أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
659
التاريخ: 10-8-2016
596
التاريخ: 4-9-2016
522
التاريخ: 10-8-2016
1239
|
قال المحقّق الخراساني (رحمه الله): «إنّ موضوع كلّ علم ـ وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة أي بلا واسطة في العروض ـ هو نفس موضوعات مسائله عيناً ...».
فقد تصدّى للبحث عن موضوع كلّ علم من دون أن يشير أوّلا إلى أنّه هل يحتاج كلّ علم إلى موضوع جامع بين موضوعات مسائله أو لا؟
والظاهر أنّه أرسله إرسال المسلّمات، أي كانت حاجة كلّ علم إلى موضوع عنده أمراً قطعيّاً واضحاً مع أنّه وقع مورداً للسؤال والمناقشة بين أعلام المتأخّرين عنه، فاللازم البحث في هذا قبل تعريف الموضوع.
فنقول: هل يحتاج كلّ علم إلى موضوع واحد جامع لشتات موضوعات مسائله أو لا؟
الدليل الوحيد الذي استدلّ به للزوم وحدة الموضوع هو قاعدة «الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد» حيث إنّ لكلّ علم نتيجة واحدة فليكن ما تصدر منه هذه النتيجة أيضاً واحداً، ولازمه أن يكون لجميع موضوعات المسائل جامع واحد يكون هو موضوع العلم.
وقد أورد على هذه القاعدة المحقّق العراقي (رحمه الله) وبعض أعاظم العصر باُمور:
أوّل : إنّها مختصّة بالواحد الشخصي البسيط، لا النوعي كما قرّر في محلّه، ولا إشكال في أنّ الأهداف والأغراض المترتّبة على علم كعلم الاُصول الذي يقع في طريق استنباط مسائل متنوعة في مختلف أبواب الفقه ليس لها وحدة شخصيّة.
الثاني : سلّمنا جريانها في الواحد النوعي، لكنّها مختصّة بالواحد الحقيقي الخارجي ولا تجري في الواحد الاعتباري كسلامة البدن التي هي غاية لعلم الطبّ، ومركّبة من سلامة القلب والكبد والعروق والأعصاب وغيرها من سائر أعضاء البدن، وليس واحداً في الخارج،
وكعلم الاُصول فإنّه يدور مدار المباحث الاعتباريّة والقوانين التشريعيّة(1).
والإدراك الاعتباري ما يكون مدركه مخلوقاً لأذهاننا ومصنوعاً لها مثل الملكيّة والزوجيّة، فانّ وجود «زيد» مثلا في قضيّة «الدار لزيد» وجود واقعي في عالم الخارج وهكذا وجود «الدار»، وأمّا النسبة الموجودة بينهما وهي نسبة الملكيّة أمر ذهني اعتباري مصنوع لذهن من يعتبرها، وهكذا في قضيّة «هند زوجة زيد» فإنّ «زيداً» و «هنداً» كليهما أمران واقعيّان موجودان في الخارج، وأمّا رابطة الزوجيّة الموجودة بينهما أمر ذهني قانوني فحسب، وكذلك في جميع الأوامر والنواهي، أي كلّ «افعل» و «لا تفعل» ففي مثال «لا تشرب الخمر» ـ للخمر وجود حقيقي في الخارج، وأمّا حرمة الشرب فهي أمر اعتباري موجود في عالم الذهن، وهكذا في مثل «اشرب الدواء» وأمثال ذلك.
وبالجملة إنّ الاُمور الاعتباريّة اُمور فرضيّة يعتبرها الإنسان ويفرضها لرفع حاجات حياته، ثمّ يرتّب عليها آثاراً مختلفة في حياته الاجتماعيّة.
ويظهر من ذلك كلّه اُمور:
الأوّل: أنّ الاُمور التكوينيّة اُمور ثابتة في الخارج لا تتغيّر بالاعتبارات الذهنيّة، ولو كان فيها تغيير وتكامل فهو تكامل جوهري داخلي، وأمّا الاُمور الاعتباريّة فهي اُمور متغيّرة تتغيّر بتغيّر الاعتبار والجعل، كما أنّ الاُمور التكوينيّة اُمور مطلقة، فالشمس مثلا مطلق لا إنّها تكون شمساً بالنسبة إلى زيد ولا تكون شمساً بالنسبة إلى عمرو، وأمّا الاُمور الاعتباريّة فهي اُمور نسبية، فالدار المعيّنة مثلا ملك لزيد ولا تكون ملكاً لعمرو، والفعل الفلاني مثلا واجب على زيد وحرام على عمرو.
