أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-07-2015
857
التاريخ: 3-07-2015
1034
التاريخ: 8-12-2018
1883
التاريخ: 3-07-2015
1196
|
[ ويمكن تقسيم الموضوع الى مطلبين ] :
الأول ـ الإِثبات مع التكييف والتشبيه :
زعمت المُجَسّمة والمُشَبّهة أنَّ لله سبحانه عينين و يدين مثل الإِنسان. قال الشهرستاني : « أما مُشَبِّهة الحَشَوِيَّة فقد أجازوا على ربّهم الملامسة والمصافحة ، و أَنَّ المسلمين المخلصين يعانقونه سبحانه في الدنيا و الآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حدّ الإِخلاص » (1).
وبما أَنَّ التشبيه و التجسيم باطل بالعقل و النقل فلا نحوم حول هذه النظرية.
الثاني ـ الإِثبات بلا تكييف و لا تشبيه :
إِنَّ الشيخ الأشعري و من تبعه يُجْرُون هذه الصفات على الله سبحانه بالمعنى المتبادر منها في العرف ، لكن لأجل الفرار عن التشبيه يقولون « بلا تشبيه و لا تكييف ».
يقول الأشعري في كتاب (الإِبانة) : « إن لله سبحانه وجهاً بلا كيف ، كما قال : {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ، و إِنَّ له يدين بلا كيف ، كما قال : {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] » (2).
وليست هذه النظرية مختصة بالأشعري ، فقد نقل عن أبي حنيفة أنَّه قال : « و ما ذكر الله تعالى في القرآن من الوجه واليد و النفس فهو له صفات بلا كيف ».
وقد نقل عن الشافعي أنَّه قال : « و نثبت هذه الصفات و ننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ».
وقال ابن كثير : « نحن نسلك مسلك السلف الصالح و هو إمرارها كما جاءت من غير تكييف و لا تشبيه » (3).
وحاصل هذه النظرية أَنَّ له سبحانه هذه الحقائق لكن لا كالموجودة في البشر. فله يدٌ وعينٌ ، لا كأيدينا و أعيننا و بذلك توفقوا ـ على حسب زعمهم ـ في الجمع بين ظواهر النّصوص و مقتضى التنزيه.
تحليل هذه النظرية :
لا شك أَنَّه يجب على كل مؤمن الإِيمان بما وصف الله به نفسه ، و ليس أحَدٌ أعْرَفَ به منه ، يقول سبحانه : {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140]. كما أنَّه ليس لأحد أَنْ يصرف كلامه سبحانه في أَيّ مورد من الموارد عما يتبادر من ظاهره من دون قرينة قطعية تستوجب ذلك. فإِنَّ قول المؤوِّلة ـ الذين يُؤوّلون ظواهر الكتاب و السنة بحجة أنَّ ظواهرها لا توافق العقل ـ مردود ، إذ لا يوجد في الكتاب و السنة الصحيحة ما يخالف العقل ، و إن ما يتصورونه ظاهراً و يجعلونه مخالفاً للعقل ليس ظاهر الكتاب المتبادر منه ، و إنما يتخيلونه ظاهراً كما سيبين.
ثم إِنَّ ما جاء به الأشاعرة في هذه النظرية و قولهم بأنَّ لله يداً حقيقة بلا كيف ـ مثلا ـ لا يرجع إلى معنى صحيح. و ذلك أنَّ العقيدة الإِسلامية تتسم بالدقة والحصافة ، و في الوقت نفسه بالسلامة من التعقيد و الإِبهام ، و تبدو جلية مطابقة للفطرة و العقل السليم. و على ذلك فإبرازها بصورة التشبيه و التجسيم المأثور من اليهودية و النصرانية ، كما في النظرية الأولى ، أو بصورة الإِبهام و الألغاز كما في هذه ، لا يجتمع مع موقف الإِسلام و القرآن في عرض العقائد على المجتمع الإِسلامي. فالقول بأنَّ لله يداً لا كأيدينا ، أو وجهاً لا كوجوهنا ، و هكذا سائر الصفات الخبرية أشبه بالألغاز. و ما يلهجون به ويكررونه من أنَّ هذه الصفات تجري على الله سبحانه بنفس معانيها الحقيقية ولكن الكيفية مجهولة ، أشبه بالمهزلة. إذ لو كان إمرارها على الله تعالى بنفس معانيها الحقيقية ، لوجب أنْ تكون الكيفية محفوظة حتى يكون الاستعمال حقيقياً ، لأنَّ الواضع إنما وضع هذه الألفاظ على تلك المعاني التي قوامها بنفس كيفيتها. فاستعمالها في المعاني الحقيقية و إثبات معانيها على الله سبحانه بلا كيفية ، أشبه بكون حيوان أسداً حقيقة ولكن بلا ذنب ولا مخلب و لا ناب ولا ولا ... .
