المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4880 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مواعيد زراعة الكرنب (الملفوف)
2024-11-28
عمليات خدمة الكرنب
2024-11-28
الأدعية الدينية وأثرها على الجنين
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الثاني
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الأول
2024-11-28
الكرنب (الملفوف) Cabbage (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-28

The Pauling Electronegativity Scale
9-7-2020
Jacobi Triple Product
29-9-2019
critical linguistics
2023-08-01
الديموقراطية لا تروق للكل
24-1-2016
الحالة الثنائية Diploidy
31-1-2018
محمد بن المشهدي ، صاحب كتاب «المزار» (ت / في حدود 510 هـ)
28-4-2016


النزاع في تفسير القدرة بين الحكماء والاشاعرة والمعتزلة  
  
2803   11:48 صباحاً   التاريخ: 24-10-2014
المؤلف : مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : جامع الأفكار وناقد الأنظار
الجزء والصفحة : ص152.ج1
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / القدرة و الاختيار /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-07-2015 919
التاريخ: 24-10-2014 876
التاريخ: 9-12-2018 689
التاريخ: 24-10-2014 1636

اعلم! أنّ للقدرة عند الحكماء تفسيرين :

أحدهما : صحّة صدور الفعل ولا صدوره (1) ؛

وثانيهما : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل (2). والتفسيران متلازمان ، فانّ حاصلهما واحد وهو القوّة على الشيء والتمكّن من أن يفعله ومن أن لا يفعله جميعا ؛ فانّه لا ريب في انّ الفاعل إذا كان بحيث إن شاء فعل وان لم يشاء لم يفعل ، كان في ذاته مع قطع النظر عن المشية واللامشية بحيث يصح منه الفعل والترك وإن وجب الفعل بسبب المشية والترك بسبب عدمها. وإذا كان بحيث يصحّ منه الفعل والترك من حيث ذاته كان بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل ، فان المراد به أنّه إن شاء فعل إذا فرض عدم مانع خارجي ، وكذا إن لم يشاء لم يفعل إذا لم يكن سبب من خارج ؛ ولا ريب في أنّه إذا كان من حيث ذاته يصحّ منه الفعل والترك ولم يوجد مانع ولا سبب من خارج كان بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل.

ومن ظنّ انّ تفسير الأوّل للمتكلّمين والثاني للحكماء واثبت النزاع بينهما في تفسير القدرة فقد أخطأ ، فانّ الفريقين متفقان في تحديد القدرة الكمالية وتفسيرها ،

لذا قد يفسّرها كلّ واحد منهما بكلّ واحد منهما نعم! المقصود من التفسيرين عند الحكماء هو أن يكون صدور الفعل منه بالعلم والمشية والإرادة ، والايجاب ـ المقابل للقدرة بهذا المعنى ـ هو أن يكون اصل الذات منشئا وسببا لصدور الفعل بلا علم وإرادة ـ كأفعال الطبائع ـ ؛ وهذا قد يكون أصل الذات كافيا في صدور الفعل ـ كالضوء للشمس مثلا ـ وقد يتوقّف على بعض الشرائط ـ كالإحراق للنار مثلا ـ.

ولا نزاع بين الحكماء والمليين في ثبوت القدرة للواجب بهذا المعنى ، وقد صرّح المحقّق الطوسي ـ ; ـ وغيره من أهل التحقيق بأنّ الفلاسفة متّفقون على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ.

ويمكن أن يكون مقصودهم من التفسيرين ـ على ما ذكره جماعة ـ امكان صدور الفعل والترك بالنظر إلى ذات الواجب ـ تعالى شأنه ـ ، وإن وجب الفعل بالنظر إلى الداعي واستحال انفكاكه ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم. فلذلك بعض المحصلين قد ادّعى اتفاق الفلاسفة على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ.

ولكن الحقّ أنّ هذه الدعوى غير مطابقة للواقع. وسيأتي تفصيل القول وتحقيق الحقّ في ذلك.

وأمّا المتكلّمون فيقولون : انّ المراد من التفسيرين انّه ليس شيء من الفعل والترك لازما بالنظر إلى ذاته ولا بالنظر إلى الداعي ، فلا يستحيل انفكاكه ـ تعالى ـ عن شيء منهما ؛

إلاّ أنّ الأشاعرة من المتكلّمين قالوا : انّه لا يستحيل الانفكاك في أيّ وقت فرض ولو وجد الداعي؛ والمعتزلة منهم قالوا : انّه لا يستحيل الانفكاك في الأزل ، لأنّهم قالوا : يمتنع انفكاك ذاته عن ايجاد العالم في الوقت الّذي أراد وأوجد ، وانّما لا يمتنع انفكاكه في الأزل ـ ويأتي بيان ذلك مفصّلا ـ. فعلى المذهبين يصدق أنّ شيئا من الفعل والترك ليس لازما لا بالنظر إلى ذاته ـ مطلقا ـ ولا بالنظر إلى الداعي ـ في الجملة ـ وإن اختلفا في عدم اللزوم بالنظر إلى الداعي في استغراق الاوقات وعدمه. والايجاب المقابل لهذا

المعنى هو وجوب الفعل واستحالة الترك ـ أي : امتناع انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم في الجملة ـ

فالمقابل للقدرة عند الأشاعرة هو امتناع الانفكاك ولو في وقت الايجاد ووجود الداعي ، والمقابل للقدرة عند المعتزلة هو امتناع الانفكاك في الأزل لا عند وجود الداعي ـ أعني : وقت الايجاد ـ.

