا كالغزال من هذا القبيل.

ففكّ القيد عن الظبي المقيّد عادة سبب لأن يشرد ويتلف ولو بلحوقه إلى البرية فيصير حاله حال سائر الظباء الموجودة في البرّ فاعتبار الملكيّة فيها لغو. وهكذا فتح القفص عن الطائر الوحشي، وهكذا فكّ القيد عن العبد المجنون يوجب شروده ، وهو يوجب تلفه عادة ولم يتوسّط بين فعله والتلف في الموارد الثلاثة فعل فاعل عاقل متعمّد عن اختيار ، لأنّ الدابّة والطائر حال عدم عقلهما معلوم ، والثالث ـ أي المجنون ـ كون فعله عن عقل خلاف الفرض.

نعم لو كان العبد المقيّد الذي فكّ القيد عنه عاقلا فلا ضمان ، لأنه توسط بين فعله ـ أي فكّ القيد عنه وتلفه ـ فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار ، فيكون هو بنفسه مباشرا لإتلاف نفسه ، وذلك مثل أن فكّ القيد عنه فألقى نفسه عن عمد واختيار عن السطح فمات.

ومنها : أيضا في الشرائع لو فتح بابا على مال فسرق ، أو أزال القيد عن عبد عاقل فأبق ، وكذا لو دلّ السارق على مال فسرق فلا ضمان في الجميع ، (27) لأنّ في جميع هذه الصور توسّط بين فعله والتلف فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار ، فهو المباشر في الإتلاف ، ومعه لا يسند التلف إلى السبب البعيد.

نعم هو بفتح الباب إن كان ملتفتا إلى أنّه يمكن أن يوجب السرقة ، وبدون إذن صاحب الباب ، وكذلك بالنسبة إلى إزالة القيد يكون آثما ، وكذلك في دلالته للسارق آثم قطعا ، للإعانة على الإثم إن دلّه بقصد أن يسرق.

وحكى في الجواهر عن العلاّمة في الإرشاد القول بالضمان فيما لو دل السارق. (28) والظاهر أنّه متفرّد في هذا القول ، ولم يوافقه أحد فيه.

ثمَّ إنّ صاحب الجواهر ذكر هاهنا فرعا (29) وهو أنّه لو وجدت في البئر المذكورة ـ أي البئر التي حفرها في الطريق أو في ملك غيره عدوانا وبدون إذن صاحبه ـ جثة حيوان ميّت ، لا يعلم أنّ سبب موته هل هو وقوعه فيها كي يكون حافر البئر ضامنا له ، أو ألقيت ميتة فيها حتّى لا يكون ضمان في البين؟ وحيث أنّ الضمان موضوعه موته وتلفه بسبب وقوعه فيها ، فإذا شكّ فيه يكون مجرى أصالة البراءة عن الضمان ، واستصحاب حياته إلى زمان وقوعه مثبت.

وأمّا لو علم بأنّ سبب الموت وقوعه فيها ، ولكن يحتمل أن يكون بدفع شخص عن عمد واختيار بحيث يكون موجبا لسقوط الضمان عن ذي السبب ، وذلك لتوسط فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار بين ذلك السبب والتلف ، فالضمان يكون على المباشر المختار لا على ذي السبب.

فربما يتوهّم كون الضمان على ذي السبب بتوهّم أصالة عدم دفع أحد له.

ولكن أنت خبير بأنّه مثبت ، لأنّ لازم عدم دفع أحد عقلا هو وقوع التلف والتردي بفعل ذي السبب خاصّة. إلاّ أن يقال : إنّ موضوع الضمان مركّب من كون موته بوقوعه فيها مع عدم دفع أحد ، فأحد جزئيّ الموضوع وهو الوقوع في البئر بالوجدان على الفرض ، والجزء الآخر أي عدم دفع أحد بالأصل ، فتأمّل.

ومنها : ما قال في الشرائع أيضا : ولو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ضمن‌ إذا لم يكن يحبسه إلاّ الوكاء ، وكذا لو سأل منه ما ألان الأرض تحته فاندفع ما فيه ضمن بلا خلاف ، لأنّ فعله سبب مستقلّ للإتلاف. أمّا لو فتح رأس الظرف فقلّبته الريح أو طائر ، أو ذاب بالشمس ففي الضمان تردّد ، والأشبه أنّه لا يضمن ، لأنّ الريح والشمس كالمباشر فيبطل حكم السبب (30).