الثاني: أنّ الاُمور التكوينيّة تحكم عليها الاستدلالات المنطقية والفلسفية كقاعدة العلّة والمعلول، واستحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما، واستحالة الجمع بين الضدّين وتقديم المعلول على العلّة، بخلاف الاُمور الاعتباريّة فإنّها خارجة عن نطاق القواعد المنطقية والفلسفية، ولذلك يمكن اعتبار نقيضين أو ضدّين أي فرضهما، فيعتبر مثلا أنّ هذا ملك لزيد ثمّ يعتبر ثانياً إنّه ليس ملكاً لزيد.
نعم إنّه لغو يستحيل صدوره من الحكيم من هذه الجهة، أي من باب عدم ترتّب الأثر المطلوب من هذا الجعل والاعتبار لا من باب الاستحالة العقليّة الخارجيّة، فإنّ المقصود من الجعل في الاُمور الاعتباريّة إنّما هو ترتّب أثر عقلائي ورفع حاجة من الحياة كما مرّ آنفاً، وهو لا يترتّب على مثل هذا الجعل.
الثالث: أنّه قد تصير الاُمور الاعتباريّة منشأ لآثار تكوينيّة في الخارج بمعنى إنّها تصير سبباً لانقداح إرادة فعل أو كراهته في نفس الإنسان فيفعل عملا أو يتركه، وهو يوجب إيجاد أمر تكويني في الخارج، فمثلا الأمر بالصيام في شهر رمضان يوجب انقداح إرادة الصّيام في نفس المكلّف فيصوم، والصّيام يصير منشأً وسبباً لسلامة البدن، وهكذا اعتبار قوانين المرور مثلا فانّه يوجب انقداح إرادة مراعاتها، والمراعاة الخارجيّة توجب حفظ النفوس والأموال، كلّ ذلك للعلم بأنّ العقلاء يرتّبون آثاراً خاصّة على هذا الوجود الاعتباري، أو إنّ الشارع المقدّس يرتّب عليه آثاراً مختلفة، ففي الواقع باعث الحركة الخارجيّة هو الآثار التكوينيّة التي نعلم بترتّبها على تلك الاُمور الاعتباريّة من ناحية الشارع أو العقلاء في الحال أو المستقبل، وحينئذ يكون الباعث لحدوث أمر تكويني في الخارج في الحقيقة هو أمر تكويني سابق عليه لا الاعتبار الذهني.
إذا عرفت هذا كلّه فنقول: إنّ من أقسام الاُمور الاعتباريّة التشريعيات التي منها مسائل الفقه (أو الحقوق) وهكذا اُصول الفقه فلا سبيل إليها للقواعد المنطقية والفلسفية الجارية في خصوص الحقائق الخارجيّة كقاعدة الواحد أو أحكام العرض والمعروض (بأن يقال: الصّلاة مثلا معروض والوجوب عرض) أو استحالة اجتماع الضدّين (بأن يقال مثلا: اجتماع الأمر والنهي محال لاستحالة اجتماع الضدّين).
نعم اجتماع الضدّين وأشباهه باطل في الاُمور الاعتباريّة لكن لا من جهة الاستحالة بل من باب كون اعتبارها لغواً، واللغويّة شيء والاستحالة شيء آخر.
والإنصاف أنّ الخلط بين المسائل الاعتباريّة والاُمور الحقيقيّة وإدخال الثانيّة في الاُولى أورد ضربة شديدة على مسائل علم الاُصول بل مسائل الفقه أيضاً، كما أنّ إدخال الاُولى في الثانيّة وتصوّر إنّه لا حقيقة مطلقة في الخارج بل جميع الاُمور حقائق نسبيّة (كما توهّمه النسبيّون من الفلاسفة المادّيين) أوجب إرباكاً عظيماً في مسائل الفلسفة.
وبالجملة فإنّ قاعدة الواحد لا ربط لها بالعلوم الاعتباريّة التي منها علم الاُصول بل لا دخل لها حتّى في العلوم الحقيقيّة كعلم الطبّ لأنّ وحدة مسائل كلّ علم أمر اعتباري وإن كانت موضوعات مسائله اُموراً واقعية خارجيّة.
