أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016
1203
التاريخ: 10-8-2016
493
التاريخ: 10-8-2016
679
التاريخ: 5-9-2016
809
|
التنبيه والإيماء ما لزم مدلول اللفظ.
فكلّ لفظ كان التعليل لازما من مدلوله ، كان دالاّ على العلّيّة بالتنبيه والإيماء. وله مراتب :
منها : ما دخل فيه « الفاء » في لفظ الشارع أو الراوي.
وفي الأوّل إمّا أن يدخل على الحكم وتكون العلّة متقدّمة ، كقوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] ، و {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] ، وقوله (عليه السلام) : « من أحيا أرضا ميتة فهي له » (1) ، و « ملكت نفسك فاختاري » (2).
أو على العلّة ويكون الحكم متقدّما ، كقوله (عليه السلام) : « زمّلوهم بكلومهم ودمائهم ، فإنّهم يحشرون وأوداجهم تشخب دما » (3).
والثاني مثل : « سها فسجد » (4) و « زنا ماعز فرجم » (5). وهو يختلف في الدلالة على التعليل بحسب اختلاف حال الراوي فقها وورعا. وهو دون الأوّل ؛ لاحتمال الغلط.
وقيل : الشقّ الأوّل من الأوّل أقوى من الثاني منه ؛ لأنّ إشعار العلّة بالمعلول أقوى من العكس؛ للزومه دونه (6).
وفيه نظر يطلب من محلّه ، مع أنّه ما قيل في بيانه لا يجري في العلل الشرعيّة.
ثمّ دلالة « الفاء » على التعليل لمّا لم تكن وضعيّة بل استدلاليّة ؛ لأنّها لمّا كانت للتعقيب فيلزم منه العلّيّة ؛ إذ معنى كون الوصف علّة أن يثبت الحكم عقيبه ، فيكون التعليل لازم مدلوله ، فدلالتها عليه إيمائيّة. وبذلك يظهر غفلة من عدّها من مراتب النصّ على التعليل (7).
ومنها : الاقتران بوصف لو لم يكن للتعليل ، لكان بعيدا ، كواقعة الأعرابي المتقدّمة (8) ؛ فإنّه عرض واقعته على النبيّ (صلى الله عليه وآله) لبيان حكمها ، والحكم الذي ذكره (صلى الله عليه وآله) جواب له ؛ إذ لو كان مبتدئا ، لزم إخلاء السؤال عن الجواب ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ، فيكون السؤال حينئذ مقدّرا في الجواب ، فكأنّه قال : « واقعت فكفّر » فيرجع إلى سابقه ، إلاّ أنّه دونه ؛ لأنّ « الفاء » هنا مقدّرة وثمّة محقّقة ؛ ولاحتمال عدم قصد الجواب، كما لو قال العبد : « طلعت الشمس » فقال السيّد : « اسقني الماء ». ولا يلزم تأخير البيان حينئذ عن وقت الحاجة في كلام الشارع ؛ لاحتمال معرفته بانتفاء حاجة المكلّف. وهذا وإن كان بعيدا إلاّ أنّه لإمكانه يصلح وجها للمرجوحيّة.
ويتفرّع عليه : أنّه لو قالت لرجل زوجته ـ واسمها فاطمة ـ : « طلّقني » ، فقال : « فاطمة طالق » ، ثمّ قال : نويت فاطمة اخرى ، طلّقت ، ولم يسمع ادّعاؤه ؛ لأنّ قوله جواب عن سؤالها ؛ فلا يطابق ادّعاءه ، بخلاف ما لو قال ابتداء : « طلّقت فاطمة » ، ثمّ قال : نويت فاطمة اخرى.
ويتفرّع عليه أيضا : أنّه إذا قالت له زوجته : إذا قلت لك طلّقني ما تقول؟ فقال : أقول : « أنت طالق » لا يقع عليه الطلاق ؛ لأنّه إخبار عن فعله في المستقبل ؛ عملا بالجواب المطابق للسؤال. نعم ، لو قصد التنجيز يطلّق. وقس عليهما أمثالهما.
ومنها : الاقتران بوصف لو لم يكن نظيره للتعليل ، لم يكن في ذكره فائدة ، كقوله (عليه السلام) وقد سألته الخثعميّة : إنّ أبي أدركته الوفاة وعليه فريضة الحجّ ، فإن حججت عنه أينفعه؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : « أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، كان ينفعه ذلك؟ » قالت : نعم، فقال : « فدين الله أحقّ بأن يقضى » (9).
