أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2017
1070
التاريخ: 2-07-2015
928
التاريخ: 9-3-2019
674
التاريخ: 2-07-2015
1068
|
قسّم جماعة كثيرة من الفلاسفة علم الواجب إلى الإجمالي والتفصيلي ، بل يظهر من السبزواري أنّ هذا التقسيم ممّا اتّفق عليه الكل ، حيث قال (1) : والعلم الإجمالي الكمالي المتّفق عليه بين الإشراقي والمشّائي ، حيث يقول الإشراقي : إنّ نفس وجود الذات علم إجمالي مقدّم على العلم التفصيلي ، الذي هو وجود الأشياء ، ويقول المشّائي : إنّ علو الأَوّل ومجده ليس بهذه الصور المرتسمة ، بل بذاته التي هي علم إجمالي سابق عليها ، وإنّما كان أجمالياً ؛ لأنّ وجود الذات واحد بسيط ، فلا يمكن أن ينكشف به الأشياء المتخالفة تفصيلاً عندهم . انتهى .
فقد جعلوا العلم الإجمالي عين ذاته الواجبة ، وأمّا التفصيلي فهو زائد على ذاته تعالى عندهم ، فالواجب الوجود عالم بالأشياء إجمالاً في مرتبة ذاته بعلم هو عين ذاته تعالى ، وتفصيلاً بعد ذلك إمّا قبل وجود الأشياء كما عليه المشّاؤون ، أو حين وجودها كما عليه الإشراقيون .
وأمّا إثبات العلم التفصيلي في مرتبة ذاته تعالى ، بحيث يكون العلم المزبور عين ذاته فلم يتيسّر لأحد من الفلاسفة ، بيد ما مرّ من طريق بسيط الحقيقة ، كما ادّعاه صاحب الأسفار ومَن تبعه ، أو الالتزام بوجود الأشياء أزلاً في محالّها ، كما تقدّم عن جماعة منهم، لكن قد عرفت أنّ الأَوّل مع بطلان أساسه ليس مفاده إلاّ العلم الإجمالي ، وأمّا الثاني فلم يدلّ عليه دليل متين بل كان عليه سؤال صعب ...
وأمّا ما يقال من امتناع العلم الذاتي التفصيلي من جهة بساطته تعالى ـ كما نقله السبزواري ... عن المشّائي ـ فهو مبني على كون علمه تعالى حصولياً وبارتسام الصور في ذاته، وقد مرّ تزييف ذلك ، وقلنا : إنّ الإحاطة بذلك محال عقلاً ، فالعلم التفصيلي الذاتي غير ممتنع في حقّه .
وأمّا الدليل على هذا العلم الإجمالي ، فهو أنّه تعالى عالم بذاته ، فإنّه الخالق للعالمين بذواتهم ، فكيف لا يكون هو عالماً بذاته ، ومعطي الكمال لا يكون فاقده ؟ وقد ثبت أنّ العلم بالعلّة علم بالمعلول ، فإنّ علمه بذاته التي هي علّة لكل شيء علم بكل شيء إجمالاً، هذا مع أنّ سلب العلم عنه في مرتبة ذاته نقص ، والنقص غير جائز عليه تعالى ، لكنّك دريت فيما تقدّم أنّ الوجه الأَوّل غير متين عندنا ، والوجه الثاني لا يختصّ بالإجمالي بل يثبت التفصيلي أيضاً ، بل وكذا الوجه الأَوّل على تقدير تماميته ، فتأمل جيداً .
ثمّ إنّ لبيان هذا العلم الإجمالي وتصويره تقاريب ثلاثة ، على ما وجدته في كلماتهم :
الأوّل : ما ذكره المحقّق الطوسي قدّس سره في محكي شرح الرسالة (2) : كما أنّ الكاتب يُطلق على مَن يتمكن من الكتابة ، سواء كان مباشراً للكتابة أو لم يكن ، وعلى مَن باشرها حال المباشرة باعتبارين ، كذلك العالم يُطلق على مَن يتمكّن أن يعلم ، سواء كان في حال استحضار المعلومات أو لم يكن ، وعلى مَن يكون مستحضراً لها حال الاستحضار باعتبارين ، والعالِم الذي يكون علمه ذاتياً فهو بالاعتبار الأَوّل ؛ لأنّه بذلك الاعتبار لا يحتاج في كونه عالماً إلى شيء غير ذاته ، والعلم بهذا الاعتبار شيء واحد . انتهى .