أقول : أمّا الأوّل أي إزالة الوكاء الذي هو عبارة عن الرباط الذي يشد به رأس القربة أو غيرها، فالظاهر أنّه من الإتلاف مباشرة فخارج عن محلّ الكلام ، لأنّ فكّ‌ الرباط عن القربة بحيث يكون موجبا لأسأله ما فيها من دهن ، أو لبن ، أو دبس ، أو غيره من المائعات يكون من قبيل المسبّب التوليدي ، كالإلقاء في النار والإحراق.

ففكّ الرباط بعنوانه الأوّلي فكّ رباط ، وبعنوانه الثانوي هو إسالة المائع الذي في تلك القربة. وإن أنكرت ذلك فلا أقل من أنّه من باب العلّة التامّة والمعلول.

هذا فيما إذا كان سيلان ما في الظرف مترتّبا على إزالة الوكاء كما هو المفروض.

وإلاّ لو لم يكن كذلك ، بل كان سيلان ما فيه متوقّفا على أمر آخر زائدا على إزالة الوكاء ، كأن يقلّبه الريح أو طائر أو على إذابة الشمس له ، فهو الشقّ الآخر الذي ذكره ، وقال فيه بعدم الضمان ، معلّلا بأنّ الريح والشمس كالمباشر فيبطل السبب. وإن كان هذا الكلام أيضا محلّ تأمّل بل إشكال ، لما ذكرنا وتقدّم بأنّ كلّ فعل صدر من فاعل عاقل مختار ، وكان عادة سببا لوقوع التلف ، ولم يتوسّط بين ذلك السبب والتلف فعل فاعل عاقل مختار ، وإن توسّط أمر آخر وعلّة أخرى كالريح والطائر والشمس ، فيكون الضمان على ذي السبب. ولا يبطل حكم السبب إلاّ بتوسيط فعل فاعل عاقل مختار.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الضمان في مسألة إزالة الوكاء يكون من باب الإتلاف بالمباشرة ، وليس من قبيل الضمان بالتسبيب.

وأمّا في مسألة فتح رأس الظرف وإسالة ما فيه من المائع بواسطة إذابة الشمس لما فيه يكون من باب التسبيب.

نعم لو لم يكن فتح رأس الظرف سببا لوقوع التلف عادة ، وإنّما وقع التلف من باب الاتفاق ، كما أنّه فتح رأس الظرف في الغرفة ، ومن باب الاتّفاق دخل فيها طائر وقلّبتها فلا ضمان في هذه الصورة. كما أنّ في صورة تقليب الريح أيضا كذلك لو لم يكن الظرف في مهب الريح ، وعلى خلاف المتعارف والعادة هبت ريح وقلّبته فأيضا لا ضمان ، لما ذكرنا من أنّ في الضمان بالتسبيب لا بدّ وأن يكون فعل ذي السبب سببا لوقوع التلف بحسب العادة لا بصرف الاتّفاق.

وأمّا مسألة إلانة الأرض تحته لأسأله الماء منه بواسطة إزالة الوكاء فهذا من قبيل معلول المعلول ، فإن كان إزالة الوكاء علّة لأسأله الماء منه ، وإسالة الماء منه علّة لإلانة الأرض تحته ، وإلانة الأرض تحته علّة لانقلابه وتلف ما فيه ، فبإيجاد السبب الأوّل تترتّب عليه الأسباب الطوليّة ويكون حالها حال السبب الأوّل ، فيمكن أن يقال إنّ هذا أيضا من الإتلاف مباشرة.

ومنها : أيضا ما هو في الشرائع قال قدس سرّه ولو أرسل في ملكه ماء فأغرق مال غيره ، أو أجّج نارا فأحرقته لم يضمن ، ما لم يتجاوز قدر حاجته اختيارا مع علمه أو غلبة ظنّه ، إنّ ذلك موجب للتعدّي إلى الإضرار (31).

وفي هذه المسألة صور :

إحديها : هذه التي ذكرها في الشرائع.