ثمّ القدرة بهذا المعنى تفرّد بإثباتها المتكلّمون ؛ ونفاها الحكماء ، وقالوا بالإيجاب المقابل لها (3). وعلى هذا ثبت النزاع بين الحكماء والمتكلّمين في مقامين : الأوّل ما وقع بين الحكماء والأشاعرة من المتكلّمين ، وهو : انّ الحكماء ذهبوا إلى أنّ معنى صحّة صدور الفعل ولا صدوره هو مجرّد الامكان الذاتي ـ أي : امكان صدور الفعل ولا صدوره بالنظر إلى ذات الفاعل من حيث هي هي ـ. وليس معنى الصحّة بمعنى الامكان الوقوعي المستلزم لوقوع الانفكاك بين الواجب وبين الفعل حتّى يمكن وقوع الصدور ، واللاصدور ، لأنّهم يوجبون صدور الفعل مع الإرادة ، والإرادة عندهم عين الذات ، فلا يتخلّف الفعل عنه ـ تعالى ـ.

فان قيل : الإرادة وغيرها من الصفات الكمالية إن كانت عندهم عين الذات لكان اعتبار ذاته ـ تعالى ـ عندهم اعتبار ارادته وساير صفاته الكمالية وبالعكس ، وكذا عدم اعتبار ذاته هو بعينه عدم اعتبار ارادته وساير صفاته الكمالية وبالعكس ، فلا يمكن تصوّر الانفكاك بينهما وجودا وعدما وإلاّ يلزم (4) الانفكاك بين الشيء ونفسه ، وهو يستلزم عدم امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات أيضا عند الحكماء ؛

قلت : هذه شبهة نتعرّض لها بعد ذلك ونبحث عنها. فهم ـ أي : الحكماء ـ يجعلون مقدّم الشرطية الأولى في التفسير الثاني واقعا ، بل واجبا ، ومقدّم الشرطية الثانية فيه غير واقع ، بل ممتنعا ؛ ويقولون : لكنّه شاء وفعل. والأشاعرة يقولون : معنى الصحّة هو الامكان الوقوعى الموجب لانفكاك الفعل عنه ـ تعالى ـ في أيّ وقت فرض ولو في

آن الحدوث ، فيجوز الصدور واللاصدور في الواقع. ولا يمتنع عدم الصدور لا من جهة الذات ولا من جهة الإرادة ، لأنّ الفعل لا يجب عندهم مع الإرادة أيضا باعتبار انّ تعلّق الإرادة غير واجبة. ولا نزاع بين الحكماء وأكثر المعتزلة في وجوب الصدور ، إلاّ أنّهم يقولون بالوجوب في آن الحدوث لا في الأزل ، فانهم قائلون بوجوب صدور الفعل مع الإرادة ومعتقدون بأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وانّ بالإرادة يجب صدور العالم عن الله ـ تعالى ـ في الوقت الّذي يقتضيه الداعي ـ كالعلم بالأصلح أو المصلحة أو ذات الوقت ـ ، ويمتنع في غير ذلك. فهم ليسوا قائلين بإمكان صدور الفعل والترك بالإمكان الوقوعي مطلقا ـ أي : ولو في آن الحدوث ـ ، لانّهم موافقون للفلاسفة في أنّ الايجاد وعدم الايجاد ممكن بالنسبة إلى الذات بدون اعتبار الإرادة وواجب مع اعتبار الإرادة الّتي هي عين الذات ، فهم لا يقولون بالإمكان الوقوعي في آن الحدوث.

فان قيل : الامكان الوقوعى يتصوّر هنا على وجهين : أحدهما : الامكان الوقوعى بالنظر إلى ذات الفاعل فقط بدون اعتبار الإرادة وغيرها ؛ وثانيهما : الامكان الوقوعي بالنظر إلى ذات الفاعل مع الإرادة ، والامكان الوقوعي بالوجه الثانى وان لم يقل به الحكماء اصلا والمعتزلة في آن الحدوث ويختصّ الاشاعرة باثباته له ـ تعالى ـ ، إلاّ أنّ الحكماء والمعتزلة قالوا بالإمكان الوقوعى بالوجه الأوّل ، لأنّهم قالوا بإمكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذات الفاعل ؛

قلت : الامكان الوقوعي هو صحّة الصدور واللاصدور بالنظر إلى الواقع نفسه ، لا بالنظر إلى الذات والصفة واعتبار مرتبة من مراتب تحليل العقل. ولا ريب أنّ امكان الصدور بالنظر إلى الذات مع كون الإرادة مانعة من اللاصدور لا يصحّح الامكان بالنظر إلى الواقع نفسه ، لأنّ الإرادة يوجب الصدور في الواقع ، فلا يتحقّق الامكان فيه ، فالإمكان الوقوعى لا يثبت على مذاق الحكمة والاعتزال.

أما [ما] وقع بين الحكماء والمعتزلة من المتكلّمين ، وهو : انّ الحكماء لمّا اوجبوا الصدور وأحالوا اللاصدور لزمهم القول بقدم العالم ، ولذا قالوا به ؛ والمعتزلة خالفوهم ولم يقولوا بالقدم بل قالوا بحدوث العالم.