نبّه (صلى الله عليه وآله) بذكر نظير ما سألته السائلة على التعليل به ، أي كونه علّة للنفع ، وإلاّ كان ذكره عبثا. ويحصل منه التنبيه على أنّ نظيره ـ وهو دين الله المسئول عنه ـ كذلك ، ففي مثل هذا تنبيه على أصل القياس ، وعلى علّة حكمه ، وعلى صحّة إلحاق الفرع به. والاصوليّون يسمّونه تنبيها على أصل القياس (10).
ومنها : ذكر وصف عقيب سؤال لو لم يحمل على التعليل كان عبثا ، كما روي أنّه (صلى الله عليه وآله) امتنع من الدخول على قوم عندهم كلب ، فقيل له (صلى الله عليه وآله) : إنّك تدخل على بيت فلان وعندهم هرّة؟ فقال : « إنّها ليست بنجسة ، إنّها من الطوّافين عليكم » (11) أو « الطوّافات » ، فلو لم يكن للطواف أثر في التطهير ، كان ذكره بعد الحكم بطهارتها عبثا. وكون التعليل هنا منصوصا من « إنّ » لا ينافي ذلك؛ إذ لو قدّر انتفاؤها ، لبقي فهم التعليل من الوصف.
ومنها : ذكر وصف ابتداء كذلك (12) ، كقوله (عليه السلام) ـ وقد توضّأ بماء نبذت فيه تمرات: « تمرة طيّبة وماء طهور » (13). فلو لم يقدّر كون بقاء اسم الماء عليه علّة لجواز الوضوء به ، كان ذكره لغوا.
ومنها : التقرير على وصف الشيء المسئول عنه ، كقوله (عليه السلام) ـ وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر ـ : « أينقص الرطب إذا جفّ؟ » فقيل : نعم ، فقال : « فلا إذن » (14).
نبّه بمنع البيع إذا نقص على التعليل به. وكونه منصوصا من « إذن » ، ومفهوما من « الفاء » (15) لا ينافي ذلك ؛ لأنّه لو قدّر انتفاؤهما ، لبقي فهم التعليل.
ومنها : الفرق بين شيئين في الحكم بوصف صالح للتعليل. إمّا بصيغة صفة مع ذكر الشيئين بوصفهما وحكمهما، مثل « للراجل سهم ، وللفارس سهمان » (16).
أو مع ذكر أحدهما، مثل : « القاتل لا يرث » (17) ؛ فإنّه لم يتعرّض لغير القاتل وإرثه ، إلاّ أنّه يعلم منه ـ بعد تقدّم بيان إرث الورثة ـ أنّ القتل علّة لنفي الإرث.
أو بغاية ، مثل : {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] نبّه بالغاية ، على التفرّق بين الحائض وغيرها ، وعلى أنّ الحيض علّة عدم جواز القرب.
أو بالاستثناء ، مثل : {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ } [البقرة: 237]. نبّه بالاستثناء على أنّ العفو علّة لسقوط المهر.
أو بالشرط ، مثل : « إذا اختلف الجنسان ، فبيعوا كيف شئتم » (18). يعلم منه ـ بعد النهي عن بيع الجنس بالجنس متفاضلا ـ أنّ الاختلاف علّة جواز البيع.
أو بالاستدراك ، نحو : { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]. نبّه بالاستدراك على أنّ العقد علّة المؤاخذة.
ومنها : النهي عن فعل يمنع ما أمر به قبله ، كقوله تعالى : {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]. نبّه به على أنّ علّة النهي منعه عن الواجب.
ومنها : ذكر وصف مناسب مع الحكم ، مثل : « لا يقضي القاضي وهو غضبان » (19) ؛ فإنّ فيه تنبيها على أنّ الغضب علّة عدم جواز الحكم ؛ لأنّه (20) مشوّش الفكر. ومنه « أكرم العلماء وأهن الجهّال » فإنّه يتبادر منه أنّ العلم علّة الإكرام ، والجهل علّة الإهانة ؛ لما عرف أنّ عادة الشرع اعتبار المناسبات.