وباختصار ، قولهم إِنَّ لله يداً حقيقة لكن لا كالأيدي ، كلام يناقض ذيله صدره. فاليد الحقيقية عبارة عن العضو الذي له تلك الكيفية المعلومة ، و حذف الكيفية حذف لحقيقتها و لا يجتمعان.
أضف إلى ذلك أنَّه ليس في النصوص من الكتاب و السنَّة من هذه « البلكفة » (أي بلا كيف) عينٌ ولا أثر ، و إنما هو شيء اخترعته الأفكار للتدرع به في مقام رد الخصم عن تهجمه عليهم بتهمة التجسيم و لذلك يقول العلامة الزمخشري :
وَقَدْ شَبّهوهُ بِخَلْقِهِ وَ تَخَوَّفُوا ... شَنْعَ الوَرَى فَتَسَتَّروا بالبَلْكَفَة
ليت شعري ، لو كَفَتْ هذه اللفظة في دفع التجسيم و التشبيه ، فليكف في مجالات أُخر بأنْ يُقال في حقه سبحانه إِنَّ له جسماً لا كسائر الأجسام ، و إِنَّ له دماً لا كسائر الدماء ولحماً لا كسائر اللحوم. حتى إِنَّ بعض المتجرئين من المشبَهة قال : « إنَّما استحييت ، عن إثبات الفرج و اللحية ، واعفوني عنهما واسألوا عمّا وراء ذلك » (4).
وبذلك تبين أنَّ عقيدة الأشعري في باب الصفات الخبرية لا تخرج ، عن إطار أحد الأمرين التاليين :
1 ـ التجسيم والتشبيه ـ لو أجريت هذه الصفات على الله سبحانه بمعانيها المعهودة في الأذهان و مع حفظ حقيقتها.
2 ـ التعقيد والغموض ـ لو أجريت على الله سبحانه بمعانيها المتبادرة من دون تفسير و توضيح. فالقوم بين مُشَبّه و مُعَقّد ، بين مجسم و مُلَقْلِق باللسان.
وفي الختام نقول إِنَّ نظرية « الإِثبات بلا تكييف » و إنْ كانت رائجة في عصر الأشعري و قبله و بعده ، ولكنها هُجرت بعد ذلك إلى أنْ جاء ابن تيميَّة الحرّاني فجددها و أثارها و أسماها مذهب السلف ، و جعل مذهبهم بين التعطيل و التشبيه. قال في جملة كلام له : « فلا يمثلون صفات الله تعالى بصفات خلقه و لا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله فيعطلوا أسماءه الحسنى و صفاته العليا ـ إلى أنْ قال : و لم يقل أحد من سلف الأمة و لا من الصحابة و التابعين إنَّ الله ليس في السماء ، ولا إنَّه ليس على العرش ، ولا إنَّه في كل مكان ، ولا أَنَّ جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ، و لا إنَّه داخل العالم و لا خارجه ، ولا متصل و لا منفصل ، و لا إنَّه لا تجوز الإِشارة الحسيّة إليه بالأصابع و نحوها » (5).
وعلى ذلك قال أبو زهرة : « يقرر ابن تيمية أنَّ مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية و تحتية ، و استواء على العرش ، و وجه ، و يد ، و محبة و بغض ، و ما جاء في السنة من ذلك أيضاً من غير تأويل ، و بالظاهر الحرفي. فهل هذا هو مذهب السلف حقاً؟ و نقول في الإِجابة عن ذلك : لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بيّناه ، و ادّعوا أَنَّ ذلك مذهب السلف ، و ناقشهم العلماء في ذلك الوقت و أَثبتوا أَنَّه يؤدي إلى التشبيه و الجسمية لا محالة ، فكيف لا يؤدي إليهما والإِشارة الحسية إليه جائزة.
ولذا تصدّى لهم الإِمام الفقيه الحنبلي الخطيب إبن الجوزي ، و نفى أن يكون ذلك مذهب السلف » (6).