فان قلت : الاشعرية أيضا قائلون بحدوث العالم ، فما وجه تخصيص هذا النزاع بالفلاسفة والمعتزلة؟ ؛

قلت : المراد انّ أثر النزاع في القدرة والايجاب بين الحكماء والمعتزلة ليس إلاّ في قدم العالم وحدوثه ـ لأنّ الايجاب يستلزم القدم والاختيار يستلزم الحدوث ـ ، بل التحقيق ـ كما قيل ـ : انّ امتناع انفكاك العالم عن ذاته ـ تعالى ـ وامكان انفكاكه عنه معنى رابطي بين الفاعل ـ الّذي هو الله تعالى ـ وبين العالم ـ هو الفعل ـ. وهذا المعنى إن اعتبر من طرف الفاعل ويجعل صفة له سمّى بالإيجاب والاختيار ، وان اعتبر من طرف الفعل سمّى بالقدم والحدوث ، فانّ المعتزلة لمّا وافقوا الحكماء في وجوب الفعل مع الإرادة وامكانه بدونها لا تبقى معهم مخالفة للحكماء في القدرة والايجاب إلاّ فيما يترتّب عليهما من القدم والحدوث ؛ وأمّا الاشاعرة لمّا قالوا بصحّة الفعل والترك بالإمكان الوقوعي وعدم وجوب صدور الفعل مع الإرادة أيضا فلم يقولوا بالإيجاب مطلقا ، والفاعل في ايجاد العالم عندهم قادر مختار ، ولو فرض قدم العالم. فالمراد انّ أثر النزاع بينهم وبين الحكماء في القدرة والايجاب ليس في القدم والحدوث ، لا أنّهم ليسوا قائلين بالحدوث.

فحاصل كلام الأشعرية انّ تأثير الواجب ـ تعالى ـ في ايجاد العالم ليس بإيجاب أصلا ، بل بالقدرة والاختيار ؛ بل جوّزوا تأثير الفاعل المختار بلا مرجّح بدون الوجوب واللزوم بأن يكون المرجّح نفس إرادة الفاعل المختار. فالنزاع حقيقة بين الأشعرية والحكماء في مقامين :

أحدهما: في أنّ ايجاد الفاعل المختار يجوز بلا مرجّح يوجب الفعل أم لا ؛ وثانيهما : في حدوث العالم وقدمه. فهم ـ أي : الأشعرية ـ قالوا : انّ الله ـ تعالى ـ احدث العالم في الوقت الّذي أراد في الأزل أن يحدثه بدون مرجّح غير تعلّق الإرادة ، وبالإرادة والاختيار يمكن الترجيح بدون المرجّح ، ولا يصير الفعل مع الإرادة واجبا.

فحاصل النزاع بين الحكماء والمعتزلة هو أنّ الحكماء لمّا ذهبوا إلى وجوب الفعل عليه ـ تعالى ـ دائما وقالوا لا يمكن أن يتصوّر خلوه ـ تعالى ـ عن الفعل ولو في وقت موهوم أو في عدم بحت وليس محض لو وجد فيه موجود لكان ممتدّا ، ألجئوا إلى القول بالقدم ، فهم قائلون بالإيجاب المطلق. والمعتزلة لمّا ذهبوا إلى أنّه لا يجب عليه الفعل دائما ـ بل قالوا بوجوبه في وقت خاصّ ـ فهم قائلون بالحدوث وبالإيجاب الخاصّ ، وهو ايجاب وجود الحادث بالنظر إلى علم الفاعل بنظام الخير ومصالح الغير.

وعلى ما ذكر يتحقّق نزاعان : أحدهما بين الاشعرية وبين ساير المتكلمين والحكماء ، وهو : أنّه هل يحب عنه ـ تعالى ـ فعل أم لا ؛ فباقي المتكلّمين والحكماء على الأوّل والأشعرية على الثاني؛ والثاني بين المعتزلة والحكماء ، وهو : أنّه هل يحب عنه ـ تعالى ـ الفعل دائما أو في وقت ما ؛ والأوّل مذهب الحكماء والثاني مذهب المعتزلة.

وعلى هذا فصحّة الفعل والترك عند الحكماء مجرّد الامكان الذاتي لا غير مطلقا ، وعند الأشاعرة الامكان الوقوعي مطلقا ، وعند المعتزلة مجرّد الامكان الذاتي في آن الحدوث وما يعمّ الوقوعي في الأزل.

ولقائل أن يقول : الإرادة عند المعتزلة عين الذات وهي قد تعلّقت في الأزل بإيجاد العالم في الوقت الّذي احدثه الله ـ تعالى ـ فيه ، وهذا كما يستلزم ايجابا خاصّا هو وجوب صدور الفعل في آن الحدوث وعدم انفكاك ذاته ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم في ذلك الوقت يستلزم ايجابا خاصّا آخر وهو وجوب عدم صدور العالم عنه ـ تعالى ـ قبل ذلك ولزوم انفكاك ذاته ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم فى الأزل ، فيلزم على طريقة المعتزلة أن يكون معنى صحّة الفعل والترك في الأزل أيضا مجرّد الامكان الذاتي دون الوقوعي ـ لوجوب عدم صدور الفعل ولزوم الانفكاك بينه وبين الفعل في الأزل ـ ، فهم قائلون بوجوب عدم الفعل في وقت وبوجوب الفعل في آخر ؛ والحكماء قائلون بوجوب الفعل دائما ؛ والاشعرية قائلون بعدم وجوب الفعل والترك في أيّ وقت فرض ، وعلى هذا فلا يمكن أن يتحقّق عندهم الامكان الوقوعي الّذي هو بمعنى وقوع كلّ من الفعل والترك بدلا عن الآخر في وقت. نعم! لمّا وقع كلّ منهما في وقت ـ لأنّ الترك وقع في الأزل والفعل في آن الحدوث ـ فيمكن أن يقال بتحقّق الامكان الوقوعي لهما عندهم ، فانّ الامكان الوقوعي للشيء يتصوّر على وجهين