إذا ذكر كلّ من الوصف والحكم صريحا ـ كالأمثلة المتقدّمة ـ فلا خلاف في كونه إيماء ، ووجوب تقديمه على المستنبطة ـ عند من يعمل بها ـ عند تعارضهما. وأمّا إذا ذكر الوصف صريحا والحكم مستنبط ، مثل : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [البقرة: 275] ؛ فإنّ حلّ البيع وصف له وقد ذكر ، واستنبط منه حكمه وهو الصحّة ؛ نظرا إلى أنّه لو لم يصحّ انتفت فائدته ، وحينئذ كان عبثا ، والعبث لكونه مكروها لا يحلّ.
أو بالعكس ، مثل : « حرّمت الخمر » ؛ فإنّ حرمة الخمر حكم له قد ذكر ، واستنبط وصفه ، وهو الشدّة المطربة (21). فقد اختلف في كونه إيماء على أقوال ، ثالثها التفصيل بأنّ الأوّل إيماء دون الثاني (22).
قيل : إن اكتفي في تفسير الإيماء بأنّه مجرّد الدلالة على الشيء بالالتزام ، يكون أجود الأقوال أوّلها ؛ لأنّها تتحقّق من مطلق اقتران الحكم بالوصف ، سواء كانا مذكورين ، أو أحدهما مذكورا والآخر مقدّرا ؛ فإنّ حلّ البيع لمّا ذكر صريحا وعلم بالاستنباط أنّ الصحّة لازمة له ، تحقّقت الدلالة الالتزاميّة على علّيّته لها ، وكذا لمّا ذكر حرمة الخمر صريحا وعلم بالاستنباط أنّ الإسكار ملزوم لها ، تحقّقت الدلالة الالتزاميّة على علّيّته لها.
وإن لم يكتف به وقيل : هو الدلالة المذكورة الحاصلة من اقتران الحكم بالوصف بشرط كونهما مذكورين (23) ، فخير الأقوال أوسطها. ووجهه ظاهر.
أقول : لا ريب في تحقّق الدلالة الالتزاميّة على التعليل من مطلق الاقتران ، إلاّ أنّ الوصف والحكم إن كانا مذكورين في كلام الشارع ، يحصل الدلالة المذكورة من كلامه ، ويتحقّق الإيماء منه. وإن كان أحدهما في كلامه مذكورا والآخر مقدّرا ، فهي ليست حاصلة من كلامه ؛ لأنّ المذكور إن كان هو الحكم فقط ، فمن أين يعلم أنّ علّته عنده هو الوصف الذي استنبط؟! وإن كان الوصف فقط ، فمن أين يعلم أنّه علّة عنده للحكم المستنبط؟! فلا يحصل الإيماء منه على التعليل ، مع أنّ الإيماء المعتبر هو الذي حصل منه ، فإنّ مجرّد الدلالة الالتزاميّة يتحقّق من وصف وحكم لم يكن واحد منهما مذكورا في كلام الشارع ، واستخرجهما المجتهد ابتداء من عند نفسه ، مع أنّها ليست من الإيماء المعتبر وفاقا.
فالحقّ أنّ الإيماء هو الدلالة الحاصلة من اقتران الحكم بالوصف بشرط كونهما مذكورين ، ولولاه لم يتميّز طريق الاستنباط من الإيماء ؛ لأنّه يدخل حينئذ جميع العلل والأحكام المستنبطة في الإيماء ، ولا يتحقّق استنباط ليس بإيماء.
هذا ، ودليل التفصيل بعد تسليم اشتراط ذكرهما ـ أنّ إثبات ملزوم الشيء يقتضي إثباته ؛ إذ العلّة تستلزم المعلول فيكون بمثابة المذكور ، فيتحقّق الاقتران الخاصّ ، وإثبات اللازم لا يقتضي إثبات ملزومه ؛ إذ المعلول لا يستلزم العلّة ـ لا يخفى ضعفه من وجوه.
[ التذنيب ] الثاني : الوصف المومئ إليه قد لا يكون بنفسه علّة بل بلازمه ، مثلا قوله (عليه السلام) : « لا يقضي القاضي وهو غضبان » (24) وإن دلّ بظاهره على أنّ العلّة هي الغضب ، إلاّ أنّ التأمّل يعطي أنّ المانع عن القضاء حقيقة هو تشويش الفكر اللازم للغضب ، ولذا جعل الجوع والألم المفرطان المشوّشان للفكر مثله. وعلى هذا ، فالغضب اليسير الذي لا يوجب الاضطراب لا يكون مانعا من القضاء. ولو جعل العلّة نفسه ، لكان اليسير أيضا مانعا منه.