الثالث: سلّمنا جريانها في الواحد الاعتباري أيضاً لكنّا لا نسلّم جريانها فيما يتركّب من الاُمور الوجوديّة والعدميّة، أو من الوجوديّات التي يكون كلّ واحد منها داخلا في إحدى المقولات التسع العرضيّة التي هي من الأجناس العالية، وليس فوقها جنس، وذلك لعدم إمكان تصوير جامع بين الوجود والعدم وبين الأجناس العالية.
مثال القسم الأوّل: علم الفقه (الذي يعدّ غاية لعلم الاُصول) حيث إنّ بعض موضوعات مسائله وجودي كالصّلاة وبعضها عدمي كالصوم، ومثال القسم الثاني: الصّلاة التي تتركّب من مقولة الوضع ومقولة الكيف المسموع وهكذا ...
الرابع: أنّه لا يحصل الغرض في كلّ علم من خصوص موضوعات مسائله، بل يحصل من النسبة الموجودة بين الموضوع والمحمول، مثلا الغرض من علم الفقه الذي هو عبارة عن العلم بأحكام الصّلاة والصّوم وغيرهما لا يحصل من موضوع «الصّلاة» أو «الصّوم» حتّى
نستكشف من وحدة النتيجة وحدة الموضوع، بل إنّها تحصل من النسبة القائمة بين الموضوع والمحمول في قولنا «الصّلاة واجبة»، وحينئذ فليكن المستفاد من القاعدة وحدة النسبة لا وحدة الموضوع، (انتهى ما ذكره الأعلام في المقام ملخّصاً).
أقول: الصحيح من هذه الإشكالات إنّما هو الأوّل الذي يندرج فيه الإشكال الثاني أيضاً، وحاصلهما عدم جريان هذه القاعدة ـ على القول بها ـ في غير البسيط الحقيقي الخارجي، ومنشأ الاستدلال بها في ما نحن فيه هو الخلط بين المسائل الاُصوليّة التي هي من سنخ الاعتباريات وبين المسائل الفلسفية التي تدور حول الحقائق التكوينيّة، فإنّ الفلسفة تبحث عن الحقائق الواقعيّة العينيّة، والاُصول يبحث عن اُمور اعتباريّة قانونيّة، والفرق بين الأمرين غير خفيّ، والمشاكل المتولّدة من ناحية هذا الخلط غير قليلة، أي الخلط بين الحقائق والاعتباريات في طيّات أبواب علم الاُصول من أوّله إلى آخره، فلا تغفل.
وأمّا الإشكال الثالث: فيرد عليه إنّ الموضوعات في جميع مسائل الفقه اُمور وجوديّة وليس فيها أمر عدمي، لأنّ موضوعات مسائل الفقه عبارة عن أفعال المكلّفين من دون واسطة كما في الأحكام التكليفيّة أو مع الواسطة كما في الاُمور الوضعيّة، وهي وجوديّة بأسرها غاية الأمر تارةً يكون الفعل هو الكفّ كما في الصّيام واُخرى هو الأعمال الخارجيّة.
وأمّا كونها من المقولات المتباينة ففيه: أنّ الموضوع المبحوث عنه في المسائل الفقهيّة إنّما هو فعل هذه الأوضاع والكيفيّات، أعني إيجاد الركوع والسجود والقراءة وغيرها، والفعل أمر واحد من مقولة واحدة.
وأمّا الإشكال الرابع: ففيه أنّ الغرض وإن كان ناشئاً من النسبة بين الموضوعات والمحمولات، إلاّ أنّ وحدتها تنشأ من وحدتهما لأنّها قائمة بطرفيها فتكون وحدة النسب الموجودة في المسائل دليلا على وحدة موضوعاتها.
فتلخّص من جميع ما ذكرنا إنّه لا دليل على وجوب تحصيل موضوع واحد جامع لجميع موضوعات مسائل كلّ علم حتّى يبحث عن تعريفه وتحديده كما فعله جمع كثير من الأصحاب.
