أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
854
التاريخ: 5-08-2015
2420
التاريخ: 24-10-2014
1192
التاريخ: 2-07-2015
940
|
معلومية الشيء إمّا بمجرّد حضور ذاته وعدم غيبتها ، أو بتوسّط صورته ، والأَوّل هو العلم الحضوري ، والثاني هو العلم الحصولي ، وكلا العلمينِ فينا متحقّق ، فإنّا نعلم ذاتنا بنفس ذاتنا ، والصور المرتسمة في أذهاننا بنفس تلك الصور ، ونعلم الأشياء الخارجية بصورها وهذا واضح ، وإنّما الكلام في العلم التفصيلي الثابت للواجب تعالى ، وأنّه حصولي أو حضوري ؟
فيه خلاف شديد ، فذهب أرسطو وغيره وتوابع المشّائين ـ منهم الشيخان : أبو النصر الفارابي وابن سينا ، وتلميذه بهمنيار وكثير من المتأخرين ـ إلى الأَوّل وتخيّل ارتسام صور الممكنات في ذاته تعالى وحصولها فيها ، وسلك السهروردي ( بل في الأسفار : وحكم بصحة هذه الطريقة كل مَن أتى بعده ) الثاني وأنّ الأشياء ـ سواء كانت مجرّدات أو مادّيات ، مركّبات أو بسائط ـ بوجوداتها الخارجية مناط علمه تعالى وعالميته بها ، قال في الأسفار : فعلمه تعالى عنده ـ الشيخ الإشراقي ـ محض إضافة إشراقية ، فواجب الوجود مستغنٍ في علمه تعالى بالأشياء عن الصور ، وله الإشراق والتسلّط المطلق ، فلا يحجبه شيء عن شيء ، وعلمه وبصره واحد ؛ إذ علمه يرجع إلى بصره ، لا أنّ بصره يرجع إلى علمه كما في غير هذه القاعدة ... إلخ .
وأمّا المحقّق الطوسي فلم يوافق السهروردي كلّياً ، فإنّه ـ أي السهروردي ـ أجرى هذه القاعدة في الأجسام والجسمانيات كلّها ، وإنّ حضور ذواتها كافٍ في أن تعلم بالإضافة الاشراقية ، والمحقّق المذكور لم يكتفِ بذلك ، بل جعل مناط علمه بالأجسام والجسمانيات ارتسام صورهما في المبادئ العقلية والنفسية ، فالقاعدة عنده مختصّة بتلك المبادئ ، كما في الأسفار ، لكن السبزواري جعل القولين واحداً فلاحظ .
وكيف ما كان ، فبيان هذا القول نأخذه من عبارة المحقّق الطوسي ، في محكي شرح رسالة العلم (1) قال قدّس سره : والحق أنّه ليس من شرط كلّ إدراك أن يكون بصورة ذهنية ؛ وذلك لأنّ ذات العاقل إنّما يعقل نفسه بعين صورته التي بها هي هي ، وأيضاً المدرِك للصورة الذهنية إنّما يدركها بعين تلك الصورة لا بصورة أُخرى ، وإلاّ لتسلسل (2)، ولزم مع ذلك أن يجمع في محلّ واحد صوراً متساوية في الماهية مختلفة بالعدد فقط ، وذلك محال ، فإذن ، إنّما يحتاج في الإدراك إلى صورة المدرَك ، أمّا الاحتياج إلى صورة ذهنية فقد يكون لكون المدرَك غير حاضر عند المدرِك ، وعدم الحضور يكون إمّا لكون المدرَك غير موجود أصلاً ، أو لكونه غير موجود عند المدرِك ، أي يكون بحيث لا يصل إليه الإدراك البتة ؛ وذلك إنّما يكون بسبب شيء من الموانع العائدة ، إمّا إلى المدرِك نفسه، أو آلة الإدراك أو إليهما جميعاً .
ثمّ قال : وإدراك الأَوّل تعالى إمّا لذاته فيكون بعين ذاته لا غير ، ويتّحد هناك المدرَك والمدرِك والإدراك ولا يتعدّد إلاّ بالاعتبارات التي تستعملها العقول ؛ وإمّا لمعلولاته القريبة ، فيكون بأعيان ذوات تلك المعلومات ؛ إذ لا يتصور هناك عدم حضور بالمعاني المذكورة أصلاً ، ويتّحد هناك المدركات والإدراكات ولا يتعدّدان إلاّ بالاعتبار ويغايرهما المدرك ، وإمّا لمعلولاته البعيدة كالماديات والمعدومات التي من شأنها إمكان أن يوجد في وقت ، أو أن يتعلّق بموجود ، فيكون بارتسام صورها المعقولة في المعلولات القريبة ، التي هي المدركات لها أَوّلاً وبالذات ، وكذلك إلى أن ينتهي إلى إدراك المحسوسات بارتسامها في آلات مدرِكيها ؛ وذلك لأنّ الموجود في الحاضر حاضر ، والمدرِك للحاضر يدرك لِما يحضر معه ، فإذن لا يعزب عن علمه مثقال ذرة ، في الأرض ، ولا في السماء ، ولا أصغر ، منها ولا أكبر ، فيكون ذوات معلولاته مرتسمة بجميع الصور ؛ وهي التي يعبّر عنها تارة بالكتاب المبين ، وتارة باللوح المحفوظ ويسمّيهما الحكماء بالعقول الفعّالة . انتهى .