[ التذنيب ] الثالث : لا ريب في اشتراط نفس مناسبة الوصف المومئ إليه للحكم في صحّة علل الإيماء. وأمّا ظهورها ، فقد اختلف فيه على أقوال ، ثالثها الاشتراط فيما فهم التعليل فيه من المناسبة ، كقوله : « لا يقضي القاضي وهو غضبان » (25) وعدمه في غيره (26).
والحقّ أنّ ترتّب الحكم على الوصف يفيد العلّيّة ، وتكون علل الإيماء صحيحة وإن لم يكن مناسبتها للحكم ظاهرة عندنا ؛ فإنّ القدر المسلّم أنّ بين الوصف والحكم مناسبة.
وأمّا كونها بحيث كانت ظاهرة عندنا ، فلا دليل عليه ، وما يؤكّده أنّ قول القائل « أهن العالم وأكرم الجاهل » مستقبح ، مع أنّ ذلك قد يحسن لمعنى آخر ، فدلّ على أنّه لفهم التعليل.
وممّا يتفرّع عليه أنّه إذا سمع مؤذّنا بعد مؤذّن ، يستحبّ له حكاية الجميع ؛ لقوله : « إذا سمعتم المؤذّن » (27) وهو متحقّق فيهما. نعم ، ربّما كان الاستحباب في الأوّل آكد (28).
____________
(1) الكافي 5 : 280 ، باب في إحياء أرض الموات ، ح 6 ، والفقيه 3 : 240 ، ح 3880.
(2) الكافي 6 : 188 ، باب المكاتب ، ح 13. باختلاف.
(3) كنز العمّال 4 : 429 ، ح 11254 ، وبحار الأنوار 79 : 7 ، ح 6 باختلاف.
(4) صحيح البخاري 1 : 412 ، ح 1170 و 1171 ، وسنن أبي داود 1 : 264 ، ح 1008، وصحيح مسلم 1 : 403 ، ح 97 / 573.
(5) صحيح البخاري 6 : 2502 ، ح 6438 ، وصحيح مسلم 3 : 1319 ، ح 17 / 1692 ، والإصابة 3 : 337.
(6) قاله الفخر الرازي في المحصول 5 : 147.
(7) قاله العلاّمة في تهذيب الوصول : 252.
(8) تقدّم تخريجه في ص 440.
(9) جامع الاصول 3 : 419 ـ 420 ، ح 1747 ـ 1748 ، ودعائم الإسلام 1 : 336.
(10) منهم : البصري في المعتمد 2 : 214 ، والفخر الرازي في المحصول 5 : 127 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 283.
(11) جامع الاصول 7 : 102 ، ح 5075 ، وكنز العمّال 9 : 399 ، ح 26677.
(12) أي لو لم يحمل على التعليل كان عبثا.
(13) سنن أبي داود 1 : 21 ، ح 84 ، والسنن الكبرى 1 : 9.
(14) سنن أبي داود 3 : 251 ، ح 3359 ، والسنن الكبرى 6 : 294.
(15) كذا في النسختين ، والصحيح ما أثبتناه.
(16) الكافي 5 : 44 ، باب قسمة الغنيمة ، ح 2 ، والسنن الكبرى 6 : 325.
(17) جامع الاصول 9 : 601 ، ح 7377.
(18) سنن أبي داود 3 : 250 ، ح 3350.
(19) كنز العمّال 6 : 101 ، ح 15030 باختلاف.
(20) أي القاضي الغضبان لا الغضب.
(21) في « ب » : « المطلوبة ».
(22) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 288.
(23) المصدر : 285.
(24 و 25) تقدّما في ص 450.
(26) ذكره الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 288 ، والفخر الرازي في المحصول 5 : 143 ـ 155.
(27) سنن ابن ماجة 1 : 238 ، ح 720 ، وصحيح البخاري 1 : 221 و 222 ، ح 586 / 588 ، وسنن النسائي 2 : 25 و 26 ، ح 669 ، وصحيح مسلم 1 : 288 ، ح 11 / 384.
(28) لمزيد الاطّلاع على المسألة وما يتفرّع عليها راجع تمهيد القواعد : 261.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|