أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
2425
التاريخ: 8-8-2016
1926
التاريخ: 1-9-2016
1771
التاريخ: 26-8-2016
1350
|
إنّ للحصر أدوات:
منها: كلمة «إلاّ» الاستثنائيّة (إذا وردت بعد النفي) فقام الإجماع ووقع الاتّفاق فيها (غير ما نسب إلى أبي حنيفة) على انتفاء الحكم الثابت للمستثنى منه عن المستثنى، والدليل عليه هو التبادر، ففي قولك «ما جاء القوم إلاّ زيداً» لا إشكال في أنّ المتبادر منه إخراج زيد عن حكم المجيء الثابت للقوم، وهذا جار في كلّ ما يعادل كلمة «إلاّ» في سائر اللغات.
ونسب الخلاف إلى أبي حنيفة، وحكي إنّه احتجّ لمذهبه بقوله (صلى الله عليه وآله)، «لا صلاة إلاّ بطهور» وقوله (صلى الله عليه وآله)، «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» إذ لو كان الاستثناء من النفي إثباتاً لزم كفاية الطهور أو الفاتحة في صدق الصّلاة، وإن كانت فاقدة لباقي الشرائط والأجزاء، وهو كما ترى.
واُجيب عنه: بوجوه أحسنها أنّه غفل عن كلمة «الباء» في المثالين، حيث إنّها فيهما بمعنى «مع» ومفادهما حينئذ: إنّ من شرائط صحّة الصّلاة فاتحة الكتاب والطهور، نعم لو قيل: «لا صلاة إلاّ فاتحة الكتاب» أو «لا صلاة إلاّ الطهور» من دون الباء كان لكلامه وجه.
سلّمنا، ولكن الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز، ومجرّد الاستعمال لا يكون دليلا على الحقيقة أو المجاز، بل الميزان في تشخيص أحدهما عن الآخر هو التبادر ونحوه من الإطّراد وغيره، ولا إشكال في أنّ التبادر في ما نحن فيه يقضي على دلالة كلمة «إلاّ» على الاستثناء.
وللمحقّق النائيني(رحمه الله) هنا تفصيل مرّ منه في بعض الأبحاث السابقة أيضاً، فإنّ المعيار الكلّي عنده في باب المفاهيم رجوع القيد إلى الحكم أو إلى الموضوع.
وبعبارة اُخرى: رجوع القيد إلى الجملة أو إلى المفرد، فإن رجع إلى الجملة فله المفهوم، وإن رجع إلى المفرد فليس له المفهوم، وهنا صرّح بأنّ كلمة «إلاّ» كلّما رجع إلى المفهوم الإفرادي فهي وصفية لا تدلّ على المفهوم، وكلّما رجعت إلى المفهوم التركيبي فهي استثنائيّة تدلّ على المفهوم، ثمّ ذكر فروعاً نقلا عن المحقّق(رحمه الله) في الشرائع والعلاّمة(رحمه الله) في القواعد، وفرّعها على هذا البحث، منها: «ما لو قال المقرّ: عليّ لزيد عشرة إلاّ درهماً» فإنّه يثبت حينئذ في ذمّته تسعة دراهم لأنّ كلمة «إلاّ» في هذا الكلام لا تكون إلاّ استثنائيّة إذ لو كانت وصفيّة لوجب أن يتّبع ما بعدها ما قبلها في الاعراب، وبما أنّ ما بعدها في المثال منصوب مع كون ما قبلها مرفوعاً لا تكون هي وصفية فانحصر الأمر في كونها استثنائيّة، خلافاً لما إذا قال: «عليّ لزيد عشرة إلاّ درهم» بالرفع فإنّه يثبت في ذمّته تمام العشرة لتمحّض كلمة «إلاّ» حينئذ في الوصفيّة ولا يصحّ كونها استثنائيّة وإلاّ لزم أن يكون ما بعدها منصوباً على الاستثناء، لأنّ الكلام موجب، فتمام العشرة المتّصفة بأنّها غير درهم واحد تثبت في ذمّة المقرّ»(1).