إِنَّ لابن الجوزي كلاماً مبسوطاً في نقد هذه النظرية و قد هاجم أحد الحنابلة المروجين لها أعني القاضي أَبا يَعْلَى الفقيه الحنبلي المشهور المتوفي سنة 457 هـ ، حيث قال : « لقد شَأَنَ أبو يَعْلَى الحنابلة شيئاً لا يغسله ماء البحار ». و لأجل ذلك استتر هذا المذهب حتى أعلنه ابن تيميَّة بجرأة خاصة له.
ثم إنَّ أبا زهرة المعاصر انتقل إلى ما ذكرناه في نقد تلك النظرية و قال :
« ولنا أن ننظر نظرة أخرى و هي من الناحية اللغوية. لقد قال سبحانه : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]. و قال : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]. أهذه العبارات يفهم منها تلك المعاني الحسية؟ أم أنها تفهم منها أمور أخرى تليق بذات الله تعالى؟ فيصح أَن تفسر اليد بالقوة (كناية أو استعارة عنها) و يصح أن يفسر الوجه ، بالذات.
ويصح أن يفسّر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب حسابه ، و قربه سبحانه و تعالى من العباد. و إن اللغة تتسع لهذه التفسيرات ، و الألفاظ تقبل هذه المعاني. و هو أولى بلا شك من تفسيرها بمعانيها الظاهرة الحرفية ، والجهل بكيفياتها. كقولهم : « إنّ لله يداً ولكن لا نعرفها »، « ولله نزولا لكن ليس كنزولنا » الخ ... فإن هذه إحالات على مجهولات ، لا نفهم مؤداها ، ولا غاياتها. بينما لو فسّرناها بمعان تقبلها اللغة و ليست غريبة عنها لوصلنا إلى أمور قريبة فيها تنزيه و ليس فيها تجهيل » (7).
ثم إنَّ للغزالي كلاماً متيناً في نقد هذه النظرية نأتي بخلاصته. يقول :
« إِنَّ هذه الألفاظ التي تجري في العبارات القرآنية و الأحاديث النبوية لها معان ظاهرة ، و هي الحسّية التي نراها. و هي محالة على الله تعالى و معان أخرى مجازية مشهورة يعرفها العربي من غير تأويل و لا محاولة تفسير.
فإذا سمع اليد في قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ـ « إِنَّ الله خمَّر آدم بيده » و « إِنَّ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن » ، فينبغي أنْ يعلم أَنَّ هذه الأَلفاظ تطلق على معنيين : أحدهما ـ و هو الوضع الأصلي ـ و هو عضو مركب من لحم وعظم وعصب. و قد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى آخر ليس هذا المعنى بجسم أصلا ، كما يقال : « البلدة في يد الأمير » ، فإِنَّ ذلك مفهوم وإِنْ كان الأَمير مقطوع اليد. فعلى العامي و غير العامي أنْ يتحقق قطعاً و يقيناً أَنَّ الرسول لم يرد بذلك جسماً و أَنَّ ذلك في حق الله محال. فإنْ خطر بباله أَنَّ الله جسم مركب من أعضاء ، فهو عابِدُ صَنَم. فإِنَّ كل جسم مخلوق ، و عبادة المخلوق كُفْر ، وعبادة الصنم كانت كفراً ، لأَنه مخلوق » (8).
ولقد أحسن الغزالي حيث جعل تفسير اليد في مثل قوله سبحانه : { يَدُ اللهَ فَوْقَ أيْديِهم } بالقدرة، معنى للآية من غير تأويل ، و توضيحاً لها من دون محاولة تفسيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الملل و النحل ، ج 1 ، ص 105. لاحظ بقية كلامه في هذا المجال فإنه يوقفك على مبلغ وعي المشبهة!.
2 ـ الإِبانة ، ص 18.
3 ـ لا حظ فيما نقلناه عن أبي حنيفة و الشافعي و ابن كثير « علاقة الإِثبات و التفويض » ، ص 46 ـ 49.
4. الملل و النحل ج 1 ، ص 105.
5 ـ المجموعة الكبرى في مجموعة الرسائل الكبرى ، ص 489.
6 ـ تاريخ المذاهب الإِسلامية ، ج 1 ، ص 218.
7 ـ المصدر نفسه ، ص 219 ـ 220.
8 ـ الجاء العوام.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|