أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-7-2020
2551
التاريخ: 29-8-2016
1508
التاريخ: 29-8-2016
2261
التاريخ: 8-8-2016
3692
|
ذكر الأعلام للمسألة ثمرتين:
الثمرة الاُولى: إنّه لا يمكن للصحيحي التمسّك بالإطلاق في صورة الشكّ في جزئيّة شيء، لأنّ المسمّى بناءً على مسلكه بسيط تحتمل دخالة الجزء المشكوك فيه، فلا يحرز صدق المسمّى على المأتي به من دون إتيان ذلك الجزء، خلافاً للأعمى لأنّ الصّلاة مثلا تصدق على مسلكه وإن لم يأت ببعض الأجزاء والشرائط.
ولكن أورد عليه أمران:
الأمر الأوّل: إنّها مجرّد فرض فحسب لا مصداق له في الفقه، لعدم وجود لفظ مطلق في باب العبادات يكون في مقام البيان ويمكن التمسّك به عند الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة، وأمّا مثل «أقيموا الصّلاة» و «آتوا الزّكاة» فهو في مقام بيان أصل وجوب الصّلاة والزّكاة في الشريعة المقدّسة لا في مقام بيان حدودهما وأحكامهما.
واُجيب عنه بجوابين:
أحدهما: أنّه من البعيد جدّاً عدم وجود مطلق في باب العبادات كما أفاده في تهذيب الاُصول حيث قال: «كيف ينكر الفقيه المتتبّع في الأبواب وجود الإطلاق فيها».
ثانيهما: أنّه يكفي في المسألة الاُصوليّة وجود الثمرة الفرضيّة، فإنّها عبارة عن ما تكون ممهّدة لاستنباط الأحكام، فإنّ الملاك فيها صرف التمهيد للاستنباط وإن لم يصل إلى حدّ العمل.
أقول: أوّلا: لنا أن نطالبهم بالمثال لما ادّعوه من وجود إطلاقات في مقام البيان، فلقائل أن يقول: إنّه لو كان في باب العبادات إطلاق، لتمسّك به الفقهاء في محلّه كما تمسّكوا بمطلقات نظير «اُوفوا بالعقود» و «أحلّ الله البيع» في باب المعاملات.
وثانياً: أنّه لا يكفي مجرّد فرض الثمرة في المسألة الاُصوليّة مع عدم وجود مصداق له في الفقه للزومه اللغويّة حينئذ كما لا يخفى.
إن قلت: كيف لا يلتفت في المقام إلى الإطلاقات الواردة في أبواب المعاملات مع أنّها أيضاً داخلة في محلّ النزاع.
قلنا: لخصوصيّة فيها توجب إمكان التمسّك بها للصحيحي أيضاً، وهي أنّ الإطلاقات الواردة في باب المعاملات منصرفة إلى الصحيح عند العرف لا الصحيح عند الشرع لعدم
تأسيس فيها للشارع المقدّس، وحينئذ إذا شكّ الصحيحي في اعتبار قيد عند الشارع زائداً على القيود المعتبرة عند العرف والعقلاء يمكن له أن يتمسّك لدفعه بإطلاق «اُوفوا بالعقود» مثلا.
نعم ربّما يتمسّك لإثبات وجود الإطلاق في أبواب العبادات برواية حمّاد المعروفة الواردة في أبواب أفعال الصّلاة(1) حيث إنّ الإمام فيها يكون في مقام بيان تمام ما له دخل في ماهيّة الصّلاة كما لا يخفى على المتأمّل فيها.
ولكن الإنصاف أنّها لا ربط لها بالمقام أصلا، وتوضيحه: أنّ الإطلاق على نحوين: لفظي ومقامي، والإطلاق اللّفظي هو ما يكون الحكم فيه معتمداً على لفظ وكان ذاك اللفظ في معرض التقييد من بعض الجهات كما في قولنا «اعتق رقبة» بالنسبة إلى احتمال تقييده بقيد الأيمان ثمّ يتمسّك بالإطلاق لنفي هذا القيد.
أمّا الإطلاق المقامي فهو ما ليس الحكم فيه معتمداً على لفظ في معرض التقييد بل الإطلاق مستفاد من كون المتكلّم في مقام بيان قيود شيء أو أجزائه وشرائطه من طريق العمل، فإذا علم منه ذلك ولم يصرّح ببعض القيود أو الأجزاء أو الشرائط يعلم عدم اعتباره، كما إذا علمنا أنّه بصدد بيان أجزاء الصّلاة وشرائطها، وعدّ الحمد والركوع والسجود ولم يذكر السورة، أو أتى بها في مقام العمل ولم يأت بالسورة فيعلم منه عدم كونه جزءً.
هذا ـ وبينهما فرق آخر وهو أنّ كون المتكلّم في مقام البيان في الإطلاق المقامي يعلم بالقرائن بينما هو في الإطلاق اللّفظي يحرز بأصل عقلائي يدلّ على أنّ كلّ متكلّم في مقام البيان إلاّ أن يثبت خلافه.