ملاك وحدة العلم:
قد يقال: إن لم يكن ملاك وحدة العلم وحدة الموضوع كما مرّ فما هو الملاك في اتّحاد مسائل العلم وانسجامها؟
قلنا: لا بدّ للحصول على الجواب الصحيح لهذا السؤال من الرجوع إلى تاريخ تدوين العلوم البشريّة (لا إلى حكم العقل لعدم كون المسألة عقليّة كما لا يخفى) فنقول: إذا رجعنا إلى تاريخ تدوين العلوم نجد بساطتها واختصارها في بدو تولّدها كما يظهر من ملاحظة فلسفة افلاطون مثلا فإنّها متشكّلة من مسائل طفيفة في أبواب الالهيّات ومسائل في الطبيعيّات ومسائل اُخرى في الفلكيّات ومباحث في سياسة المدن اندرج جميعها في علم واحد وكتاب واحد، ثمّ بعد توسّعها واحتياجها إلى تجزئة بعضها عن بعض قصد موسّعوها ومدوّنوها في الأدوار اللاّحقة إلى تدوين المسائل التي توجد علاقة خاصّة بينها علماً على حدة وتأليفها بعنوان علم مستقلّ، وكان المعيار في هذه العلاقة:
تارةً: وحدة الموضوع، كعلم معرفة الأرض في الطبيعيّات الذي يكون الموضوع في جميع مسائله شيئاً واحداً وهو الأرض وحالاتها مع أنّ الأغراض المترتّبة على مسائله مختلفة فإنّ له تأثيراً في مقاصد شتّى كما لا يخفى. أو كعلم النجوم الذي يكون الموضوع فيه أمراً واحداً وهو النجوم، ولا يخفى أيضاً أنّ الأغراض فيه متعدّدة تظهر في باب التوحيد والعبادات ونظام المجتمع الإنساني وغيرها، أو كعلم الكيمياء وهو علم تراكيب الأشياء وتجزئتها، وموضوعها هو الأجسام من حيث التجزئة والتركيب، مع أنّ فائدته تظهر في علم الطبّ والصنائع المختلفة.
واُخرى: وحدة المحمول كعلم الفقه لأنّ المحمول في جميع مسائله سواء كانت تكليفيّة أو وضعية هو حكم من الأحكام الشرعيّة وليس المعيار فيه وحدة الموضوع لأنّ الموضوع فيه ليس شيئاً واحداً فإنّ الموضوع لعلم الفقه ليس خصوص أفعال المكلّفين لعدم شمولها للأحكام الوضعيّة، وارجاعها إلى أفعال المكلّفين بالواسطة لا يخلو من التكلّف.
وثالثة: وحدة الغرض خاصّة، كعلم المنطق لأنّ الغرض الحاصل من مسائله هو الحصول على التفكّر الصحيح والصيانة عن الخطأ، ولعلّ من هذا القسم علم الاُصول لوحدة الغرض في جميع قضاياه، وهو تحصيل القدرة على استنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها.
ويمكن أن يكون ملاك الوحدة اثنين من هذه الاُمور الثلاثة أو جميعها كما لا يخفى.
فقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه لا دليل على أنّ لكلّ علم موضوعاً واحداً حتّى نحتاج إلى البحث عن حدوده وخصوصّياته، كما ظهر ضمناً أنّ الملاك في تمايز العلوم ليس أمراً واحداً بل إنّه يختلف باختلاف أنواعها كما سيأتي بيانه في محلّه تفصيلا إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّه لو سلّمنا حاجة كلّ علم إلى موضوع خاصّ فما هو الموضوع وما تعريفه؟
ذكر كثير منهم أنّ موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة كما حكيناه عن
المحقّق الخراساني(رحمه الله)، ولتوضيح العوارض الذاتيّة نقول: إنّ المعروف في محلّه عند القدماء أنّ العوارض على قسمين: ذاتيّة وغير ذاتيّة (غريبة)، لأنّها إمّا أن تعرض للشيء بلا واسطة كالحرارة بالنسبة إلى النار، أو تعرضه بواسطة أمر داخلي وهو على قسمين: أمر داخلي مساو للمعروض كعروض الإدراك على الإنسان بواسطة الناطقية، أو أمر داخلي أعمّ من المعروض كعروض الحركة على الإنسان بواسطة الحيوانيّة، (ولا يخفى أنّ الأمر الداخلي لا يمكن أن يكون مبايناً لمعروضه كما لا يمكن أن يكون أخصّ منه)، أو تعرّضه بواسطة أمر خارجي، وهو على أربعة أقسام: أمر خارجي مباين للمعروض كعروض الحرارة على الماء بواسطة النار، وأمر خارجي مساو للمعروض كعروض الإدراك على الضاحك بواسطة الناطقية، وأمر خارجي أخصّ من المعروض كعروض الإدراك على الحيوان بواسطة الناطقية، وأمر خارجي أعمّ من المعروض كعروض المشي على الناطق بواسطة الحيوانيّة، فصارت الأقسام سبعة.