أقول: هنا نكات ينبغي الإلتفات إليها:
الاُولى: أنّه ليست كلمة «إلاّ» الاستثنائيّة منحصرة فيما ترجع إلى الجملة والمفهوم التركيبي بل ربّما ترجع إلى المفرد أيضاً كما في قوله تعالى: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَة إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً) فلا إشكال في رجوع «إلاّ خمسين عاماً» إلى كلمة «الف سنة» لا إلى «لبث» وكذلك في كلّ مورد يكون الغرض فيه بيان مقدار العدد وتفخيمه وتعظيمه.
الثانية: أنّ كلامه في باب الإقرار إنّما يتمّ فيما إذا كان المتكلّم المقرّ أمثال سيبويه والكسائي العارف بقواعد اللغة العربيّة الفصحى، وأمّا إذا كان المتكلّم من عامّة الناس فلا بدّ من حمل كلمة «إلاّ» على كونها استثنائيّة لأنّهم ليسوا مقيّدين بأن يستعملوا الألفاظ صحيحاً، مضافاً إلى أنّ كون كلمة إلاّ استثنائيّة هو مقتضى الأصل الأوّلي، فحملها على الوصفية يحتاج إلى القرينة.
بقي هنا أمران
الأمر الأوّل: إنّ ما مرّ حول كلمة إلاّ الاستثنائيّة من دلالتها على المفهوم هل هو من باب المفهوم أو المنطوق؟
فيه أقوال:
أحدها: إنّه من المفهوم.
ثانيها: إنّه من المنطوق.
ثالثها: التفصيل بين ما إذا قلنا بأنّ كلمة إلاّ بمعنى «استثنى» فيكون داخلا في المنطوق، وبين ما إذا قلنا بأنّها حرف من الحروف الربطيّة التي ليس لها معنى مستقلّ، فيكون مدلولها من قبيل المداليل الالتزاميّة، ويكون داخلا في المفهوم.
أقول: إنّ مدلول كلمة إلاّ الاستثنائيّة على أي حال ـ سواء كانت بمعنى الفعل أو كانت من الحروف ـ يكون من المنطوق، أمّا إذا كانت بمعنى الفعل فواضح، وأمّا إذا كانت حرفاً من الحروف فلأنّها حينئذ تكون من الحروف الإيجاديّة يوجد بها معنى الاستثناء كحروف النداء وحروف التمنّي والترجّي التي يوجد بها مفهوم النداء والتمنّي والترجّي، وتصير حينئذ بمنزلة كلمة «استثنى» ويصير مدلولها من قبيل المنطوق كما لا يخفى.
الأمر الثاني: قد يستدلّ لدلالة كلمة إلاّ الاستثنائيّة على الحصر بقبول رسول الله (صلى الله عليه وآله)إسلام من يشهد بأن «لا إله إلاّ الله» حيث إنّه لولا دلالته على حصر الاُلوهيّة لله تعالى لما كان مفيداً لذلك.
واستشكل على ذلك بأنّ الاستعمال ليس دليلا على الحقيقة ولا على المجاز، ودلالة كلمة التوحيد على الحصر المزبور لعلّها من باب قيام قرينة حاليّة أو مقاميّة عليه لا من باب وضع كلمة إلاّ للحصر.
أقول: الإنصاف أنّه خلاف الوجدان، فإنّه شاهد على أنّ الحصر في هذه الجملة مفهوم من نفس كلمة إلاّ ومن حاقّها لا من القرينة فيكون الاستدلال بكلمة التوحيد على الحصر من قبيل الاستدلال بالتبادر كما لا يخفى.
نعم هيهنا إشكال آخر، وهو المهمّ في المقام، وحاصله: إنّه لابدّ لكلمة «لا» في تلك الجملة من خبر مقدّر، وهو امّا لفظ «موجود» أو «ممكن»، وعلى كلّ واحد منهما لا تدلّ الجملة على التوحيد الكامل، لأنّها تدلّ على التقدير الأوّل على مجرّد حصر الإله في الباري تعالى، ولا تدلّ على نفي إمكان الغير، وعلى التقدير الثاني وإن كانت دالّة على نفي إمكان الشريك له تعالى حينئذ ولكنّها لا تدلّ على وجوده تعالى في الخارج.