وقال في شرح الإشارات ـ في ضمن كلامه ـ : ولا تظننّ أنّ كونك محلاً لتلك الصورة شرط في تعقّلك إيّاها ، فإنّك تعقل ذاتك مع أنّك لست محلاً لها ، بل إنّما كان كونك محلاً لتلك الصورة شرطاً في حصول تلك الصورة ، الذي هو شرط في تعقّلك إيّاها ، فإن حصلت تلك الصورة لك بوجه آخر غير الحلول فيك ، حصل التعقّل من غير حلول فيك... إلخ .
أقول : والإنصاف أنّ هذا الظن لم يظهر دفعه ، فالبيان غير وافٍ لإثبات مذهبه ، وبالجملة : إنّ الحصول الذي يكفي في تحقّق العلم على ما هو المسلّم ، إنّما الحصول المتحقّق في ضمن الاتحاد ، كما في علم ذاتنا بذاتنا ، أو القيام كما في قيام الصور بذهننا قياماً حلولياً ، وأمّا كفاية مطلق الحصول على أيّ نحو كان في ذلك ، فممنوع كما ذكره المحقّق اللاهيجي أيضاً (3) .
أقول : وممّا يزيّف هذا لزومه خلو الواجب عن العلم التفصيلي أبداً ؛ إذ الموجودات بأسرها لا تجتمع في زمان ، فهو لا يعلم جميع الأشياء في وقت من الأوقات ، إلاّ أن يلتزم بتحقّق الأشياء أزلاً في مواطنها الحادثة وقد علمت أنّه أيضاً غير ثابت ، هذا مع أنّ فعل الفاعل المختار لابدّ من مسبوقيّته بالعلم ، وقد مرّ أنّ العلم الإجمالي لا يكفي لذلك .
وأمّا ما أورده صاحب الأسفار على هذا القول من الإيرادات الثمانية ، فهو لا يخلو عن كلام ، فإنّه بين ما يتوجه على نفس السهروردي لا على القول نفسه ، وبين ما هو غير وارد ، وبين ما هو غير ظاهر في نفسه ؛ ولذا لم يعتنِ بها السبزواري ، فاختار هذا القول في المنظومة زائداً على ما اختاره من مذهب هذا المورد ، لكن الحقّ بطلان المذهبين معاً كما عرفت ، والله الهادي.
نقل ونقد :
استدلّ الشيخ الإشراقي على هذا القول بقاعدة الملازمة حيث قال ـ على ما في الأسفار ـ : إنّ كلّ ما هو كمال مطلق للموجود من حيث هو موجود ، فيجب له ، وإذا تحقّق شيء منه في معلومه فتحقّقه له أَولى ، وكلّ ما هو أَولى فهو واجب له بالضرورة ، وإذا صحّ العلم الإشراقي للنفس ففي الواجب الوجود أَولى ، فيدرك ذاته لا بأمر زائد عليها ، ويدرك ما سواه بمجرّد إضافة الإشراق عليها ... إلخ .
وأمّا المحقّق الطوسي فله دليل آخر ، ومحصّله : أنّ ذاته تعالى علّة لِما سواه ، وعلمه بذاته عين ذاته ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، وحيث إنّ العلّة ـ أي ذاته تعالى وعلمه بها ـ واحدة ، فالمعلول ـ هو ما عداه والعلم به ـ أيضاً واحد ؛ ضرورة عدم صدور الكثير عن الواحد .
أقول : وهذا أحسن من الوجه الأَوّل كما لا يخفى ، لكنّ الوجهين ضعيفان : أمّا الأَوّل فبعد ما عرفت منافي عموم علمه ، لا يبقى له مجال بالضرورة . وأمّا الثاني ففيه :
أَوّلاً : منع جريان قاعدة استلزام العلم بالعلّة العلم بالمعلول ...
وثانياً : منع قاعدة عدم صدور الكثير عن الواحد ...