كما أنّ المعروف أنّ الأوّلين منها من العوارض الذاتيّة وهما العارض بلا واسطة والعارض بأمر داخلي مساو، كما أنّه لا إشكال في كون الخامس والسابع منها (وهما العارض بواسطة الخارجي الأعمّ والعارض بأمر خارجي مباين) من العوارض الغريبة، وأمّا الثلاثة الباقية فقد وقعت معركة للبحث والآراء ومحلّ الكلام منها هو المنطق أو الفلسفة.
أقول: أوّلا: ما الدليل على هذا التقسيم؟ وما هو الملاك فيه؟ وما المعيار في كون العرض ذاتياً أو غير ذاتي. فإن كان هناك مصطلح خاصّ فالأمر فيه سهل ولكن التفاوت الحقيقي بين العلوم لا يدور مداره، وإن كان أمراً وراءه فلابدّ من بيانه.
وثانياً: لا دليل على أنّ مصنّفي العلوم قصدوا من العوارض الذاتيّة المعنى المذكور.
هذا ـ وقد أجاد بعضهم حيث اتّخذ طريقاً آخر وملاكاً جديداً للعرض الذاتي والعرض الغريب، فقال: الذاتي ما يعرض الشيء بلا واسطة في العروض، أي بدون الواسطة مطلقاً أو مع الواسطة في الثبوت (كعروض الحرارة على الماء بواسطة النار).
والمقصود من كون الواسطة واسطة في الثبوت إنّما هو العروض حقيقة فإنّ الماء يصير بواسطة النار حارّاً حقيقة لا مجازاً وعناية، فيكون من قبيل إسناد شيء إلى ما هو له الذي لا يصحّ سلبه عنه(2).
مع أنّه بناءً على تفسير القوم داخل في العرض الغريب لأنّ النار مباينة للماء، والغريب ما يعرض الشيء مع واسطة في العروض، أي بالعناية والمجاز، نحو عروض الحركة على الجالس في السفينة في جملة «زيد متحرّك» حيث إنّ المتحرّك الحقيقي إنّما هو نفس السفينة.
ثمّ قال: المبحوث عنه في العلوم ما يعرض الموضوع إمّا بلا واسطة في العروض أو مع واسطة في الثبوت، أي ما يعرض على الموضوع حقيقة لا عناية ومجازاً.
أقول: دليل كلامه واضح فإنّه من القضايا التي قياساتها معها لوضوح إنّه لا يبحث في العلوم عن العوارض المجازيّة. اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ مسائل العلوم لا تنحصر في العوارض الذاتيّة بهذا المعنى فحسب بل قد تشمل العوارض مع الواسطة في العروض أيضاً، فمثلا في البحث عن السير والتاريخ وحالات الأشخاص ينضمّ إليها البحث عن حالات آبائهم وأبنائهم وأصحابهم مع أنّه يكون من قبيل «زيد قائم أبوه» والمجاز في الإسناد.
كما أنّ قول بعضهم (وهو المحقّق الخراساني(رحمه الله)): «إنّ موضوع كلّ علم ... هو نفس موضوعات مسائله عيناً ... وإن كان يغايرها مفهوماً تغاير الكلّي ومصاديقه والطبيعي وأفراده» ينتقض ببعض العلوم الدارجة كعلمي الجغرافيا والهيئة وما شابههما ممّا تكون النسبة بين موضوعها وموضوعات مسائلها نسبة الكلّ إلى أجزائه ولا إشكال في أنّ عوارض الجزء لا تعدّ من العوارض الذاتيّة للكلّ (بناءً على كلا التفسيرين المذكورين للعارض الذاتي) إلاّ بنحو من التكلّف، ضرورة أنّ عارض الجزء وخاصّته عارض لنفس الجزء لا للكلّ الذي تركّب منه ومن غيره إلاّ على نحو المجاز في الإسناد الذي مرّ ذكره آنفاً.
________________________
1. توضيح ذلك: إنّ لنا نوعين من الإدراك: إدراك حقيقي وإدراك اعتباري، والإدراك الحقيقي هو ما يكون المدرك فيه موجوداً في عالم الخارج مع قطع النظر عن الذهن المدرك له كإدراك السماء والأرض وزيد وعمرو وغيرها من الاُمور الموجودة في عالم الأعيان.
2. وهذا التفسير للواسطة في الثبوت والعروض هو الذي ينبغي أن يكون مصطلحاً في الباب وإن كان يفارق ما اصطلح عليه القدماء في هذا المجال.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|