وقد وقع الإعلام في حلّ هذا الإشكال في حيص وبيص وأجابوا عنه بوجوه:
الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراساني (رحمه الله) وحاصله: إنّ المقدّر لخبر «لا» هو لفظ «موجود» أي لا إله موجود إلاّ الله، ولكن المراد من الإله هو واجب الوجود، وحينئذ نفي وجود غيره في الخارج وإثبات فرد من الواجب في الخارج ممّا يدلّ على إمتناع غيره، إذ لو لم يكن الغير ممتنعاً لوجد في الخارج، لأنّ المفروض إنّه واجب لا ممكن.
الوجه الثاني: ما أفاده المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) وحاصله: سواء كان المقدّر لفظ «موجود» أو لفظ «ممكن» كان وجود الغير وإمكانه معاً منتفيان، إمّا بناءً على الأوّل فبنفس ما ذكره المحقّق الخراساني (رحمه الله)، وأمّا بناءً على الثاني فلأنّه يكون المراد من الإله في هذا الحال أيضاً هو واجب الوجود، أي لا واجب ممكن إلاّ الله، فينفي إمكان الغير بالمدلول المطابقي ووجود الغير بالمدلول الالتزامي (على عكس الصورة الاُولى) لأنّ ما ليس بممكن لا يكون موجوداً بالملازمة كما لا يخفى، كما أنّه يثبت إمكان وجود الباري تعالى بالمطابقة ووجوده في الخارج بالملازمة لأنّه إذا كان واجب الوجود ممكناً كان موجوداً لا محالة لوجوبه(2).
الوجه الثالث: ما أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله) فإنّه قال: «يمكن أن يقال: إنّ كلمة لا الواقعة في كلمة التوحيد مستغنية عن الخبر كما هو الحال في كلمة لولا الامتناعيّة وفي كلمة ليس التامّة، وأمّا ما ذكره النحويون من كون الخبر محذوفاً في هذه الموارد فلا يبعد أن يكون مرادهم به عدم الحاجة إلى الخبر فيها لا أنّه محذوف حقيقة، فكلمة «لا» تدلّ على عدم تقرّر مدخولها في الوعاء المناسب له، ففي الرّواية المعروفة (لولا علي لهلك عمر) يكون المراد ترتّب الهلاك على عدم تقرّر علي (عليه السلام) في الخارج، لأنّ هذا هو الوعاء المناسب لتقرّره (عليه السلام)، وإمّا في كلمة التوحيد فالمراد من التقرّر المنفي هو التقرّر مطلقاً ولو في مرحلة الإمكان، فتدلّ الكلمة المباركة على نفي الوجود والإمكان عن غير الله وإثبات كليهما له تبارك وتعالى»(3).
أقول: الإنصاف أنّ ما أفاده العلمان الأوّلان (المحقّق الخراساني والمحقّق الإصفهاني(رحمهما الله)) كلاهما لا يكفيان لدفع الإشكال لأنّهما مبنيان على دقّة عقليّة فلسفيّة لا يفهمها إلاّ الفيلسوف، مع أنّ المفروض أنّ هذه الكلمة من أي شخص صدرت تدلّ على إسلامه، وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله) فإنّه أيضاً غير تامّ لجهة اُخرى وهي أنّه لم يثبت استعمال كلمة «لا» تامّة نظير ليس التامّة في كلمات العرب، إذن لابدّ من دفع الإشكال بطرق اُخر فنقول: هيهنا وجوه ثلاثة يمكن دفع الإشكال بها:
الأوّل: إنّ كلمة التوحيد ليست ناظرة إلى توحيد الذات وإثبات أصل وجود واجب الوجود، بل إنّها سيقت للتوحيد الأفعالي ولنفي ما يعتقده عبدة الأوثان، ويشهد لذلك أنّ المنكرين الموجودين في صدر الإسلام لم يكونوا مشركين في ذات الواجب تعالى بل كانوا معتقدين بوحدة ذاته وخاطئين في توحيد عبادته فكانوا يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله زلفى (بزعمهم)، فكلمة الإخلاص حينئذ وردت لردّهم ولنفي استحقاق العبوديّة عن غيره تعالى فيكون معناها: «لا مستحقّ للعبوديّة إلاّ الله».