الثانية : عين هذه الصورة إلاّ أنّها مع التجاوز عن قدر الحاجة.

الثالثة : أن لا يكون له علم ولا غلبة الظنّ بالتعدّي إلى الإضرار ، مع عدم التجاوز عن قدر الحاجة.

الرابعة : فيما إذا تجاوز عن قدر الحاجة ولكن لا علم له ولا ظنّ بالتعدّي.

الخامسة : عين هذه الصورة الرابعة ولكن مع العلم بعدم التعدّي.

السادسة : عين هذه الصورة الخامسة ولكن مع عدم التجاوز عن قدر الحاجة.

وفي جميع هذه الصور الستّ المفروض وقوع التلف ، وإلاّ لم يكن محلّ للبحث في أنّه يضمن أو لا يضمن.

أقول : أقوال الفقهاء المحققين والأساطين في هذه المسألة مختلفة جدا ، فليس في المسألة إجماع على الضمان ولا على عدمه ، فنتكلّم فيما هو مقتضى القواعد‌ الأوّليّة ، فنقول :

أمّا الصورة الأولى التي ذكرها في الشرائع ، فمع علمه بالإضرار وأنّ فعله هذا يكون سببا لتلف مال الغير فلا وجه لتخيّل عدم الضمان بصرف إذن الشارع في هذه الفعل ، لأنّ الإذن الشرعي لا يرفع الآثار الوضعيّة ، فلو أذن الشارع في أكل الميتة من باب الاضطرار فلا يرفع هذه الإذن نجاستها.

بل يمكن أن يقال : إن هذه الصورة من مصاديق الإتلاف مباشرة ، وليس من التسبيب ، لأنّه إذا علم أنّه يترتب على فعله هذا غرق مال الغير ، أو احتراقه ، أو جفاف شجر الجار القريب من النار التي أجّجها ولو كانت النار في ملكه ، فهو من مصاديق الإتلاف بالمباشرة حقيقة.

هذا مع أنّ كونه مأذونا في إرسال الماء في ملكه ، أو تأجيج النار فيه في هذه الصورة كلام بيّنّاه في قاعدة لا ضرر.

وأمّا القول بأنّ قاعدة الإتلاف لم ترد بهذه الألفاظ في رواية من طرقنا وإن اشتهرت في الألسنة والأفواه ، فليست دليلا لفظيا كي نتمسّك بإطلاقها ، كما ذكره صاحب الجواهر (32).

ففيه أنّه بيّنّا في صدر البحث عن هذه القاعدة وقلنا إنّنا وإن لم نجد رواية بهذه الألفاظ ، لا من طرقنا ولا من طرق الجمهور ، ولكن مضمون هذه القاعدة مروية بالسنة مختلفة ، فتكون من القواعد المصطادة من الموارد المختلفة من الروايات.

مضافا إلى كونها بهذه الألفاظ من المسلّمات بين الخاصّة والعامّة ، ولا يزال يستدل الفقهاء عموما بهذه القاعدة على الضمان في الموارد الجزئيّة المشكوكة.

فلو سلّمنا أنّ مدركها الإجماع فقط يكون معقده مطلق ، فيكون حالها حال الدليل اللفظي فيتمسّك بإطلاقها.

والإنصاف أنّ هذه الفتوى من مثل المحقق قدس سرّه شيخ الفقهاء لا يخلو من غرابة ، وإن أسند هذا القول في المسالك إلى العلاّمة في القواعد والإرشاد أيضا (33).

وأمّا الصورة الثانية فتكون سببا للضمان بطريق أولى ، ولا يحتاج إلى التوضيح والبيان.

وأمّا الصورة الثالثة أي فيما لا يعلم بالتعدّي ولا يظنّ ولم يتجاوز قدر الحاجة ، فهذه الصورة على قسمين :

فتارة ترتّب التلف على هذا الفعل ليس غالبيّا وبحسب العادة ، وإنّما قد يقع اتّفاقا لعارض ، كما أنّه من باب الاتّفاق هبت ريح بخلاف العادة والمتعارف فأثرت النار في مال الجار.