إذا عرفت هذا فنقول: إنّ محلّ النزاع في ما نحن فيه هو القسم الأوّل (الإطلاق اللّفظي) فإنّ البحث عن الصحيح والأعمّ بحث لغوي لفظي وأمّا الإطلاق المقامي فلا فرق فيه بين الصحيحي والأعمّي في إمكان التمسّك به لأنّ الصحيحي أيضاً يتمسّك به (على فرض وجوده)، ولا إشكال في أنّ الإطلاق الموجود في حديث حمّاد إنّما هو الإطلاق المقامي لا اللّفظي.
هذا كلّه في الإشكال الأوّل على الثمرة الاُولى.
الأمر الثاني: أنّه لا يمكن للأعمّي أيضاً التمسّك بالإطلاق، لأنّ الأوامر الشرعيّة بنفسها قرينة على كون المأمور به، والمتعلّق فيها هو العبادة الصحيحة لأنّها هي المطلوب للشارع، وعليه لا إطلاق لها حتّى يمكن التمسّك به، فلا يمكن للأعمى أن يقول في مقام الشكّ: «إنّ الشارع أمرني بالصّلاة، والمأتي به من دون الجزء المشكوك صلاة» لأنّ الشارع لم يأمره بمطلق الصّلاة بل أمره بالصّلاة الصحيحة.
ويمكن الجواب عنه: إنّ الصحّة قيد ينتزع بعد انطباق المأمور به على المأتي به فيكون في الرتبة المتأخّرة عن الأمر، لأنّ الصحّة عند الأعمى هنا بمعنى موافقة الأمر وبعد أن علّق الشارع أوامره على الأجزاء وكان المأتي به مطابقاً لجميع الأجزاء والشرائط المأمور بها يقال: إنّه صحيح، وينتزع عنوان الصحّة منه، وعلى هذا فلا يمكن أخذها في المتعلّق.
إلى هنا تمّ البحث عن الثمرة الاُولى في المسألة، وقد ظهر منه عدم ترتّب هذه الثمرة عليها.
الثمرة الثانيّة: جواز التمسّك بالبراءة وعدمه:
وأوّل من ذكرها هو المحقّق القمّي (رحمه الله) وبيانها: إنّه إذا شكّ في جزئيّة السورة مثلا للصّلاة ولم يكن في البين إطلاق يمكن التمسّك به لدفعها أمكن للأعمّي الرجوع إلى أصل البراءة، لأنّ المفروض عنده أنّ الصّلاة تصدق على فاقد الجزء أيضاً، وأمّا الصحيحي فلا يمكن له التمسّك به لأنّ شكّه هذا يسري إلى مسمّى الصّلاة وأنّ المسمّى هل صدق أو لا؟ ولا إشكال في أنّ المرجع حينئذ إنّما هو أصالة الاشتغال.
والمعروف في الجواب عن هذه الثمرة أنّ البراءة والاشتغال لا ربط لهما بالصحيح والأعمّ بل أنّ جريانهما مبني على الانحلال وعدم الانحلال في الأقلّ والأكثر الارتباطيين، فإن قلنا هناك أنّ العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر الارتباطيين ينحلّ إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي، فالمرجع إنّما هو البراءة عن الأكثر المشكوك، وإن قلنا بعدم الانحلال فالمرجع هو أصالة الاشتغال، ولا يخفى أنّه لا فرق في هذه الجهة بين الأعمّي والصحيحي.
وقال المحقّق النائيني (رحمه الله) ما حاصله: «إنّ الحقّ هو ترتّب هذه الثمرة لما عرفت من أنّه بناءً على الصحيح وأخذ الجامع بالمعنى المتقدّم (أي كونه بسيطاً خارجاً عن نفس الأجزاء
والشرائط) لا محيص عن القول بالاشتغال لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في المحصّل»(2).
ولكن يرد عليه:
أوّلا: أنّ القول بالصحيح لا يلازم القوم ببساطة القدر الجامع بل ذهب كثير من الصحيحيين إلى تركّبه.
وثانياً: سلّمنا كونه بسيطاً ولكن يأتي فيه ما أفاده المحقّق الخراساني(رحمه الله)، ونعم ما أفاد من أنّ العنوان البسيط ليس أمراً مسبّباً عن الأجزاء بحيث لا يمكن انطباقه عليها بل أنّه عين الأجزاء والشرائط ومنطبق عليها، وحينئذ لا يرجع الشكّ إلى الشكّ في المحصّل.
وبعبارة اُخرى: أنّ نسبة القدر الجامع البسيط إلى الأجزاء والشرائط نسبة الطبيعي إلى أفراده أو نسبة العنوان إلى معنونه ومعه لا يكون المأمور به مغايراً في الوجود للأجزاء والشرائط.
أقول: الحقّ في المسألة هو التفصيل بين المباني المختلفة في القدر الجامع للصحيح، وأنّ الثمرة إنّما تظهر على بعض تلك المباني.