أحدهما : جواز وقوعه ولا وقوعه في كلّ وقت ؛ وثانيهما : تحقّق وقوعه في وقت ولا وقوعه في وقت آخر ، فيثبت الامكان الوقوعي للفعل وتركه بمعنى كون أحدهما في وقت والآخر في وقت آخر ، لا بمعنى كون كلّ منهما بدلا عن الآخر ؛ فتأمّل!. ثمّ الظاهر من كلام بعض الأفاضل انّ المعتزلة مع اتفاقهم على الحدوث افترقوا أوّلا إلى فرقتين : فرقة قالوا بعدم زيادة الإرادة على الذات بل قالوا بعينيتها ووجوب الأصلح كالمحقّق الطوسي ـ ; ـ وواصل بن عطاء والنظام ؛

وفرقة قالوا بزيادة الإرادة وحدوثها كالجبائية وعبد الجبار. وهؤلاء افترقوا فرقتين : وفرقة قالوا بوجوب الصدور في وقت الحدوث ؛ وفرقة قالوا بأولويته فيه. وعلى هذا يكون النزاع بين الأشعرية وبين الفرقة الاولى من المعتزلة في حدوث الإرادة وعينيتها وفي عدم وجوب الفعل ووجوبه ؛ وبينهم وبين الفرقة الثانية في مجرّد عدم وجوب الفعل ووجوبه ؛ وبينهم وبين الفرقة الثالثة في مطلق الجواز والأولوية.

وقد ظهر ممّا ذكر أنّ القدرة والايجاب يطلقان على أربعة معان :

الأوّل : كون القدرة عبارة عن صدور الفعل من الفاعل بالمشيئة والإرادة والعلم ، وإن استحال انفكاكه عنه ولو بالنظر إلى الذات. والايجاب المقابل لها هو كون الذات منشئا وسببا له بلا علم وإرادة ـ كأفعال الطبائع ـ ، ويقال له : الايجاب الطباعي. واتفق الحكماء والمليون على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ ونفى الايجاب المقابل لها عنه ؛

الثّاني : كون القدرة عبارة عن امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذات الفاعل من حيث هو فاعل بالإمكان الذاتي وإن وجب صدور الفعل بالنظر إلى شيء آخر من الداعي أو غيره ، والايجاب المقابل لها هو امتناع الترك من الفاعل لذاته لا لأجل شيء آخر من الإرادة الداعية أو غيرها. وقد صرّح الأكثرون باتفاق الفلاسفة والمليين على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ونفي الايجاب المقابل لها عنه ـ تعالى ـ.

وفيه : انّ الفلاسفة مصرّحون بامتناع ترك الصدور عن الواجب بالنظر إلى الإرادة الّتي هي عين الذات ، فعدم الصدور عندهم ممتنع بالنظر إلى الذات ، فكيف

يكون الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذات الفاعل ممكنا عندهم بالإمكان الذاتي؟!.

فان قيل : المراد من القدرة بهذا المعنى هو الامكان بالنظر إلى ذات الفاعل مع قطع النظر عن الإرادة ، لا معها ؛

قلنا : لمّا كانت الإرادة في الواجب عين الذات فقطع النظر عنها هو بعينه قطع النظر عن الذات. اللهم إلاّ أن يقال : الإرادة عندهم هو العلم بالأصلح وهذا العلم وإن كان عين الذات من حيث المبدأ إلاّ أنّه لمّا كان من حيث اعتبار الغير من غير ملاحظة نظام الخير فالموجب بالحقيقة هو غير الذات من الدواعي ، ـ وسيجيء لذلك زيادة بيان ـ.

الثالث : كون القدرة عبارة عن امكان الفعل والترك امكانا وقوعيا في وقت من الأوقات وإن كان وقتا موهوما ـ اي : امكانهما بالنظر إلى الداعي ونحوه من شرائط التأثير المجوّزة لكل منهما في وقت ما وإن وجب في وقت آخر ـ ، فلا ينافيه الوجوب في وقت آخر ، بل المنافي له هو الوجوب في جميع الأوقات. والايجاب المقابل لها هو امتناع الترك بالنظر إلى الداعي ونحوه من الشرائط المقتضية لعدم انفكاك الفاعل عن الفعل ؛ وبالجملة امتناع انفكاك ذاته عن ايجاد العالم في الأزل لأجل الدواعي والشرائط الموجبة. والقدرة بهذا المعنى ممّا نفاه الفلاسفة وقالوا بإيجاب المقابل لها. والمعتزلة متّفقون على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ ونفي الايجاب المقابل لها عنه ـ سبحانه ـ.

الرابع : كون القدرة عبارة عن امكان الفعل والترك بالإمكان الوقوعي في جميع الأوقات ـ أي : امكانهما بالنظر إلى الداعي وغيره من شرائط التأثير المجوّزة لكلّ منهما في جميع الأوقات ـ. والقدرة بهذا المعنى ينافيها الوجوب مطلقا ، والايجاب المقابل لها هو امتناع الترك من جهة لزوم الداعي ونحوه من شرائط التأثير في وقت من الأوقات ، ويعبّر عنه بالإيجاب الخاصّ. والاختيار بهذا المعنى اثبته الأشاعرة له ـ تعالى ـ ونفاه الفلاسفة. والمعتزلة قالوا بالإيجاب المقابل له ـ أعني : الايجاب الخاصّ ـ وهو الاختيار الّذي قالوا به. والفلاسفة قالوا بالإيجاب المطلق.

وإذ تقرّر ذلك فلا بدّ لنا من بيان أنّ الثابت للجواب ـ تعالى شأنه ـ من المعاني الأربعة للقدرة ماذا؟ ، والحقّ من المذاهب المحرّرة للعقلاء في هذا المقام أيّها؟.

فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : انّه لا ريب في ثبوت القدرة بالمعنى الأوّل للواجب ـ تعالى ـ ، كما أجمع عليه الكلّ. ويدلّ عليه ما يأتي من اثبات العلم والمشية والإرادة له ـ تعالى ـ. والقدرة بهذا المعنى صفة تؤثّر على وفق العلم والإرادة. وهي فينا من الكيفيات النفسانية وفي الواجب هي كون ذاته ـ تعالى ـ بحيث يصدر عنه الموجودات لأجل علمه بنظام الخير. فاذا اعتبر ذاته من حيث أنّ الممكنات صادرة عنه كان قدرة ، وإذا اعتبر من حيث أنّها منكشفة له كان علما. والفاعل إذا تعلّق فعله بعلم ومشية كان قادرا من غير أن يعتبر معه شيء آخر من تجدّد اعراض واختلاف دواع أو تفنن ارادات أو سنوح حالات (5) ، فانّ القدرة تتعلّق بالمشية سواء كانت المشيّة يصحّ عليها التغيير أولا. وعلى هذا فالقادر المختار من إن شاء فعل وإن لم يشاء فلم يفعل ، سواء شاء ففعل دائما أو لم يشاء فلم يفعل دائما. والشرطية غير متعلّقة الصحّة بصدق من كلّ من طرفيها ، بل قد يصحّ أن يكون أحد طرفيها أو كلاهما ممّا يكذب ، فانّ مثل الظلم والكذب ممّا لا يتعلّق مشية الله بفعله ولا يريده ، مع انّه قادر عليه. ومثل النقيضين ممّا لا يتعلق المشية بفعله ـ لامتناع اجتماع النقيضين ـ ، ولا بتركه ـ لامتناع ارتفاعهما ـ ، ففي مثله ممّا يمتنع وجوده وعدمه يصدق كذب تعلّقها بكلي طرفي الشرطية مع أنّه ـ تعالى ـ قادر على فعله وتركه ؛ وعلى هذا فالفعل الاختياري إذا صدر عنّا توقّف على مباد أربعة : العلم ، والقدرة ـ بمعنى القوّة والتمكّن ـ ، والمشية ، والإرادة. وهذه صفات قائمة بذواتنا زائدة عليها.

وقد ينفكّ بعضها عن بعض ويستحيل صدور الأفعال الاختيارية عمّن يفقد كلّها أو بعضها ، فالفعل الاختياري هو ما يصدر عن الفاعل بتلك المبادي ؛ والقادر المختار من يصدر عنه الفعل بتلك المبادي. فلو فرضنا أنّ تلك المبادي حاصلة لواحد منّا بالقياس إلى فعل مخصوص دائما لكان صدوره عنّا دائما ، ولا يقدح ذلك في كون الفعل اختياريا ولا في كون ذلك الفاعل قادرا مختارا.

ثمّ الحكماء لمّا ذهبوا إلى أنّ صفاته ـ تعالى ـ عين ذاته قالوا : انّ مبادي الافعال الاختيارية ـ من العلم والمشيّة والإرادة ـ تكون حاصلة له ـ تعالى ـ دائما ، فيدوم عنه صدور الفعل بسبب دوام تلك المبادي. فمقدّم الشرطية الأولى عندهم واقع ، بل ضروري ذاتي ؛ ومقدّم الشرطية الثانية غير واقع ، بل ممتنع امتناعا ذاتيا ، وقالوا : ليس ذلك منافيا لقدرته ـ تعالى ـ. فالقول بتأثيره ـ تعالى ـ بالاختيار بهذا المعنى ليس مختصّا بالمليين ، بل الحكماء أيضا قائلون بذلك ، فالإيجاب المقابل له ـ أي : صدور الفعل بدون العلم والإرادة والمشية ـ ممّا لم يقل به أحد.

ولا يخفى عليك انّ القدرة بهذا المعنى ـ أعني : صدور الفعل بالعلم والإرادة والمشية ـ ممّا لا ريب في اتصاف الواجب ـ تعالى ـ بها وفاقا للكلّ ، ونحن ـ : معاشر المليين ـ متفقون للفلاسفة في اثباتها له ـ تعالى ـ ، إلاّ أنّ كلامنا معهم في وجوب صدور الفعل عنه دائما ووقوع مقدّم الشرطية الأولى دائما ، فانّه يلزم منه قدم العالم ونحن لا نقول به ؛ وسيجيء تحقيق الكلام فيه.

وأمّا القدرة بالمعنى الثاني ـ أعنى : امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات ـ ، فلا ريب في اتصافه ـ تعالى ـ به أيضا كما اجمع عليه المليون ونسب إلى الحكماء أيضا. ويدلّ عليه : انّ الموجود بمحض ما هو موجود يمكن اتصافه بالقدرة بهذا المعنى ، ولا يمتنع عليه ذلك إلاّ أن يمنعه مانع زائد على نفس معنى الموجود ؛ وقد تقدّم ويأتي انّ واجب الوجود حقيقته صرف الوجود ومحضه لا يطمح فيه شيء غير نفس الوجود والموجود ، فإذن هذه الصفة ، أعني : القدرة بهذا المعنى ـ ممكنة له. ولا ريب أنّ كلّ ما يمكن له يجب أن يكون ثابتا له بالفعل ، لأنّه لو امكن له شيء ما ولم يكن حاصلا له بل كان بالقوّة لكانت ذاته حينئذ خالية بذاتها عن ذلك الشيء قابلة له ، فيحتاج إلى فاعل يوجد هذا الشيء فيها ؛

فان كان فاعل هذا الشيء وموجده فيها هو واجب الوجود نفسه كان الفاعل والقابل شيئا واحدا ، وهو باطل ؛ لأنّ الفاعل شأنه الافاضة والقابل شأنه

الاستفاضة ، وهما متقابلان ـ لأنّ الافاضة اعطاء المفيض ما هو واجده والاستفاضة قبول المستفيض ما هو فاقده ـ ، فلو كانا شيئا واحدا لكان ذلك الواحد مقابلا لنفسه وكان واحدا فاقدا لشيء واحد ؛ وفساده بيّن. نعم! يمكن أن يكون شيء واحد ذا جهتين يفيض بإحداهما ويستفيض بالأخرى ، ومثل هذا يجب أن يكون مركّبا لا يمكن أن يكون واجب الوجود ـ كما يأتي ـ.