فالظاهر عدم الضمان في هذه الصورة ، لا لأنّه مأذون في هذا الفعل ، لما ذكرنا من أنّ الإذن لا يرفع الضمان ، بل لما اشترطنا من أنّ الضمان لا يكون إلاّ فيما إذا كان الفعل الصادر عن ذي السبب سببا في الأغلب وبحسب العادة.

وأخرى يكون غالبيّا وبحسب العادة.

فالظاهر أنّه يضمن ، لأنّ فعله سبب غالبيّ لوقوع التلف ، كما أنّه في يوم هبوب الريح لو أجّج نارا ولكن لم يحصل له علم ولا ظن بالتعدّي إلى الإضرار بالجار لغفلته أو بلاهته ، مع أنّ التعدّي في مثل ذلك اليوم لم يكن اتفاقيّا ، بل كان أمرا عاديا متعارفا ، ففعله هذا سبب عادي للتلف ، ولم يتوسّط بينه وبين التلف فعل فاعل عاقل مختار ، الذي هو الضابط في استناد التلف إلى السبب.

وأمّا الصورة الرابعة فيضمن بطريق أولى ، لأنّ المفروض أنّه تجاوز عن قدر الحاجة.

وأمّا الصورة الخامسة فعمدة الوجه في القول بعدم الضمان فيها هو العلم بعدم التعدّي. ولكن هذا العلم ليس له أثر ، لأنّه على الفرض أوجد سبب التلف الذي هو سبب الضمان ولكن باعتقاد انّه لا يتلف ، وقد تبيّن خطأ اعتقاده وأنّه جهل مركّب ، فما ذكرنا من الضابط في استناد التلف إلى فعله تحقق فيكون ضامنا.

وأمّا الصورة السادسة وهي أن لا يتجاوز قدر الحاجة مع علمه بعدم التعدّي ، فإذا كان وقوع التلف اتّفاقيّا وليس فعله سببا غالبيا لوقوع التلف فلا يضمن ، لما بيّنّا من اشتراط الضمان يكون فعل ذي السبب سببا غالبيا ، وإذ ليس فليس. وأمّا لو كان سببا غالبيا وهو علم بعدم التعدّي لغفلته أو بلاهته فيضمن ، لما ذكرنا في القسم الثاني من الصورة الثالثة.

ومنها : ما في التذكرة من انّه : لو فتح القفص ، أو حلّ قيد الفرس ، أو العبد المجنون‌ فبقيا واقفين ، فجاء إنسان ونفرهما فذهبا فالضمان على منفرهما ، لأنّ سببه أخصّ فاختصّ الضمان به ، كالدافع والحافر (34).

ولعلّ مراده بقوله : « لأنّ سببه أخصّ » أنّ فعل المنفرد لا ينفكّ عن فرارهما ، بخلاف فتح القفص بالنسبة إلى الطائر ، وحل القيد بالنسبة إلى الفرس والعبد المجنون فإنّه يمكن أن لا يتعقّب بفرار الطائر في فتح القفص ، وأن لا يتعقّب بفرار الفرس والعبد المجنون بالنسبة إلى حلّ قيدهما ، فكأنّه أراد بذلك أنّ النفر جزء الأخير من العلّة التامّة لفرارهما.

وأمّا فتح القفص بالنسبة إلى الطائر الواقف بعد الفتح ، وكذلك حل القيد بالنسبة إلى الفرس والعبد المجنون الواقفين بعد حلّ القيد من قبيل المعدّ.

ولا شكّ في أنّ استناد المسبّب إلى العلّة التامّة أو الجزء الأخير منها أولى من استناده إلى المعدّ، كما أنّ في مسألة الحافر والدافع يكون الأمر كذلك أيضا ، فالاستناد‌ إلى الدافع الذي هو الجزء الأخير من علّة التلف أولى من استناده إلى المعدّ الذي هو حفر الحافر.

هذا ما قاله في التذكرة مع ما فسرنا به كلامه .

ولكن أنت عرفت ممّا ذكرنا في مقدّمة هذه الفروع أنّ من شرائط كون الضمان على السبب هو أن لا يتوسّط بين فعل ذي السبب وبين التلف فعل فاعل عاقل مختار ، وإلاّ ينسب إلى ذلك الفاعل لا إلى السبب ، وذلك واضح جدّا.