وأَمّا القول الأَوّل ـ أعني تفسير علمه التفصيلي بالعلم الحصولي ـ فمجمله : أنّ العلم إمّا فعلي وإمّا انفعالي ، والأَوّل ما يكون سبباً لوجود المعلوم في الخارج ، سواء كان سبباً ناقصاً ـ كعلم البنّاء ، حيث إنّه يصوّر في ذهنه لقوةٍ خيالية صورة البيت ، ثمّ تصير تلك الصورة محرّكةً لأعضائه حتى يوجد البيت في الخارج ، فإنّ علمه هذا يفتقر في إيجاد البيت إلى آلة وزمان خاصّ وشرائط أُخرى ـ أو سبباً تامّاً كعلم الباري بالعالم ، فإنّ مجرّد علمه به كافٍ لوجوده ، فصدور الأشياء عن الباري جلّ اسمه في الخارج بأنّها عُقلت أَوّلاً فصدرت ، وتعقّله تعالى إيّاها ليست بأنّها وجدت أَوّلاً فعقلت ؛ لأنّ صدورها عن عقله لا عقله من صدورها ، فالواجب يعلم ذاته فيفيض صور الأشياء عنه معقولةً ؛ لأنّها من لوازم ذاته ، فعلمه بما سواه من جهة هذه الصور وهي علمه العنائي الموجب للنظام ، وهذه الصور صادرة عنه تعالى مرتسمة في ذاته الواجبة .
واستدلّ له بأنّه تعالى يعلم ذاته وذاته سبب للأشياء ، والعلم بالسبب التامّ للشيء يوجب العلم بذلك الشيء ، فذاته تعلم جميع الأشياء في الأزل ، لكنّ الأشياء كلّها غير موجودة في الأزل بوجود أصيل ، فلو لم تكن موجودةً بوجود علمي لم يتحقّق العلم ضرورة استدعائه المعلوم ، ولا يعقل تعلّقه بالمعدوم الصرف ، فظهر كون الأشياء موجودةً بالوجود العقلي الصوري عند الباري قبل وجودها الخارجي .
ثمّ إنّ هذه الصور إمّا منفصلة عن الباري فيلزم المُثُل الأفلاطونية ، وإمّا بأن تكون أجزاء لذاته فيلزم التركيب في ذاته ، وكلاهما محالان ؛ أو بأن تكون زائدةً على ذاته لكنّها متّصلة بها مرتسمة فيها ، وهو المطلوب .
أقول : قد تقدّم أنّ الله عالم بالأشياء أزلاً بالعلم الذي هو ذاته كما برهنّا عليه ، وأمّا أنّه تعلّق بالصور أو بالذوات الموجودة في مواطنها ، فهذا ممّا لا سبيل لنا إلى تعقّله ... فنقول حينئذٍ : إنّ هذا الدليل مدخول ، فإنّ علمه بالأشياء عين ذاته لا الصور الفائضة عنه ، وأيضاً نُقض بالقدرة الواجبة الأزلية ؛ لأنّها مثل العلم صفةٌ ذات إضافة تتعلّق بالمقدورات ، ولا شك أنّ قدرته تعالى شاملة لجميع الممكنات أزلاً مع عدم وجودها في الأزل ، ولا يمكن دفعه بالصور الأزلية ، فإنّ ذوات الأشياء الخارجية مقدورة بأنفسها كصورها ، فلابدّ من تحقّق نفس هذه الموجودات أزلاً وإلاّ لم يتحقّق القدرة .
وأمّا ما أجاب عنه الحكيم الشيرازي في أسفاره ، بأنّ القدرة وإن سُلّم جريان الدليل فيها، وأنّ حكمها حكم العلم في اقتضاء الطرفين ، لكن لا نسلّم تخلّف الحكم في القدرة ؛ إذ كما في العلم لا يلزم وجود المعلوم بعينه الخارجي ، بل يكفي وجوده بصورته ، فكذلك لا يلزم وجود المقدور بعينه الخارجي بل وجوده بصورته ، وذلك الوجود الصوري كما أنّه معلوم له كذلك مقدور صادر عنه ، فواضح البطلان ؛ لِما صرّح المورد من أنّ المقدور بوجوده الخارجي مقدور ، فحضور صورته لا يكفي لمقدورية ذاته الخارجية ، وهذا واضح جداً . لكن الإنصاف أنّ هذا النقض غير متين ، فإنّ القدرة ـ على ما عرفت منّا تفسيرها ـ لا تقضي وجود المقدور ولو بصورته كما نشاهد ذلك في أنفسنا ، فإنّا قادرون على أُمور غير موجودة خارجاً ، من غير أن تقوم قدرتنا بصور تلك الأُمور .