الثاني: إنّه لا إشكال في إمكان تقدير كلمة «موجود» و «ممكن» معاً، فكما يجوز إتيان الخبر في الظاهر متعدّداً، كذلك يجوز تقديره متعدّداً فيما إذا قامت القرينة عليه، والمقام كذلك.
الثالث: إنّ المعتبر في الشهادة على التوحيد عند الفقهاء هو نفي وجود الغير فقط وأمّا الإمكان فهو من المفاهيم التي لا يمكن تصوّرها لعامّة الناس، مع أنّ كلّ فقيه يفتي بإسلام كلّ من أقرّ بالتوحيد بهذه الكلمة، فلا يجب في دلالتها على التوحيد دلالتها على امتناع غيره تعالى، بل يكفي فيها دلالتها على عدم وجود إله غيره سبحانه، فيمكن أن يكون المقدّر حينئذ خصوص كلمة «موجود» لا كلمة «ممكن» فتأمّل.
هذا تمام الكلام في مفهوم كلمة «إلاّ».
ومن أداة الحصر كلمة «إنّما»:
وهي تدلّ على المفهوم عند كثير من الاُصوليين، واستدلّ له بوجهين:
الأوّل: إجماع النحات وتنصيص أهل اللغة به.
الثاني: التبادر.
واستشكل في التبادر بأنّه لا سبيل لنا إليه لأنّا لا نعرف المرادف لها في عرفنا حتّى نستكشف منه ما هو المتبادر منها بخلاف ما هو بأيدينا من الألفاظ المترادفة لبعض الكلمات العربيّة كما في أداة الشرط مثلا نظير كلمة «إنّ» حيث يوجد لها في اللغة الفارسيّة ما يرادفها وهو لفظة «اگر».
ولكن يرد عليه:
أوّلا: أنّ ملاك التبادر ليس هو انسباق المعنى إلى أذهاننا فحسب، بل انسباق المعنى إلى أذهان أهل اللسان أيضاً حيث يعتبر سبيلاً إلى العلم بالوضع، وهو موجود في المقام.
وثانياً: أنّ العرب مثلا ليسوا منحصرين بمن تولّد على ذلك اللسان وعاش عليه، بل يعمّ أيضاً كلّ عجمي يمارس اللغة العربيّة، وقد ألّف كثير من الأعاجم الكتب النافعة في العلوم العربيّة من اللغة وغيرها.
ثمّ إنّ الفخر الرازي أنكر دلالة كلمة «إنّما» على الحصر، وقد صرّح بذلك في ذيل قوله تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] وقال: «قالت الشيعة: هذه الآية دالّة على أنّ الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو علي بن أبي طالب، وتقريره أن نقول: هذه الآية دالّة على أنّ المراد بهذه الآية إمام (لأنّ الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر فوجب أن يكون بمعنى المتصرّف لأنّ الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامّة لكلّ المؤمنين بدليل إنّه تعالى ذكر بكلمة «إنّما»، وكلمة «إنّما» للحصر، والولاية بمعنى النصرة عامّة)، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن أبي طالب (لأنّ كلّ من أثبت بهذه الآية إمامة شخص قال: إنّ ذلك الشخص هو علي، مضافاً إلى أنّ الرّوايات تظاهرت على أنّ هذه الآية نزلت في حقّ علي) ... ـ إلى أن قال ـ «لا نسلّم أنّ الولاية المذكورة في الآية غير عامّة ولا نسلّم أنّ كلمة إنّما للحصر، والدليل عليه قوله { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ } [يونس: 24] ولا شكّ أنّ اللعب واللهو قد يحصل في غيرها»(4).
والجواب عنه:
أوّلا: أنّ مجرّد الاستعمال ليس دليلا على الحقيقة ولا على المجاز كما مرّ كراراً.
ثانياً: أنّ الحصر في الآية إضافي، والمقصود منه زوال الدنيا وعدم ثباتها، أي أنّ الحياة الدنيا بالإضافة إلى أمر الثبات وعدم الثبات منحصرة في عدم الثبات، فمثلها في هذه الجهة مثل: (كَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاْرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالاْنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الاْرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالاْمْسِ)( يونس: الآية24).