ولعلّ هذا هو مختار اللاهيجي في كتابه ( گوهر مراد ) حيث قال (3) : ليكن علمى كه عين ذات است بمعنى عالميت است وآن بودن ذاتست بحيثيتى كه هر گاه معلوم متحقق شو بوجود عينى يا بوجود ظلى ، هر آئينه منكشف باشد بر او ، واين معنىدر واجب متحققست خواه معلوم متحقق باشد وخواه نه ، پس واجب در مرتبه ذات نيز عالمست باين معنى با آنكه تحقق معلوم در آن مرتبه ممتنع است وعد تحقق معلوم منافى عالميت ومستلزم عدم علم واجب نيست ، ليكن تحقق إضافة عالميت كه عبارت است از تعلق علم بمعلوم موقوفست بر تحقق معلوم چه تحقق اضافه فرع تحقق طرفين است لا محاله. انتهى .
أقول : أمّا ما ذكره المحقّق الطوسي قدّس سره فيرد عليه : أنّه لا يُخرج الواجب عن حد الجهل، غايته أنّه عالم بالقوة ، مع أنّها ممتنعة في حق القديم البريء عن المادة ولواحقها، كيف وقد مضى أنّ صفاته الواجبة ثابتة له فعلاً بمجرّد عدم امتناعها ؟ وبمثله نردّ قول اللاهيجي أيضاً ، فإنّه يرجع في المآل إلى أنّه غير عالم في مرتبة ذاته تعالى بالأشياء ، فأمثال هذه التقارير لا تغني ولا تسمن .
الثاني : ما ذكره ابن سينا في كتبه (4) قال : نفس تعقّله هو وجود الأشياء عنه ، ونفس وجود هذه الأشياء نفس معقوليتها . وقال : ليس علوّ الأَوّل ومجده هو أن يعقل الأشياء ، بل علوّه ومجده بأن يفيض عنه الأشياء معقولةً ، فيكون بالحقيقة علوه ومجده بذاته لا بلوازمه التي هي المعقولات ، وقال أيضاً في محكي الشفاء : ثمّ يجب لنا ، أن نعلم أنّه قيل للأوّل : عقل ، قيل على المعنى البسيط الذي عرفته في كتاب النفس ، وأنّه ليس فيه اختلاف صور مترتبة متخالفة، كما يكون في النفس ، فهو كذلك يعقل الأشياء دفعةً واحدة ، من غير أن يتكثّر بها في جوهره، أو يتصوّر في حقيقة ذاته بصورها ، بل يفيض عنه صورها معقولةً ، وهو أَولى بأن يكون عقلاً من تلك الصور الفائضة عن عقله؛ لأنّه يعقل ذاته وأنّها مبدأ كلّ شيء ، فيعقل من ذاته كلّ شيء . انتهى .
أقول : المفهوم من هذه الكلمات وغيرها أنّ كمال الواجب ، هو كونه بحيث يفيض عنه هذه الصور المعقولة ، فالعلم الإجمالي الذي هو عين ذاته تعالى ، هو علمه بذاته الذي هو علّة فيضان الصور المعقولة عنه ، ومفاد هذا الكلام عند الغور والتعمّق أنّه لا علم ذاتي له تعالى بما سواه ، فهو يعلم ذاته بذاته ، وأمّا ما سواه فهو غير معلوم له بعلمه الذاتي ، بل بالصور المعقولة الفائضة عنه .
هذه هي فلسفة ابن سينا وغيره من المشّائين ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّ ذاته الأحدية مشتملة على جميع الأشياء بحذف حدودها ، فيكون علمه بذاته علم بما سواه إجمالاً ، كما مرّ في بيان مقالة صاحب الأسفار ، لكن هذا القائل غير متوجّه إلى هذه الجهة ، ومع فرض توجّهه إليها فقد دريت أنّها باطلة فلا تنفعه ، وبالجملة : لم يتحصّل لنا من كلامه بيان معقول لعلم الواجب الذاتي الإجمالي بما سواه .
الثالث : ما نقلوه (5) عن أكثر متأخّري الفلسفة ، وتوضيح مذهبهم بإيراد مثال في علم الإنسان فإنّ له أقساماً ثلاثة :
أحدها : أن له يكون له مَلَكة تحصل من ممارسة العلوم والإدراكات بقدر ، ويتمكّن بحصول تلك المَلَكة من استحضار الصور العقلية التي كان اكتسبها من قبل ، متى شاء بلا تجشّم كسب جديد ، وإن كان تلك العلوم والإدراكات غير حاضرة في نفسه ؛ إذ ليس في وِسعها أن تعقل الأشياء معاً .