وفيما نحن فيه وقع ذلك التوسّط بين السبب الذي هو عبارة عن فتح القفص وعن حلّ القيد ، وبين الفرار فعل الفاعل والعاقل المختار ، وهو تنفير ذلك الإنسان ، فينسب الفرار إليه لا إلى فتح القفص أو حلّ القيد.

ومنها : أيضا ما في التذكرة من أنّه : لو حلّ رباط سفينة فذهبت أو غرقت بالحل ضمن ، لأنّه سبب في الإتلاف ، سواء كان يعقّب فعله أو تراخي (35).

ونظير هذا الفرع تقدّم من أنّه لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت ، أو عن العبد المجنون فأبق ، وقلنا: يستفاد من الروايات قاعدة كلية ، وهي أنّ كلّ فعل صدر عن الفاعل العاقل المختار ، وكان سببا لتلف شي‌ء ، ولم يتوسّط بينه وبين المسبّب ـ أي التلف ـ فعل فاعل عاقل مختار ، فيكون التلف مستندا إلى ذي السبب والضمان عليه.

فبناء على هذا حيث أنّ حلّ رباط السفينة يكون سببا لذهابها إلى عرض البحر ، فيوجب غرقها أو ضياعها.

فبمقتضى تلك القاعدة يكون الضمان على الذي حلّ الرباط ، ولا فرق بين حدوث حادث آخر كهبوب الرياح الشديدة والعواصف الموجبة لغرقها ، وبين عدم حدوث حادث آخر يوجب ذلك ، وذلك لما بيّنّا من الضابط في الاستناد إلى السبب ، فإنّه حاصل ولا يفرق في كلا المقامين. نعم، لو لم يكن هذا الفعل ـ أي حلّ رباط السفينة ـ سببا للغرق أو الضياع في العادة ، بل حدث عاصفة شديدة من باب الاتّفاق ، فيمكن أن يقال بعدم الضمان في مثل هذه الصورة ، وقد تقدّم جميع ذلك.

ومنها : ما ذكر في التذكرة أيضا من أنّه : لو وثبت هرة حال فتح القفص ودخلته وقتلت الطائر لزمه الضمان ، لأنّ الفتح يشتمل على إغراء الهرّة ، كما في تنفير الطائر (36).

والتشبيه بالتنفير لا يخلو من تأمّل ، لأنّ التنفير في حال انفتاح القفص من قبل العلّة التامّة بالنسبة إلى طيرانه وفراره. بخلاف فتح القفص فيما إذا لم تكن هرّة هناك ، ولكن من باب الاتّفاق وجدت هرّة حال الفتح.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ فرض المسألة في صورة وجود الهرّة هناك قبل الفتح ، وهي بحيث لا مانع من وثوبها على الطائر إلاّ انسداد باب القفص ، فيكون التشبيه في محله.

وأمّا الضمان : ففي المفروض على فاتح القفص على كلّ حال ، لما ذكرنا من الضابط.

إلاّ أن يقال : إنّ فتح باب القفص ليس سببا غالبيّا لوثوب الهرة.

وجوابه : أنّ المفروض حضور الهرة حال فتح القفص ، وفي مثل هذه الصورة سببية الفتح لوثوبها وإتلاف الطائر غالبي.

ومنها : أيضا ما في التذكرة من انّه لو كان شعير في جراب وبجنبه حمار ، ففتح فاتح رأسه ، فأكله الحمار في الحال لزمه الضمان‌ (37). وهذا الفرع من جميع الجهات التي ذكرناها مثل الفرع السابق ، فلا نعيد. ولا أرى وجها لذكره بعد ذكر الفرع السابق ، كما لا أرى وجها لتقييد قوله : « فأكله الحمار » بكلمة « في الحال » إلاّ تخيّل أنّه لو لم يكن أكله في الحال فليس الأكل مستندا إلى فتح رأسه ، وإنما هو مستند إلى التفات الحمار بعد غفلته عنه ، أو إلى حدوث اشتهائه ، وهو غريب.

ومنها : ما ذكره في التذكرة أيضا وهو أنه : لو نقل صبيّا حرّا إلى مضيعة فاتّفق أن افترسه سبع فلا ضمان عليه‌ (38). وذلك أنّ النقل إلى المضيعة ليس مثل النقل إلى المسبعة ، لأنّ النقل إلى المسبعة ـ أي محلّ السباع ـ سبب غالبي لافتراسه.