وان كان الفاعل والموجد لهذا الشيء فيها شيئا آخر فان كان هذا الشيء الآخر واجبا لم يكن ما فرضناه واجبا واجبا ـ لافتقاره إلى الغير الّذي هو الواجب بالذات ـ ؛ وان كان ممكنا وكلّ وجود ممكن يرجع إلى الواجب فان رجع إلى واجب آخر غير ما فرضناه واجبا لزم خلاف الفرض أيضا ، وان رجع إلى الواجب الّذي فرضناه واجبا كان الواجب مع لزوم كونه محتاجا إلى الممكن ـ وهو أشنع كلّ محال! ـ فاعلا أيضا لما هو قابل له ، وان كان بتوسّط ـ لعدم الفرق في استحالة كون الشيء فاعلا وقابلا بين أن يكون ذلك بغير توسّط أو بتوسّط ـ. فكلّ صفة ممكنة للواجب ـ تعالى ـ يجب أن يكون متّصفا بها بالفعل من غير انتظار. والقدرة بهذا المعنى من الصفات الممكنة له ، فيجب اتصافه ـ تعالى ـ بها بالفعل.

ثمّ قال : فان قلت : ايجاد العالم صفة له ـ تعالى ـ وهو على ما ذكرتم ليس بواجب ، بل ممكن بالنسبة إلى ذاته ـ تعالى ـ ، فقد تحقّق له ـ تعالى ـ صفة ممكنة وهو ينافي ما قالوا : « انّ واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات » ؛ وحينئذ نقول في توجيه كلام المورد : انّه إن اريد بالإمكان الامكان بالقياس إلى الغير فيستلزم البتّة ثبوت صفة ممكنة للواجب ـ تعالى ـ وانّه محال ؛ وإن اريد الامكان الذاتي الّذي هو صفة للمعلول ، فأفعال غير المختارين أيضا كذلك ، وايراد الشق الثاني مع ظهور انّه ليس بمقصود على سبيل الاستظهار ؛

قلت : الظاهر انّ المراد بقولهم : واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات : انّه ليس لواجب الوجود جهة فضيلة بالقوّة وكمال منتظر ، بل كلّ كمال وفضيلة وشرافة ثابتة له ـ تعالى ـ بذاته بالفعل بلا شائبة أمر بالقوة اصلا ، وعلى هذا فهو ممّا لا دخل له بما ذكرت اصلا؛ انتهى.

وأنت تعلم انّ جوابه هذا يرجع إلى ما ذكرناه.

ثمّ قال : ولو سلّم انّ مرادهم انّه ليس له صفة ممكنة فنقول : ليس المراد انّ كلّ صفة يجب أن يكون مفيض ذاته بذاته ، بل يجب أن يكون امّا مقتضى ذاته بذاته أو مع اعتبار صفة اخرى ، وحينئذ فلا ايراد ؛ إذ نحن أيضا نقول : انّ ايجاد العالم واجب له ـ تعالى ـ مع اعتبار الإرادة ، وانّما نقول انّه ليس بواجب بالنسبة إلى ذاته بذاته ، ولا ضير فيه ؛ انتهى.

وقيل في دفع الايراد المذكور (6) : انّ مرادهم من قولهم : واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات : انّه لا يمكن أن يكون في ذاته جهة وحيثية امكانية بحسب الواقع ونفس الأمر ، لا أنّه بجميع الجهات والاعتبارات الفرضية العقلية الّتي بمحض تحليل العقل واعتبار المعتبر واجب ، فانّهم صرّحوا بأنّ ذاته ـ تعالى ـ من حيث هي نائب مناب بعض الصفات ومنشئا لآثاره معلول ومتأخّر عن ذاته من حيث هي نائب مناب صفة أخرى ومنشئا لآثارها.

وقال الشيخ في سابع ثامنة إلهيات الشفا : ولا نبالي بأن تكون ذاته ـ تعالى ـ مأخوذة مع اضافة ما ممكنة الوجود ، فانّها من حيث هي علّة لوجود زيد ليست واجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها (7) ؛

وعلى هذا فلا مانع من أن يكون الواجب من حيث أنّه موجد للعالم ومؤثّر فيه ممكنا. بمعنى أنّ هذه الصفة ـ أعني : ايجاد العالم ـ لمّا كانت صفة اضافية أحدث مع الذات ، فالذات مع اعتبارها ليست واجبة.

وهذا الجواب قريب من الجواب الأخير الّذي نقلناه من بعض الأفاضل من أنّ بعض الصفات انّما يجب من اعتبار صفة أخرى لا من مجرّد الذات ، لأنّ المراد من عدم وجوب الذات المأخوذة مع اضافة ما انّ هذه الإضافة الّتي هي صفة اضافية لا يلزم أن تكون واجبة بالنظر إلى الذات ، بل وجوبها يتوقّف على صفة أخرى.

وحاصل الجواب يرجع إلى أنّ الصفات الّتي يجب للواجب لذاته هي الصفات الذاتية الحقيقية ، دون الصفات الاضافية ؛ هذا.