ثانيها : كونه بحيث يورد عليه مسائل كثير دفعةً ، فيحصل له علم إجمالي بجواب الكلّ ، ثمّ يأخذ بعده في التفصيل شيئاً فشيئاً، فهو يعلم من نفسه يقيناً أنّه يحيط بالجواب جملةً ، ولم يفصّل في ذهنه بترتيب الجواب ، ثمّ يخوض في الجواب مستمدّاً من الأمر البسيط الذي يدركه من نفسه ، فهذا العلم الواحد البسيط فعّال للتفاصيل .
ثالثها : أن يكون علومه وصوره العقلية تفصيلية زمانية ، على سبيل الانتقال من معقول إلى معقول على سبيل التدريج ، فأثبتوا القسم الثاني الذي هو متوسّط بين الصورتين للواجب تعالى وقالوا : إنّه العلم الإجمالي الذاتي المقدّم على وجود الأشياء. نعم إنّ هذه الحالة البسيطة الخلاّقة للمعقولات المفصّلة مَلَكة وصفة زائدة في النفس ، وفي الواجب ذاته بذاته ، وهل هذا صحيح ليس فيه القوّة ، أو لا بل هو حالة متوسّطة بين الفعلية المحضة والقوة المحضة ؟ فيه كلام بين الشيخ الإشراقي وصاحب الأسفار ، وبين اللاهيجي والسبزواري ، فالأَوّلان على الثاني ، والأخيران على على الأَوّل .
وكيفما كان ، فقد استدلّوا على وجود هذا العلم ، بأنّ الواجب مبدأ مجعولاته المتميّزة في الخارج، ومبدأ تمييز الشيء يكون علماً به ؛ إذ العلم ليس إلاّ مبدأ التمييز .
أقول : وفيه : أنّ العلم وإن كان مبدأ التمييز ، إلاّ أنّ مبدأ التمييز علم دائماً ، فهو غير مبيّن ، ولعلّ هذا مراد الحكيم الشيرازي، حيث أورد على الحجة بأنّها مبنيّة على انعكاس الموجبة الكلّية كنفسها فلاحظ. فقد تلخّص : أنّ ما تخيّلوه من تقسيم العلم إلى الإجمالي والتفصيلي ، وجعل الأَوّل عين ذاته تعالى ضعيف البنيان ، منهم الأساس ، باطل الأركان ... فإذن وجب الرجوع إلى ما قرّرناه من أنّ الله عالم بجميع الأشياء أزلاً قبل وجودها تفصيلاً ...
وأمّا كيفية هذا العلم ، وأنّه كيف يتعلّق بالمعلوم ؟ فهي خارجة عن قدرة نفوسنا وسلطة علومنا {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].
وحيث إنّ هذا العلم عين ذاته فقد امتنع كونه حصولياً أو حضورياً ؛ لامتناع اتّحاد الصور أو الموجودات الخارجية مع الذات الواجبة ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، ومَن قال بأحدهما فإنّما هو في علمه التفصيلي الزائدة على ذاته بزعمه ...
ثمّ إنّ هذا العلم الإجمالي لا يكفي لتحقيق هذا النظام الأجمل الموجود ، فإنّه يقتضي العلم التفصيلي المتقدّم كما لا يخفى . وهذا الإشكال يجري في التقريب الأَوّل بلا خفاء .
وأمّا في الثاني ؛ فلأنّا نقول : إنّ القائل به وإن يسند النظام إلى الصور المذكورة ؛ إلاّ أنّها أيضاً تحتاج في صدورها عن الواجب إلى علم سابق عليها ، وما قيل : من أنّ علمه بذاته يكفي لصدورها فهو ممّا لا برهان عليه .
وأمّا في الثالث ؛ فلأجل أنّ العلم المفروض مجمل وبسيط ، فلا يفي لفاعليته التامّة الكاملة الاختيارية ، فتأمّل .
_____________________
(1) شرح المنظومة / 164.
(2) الشوارق 2 / 234 و 245.
(3) گوهر مراد / 197.
(4) لاحظ الأسفار والشوارق وغيرهما .
(5) الناقل هو صاحب الأسفار ، وصاحب الشوارق ، والسبزواري ، وغيرهم قدّس سرهم .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|