وأمّا النقل إلى المضيعة فليس سببا غالبيا ، ولو افتراسه السبع كان من باب الاتّفاق وقد اشترطنا في السبب الموجب للضمان أن يكون سببا غالبيّا للتلف ، لأنّ المضيعة عبارة عن محلّ الضياع، وعدم الاعتناء بشأن من يسكنه ، وأن تهمل شؤونه.

ومنها : ما ذكره في جامع المقاصد من أنّه لو منع المالك من إمساك دابّته المرسلة‌ حيث يتوقّع تلفها مع بقائها مرسلة. كما أنّه لو أرسلت في الليل في بريّة ، ولا تكون تلك الدابّة من الحيوانات القويّة التي تقدر على حفظ نفسها من السباع ، أو لم تكن الأرض مأمونة من الأخطار ، فحينئذ يكون إمساك المالك سببا لبقائها مرسلة ، وبقاؤها مرسلة ربما ينتهي إلى افتراسها أو تلفها من جهة أخرى (39).

هذه جملة ممّا ذكره أساطين الفنّ من فروع الضمان بالتسبيب ، سواء لم يكن إتلاف بالمباشرة في البين أصلا ، أو كان ولكن كان ضعيفا.

ولكن كل هذه الفروع كانت فيما إذا كان السبب واحدا. أمّا إذا تعدّد السبب سواء كانا اثنين أو أكثر ، فإمّا يكونا وجدا في عرض واحد ، وإمّا مترتّبان في الوجود.

أمّا الأوّل : فهما أو كلّهم إن كانوا أكثر من اثنين يشتركون في الضمان ، وذلك كما أنّه لو حفر جماعة بئرا في الطريق ، فوقع فيها دابّة أو مال آخر ، لأنّ اختصاص بعضهم بالضمان دون بعض ترجيح بلا مرجّح.

وأمّا الثاني : أي فيما إذا كان مترتّبين في الوجود ، فحوالة الضمان على أوّلهما وجودا ، وذلك لأنّ مع وجود أوّلهما تحقّق ما هو سبب الضمان ، ولا يرفع حكمه ـ أي كونه سببا‌ للضمان ـ إلاّ بتوسيط فعل فاعل عاقل مختار بينه وبين التلف ، والمفروض أنّه ليس في المقام.

فلو حفر أحدهما بئرا في الطريق ، أو في ملك غيره بدون إذنه ورضاه ، فوضع بعد ذلك شخص آخر حجرا في حافة تلك البئر ، فعثرت دابّة بواسطة ذلك الحجر ووقعت في تلك البئر فالضمان على الحافر ، لما ذكرنا من الضابط.

والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا.

____________

(*) « الحق المبين » ص 87 ، « عناوين الأصول » عنوان 58 ، « خزائن الأحكام » ش 25 ، « مجموعه رسائل » ش 12 ص 474 ، « دلائل السداد وقواعد فقه واجتهاد » ص 94 ، « مجموعه قواعد فقه » ص 143 ، « قواعد فقه » ص 91 ، « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة » ص 110 ، « القواعد » ص 19 ، « قواعد فقه » ص 109 ، « قواعد الفقه » ص 137 ، « قواعد فقهي » ص 21 ، « القواعد الفقهية » ( فاضل اللنكراني ) ج 1 ، ص 45 ، « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج 4 ، ص 193 ، « قواعد الفقيه » ش 41 ، ص 119 ، « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص 378 ، « مجله حقوقي دادگسترى » العام 1 ، ش 4 « ضمان تلف » مصطفى امامى.

(1) « المبسوط » ج 13 ، ص 60.

(2) « السرائر » ج 2 ، ص 480.

(3) « المبسوط » ج 3 ، ص 59.

(4) المصدر.

(5) المصدر.

(6) « مستدرك الوسائل » ج 14 ، ص 7 ، أبواب كتاب الوديعة ، باب 1 ، ح 15944 ، « عوالي اللئالى » ج 1 ، ص 224 ، ح 106 ، وج 2 ، ص 389 ، ح 10 ، وج 3 ، ص 246 و 251 ، ح 2 و 3.