وقيل في الجواب عن الايراد المذكور : انّ الامكان المذكور ليس وصفا للفاعل ولا هو الامكان الذاتي والوقوعي للمفعول ـ اللّذين هما حالتاه بالقياس إلى وجوده في نفسه ـ ، بل هو صفة لصدور الفعل عن الفاعل. وليس هو نفس القدرة ، بل القدرة ما هو في الفاعل منشئا لهذا الامكان ـ كما مرّت الاشارة إليه ـ ، كما انّ الإرادة هي منشأ الترجيح عند الاشاعرة أو الوجوب عند المعتزلة ، والفواعل الموجبة ـ سواء كانت تامّة أو ناقصة ـ ليست أفاعيلها ممكنة الصدور واللاصدور عنها ، بل معلولاتها ممكنة الوجود في نفسها بالنظر إلى ذواتها أو بالنظر إلى الواقع ؛ انتهى.

وأورد عليه : بانّ الفرار عن كونه صفة للمفعول إلى كونه صفة لصدور الفعل عن الفاعل ممّا لا يجدي أصلا! ، إذ لزوم كون كلّ فاعل مختار باق بحاله لأنّ صدور الفعل عن غير المختار أيضا ممكن ، لأنّ الامكان للممكن ضروري وصدور الفعل عن غير المختار أمر ممكن لا واجب.

وأيضا : الامكان المذكور إذا جعل صفة لصدور الفعل كان صدور الفعل ممكنا ، ولا ريب في أنّه صفة للفاعل ، فهو يوجب ثبوت صفة ممكنة للفاعل ، فيبقى الاشكال بحاله.

فان قيل : الحكماء ذهبوا إلى أنّه ـ تعالى ـ يفعل ما يفعل لا لغرض يعود إليه ، لأنّه لو كان لفعله أمر زائد على ذاته أعمّ من أن يكون ذلك منفعة يجلبها أو مضرّة يدفعها

لكان مستكملا بفعله ناقصا في ذاته حتّى لا يمكن أن يكون الغرض من فعله نفس (8) معنى إيصال النفع إلى الغير وانّ هذا الفعل خير في نفسه ، لأنّ من يفعل لأنّ الفعل نافع وحسن فان فعل فقد صدق انّه قد أحسن وإن لم يفعل فقد صدق أنّه قد أساء ، فقد كسب لنفسه بهذا الفعل انّه محسن وهرب من أن يكون مسيئا ، فقبل هذا الفعل لم يكن محسنا. وبذلك يظهر أن ملاحظة أصلحية نظام الخير لو كان لها مدخل في الصدور لزم الاستكمال ، لأنّ من فعل الأصلح لأجل انّه اصلح فقد كسب لنفسه بهذا الفعل انّه فاعل الخير وهرب من أن يكون فاعل الشرّ. وقد ثبت انّه ـ تعالى ـ لا يتّصف بصفات زائدة ولا يستفيد بعد ذاته فائدة وانّه منزّه عن شوب القوّة والامكان مقدّس عن احتمال التغير والحدثان ، بل إنّما يفعل لأنّه في نفسه جواد وايجاد نظام الخير ـ من خلق الخلق وانفاق الرزق وبسط النعمة ، كلّ ذلك ـ جود ، فجوده الذاتي هو الّذي يبعثه على الفعل ، فهو ـ تعالى ـ انّما يفعل لأنّه جواد محسن لا لأن يصير جوادا محسنا. كما أنّ الجواد من أفراد بني آدم ـ كمعن وحاتم ـ انّما يجود لأنّه جواد لا لأن يصير جوادا أو لا يكون بخيلا أو يكون ممدوحا ولا يكون مذموما. فكذا الواجب ـ تعالى شأنه ـ انّما يفعل لجوده الذاتي ولا يفعل لشيء من الاغراض المذكورة حتّى يلزم أن يكون مستكملا بفعله ناقصا في ذاته. وإذا كان جوده ـ الّذي هو عين ذاته المقدّسة ـ مقتضيا لإيجاد العالم فيجب صدور العالم منه بالنظر إلى ذاته عندهم ، ولا يكون صحّة الفعل والترك جائزا لديهم ، لأنّ الذات لا ينفكّ عن الجود والجود لا ينفكّ عن افاضة الوجود ؛

قلنا : ما ذهب إليه الحكماء من اقتضاء جوده الذاتي لإيجاد العالم لا ينافي امكان الفعل والترك بالنظر إلى ذاته ، بل يؤكّده ؛ فانّهم قالوا : انّ كلاّ من الصدور واللاصدور وان امكن بالنظر إلى ذاته المقدّسة إلاّ أنّ الفيض لمّا كان حسنا مناسبا لذاته الفيّاضة وتركه كان قبيحا غير مناسب لها وجب صدوره منه ـ تعالى ـ ، كذلك وإن كان تركه جائزا بالنظر إلى ذاته. وقس عليه الافعال القبيحة ـ كالكذب وأمثاله ـ ، فانّها وإن كانت ممكنة له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته إلاّ أنّه ـ تعالى ـ لا يفعلها

لقبحها وعدم مناسبتها لذاته الحسنة ؛ وهذا كما انّ الجواد من افراد الانسان مع اقتداره على ترك الجود لا يتركه ويفعله البتة والصدوق منهم وان اقتدر على الكذب إلاّ أنّه لا يكذّب البتة.