وأمّا العلم فلابدّ له من شيء يتعلّق به ، سواء كان عيناً خارجياً أو صورةً ذهنية ، فإنّه يستلزم الانكشاف عن العالم ، والمعدوم الصرف لا انكشاف له ، وأمّا ما أورده عليه في الأسفار ، فهو لا يرجع إلى أساس صحيح ، فلاحظ ولا نطوّل المقام بذكره وردّه .
هذا ما يرجع إلى الدليل ، وأمّا الدعوى نفسها فهي مزيّفة من وجوه :
الأَوّل : ما أفاده المحقّق الطوسي قدّس سره في محكي شرح الإشارات ، من أنّ ارتسام الصور الممكنة في ذاته تعالى يوجب تكثّره وهذا باطل ، وأمّا ما أجاب عنه المحقّق الشيرازي في أسفاره ، والمحقّق اللاهيجي في شوارقه و ( گوهر مراد ) ، وصرّح الشيخ ابن سينا نفسه ، بأنّ حصول الكثرة بالترتيب السببي والمسبّبي ، فلا ينثلم بها الوحدة ، كما في الفعل حيث إنّه تعالى يوجد الكثير بالترتيب ، مع أنّه لا يصدر الكثير عن الواحد ، فهو عجيب من هؤلاء الباحثين ، فإنّ الترتيب وإن كان يمنع الكثرة في مسألة الإيجاد ، ولا يصادم القاعدة القائلة بعدم صدور الكثير عن الواحد ، إلاّ أنّه لا يرتبط بالمقام ؛ إذ بعد الالتزام بارتسام الصور المطابقة للأشياء الخارجية في ذاته تعالى ، لابدّ من فرض تكثّر الذات حسب تكثّر الصور ، سواء كان حصولها بالترتيب أو بغير الترتيب ، وهذا قريب من البداهة ، ولمّا كان تجزّي الباري وتركّبه محالاً كان هذا القول أيضاً محالاً .
الثاني : إنّه يلزم كونه تعالى موصوفاً بصفات زائدة على ذاته غير إضافية ولا سلبية، مع أنّه باطل باتّفاق من الإمامية والفلاسفة ، فإنّهم يعتقدون العينية ، وهذا أيضاً ممّا أورده المحقّق الطوسي قدّس سره على هذا المدّعى ، وأنت بعد ما عرفت بطلان العلم الإجمالي المزعوم المتقدّم ، تعلم أنّ جواب هؤلاء المتقدّمين عن هذا الاعتراف لا يرجع إلى محصّل.
الثالث : إنّ هذه الدعوى ترجع عند التحقيق إلى قول الأشاعرة القائلين بزيادة الصفات القديمة القائمة بذاته تعالى ، فيبطله ما يبطلها ، والأُصول المتقدّمة تفسد ما يمكن أن يجاب عن هذا الرجوع .
الرابع : إنّ مدار هذا القول على العلم الفعلي ، وإنّ علم الواجب بذاته يوجب فيضان هذه الصور عنه ... وإنّ علمه تعالى ليس بفعلي بأن يكون علةً لفعله ، ولا بانفعالي بأن يكون صورةً حاصلة من المعلوم ، فإنّ علمه عين ذاته ... والصور لا تكون ذات الواجب الوجود فإنّها مخلوقة له ؛ ولأنّها عَرض فلا يمكن اتّحادها مع الواجب ، فإذن ، عُلم أنّ علمه تابع للأشياء في التعلّق والإضافة ، لا في أصل تحقّقه ، وبالجملة : علمه تعالى ليس بحضوري ، ولا بحصولي ، ولا بفعلي ، ولا بانفعالي ، ولا بإجمالي ، ولا بتفصيلي ، ممّا اصطلحوا عليه .
ثمّ إنّ لصاحب الأسفار وجوهاً من الإيراد على قول المشّائين القائلين بارتسام الصور في ذاته ، لكنّها غير واردة عليهم إلاّ الواحد منها بناءً على أصالة الوجود فراجع .
هذا تمام كلامنا حول الأقوال المهمّة الدائرة على علمه تعالى ، وبيان ما هو الحق في المقام ، والحمد لله ، وقد عرفت إلى هذه الأقاويل نَشَأت من قياس علم الواجب بعلمنا أملاً، ومن عدم الالتفات إلى استحالة فهمنا بحقيقته ، فإنّه تعالى وصفاته الذاتية .
_______________
(1) الشوارق 2 / 226.
(2) أقول : والتسلسل المذكور ممنوع ؛ لانقطاع السلسلة بانقطاع الالتفات في غيره تعالى .
(3) الشوارق 2 / 228.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|