(7) « عوالي اللئالي » ج 3 ، ص 473 ، ح 4.

(8) « الكافي » ج 1 ، ص 539 ، باب ألفي والأنفال و ... ، ح 4 ، « تهذيب الاحكام » ج 4 ، ص 128 ، ح 366 ، باب قسمة الغنائم ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 6 ، ص 365 ، أبواب الأنفال وما يختص للإمام 7 ، باب 1 ، ح 4. وفي الكافي والوسائل : « لأنّ الغصب كلّه مردود ». وفي التهذيب : « لأنّ المغصوب كلّه مردود ».

(9) « مستدرك الوسائل » ج 17 ، ص 87 ، أبواب كتاب الغصب ، باب 1 ، ح 20816.

(10) « مستدرك الوسائل » ج 12 ، ص 105 ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، باب 78 ، ح 13641 ، وج 17 ، ص 87 ، أبواب كتاب الغصب ، باب 1 ، ح 20817.

(11) « مستدرك الوسائل » ج 17 ، ص 95 ، أبواب كتاب الغصب ، باب 9 ، ح 20842 ، وج 18 ، ص 199 ، أبواب الدفاع ، باب 6 ، ح 22495 ، وج 18 ، ص 333 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 34 ، ح 22882.

(12) « المكاسب » ص 69.

(13) المعول ج معاول : اداة لحفر الأرض.

(14) الظاهر انه غلط والصحيح : « يوجب » أو « يسبب » وأمثال ذلك.

(15) « جواهر الكلام » ج 37 ، ص 46.

(16) « الكافي » ج 7 ، ص 349 ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار ، ح 2 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 155 ، باب ما جاء فيمن أحدث بئرا أو غيرها في ملكه ... ، ح 5347 ، « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 223 ، ح 878 ، باب ضمان النفوس وغيرها ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 181 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 9 ، ح 1.

(17) « الكافي » ج 7 ، ص 350 ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار ، ح 7 ، « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 230 ، ح 907 ، باب ضمان النفوس وغيرها ، ح 40 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 179 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 8 ، ح 1.

(18) « الكافي » ج 7 ، ص 350 ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار ، ح 4 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 153 ، باب ما جاء فيمن أحدث بئرا أو غيرها في ملكه ، ح 5341 ، « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 229 ، ح 903 ، باب ضمان النفوس وغيرها ، ح 36 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 180 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 8 ، ح 3.

(19) « الكافي » ج 7 ، ص 350 ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المارّ ، ح 8 ، « الفقيه » ج 4 ، ص 154 ، باب ما جاء فيمن أحدث بئرا أو غيرها في ملكه ... ، ح 5343 ، « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 230 ، ح 908 ، باب ضمان النفوس وغيرها ، ح 41 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 182 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 11 ، ح 1.

(20) راجع : « الكافي » ج 7 ، ص 383 ، باب من شهد ثمَّ رجع عن شهادته ، ح 2 ـ 5 ، و « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 238 ، أبواب الشهادات ، باب 11 ، ح 1 و 2 ، وج 19 ، ص 69 ، أبواب القصاص في النفس ، باب 62 ، وج 19 ، ص 194 ، أبواب موجبات الضمان ، باب 24.

(21) « القواعد الفقهية » ج 1 ، ص 270.

(22) « الشرائع » ج 3 ، ص 237.

(23) « الشرائع » ج 3 ، ص 237.

(24) « الشرائع » ج 3 ، ص 237.

(25) « الشرائع » ج 3 ، ص 238.

(26) « الشرائع » ج 3 ، ص 238.

(27) « الشرائع » ج 3 ، ص 238.

(28) « جواهر الكلام » ج 37 ، ص 68.

(29) المصدر.

(30) « الشرائع » ج 3 ، ص 238.

(31) « الشرائع » ج 3 ، ص 237.

(32) « جواهر الكلام » ج 37 ، ص 60.

(33) « مسالك الافهام » ص 257.

(34) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 375.

(35) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 375.

(36) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 375.

(37) المصدر.

(38) « تذكرة الفقهاء » ج 2 ، ص 376.

(39) « جامع المقاصد » ج 6 ، ص 219.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.