وتوضيحه: أنّه إن قلنا بأنّ القدر الجامع أمر مركّب (كما ذهب إليه كثير من الأعلام وهم اللّذين صرّحوا بأنّه عبارة عن مجموع من الأجزاء على نحو اللابشرط من جانب الزيادة) فلا تترتّب هذه الثمرة لإمكان إجراء البراءة حينئذ للصحيحي أيضاً كما لا يخفى، وإن قلنا بأنّه أمر بسيط انتزاعي ينطبق على الأجزاء كما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله)، فكذلك لا تترتّب الثمرة المذكورة، لما مرّ آنفاً من البيان، وإن قلنا أنّه أمر بسيط خارجي لا ينطبق على الأجزاء (لأنّ الانطباق عليها يتصوّر في العنوان أو الطبيعة بالنسبة إلى المعنون أو الأفراد) أو قلنا بأنّه مجموعة من الأجزاء والشرائط التي تؤثّر الأثر المطلوب (كما هو المختار) فيمكن ظهور الثمرة كما لا يخفى أيضاً، ولكن قد مرّ أنّه على المبنى المختار أيضاً يمكن الأخذ بالبراءة لما مرّ من أنّ الآثار المرغوبة من العبادات اُمور خفيّة عنّا، وبطبيعة الحال لم نؤمر بها بل اللازم على المولى بيان الأجزاء والشرائط المؤثّرة في هذا الأثر الخفي، فإذا لم يثبت أمره ببعض الأجزاء أو الشرائط فيمكن الأخذ بالبراءة.
فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا عدم ترتّب هذه الثمرة أيضاً على المسألة.
بقي هنا اُمور:
الأوّل: قد يقال بأنّ المسألة ليست اُصوليّة لأنّ ملاكها وقوع المسألة كبرى الاستنباط مستقلّة من دون ضمّ مسألة اُصوليّة اُخرى، ومسألة الصحيح والأعمّ لا يتمّ الاستنباط بها إلاّ بعد ضمّ مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيين إليها كما لا يخفى.
ولكن فيه: أنّ لازم هذا خروج أكثر المسائل الاُصوليّة عن علم الاُصول لعدم وقوعه كبرى في الاستنباط مستقلّة، فإنّ حجّية خبر الواحد (التي هي من أهمّها) مثلا لا تقع كبرى الاستنباط إلاّ بضميمة حجّية الظواهر إليها.
نعم الحقّ خروج مسألة الصحيح والأعمّ من مسائل الاُصول من جهة اُخرى، وهي أنّ البحث فيها يكون في أنّ الألفاظ الشرعيّة هل وضعت للصحيح فقط أو للأعمّ منه ومن الفاسد، أي أنّ الصّلاة مثلا ظاهرة في الصحيح أو في الأعمّ؟ ولا إشكال في أنّ هذا بحث صغرى لمسألة حجّية الظواهر.
الثاني: ربّما يقال بأنّ ثمرة النزاع في المقام تظهر في النذر، فإنّه إذا نذر أن يعطي ديناراً لمصلّي ركعتين مثلا فبناءً على القول بالأعمّ ـ يجزي اعطائه لمصلّيهما ولو كانت صلاته فاسدة، وعلى القول بالصحيح لا يجزي ذلك.
وفيه: إنّ لازم هذه الثمرة رجوع البحث في الصحيح والأعمّ إلى تشخيص موضوع النذر فيما إذا تعلّق بماهية من الماهيات الشرعيّة، ولا يخفى أنّه ليس حكماً فرعيّاً كلّياً لكي تكون المسألة من المسائل الاُصوليّة التي ثمرتها استنباط الحكم الكلّي الفرعي، بل ليست من المسائل الفقهيّة أيضاً لأنّها بحث في أنّ هذه الصّلاة مثلا صلاة، أم لا؟ وهو بحث موضوعي خارج عن شؤون الفقيه كما هو المعروف، كما إذا تعلّق النذر مثلا بوقوع الصّلاة في مسجد الكوفة، وشككنا في أنّ هذا المسجد هل هو مسجد الكوفة أو لا؟ وهذا أمر جار في جميع موارد النذر، أضف إلى ذلك أنّه يعتبر في صحّة النذر إحراز رجحان المتعلّق ولا رجحان للصّلاة الفاسدة.
الثالث: ربّما قيل بأنّ ثمرة المسألة تظهر في مسألة محاذات المرأة للرجل حال الصّلاة، فبناءً على القول بالأعمّ تصير صلاة الرجل منهيّاً عنها وإن علمنا بفساد صلاة المرأة المحاذية للرجل أو المتقدّمة عليه، لصدق عنوان الصّلاة حينئذ على ما أتت بها المرأة، فيصدق «أنّه صلّى وبحذائه امرأة تصلّي» بينما لا يصدق هذا بناءً على القول بالصحيح فيما إذا علمنا بفساد صلاة المرأة.
ولكنّه يردّ بأنّ الأدلّة الناهية عن المحاذات منصرفة إلى الصّلاة الصحيحة وإنّ المنهيّ عنها هي محاذات المرأة حين إتيانها بها كذلك.
________________
1. وسائل الشيعة: ج 4، من أبواب أفعال الصّلاة الباب 1، ح 1.
2. راجع أجود التقريرات: ج1، ص45.a
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|