فان قلت : إن كان صدور الفيض ـ لكونه حسنا ومناسبا لذاته ولازما لها ـ واجب الصدور منه ـ تعالى ـ ووجوب الصدور انّما حصل لهذا التلازم الواقعي من دون مدخلية شيء آخر ، فالذات مقتضية له البتّة ولا يمكن التخلّف بالنظر إلى ذاته ؛ وإن لم يكن لازما وواجبا للذات من حيث هي بل الوجوب واللزوم إنّما حصل لملاحظة الغير ، فيجري في فعله الأغراض ويلزم الاستكمال ؛

قلت : الإيجاد من حيث هو ايجاد ليس لازما للذات من حيث هي تلك الذات ليرفع الامكان المذكور ، بل لازم لها من حيث كونه حسنا في الواقع ونفس الأمر ، والمحسن يفعل الحسن البتّة لحسنه الواقعي وكونه محسنا ، لا لأنّه لا يقدر على تركه ، بل لأنّه يختاره البتّة باختياره ومرجّح الاختيار هو حسن الفعل في نفسه وكونه محسنا ، وقدرته على فعله لأنّه لو لم يفعله لزم ترجيح المرجوح ، فمجرّد وجوده الّذي هو عين ذاته ليس موجبا للفعل بل مع ملاحظة حسنه الواقعي اللازم لهذا الفعل. فالوجوب انّما حصل بالاختيار ، والوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ووجوب ايجاد العالم لكونه حسنا وكونه نظاما أصلح ليس فيه غرض يلزم به الاستكمال ، لأنّ الاستكمال انّما يلزم لو كان الباعث للفعل هو اكتساب صيرورته محسنا وفاعلا للنظام الأصلح ؛ وليس كذلك ، لأنّ ذاته ـ تعالى ـ عين جميع صفاته الكمالية أزلا وأبدا وليس فيها تفاوت ونقصان وتغيّر وحدثان وفي كلّ وقت يصدق عليه جميع صفات الكمال ونعوت الجلال إلاّ أنّ الكمال إيجاد كلّ شيء في الوقت الّذي يمكن أن يوجد فيه واعطاء كلّ شيء ما هو قابل له. وأمّا إذا كان الباعث هو مجرّد كون الفعل حسنا مع كون الفاعل محسنا وثبوت قدرته على طرفي الفعل والترك من دون قصد إلى كسب كونه محسنا أو صفة أخرى ، فليس فيه استكمال ولا يستلزم صيرورته ذا صفة ليست فيه ، بل الصفات الكمالية ثابتة له أزلا وأبدا ، وما يحدث انّما هو التعلّقات الاضافية وصدور الفعل إنّما يجب بحدوث التعلّق. والتعلّق لا بدّ من حدوثه البتة ، لأجل كونه ـ تعالى ـ جوادا وكون الفعل جوادا واقتداره على طرفي الفعل والترك مع اشرفية اختيار الفعل ، فالقدرة على الفعل والترك أشرف من عدم القدرة على الترك. ولكن الفعل اشرف من الترك ، واختيار أشرف الطرفين واجب من دون تصوّر غرض يحصل به الاستكمال.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام توجيها لأنّ القول بالقدرة بالمعنى المذكور ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ لا ينافي قواعد الحكمة ، والحكماء قائلون به. وهو بعد محلّ كلام! ، لأنّ الحقّ انّ اختيار ايجاد العالم لكونه حسنا ونظاما أصلح بعد فرض امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات لا يخلوا عن غرض زائد على الذات وهو منفي عند الفلاسفة ولا يقولون به ، فانّ الظاهر من كلام اساطينهم انّ وجود العالم تابع لعلمه وعلمه سبب لإيجاده من دون كون الايجاد معلّلا بحسنه وصلاحه ، فانّ التابع لعلمه ـ تعالى ـ وإن كان نظاما أصلح لا يتصوّر أصلح منه ، أنّ ايجاده غير معلّل بالأصلحية بل هذا النظام الأصلح يتبع علمه الّذي هو عين ذاته.

وأمّا القدرة بالمعنى الثالث ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى شرائط التأثير في شيء من الأوقات ، وبالجملة امكان انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم في وقت ما امكانا وقوعيا ـ فقد عرفت انّ الايجاب المقابل له هو امتناع الترك بالنظر إلى الداعي ونحوه من الشرائط المقتضية ـ أي : استحالة انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم ـ. وعرفت أيضا انّ الفلاسفة لم يثبتوا القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى شأنه ـ لذهابهم إلى الايجاب المقابل لها ـ أعني : قدم العالم ـ ، وانّ المعتزلة قائلون بثبوتها له ـ تعالى ـ.

واشرنا إلى انّ الظاهر انّ المعتزلة ومشاركيهم ممّن يثبت القدرة بهذا المعنى لم يريدوا بها امكان الفعل والترك امكانا وقوعيا في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر ، بل أرادوا بها وجوب الترك في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر. ولا بأس بإطلاق القدرة وامكان الترك والفعل امكانا وقوعيا على هذا المعنى. والباعث على هذا الحمل انّه لا ريب في انّه كما يجب ايجاد العالم في الوقت الّذي اوجده لوجود الشرائط المقتضية فكذا يجب تركه قبل ذلك لعدم تلك الشرائط ، فلا فرق بين وجوب الفعل والترك في الوقتين.

__________________

(1) راجع : الشرح الجديد ، ص 310.

(2) راجع : الشرح الجديد ، ص 311.

(3) راجع : الدرّة الفاخرة ، ص 26.

(4) الاصل : لزم.

(5) الاصل : خيالات.

(6) في هامش « م » : ميرزا ابراهيم ابن ملاّ صدرا.

(7) راجع : الشفا / الإلهيّات ، ج 2 ، ص 366.

(8) الاصل : فعله نفس بمعنى.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.