هذا ـ مضافاً إلى أنّ كلامه ينتقض بما ورد في الحياة الدنيا في آيات الكتاب بكلمة «إلاّ» نظير قوله تعالى (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ)( الأنعام: الآية32.) وقوله سبحانه: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ)( العنكبوت: الآية64) حيث لا شبهة في إفادة كلمة «إلاّ» الحصر ولا ينكرها أحد فيما نعلم إلاّ أبو حنيفة.
بقي هنا شيء وهو أنّ دلالة كلمة «إنّما» على الحصر أيضاً ليست بالمفهوم بل هي بالمنطوق حيث إنّها بمنزلة كلمة «فقط» أو كلمة «منحصراً» فكما إنّه لا إشكال في أنّ دلالتهما على الحصر يكون من باب المنطوق كذلك ما تقوم مقامهما.
ومن أداة الحصر كلمة «بل»:
وقد ذكر لها ثلاثة معان:
أحدها: الإضراب عن الخطأ، أي الدلالة على أنّ المضروب عنه وقع عن غفلة أو غلطاً، نحو «جاءني زيد بل عمرو»، ولا دلالة لها حينئذ على الحصر، وهو واضح.
ثانيها: الإضراب عن الفرد الضعيف إلى الفرد القوي أو للدلالة على تأكيد المضروب عنه وتقريره، كقولك: «أنت لا تقدر على ذلك بل ولا أبوك» وقولك: «زيد لا يقدر على الجواب عن هذا بل ولا أعلم منه» وهذا أيضاً كالسابق.
ثالثها: الدلالة على الردع وإبطال ما ثبت أوّلا كما في قوله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] وقوله سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] فقال بعض بدلالة هذا القسم على الحصر بل المحقّق الخراساني (رحمه الله) ادّعى وضوح دلالته عليه.
لكن الإنصاف أنّها لا تدلّ عليه أيضاً بنفسها بل دلالتها عليه إنّما تكون بمساعدة قرينة المقام.
هذا ـ مضافاً إلى أنّ الحصر المستفاد منها في هذه الموارد إضافي غالباً.
ومنها تعريف المسند إليه باللام:
نظير قولك: «الضارب زيد» أو «الضارب عمرو»، والحصر فيه إمّا يستفاد من مجرّد حمل الخبر على المبتدأ أو من اللام، أمّا اللام فلا إشكال في أنّها لم توضع للحصر بل تدلّ عليه فيما إذا كانت للاستغراق، وبما أنّها تارةً تكون للجنس، واُخرى للعهد، وثالثة للاستغراق فلا تدلّ على الحصر إلاّ إذا قامت قرينة على أنّها للاستغراق، فيستفاد منه حينئذ حصر جميع الافراد في المحمول.
وأمّا الحمل فيدلّ على الحصر فيما إذا كان ذاتياً (وملاك الحمل الذاتي هو الوحدة في المفهوم) فيدلّ حينئذ على أنّ الموضوع منحصر في المحمول ولا يكون أخصّ وأضيق منه، وأمّا إذا كان الحمل شائعاً صناعياً فلا يدلّ عليه، لأنّ ملاك الحمل الشائع هو مجرّد الاتّحاد الخارجي ولو كان الموضوع أخصّ وأضيق من المحمول، ولا إشكال في أنّ مجرّد حمل شيء على جنس أو ماهيّة بالحمل الشائع لا يقتضي حصر ذلك الجنس به، وذلك لجواز إرادة قسم خاصّ أو فرد خاصّ منه، وحيث إنّ الحمل تارةً يكون ذاتياً واُخرى صناعياً (بل الغالب كذلك) فلا يدلّ على الحصر إلاّ إذا قامت قرينة على أنّه ذاتي.
فظهر ممّا ذكر أنّ مجرّد تعريف المسند إليه باللام لا يدلّ على الحصر، بل إنّما يدلّ عليه فيما إذا قامت القرينة إمّا على كون اللام للاستغراق أو على كون الحمل ذاتياً ونتيجته عدم ثبوت المفهوم في هذا القسم من الأداة.
__________________________
1. أجود التقريرات: ج1، ص438.
2. راجع نهاية الدراية: ج1، ص332، من الطبع القديم.
3. أجود التقريرات: ج1، ص440.
4. التفسير الكبير: ج12، ص26 ـ 30، طبع دار الكتب العلمية طهران ـ الطبعة الثانية.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|